الدرس السادس عشر: لماذا أحافظ على النظام العام
الأهداف
1- أن يتعرّف الطالب إلى أهميّة احترام القوانين والمحافظة على النظام.
2- أن يتعرَّف على بعض مكوّنات النظام العام.
قال الإمام عليّ عليه السلام في وصيّته للحسن والحسين عليهما السلام: “أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوى الله ونظم أمركم”.
لماذا أحافظ على النظام؟
إذا تأمّلنا في الموجودات من حولنا نجدها تخضع لنظام خاصٍّ لا تحيد عنه، بحيث إنّها من خلال التتابع المنتظم والدائم لحركتها تصل إلى هدفها ومُبتغاها، فالشمس مثلاً تُشرق كلَّ يوم من خلال دوران الأرض حولها بانتظام، ولو أخلّ هذان الجُرمان بحركتهما لانتهت الحياة وتعطّلت على وجه الأرض. الكائنات الحيّة أيضاً تعيش ضمن نسق منتظم لا إخلال فيه، فالنحل مثلاً، تقوم العاملات فيه بانتظام ودقّة بجمع الرحيق من الأزهار على مدار الأيام، وتضعه في خلايا مسدّسة صنعتها بشكل يُثير الدهشة. أمّا النمل فهو لا يملُّ من السير في خطوط مُنتظِمة وهادفة بحثاً عن الغذاء، وهو يخزنه ليُحافظ على مُجتمعه عند حلول فصل الشتاء.
وكذلك المجتمع الإنساني، تجده ينتظم في جماعات تضع لنفسها مجموعة من القوانين الّتي تحكمها وترتّب لها حياتها. والإنسان يسير على هذا المنوال مذ خلقه الله على هذه الأرض.
فإذاً، يستحيل لعالم الوجود، ومن ضمنه المجتمع الإنساني أنْ يعيش بعيداً عن النظام والقانون، وإلّا لأصابه الانهيار والفناء. ولذلك كلّما استطاع أيُّ مجتمع أنْ يقترب من النظام وتطبيق القوانين أكثر، كلّما كان أقرب من تحقيق الإنجازات والنجاحات على مختلف الصعد، والتاريخ يُحدِّثنا – عن شعوب ودول سنّت القوانين في حضارتها، وطبّقت النظام العام، فعاشت بنعيم وراحة، ولم يستطع أعداؤها الانتصار عليها، لعدم قدرتهم على اختراق الجدار المتين للقوّة النابعة من تطبيق النظام والقانون. فعلى سبيل المثال، الّذي يُراقب حركة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم منذ أمَره الله عزَّ وجلَّ أنْ يُبلِّغ رسالته، إلى حين الانتصار الكبير على الوثنيّة
وفتح مكّة وتحطيم الأصنام، نجده صلى الله عليه وآله وسلم كان يمشي ضمن نظام وتخطيط هما الّلذان أوصلاه إلى هذه النتيجة. ومن يُراقب المعارك الّتي خاضها يجد أنّ تنظيم الجيش وتوزيع مهامه كانا عامليّ النصر المبين. وعليه، لا يُمكن تحقيق الظفر والنجاح من دون الالتزام بالقانون، لقد شاء الله عزَّ وجلَّ أنْ يخلق هذا الكون بما فيه قائماً على النظام.
ومن لا يُريد تطبيق النظام، فإنّما هو يسير باتجاه معاكس لطبيعة تكوين العالم. وسيصل في النهاية إلى نتيجة مخيّبة.
بناءً على ما تقدّم، إنّ وطننا فيه العديد من القوانين والأنظمة الّتي تُنظِّم علاقات الناس فيما بينهم وتُحافظ على حقوقهم على اختلاف انتماءاتهم ووظائفهم وتخصّصاتهم والأماكن الّتي يقطنون فيها. فكلُّ فرد في هذا الوطن مشمول لمجموعة من القوانين الّتي تحمي حقوقه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك مجموعة من القوانين الّتي يجب أنْ يؤدّيها الفرد حتّى تُحفظ من خلالها حقوق غيره. وكلّ من يُخلّ بالقانون عليه أنْ يعلم أنّه يُلحق الضرر بغيره فضلاً عن نفسه في نهاية المطاف، لأنّ كلّ مجتمع هو عبارة عن بنية متّصلة، وأيّ إخلال بجزء من هذه البنية، سينقل الخلل إلى باقي أجزائها.
إستنتاج
– نظام الوجود قائم على النظام، وكلّ مكوّناته ومحتوياته لا تخرج عن هذا الأمر أيضاً.
– المجتمع البشري هو جزء من هذا النظام، وهو يحتاج إلى النظام.
– على الناس احترام قوانين البلاد الّتي يقطنونها، وإلّا حلّت الفوضى، وأصاب الضرر جميع الناس دون استثناء.
قال الإمام عليّ عليه السلام- في صفة القرآن: “ألا إنّ فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم”.
مكوّنات النظام العام:
تلخّص لدينا أنّ النظام العام نستطيع من خلاله حماية حقوق المجتمع، فكلُّ إنسان لا يُجاوز فعله حدود الإضرار بعامّة المجتمع فقانون النظام العام لا يطاله. نعم قد تطاله قوانين أخرى لها علاقة بالمخالفات الفرديّة. ولكنّ الكلام هنا عن المخالفات الّتي لا ينحصر مدى إضرارها بالفرد فقط بل يتعدّاه إلى باقي أفراد المجتمع. هذا النوع من المخالفات حرّمه الإسلام بشكلٍ قاطع، لأنّ فيه تعدٍّ على الحقوق العامّة الّتي هي ملك جميع الناس. فالّذي لا يُراعي قوانين المرور والطرقات على سبيل المثال، هذا يُخالف النظم العام، ويستحقّ أنْ تُطبق عليه القوانين الجزائيّة المتعلّقة
بذلك، لأنّه بتجاوزاته المروريّة يُعرِّض حياة الآخرين للخطر. والّذي يسرق الّتيار الكهربائي، يستحقّ أن تُطبّق عليه القوانين المتعلِّقة بذلك، لأنّ انتشار سرقة الّتيار الكهربائي سيعود ضرره في نهاية المطاف إلى باقي المواطنين، الّذين سيُحرمون منه بعد ذلك. والّذي يسرق المياه ويأخذ فوق الحقّ الّذي يستحقّه إنّما يتعدّى على حقّ غيره بهذه المياه، والّذي يرمي النفايات والأوساخ على الطرقات ويُلطّخ الأسوار بالكتابات غير اللائقة والعبثيّة، فهو يتعدّى بعمله هذا على النظام العام، حيث إنّه يحرم المدينة الّتي هي مُلك لعامّة الناس من المنظر الجمالي اللائق بها. والّذي يعبث بمحتويات الطرقات والأبنية المرصودة للخدمة العامّة، هذا إنّما يمنع عامّة الناس من الاستفادة من هذه الخدمات وبالتالي يتعدّى على حقوقهم. وهذا العمل مُحرّم شرعاً، والله عزَّ وجلَّ سيسأله يوم القيامة عن تعرّضه لحقوق الناس وظلمه لهم بإتلافه لهذه الحقوق. وهذا النوع من الإخلال بالنظام مرفوض حتّى في الدول الّتي لا تُدين بالإسلام. لأنّ هذه الدول تحوي أفراداً يستفيدون من هذه الأنظمة والخدمات، والتعدّي عليها فيه إضرار لهم. وهو محرّم أيضاً.
إستنتاج
– عدم تطبيق القوانين يُعتبر مخالفة شرعيّة. لأنّ فيه تعدٍّ على حقوق الناس.
– الإسلام حريص على حقوق الناس وأملاكهم مهما كانت انتماءاتهم المذهبيّة. فكما لا يحقّ سرقة بيت غير المسلم، كذلك لا يحلّ سرقته من خلال التعدّي على الحقوق العامة.
للمطالعة
في رحاب الإمام الخمينيّ قدس سره
يُترجم الإمام الخمينيّ قدس سره احترامه للناس ورعاية مشاعرهم بأفعاله وتصرّفاته الحكيمة دائماً. فعندما كان الإمام في باريس، نزل في إحدى مناطقها في منزل أحد الجامعيّين أوّلاً، وكان البيت في الطبقة الرابعة، ولكثرة الذهاب والإياب إليه، وعدم راحة الجيران بسبب ذلك، قرّر الإمام أخذ مكان لا يُزعج فيه أحداً، فكان بيت نوفل لوشاتو.
وفي باريس، وفي ليلة ميلاد السيّد المسيح عليه السلام، وزّع على جيرانه المسيحيّين هدايا مؤلّفة من بعض الحلويات الإيرانيّة والمكسّرات إضافة إلى باقة وردٍ لكلّ بيت.
وفي نوفل لوشاتو يُمنع ذبح الحيوانات خارج المسلخ حسب القانون، وفي أحد الأيّام ذبحوا في مكان سكن الإمام خروفاً.. ومع أنّ الإمام كان في ديار الكفر، قال: لأنّ ذلك مخالف لقانون الحكومة، فلن آكل من هذا اللحم.
فإنّ الإمام وإنْ كان في منطقة غير مسلمة، ولكنّه كان يُظهر فيها أخلاق الإسلام، واحترام الرسالة المحمّديّة للإنسان، كيف وهو المتعلّم من نبع الطهارة لا يكون كذلك!
كانوا مسيحيّين، ولكنّه رفض إزعاجهم في سكنه، بسبب تردّد الزائرين إليه. لم يكونوا مسلمين. ولكنّه شاركهم وبارك لهم عيدهم بميلاد رسول ما قبل الإسلام. فبعث إليهم بهدايا كعلامة مشاركة في هذا العيد.
https://t.me/wilayahinfo
https://chat.whatsapp.com/CaA0Mqm7HSuFs24NRCgSQ0
ملاحظة:سيكون النشر في 02-12-22 من كل شهر