زاد المبلغ في عاشوراء الجزء الأول
3 ساعات مضت
طرائف الحكم
7 زيارة
8
الموعظة الرابعة والعشرون: الثبات وحسن العاقبة
إنّ مسألة الثبات تتلازم تلازمًا أكيدًا مع الأخطار والتحديّات التي تواجهها الأمّة، وكلّما اشتدّت هذه التحديّات كلّما احتاجت الأمّة إلى الرجال الأشدّاء الثابتين في إيمانهم والراسخين على مواقفهم، وبالتالي كلّما خلّد التاريخ هؤلاء الصفوة القادة، وهذا من أبرز العبر في كربلاء الحسين (عليه السلام).
الثبات وحسن العاقبة في الدعاء
ممّا ورد في دعاء أبي حمزة الثماليّ: «وأعنّي على نفسي بما تعين به الصالحين على أنفسهم واختم عملي بأحسنه واجعل ثوابي منه الجنّة برحمتك»[1].
ولا يخفى أنّ من آثار سوء العاقبة حبط الأعمال، كما ورد في القرآن الكريم: ﴿وَمَن يَرتَدِد مِنكُم عَن دِينِهِۦ فَيَمُت وَهُوَ كَافِرٞ فَأُوْلَٰئِكَ حَبِطَت أَعمَٰلُهُم فِي ٱلدُّنيَا وَٱلأخِرَةِ﴾[2].
وفي الدعاء أيضًا: «يا مثبّت القلوب، ثبّت قلوبنا على دينك»[3].
وورد في دعاء يوم الجمعة: «إلهي، ثبّتني على دينك ما أحييتني، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني»[4].
[1] السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص173.
[2] سورة البقرة، الآية 217.
[3] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص955.
[4] الشيخ الكفعميّ، البلد الأمين والدرع الحصين، ص87.
156
141
الموعظة الرابعة والعشرون: الثبات وحسن العاقبة
الثبات في البعد الثقافيّ
يرتبط مفهوم الثبات وحسن العاقبة ارتباطًا وثيقًا بفهم أمرين أساسيّين:
أوّلًا: مفهوم الابتلاء: وأنّ ساحة الحياة الدنيا هي في حقيقتها وجوهرها ساحة ابتلاء وامتحان للإنسان، بل إنّ الابتلاء أمر طبيعيّ وضروريّ لتكامل الفرد والأمّة وجعلهما على مستوى التحديّات مهما تعاظمت.
قال -تعالى-: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلمَوتَ وَٱلحَيَوٰةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلٗا﴾[1].
وقال -تعالى-:﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٖ مِّنَ ٱلخَوفِ وَٱلجُوعِ وَنَقصٖ مِّنَ ٱلأَموَٰلِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[2].
وقال -تعالى-:﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُواْ ٱلجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَواْ مِن قَبلِكُم مَّسَّتهُمُ ٱلبَأسَاءُ وَٱلضَّرَّاءُ وَزُلزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾[3].
ثانيًا: وضوح التكليف والالتزام به: فمن أكبر الأمراض التي تصيب الإنسان أن يضعف أو يتهاون أو يعتبر أنّه تكليف بما لا يطاق أو رضوخه للمغريات الدنيويّة وسوى ذلك، بل ينبغي أن يبقى واعيًا لحركة الابتلاء في حياته مشخّصًا تشخيصًا دقيقًا لتكليفه وملتزم به التزامًا حقيقيًّا.
[1] سورة الملك، الآية 2.
[2] سورة البقرة، الآية 155.
[3] سورة البقرة، الآية 214.
157
142
الموعظة الرابعة والعشرون: الثبات وحسن العاقبة
من شواهد التاريخ على الثبات وحسن العاقبة
ثبات رسول الله (صلى الله عليه وآله): وهو يجيب قريش التي أرسلت له مع عمّه أبي طالب تعرض عليه مالًا وجاهًا ونساءً مقابل تركه الدعوة قائلًا: «والله يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتّى يظهره الله أو أهلك دونه»[1].
ويؤكّد أمير المؤمنين أنّ عدم الثبات على الهدى والإيمان سيفتح على الإنسان أبوابًا أخرى من البلاء أشدّ وأصعب عليه من موضوع الثبات نفسه، فيقول (عليه السلام): «لا يترك الناس شيئًا من دينهم لإصلاح دنياهم إلّا فتح الله عليهم ما هو أضرّ منه»[2].
ثبات أصحاب الحسين (عليه السلام): رغم قلّة الصديق والناصر وكثرة العدوّ ويقينهم بالشهادة بقوا على موقفهم وثباتهم فلم يتراجعوا أو يجبنوا أو يستسلموا أو يتنازلوا عن أيّ شيء.
ومن أكبر الشواهد على حسن العاقبة في كربلاء الحرّ بن يزيد الرياحيّ الذي التحق بمعسكر الحسين (عليه السلام) قبل نشوب القتال وأعلن توبته بين يدي الإمام، ثمّ كان أوّل من قاتل واستشهد من أصحاب الحسين (عليه السلام).
[1] الشيخ الأمينيّ، الغدير، ج7، ص356.
[2] السيّد الرضيّ، خصائص الأئمّة(عليهم السلام)، ص97.
158
143
الموعظة الخامسة والعشرون: الثقة بالله وحُسن الظنّ به
الموعظة الخامسة والعشرون: الثقة بالله وحُسن الظنّ به
تعرُّف مفهوم حسن الظنّ بالله -تعالى- وآثاره الإيجابيّة.
محاور الموعظة
حُسن الظنّ بالله
سوء الظنّ بالله
الآثار السلبيّة لسوء الظنّ بالله
الإنسان بين الثقة والأمل
آثار الثقة بالله
الثقة والأمل في كربلاء
الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) الأمل الموعود للبشريّة
تصدير الموعظة
﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَواْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُم قَالُواْ خَيرٗا﴾[1].
[1] سورة النحل، الآية 30.
159
144
الموعظة الخامسة والعشرون: الثقة بالله وحُسن الظنّ به
حُسن الظنّ بالله
إنّ فهم المقصود من حُسن الظنّ بالله يكون بالعودة إلى ما أُثِر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، فقد ورد الكثير من الروايات الصادرة عنهم (عليهم السلام)، والتي تحدّثَت بوضوح عن حُسن الظنّ بالله، منها:
عن الإمام الرضا (عليه السلام): «أَحْسِنِ الظَّنَّ بِاللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ بِي؛ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا»[1].
أي إن كان ظنّه بي خيرًا، فجزاؤه خير؛ وإن كان ظنّه بي شرًّا، فجزاؤه شرّ. وهذا الحديث يؤكّد وجود الارتباط بين الظنّ الذي يختاره العبد بالله، مع الجزاء، وإنّ الأمر لا يتعدّى الاختيار القلبيّ الذي يظهر أثره على المرء في عمله.
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ، عَرْضُ كُلِّ بَابٍ مِنْهَا مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً»[2].
يٌقرِن الإمام (عليه السلام) في هذا الحديث، بين حُسن الظنّ ودخول الجنّة، فسعة رحمة الله -عزّ وجلّ- والتعلّق بها يفتحان للإنسان أبواب الجنّة على سعتها، فلا ينبغي -والحال هذه- أن يكون الإنسان سلبيًّا بالإعراض عنها.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص72.
[2] الشيخ الصدوق، الخصال، ص408.
160
145
الموعظة الخامسة والعشرون: الثقة بالله وحُسن الظنّ به
عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): قَالَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: لَا يَتَّكِلِ الْعَامِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِي؛ فَإِنَّهُمْ لَوِ اجْتَهَدُوا وَأَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ أَعْمَارَهُمْ فِي عِبَادَتِي، كَانُوا مُقَصِّرِينَ غَيْرَ بَالِغِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ كُنْهَ عِبَادَتِي فِيمَا يَطْلُبُونَ عِنْدِي مِنْ كَرَامَتِي وَالنَّعِيمِ فِي جَنَّاتِي وَرَفِيعِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي جِوَارِي، وَلَكِنْ بِرَحْمَتِي فَلْيَثِقُوا، وَفَضْلِي فَلْيَرْجُوا، وَإِلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِي فَلْيَطْمَئِنُّوا؛ فَإِنَّ رَحْمَتِي عِنْدَ ذَلِكَ تُدْرِكُهُمْ، وَمَنِّي يُبَلِّغُهُمْ رِضْوَانِي، وَمَغْفِرَتِي تُلْبِسُهُمْ عَفْوِي، فَإِنِّي أَنَا اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَبِذَلِكَ تَسَمَّيْتُ»[1].
وهذا الحديث يوضّح نقطة مهمّة في مسألة حسن الظنّ بالله، وهي أنّ حُسن الظنّ لا يعني ترك العمل، بل عدم الاتّكال على العمل، واعتبار العمل وحده المنجي للإنسان والبالغ به عبادة الله ورضوانه، فحاجة الإنسان إلى رحمة الله وحُسن ظنّه بها أكثر من حاجته إلى عمله.
عن بعض أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) أنّه قال: كُنْتُ وَرَاءَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) عَلَى الصَّفَا أَوْ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَهُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى حَرْفَيْنِ: «اللَّهُمَّ، إِنِّي أَسْأَلُكَ حُسْنَ الظَّنِّ بِكَ فِي كُلِّ حَالٍ، وَصِدْقَ النِّيَّةِ فِي التَّوَكُّلِ عَلَيْك»[2].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص71.
[2] المصدر نفسه، ج4، ص433.
161
146
الموعظة الخامسة والعشرون: الثقة بالله وحُسن الظنّ به
وفي هذا الحديث، تأكيد على أنّ المؤمن لا يستغني عن حُسن الظنّ بالله -تبارك وتعالى- في جميع حالاته، سواء عند نزول النعمة بأن يرجو استمرارها والمزيد منها، أو عند نزول المصيبة بأن يرجو زوالها وعدم حدوثها ثانية، وسواء عند ارتكاب الطاعة بأن يرجو من الله قبولها، أو عند ارتكاب المعصية بأن يستغفر الله ويرجو قَبول توبته.
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (عليه السلام) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَالَ وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِهِ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا أُعْطِيَ مُؤْمِنٌ قَطُّ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِلَّا بِحُسْنِ ظَنِّهِ بِاللَّهِ، وَرَجَائِهِ لَهُ، وَحُسْنِ خُلُقِهِ، وَالْكَفِّ عَنِ اغْتِيَابِ الْمُؤْمِنِينَ. وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ مُؤْمِنًا بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، إِلَّا بِسُوءِ ظَنِّهِ بِاللَّهِ، وَتَقْصِيرِهِ مِنْ رَجَائِهِ، وَسُوءِ خُلُقِهِ، وَاغْتِيَابِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَا يَحْسُنُ ظَنُّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ بِاللَّهِ، إِلَّا كَانَ اللَّهُ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ بِيَدِهِ الْخَيْرَاتُ، يَسْتَحْيِي أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ الْمُؤْمِنُ قَدْ أَحْسَنَ بِهِ الظَّنَّ ثُمَّ يُخْلِفَ ظَنَّهُ وَرَجَاءَهُ؛ فَأَحْسِنُوا بِاللَّهِ الظَّنَّ وَارْغَبُوا إِلَيْهِ»[1].
يقول العلّامة المجلسيّ، تعليقًا على هذا الحديث: «قولُه (عليه السلام): «إلَّا بِحُسْنِ ظَنِّهِ»، قيل: معناه حُسن ظنّه بالغفران إذا ظنّه حين يستغفر، وبالقبول إذا ظنّه حين يتوب، وبالإجابة إذا ظنّها حين يدعو،
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص71-72.
162
147
الموعظة الخامسة والعشرون: الثقة بالله وحُسن الظنّ به
وبالكفاية إذا ظنّها حين يستكفي؛ لأنّ هذه الصفات لا تظهر إلّا إذا حسن ظنّه بالله -تعالى-، وكذلك تحسين الظنّ بقبول العمل عند فعله إيّاه، فينبغي للمستغفر والتائب والداعي والعامل أن يأتوا بذلك، موقنين بالإجابة بوعد الله الصادق، فإنّ الله -تعالى- وعد بقبول التوبة الصادقة والأعمال الصالحة؛ وأمّا لو فعل هذه الأشياء وهو يظنّ أن لا يقبل ولا ينفعه، فذلك قنوط من رحمة الله -تعالى-، والقنوط كبيرة مهلكة»[1].
سوء الظنّ بالله
يقابل حُسن الظنّ بالله سوء الظنّ به، قال -تعالى-: ﴿وَيُعَذِّبَ ٱلمُنَٰفِقِينَ وَٱلمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلمُشرِكِينَ وَٱلمُشرِكَٰتِ ٱلظَّانِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوءِ عَلَيهِم دَائِرَةُ ٱلسَّوءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيهِم وَلَعَنَهُم وَأَعَدَّ لَهُم جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرٗا﴾[2].
تتحدّث هذه الآية عن سوء الظنّ بالساحة الربوبيّة والحقيقة المقدّسة الإلهيّة، فتقول: إنّ سوء الظنّ بالله -تعالى- من جانب هؤلاء، هو لأنّهم كانوا يتصوّرون أنّ الوعود الإلهيّة للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) لن تتحقّق أبدًا، وأنّ المسلمين، مضافًا إلى عدم انتصارهم على العدوّ، فإنّهم لن يعودوا إلى المدينة إطلاقًا، كما كان في ظنّ المشركين أيضًا، حيث توهّموا أنّهم سوف يهزمون رسول الله وأصحابه؛ لقلّة عددهم وعدم توافر الأسلحة الكافية في أيديهم، وأنّ نجم الإسلام منذر بالزوال والأفول، في حين أنّ الله -تعالى- وعد المسلمين بالنصر
[1] العلّامة المجلسيّ، مرآة العقول، ج8، ص44.
[2] سورة الفتح، الآية 6.
163
148
الموعظة الخامسة والعشرون: الثقة بالله وحُسن الظنّ به
الأكيد، وتحقّق لهم ذلك، بحيث إنّ المشركين لم يجرُؤوا أبدًا على الهجوم على المسلمين.
واللافت في هذه الآية، أنّ مسألة سوء الظنّ بالله -تعالى- كانت بمثابة القدر المشترك بين المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات، وبيّنَت هذه الآية أنّ جميع هذه الفئات والطوائف شركاء في هذا الأمر، بخلاف المؤمنين الذين يحسنون الظنّ بالله -تعالى- وبوعده وبرسوله الكريم، ويعلمون أنّ هذه الوعود سوف تتحقّق قطعًا، ولعلّ تحقُّقَها قد يتأخّر فترة من الوقت لمصالح معيّنة، ولكنّها أمرٌ حتميّ في حركة عالم الوجود؛ لأنّ الله -تعالى- العالِم بكلّ شيء، والقادر على كلّ شيء، لا يمكن مع هذا العلم المطلق والقدرة اللامتناهية، أن يتخلّف عن وعده.
الآثار السلبيّة لسوء الظنّ بالله
إنّ سوء الظنّ بالله -تعالى- وعدم الثقة بالوعود الإلهيّة:
1. عنصرٌ هدّامٌ لإيمان الشخص، يُبعِده عن الله -تعالى-، وقد جاء في مناجاة النبيّ داود (عليه السلام): «يا رَبِّ، ما آمَنَ بِكَ مَنْ عَرَفَكَ فَلَم يُحسِنِ الظنّ بِكَ»[1].
2. يتسبّب في فساد العبادة وحبط العمل؛ لأنّه يقتل في الإنسان روح الإخلاص وصفاء القلب، وقد ورد: «إِيِّاكَ أَنْ تُسِيءَ الظنّ؛ فَإِنَّ سُوءَ الظنّ يُفسِدُ العِبادَةَ وَيُعَظِّمُ الوِزرَ»[2].
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج67، ص394.
[2] الشيخ الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص99.
164
149
الموعظة الخامسة والعشرون: الثقة بالله وحُسن الظنّ به
الإنسان بين الثقة والأمل
إنّ طول الأَمَلِ من الرذائل الأخلاقيّة التي تجرّ الإنسان إلى ارتكاب أنواع الذنوب والخطايا، وتُبعِده عن الله -تعالى-. وهذا لا يعني أنّ الأمل رذيلة بالمطلق، فإنّ أصل الأمل له دور مهمّ في إدامة حركة الحياة والتطوّر البشريّ في الأبعاد المادّيّة والمعنويّة. فإذا سُلِب الأملُ -مثلًا- من قلب الأمّ، فإنّها لا تجد دافعًا إلى إرضاع طفلها، وتحمُّل أنواع المشقّة والألم بتربيته وتنشئته، ففي الحديث النبويّ الشريف: «الأَمَلُ رَحْمَةٌ لأُمَّتِي، وَلَوْلاَ الأَمَلُ، مَا رَضَعَتْ وَالِدَةٌ وَلَدَهَا، وَلاَ غَرَسَ غَارِسٌ شَجَرًا»[1].
ورد عن المسيح (عليه السلام) أنّه كان جالسًا يومًا في مكان، وشاهد شيخًا كبيرًا يحرث الأرض بمسحاته، ويعمل على سقيها وزراعتها، فطلب المسيح (عليه السلام) من الله -تعالى- أن يسلب منه الأمل في الحياة: «اللَّهُمَّ، انْزِعْ مِنْهُ الْأَمَلَ» فَوَضَعَ الشَّيْخُ الْمِسْحَاةَ وَاضْطَجَعَ، فَلَبِثَ سَاعَةً، فَقَالَ عِيسَى: «اللَّهُمَّ ارْدُدْ إِلَيْهِ الْأَمَلَ»، فَقَامَ فَجَعَلَ يَعْمَلُ، فَسَأَلَهُ عِيسَى عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَعْمَلُ، إِذْ قَالَتْ لِي نَفْسِي: إِلَى مَتَى تَعْمَلُ وَأَنْتَ شَيْخٌ كَبِيرٌ؟ فَأَلْقَيْتُ الْمِسْحَاةَ وَاضْطَجَعْتُ، ثُمَّ قَالَتْ لِي نَفْسِي: وَاللَّهِ، لَا بُدَّ لَكَ مِنْ عَيْشٍ مَا بَقِيتَ، فَقُمْتُ إِلَى مِسْحَاتِي[2].
[1] الديلميّ، أعلام الدين في صفات المؤمنين، ص295.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج14، ص329.
165
150
الموعظة السادسة والعشرون: الحبّ والبغض في الله
والثقة بالله -تعالى- تُحيي الأملَ في النفوس، وتمنع عنها تسلُّل اليأس والإحباط، وهي باعثة على التغلُّب على الأفكار والوساوس الشيطانيّة التي تُسقِط الإنسان في وحول الرذيلة والمعصية. فأحيانًا، يُغلِق الله -سبحانه وتعالى- أمامنا بابًا، لكي يفتح لنا بابًا آخر أفضل منه، ولكنّ الناس الفاقدين للثقة بالله يضيع تركيزهم وطاقتهم في النظر إلى الباب الذي أُغلِق، بدلًا من باب الأمل الذي انفتح أمامه على مصراعَيه.
آثار الثقة بالله
نتائج الثقة بالله وحُسن الظنّ به -تعالى- وآثارها كثيرة، وتنعكس على حياة الإنسان وسلوكه الفرديّ والاجتماعيّ، نذكر منها بالاستناد إلى الروايات، الآتي:
1. رجاء الله فقط
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ أَنْ لَا تَرْجُوَ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا تَخَافَ إِلَّا ذَنْبَك»[1].
وعنه (عليه السلام): «مَنْ تَرَكَ التَّزْوِيجَ مَخَافَةَ الْعَيْلَةِ، فَقَدْ أَسَاءَ بِاللَّهِ الظَّنَّ»[2].
وذلك أنّ ترك التزويج هو أثرٌ عمليٌّ مترتّب على خوف الفقر، وهو يفصح عن توقُّع التارك عدمَ نزول رحمة الله عليه، ولا يُراد من سوء الظنّ سوى هذا المعنى.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص72.
[2] المصدر نفسه، ج5، ص330.
166
151
الموعظة الخامسة والعشرون: الثقة بالله وحُسن الظنّ به
والثقة بالله -تعالى- تُحيي الأملَ في النفوس، وتمنع عنها تسلُّل اليأس والإحباط، وهي باعثة على التغلُّب على الأفكار والوساوس الشيطانيّة التي تُسقِط الإنسان في وحول الرذيلة والمعصية. فأحيانًا، يُغلِق الله -سبحانه وتعالى- أمامنا بابًا، لكي يفتح لنا بابًا آخر أفضل منه، ولكنّ الناس الفاقدين للثقة بالله يضيع تركيزهم وطاقتهم في النظر إلى الباب الذي أُغلِق، بدلًا من باب الأمل الذي انفتح أمامه على مصراعَيه.
آثار الثقة بالله
نتائج الثقة بالله وحُسن الظنّ به -تعالى- وآثارها كثيرة، وتنعكس على حياة الإنسان وسلوكه الفرديّ والاجتماعيّ، نذكر منها بالاستناد إلى الروايات، الآتي:
1. رجاء الله فقط
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ أَنْ لَا تَرْجُوَ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا تَخَافَ إِلَّا ذَنْبَك»[1].
وعنه (عليه السلام): «مَنْ تَرَكَ التَّزْوِيجَ مَخَافَةَ الْعَيْلَةِ، فَقَدْ أَسَاءَ بِاللَّهِ الظَّنَّ»[2].
وذلك أنّ ترك التزويج هو أثرٌ عمليٌّ مترتّب على خوف الفقر، وهو يفصح عن توقُّع التارك عدمَ نزول رحمة الله عليه، ولا يُراد من سوء الظنّ سوى هذا المعنى.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص72.
[2] المصدر نفسه، ج5، ص330.
166
152
الموعظة الخامسة والعشرون: الثقة بالله وحُسن الظنّ به
2. أثره على الصراط
عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى الصِّرَاطِ، يَرْتَعِدُ كَمَا تَرْتَعِدُ السَّعَفَةُ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ، فَجَاءَهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِاللَّهِ، فَمَسَكَتْ رَعْدَتُهُ»[1].
3. الله عند ظنّ عبده المؤمن
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَا يَحْسُنُ ظَنُّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ بِاللَّهِ، إِلَّا كَانَ اللَّهُ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ بِيَدِهِ الْخَيْرَاتُ، يَسْتَحْيِي أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ الْمُؤْمِنُ قَدْ أَحْسَنَ بِهِ الظَّنَّ ثُمَّ يُخْلِفَ ظَنَّهُ وَرَجَاءَهُ؛ فَأَحْسِنُوا بِاللَّهِ الظَّنَّ وَارْغَبُوا إِلَيْهِ»[2].
4. ثمن الجنّة
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِاللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ ثَمَنُ الْجَنَّةِ»[3].
الثقة والأمل في كربلاء
حينما نظر الإمام الحسين (عليه السلام) إلى جمع بني أميّة في كربلاء كأنّه السيل، وقد حاصره الأعداء يوم عاشوراء، رفع يده بالدعاء، وقال: «اللّهُمَّ، أَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجائِي في كُلِّ شِدَّة، وَأَنْتَ لي في كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بي ثِقَةٌ وَعُدَّة…»[4].
[1] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج11، ص250.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص72.
[3] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص379.
[4] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص96.
167
153
الموعظة الخامسة والعشرون: الثقة بالله وحُسن الظنّ به
هذه الفقرة الأولى من الدعاء، التي دعا بها (عليه السلام)، تعكس محبّة الله، وثقته به -تعالى- التي غمرَت قلبَه المقدّس، فكان الرضا بقضاء الله، والثقة بعنايته، فقدّم (عليه السلام) الخوف والرجاء في دعائه هذا، كمنهجٍ اتّبعَه، والذي يميّزه عن بقيّة أدعيته في ليلة عاشوراء ويومها، ومن شأنه أن يكون منهجًا جديدًا لتجاوُز الأزمات التي تمرّ بها النفس الإنسانيّة، وهو منهج تفريج الهموم وكشف الكروب.
الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) الأمل الموعود للبشريّة
إنّ الظنّ الحسن بالله -تعالى- يدفعنا إلى الإيمان والاعتقاد بأنّه سوف ينقذ هذه البشريّة من الظلم الذي ألحقَه بها جنود الشيطان، وهذا ما تمّ التأكيد عليه في القرآن والروايات، ولا شكّ أنّه سوف يتحقّق هذا الوعد، فتخضرّ آمال المؤمنين، وتنتعش قلوبهم المهمومة، وتقبض أكفَّهم على الراية، وإن عتَتَ العواصف وطال الطريق، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَانْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ، فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا، وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فَانْصُرُوهُمْ، فَلَيُفَرِّجَنَّ اللَّهُ [الْفِتْنَةَ] بِرَجُلٍ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْت»[1].
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج34، ص118.
168
154
الموعظة السادسة والعشرون: الحبّ والبغض في الله
الموعظة السادسة والعشرون: الحبّ والبغض في الله
تعرُّف الحبّ في الله والبغض في الله، باعتبارهما الركيزة الأساسيّة للإيمان.
محاور الموعظة
فضل الحبّ والبغض في الله
فضل المتحابّين في الله
عبادة الحبّ
مسؤوليّة الحبّ في الله
حُشِرَ الإنسانُ مع من أَحَبَّ
حبّ النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام)
ثواب من دمعَت عينُه في آل محمّد(صلى الله عليه وآله)
تصدير الموعظة
﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾[1].
[1] سورة آل عمران، الآية 31.
169
155
الموعظة السادسة والعشرون: الحبّ والبغض في الله
ذكرت الروايات أهمّيّة خاصّة للحبّ والبغض، حيث عدّته من أوثق عرى الإيمان، فإنّ الذي يجعل ميزان ميوله وتعلّقاته واختياره لأفعاله، هو ما يحبّه الله -تعالى-، ويترك ما يبغضه، سوف تتمايز الأشياء أمامه إلى نوعَين: نوع له علاقة بالله -تعالى- وأحبّائه، ونوع له علاقة بما يبغضه الله -تعالى- وبأعدائه.
فضل الحبّ والبغض في الله
1. كمال الإيمان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ، فَهُوَ مِمَّنْ كَمَلَ إِيمَانُهُ»[1].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «لَا يُمَحِّضُ رَجُلٌ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَوُلْدِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَمِنَ النَّاسِ كُلِّهِم»[2].
2. أوثَقُ عرى الإيمان: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) لِأَصْحَابِهِ: أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ؟ فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الصَّلَاةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الزَّكَاةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الصِّيَامُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْجِهَادُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): لِكُلِّ مَا قُلْتُمْ فَضْلٌ وَلَيْسَ بِهِ، وَلَكِنْ أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ، وَتَوَالِي أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَالتَّبَرِّي مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ»[3].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص124 – 125.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج67، ص25.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص125.
170
156
الموعظة السادسة والعشرون: الحبّ والبغض في الله
3. هل الدّين إلّا الحبّ: وعن الفضيل بن يسار قال سألتُ أبا عبدِ اللهِ (عليه السلام) عن الحبِّ والبُغضِ، أَمِنَ الإيمانِ هُوَ؟ فقالَ (عليه السلام): «وَهَل الإيمانُ إلَّا الحبُّ والبُغضُ؟» ثمَّ تَلا هذهِ الآيةَ: ﴿حَبَّبَ إِلَيكُمُ ٱلإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ ٱلكُفرَ وَٱلفُسُوقَ وَٱلعِصيَانَ أُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ﴾[1] [2].
عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث له قال: «يَا زِيَادُ، وَيْحَكَ! وَهَلِ الدِّينُ إِلَّا الْحُبُّ؟ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِن كُنتُم تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم﴾؟ أَوَلَا تَرَى قَوْلَ اللَّهِ لِمُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله): ﴿حَبَّبَ إِلَيكُمُ ٱلإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُم﴾؟ وَقَالَ: يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: الدِّينُ هُوَ الْحُبُّ، وَالْحُبُّ هُوَ الدِّينُ»[3].
ونحن نقرأ في زيارتهم (عليهم السلام): «بِأَبِي أَنْتُمْ وَأُمِّي وَنَفْسِي وَأَهْلِي وَمَالِي»[4].
فضل المتحابّين في الله
عن الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) قال: «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَامَ مُنَادٍ فَنَادَى يُسْمِعُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ؟ قَالَ: فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمُ: اذْهَبُوا إِلَى الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ. قَالَ: فَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ، فَيَقُولُونَ: إِلَى أَيْنَ؟
[1] سورة الحجرات، الآية 7.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص125.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج66، ص238.
[4] الشيخ عباس القمّي، مفاتيح الجنان، الزيارة الجامعة الكبيرة، ص623.
171
157
الموعظة السادسة والعشرون: الحبّ والبغض في الله
فَيَقُولُونَ: إِلَى الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ. قَالَ: فَيَقُولُونَ: فَأَيُّ ضَرْبٍ أَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ؟ فَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ. قَالَ: فَيَقُولُونَ: وَأَيَّ شَيْءٍ كَانَتْ أَعْمَالُكُمْ؟ قَالُوا:كُنَّا نُحِبُّ فِي اللَّهِ وَنُبْغِضُ فِي اللَّهِ. قَالَ: فَيَقُولُونَ: ﴿نِعمَ أَجرُ ٱلعَٰمِلِينَ﴾[1]»[2].
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «إِنَّ الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، قَدْ أَضَاءَ نُورُ وُجُوهِهِمْ، وَنُورُ أَجْسَادِهِمْ، وَنُورُ مَنَابِرِهِمْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى يُعْرَفُوا بِهِ، فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّه»[3].
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَحَبَّ رَجُلًا لِلَّهِ، لَأَثَابَهُ اللَّهُ عَلَى حُبِّهِ إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْبُوبُ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَبْغَضَ رَجُلًا لِلَّهِ، لَأَثَابَهُ اللَّهُ عَلَى بُغْضِهِ إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُبْغَضُ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»[4].
عبادة الحبّ
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إِنَّ الْعُبَّادَ ثَلَاثَةٌ: قَوْمٌ عَبَدُوا اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- خَوْفًا، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وَقَوْمٌ عَبَدُوا اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- طَلَبَ الثَّوَابِ، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأُجَرَاءِ، وَقَوْمٌ عَبَدُوا اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- حُبًّا، لَهُ فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأَحْرَارِ، وَهِيَ أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ»[5].
[1] سورة العنكبوت، الآية 58.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص126.
[3] المصدر نفسه، ص125.
[4] المصدر نفسه، ص127.
[5] المصدر نفسه، ص84.
172
158
الموعظة السادسة والعشرون: الحبّ والبغض في الله
مسؤوليّة الحبّ في الله
وقال رجلٌ للإمام زين العابدين (عليه السلام): إنّي لأحبُّكَ في اللهِ حُبًّا شديدًا، فنكَّس (عليه السلام) رأسَهُ، ثمّ قال: «اللَّهُمَّ، إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُحِبَّ فِيكَ وَأَنْتَ لِي مُبْغِضٌ»، ثمَّ قال له: «أُحِبُّكَ لِلَّذِي تُحِبُّنِي فِيهِ»[1].
حُشِرَ الإنسانُ مع من أَحَبَّ
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إيَّاكَ أنْ تُحِبَّ أَعْدَاءَ اللهِ وَتُصْفِي وُدَّكَ لِغَيْرِ أَوْلِيَاءِ اللهِ، فَإِنَّهُ مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حُشِرَ مَعَهُمْ»[2].
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ فِيكَ خَيْرًا، فَانْظُرْ إِلَى قَلْبِكَ؛ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ وَيُبْغِضُ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ، فَفِيكَ خَيْرٌ، وَاللَّهُ يُحِبُّكَ، وَإِنْ كَانَ يُبْغِضُ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ وَيُحِبُّ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ، فَلَيْسَ فِيكَ خَيْرٌ، وَاللَّهُ يُبْغِضُكَ، وَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»[3].
عن أنس بن مالك قال: «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَسْأَلُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ؟ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟» قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: وَاللَّهِ، مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ عَمَلٍ لَا صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ»َ.
[1] الشيخ ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، ص282.
[2] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص497.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص126 – 127.
173
159
الموعظة السادسة والعشرون: الحبّ والبغض في الله
قَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، بِشَيْءٍ أَشَدَّ مِنْ فَرَحِهِمْ بِهَذَا»[1].
حبّ النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام)
وفي خبر آخر: «جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَسْتَطِيعُ فِرَاقَكَ، وَإِنِّي لَأَدْخُلُ مَنْزِلِي فَأَذْكُرُكَ، فَأَتْرُكُ صَنِيعَتِي وَأُقْبِلُ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْكَ حُبًّا لَكَ، فَذَكَرْتُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَأُدْخِلْتَ الْجَنَّةَ، فَرُفِعْتَ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ، فَكَيْفَ لِي بِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَنَزَلَ ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَٰئِكَ رَفِيقٗا﴾[2]، فَدَعَا النَّبِيُّ الرَّجُلَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ وَبَشَّرَهُ بِذَلِك»[3].
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اِلْزَمُوا مَوَدَّتَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ يَوَدُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِنَا. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَنْتَفِعُ عَبْدٌ بِعَمَلِهِ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ حَقِّنَا»[4].
وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضًا: «مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ حُبَّ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَقَدْ أَصَابَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَا يَشُكَّنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ، فَإِنَّ فِي حُبِّ أَهْلِ بَيْتِي عِشْرِينَ خَصْلَةً؛ عَشْرٌ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا، وَعَشْرٌ مِنْهَا فِي الْآخِرَةِ: أَمَّا الَّتِي فِي الدُّنْيَا، فَالزُّهْدُ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعَمَلِ، وَالْوَرَعُ فِي الدِّينِ،
[1] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص139.
[2] سورة النساء، الآية 69.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج65، ص70.
[4] الشيخ البرقيّ، المحاسن، ج1، ص61.
174
160
2025-10-15