اخلاق أهل البيت – السيد مهدي الصدر 15
29 أكتوبر,2019
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
1,296 زيارة
مساوئ التكبّر :
من الواضح أن التكبر من الأمراض الأخلاقية الخطيرة ، الشائعة
في الأوساط الاجتماعية ، التي سرت عدواها ، وطغت مضاعفاتها على المجتمع ، وغدا يعاني
مساوئها الجمة .
فمن مساوئ التكبر وآثاره السيئة في حياة الفرد :
أنه متى استبد بالانسان ، أحاط نفسه بهالة من الزهو والخيلاء ، وجُن بحب الأنانية
والظهور ، فلا يسعده إلا الملق المزيف ، والثناء الكاذب ، فيتعامى آنذاك عن نقائصه
وعيوبه ، ولا يهتم بتهذيب نفسه ، وتلافي نقائصه ، ما يجعله هدفاً لسهام النقد ، وعرضة
للمقت والازدراء .
هذا إلى أن المتكبر أشد الناس عُتوّاً وامتناعاً عن الحق والعدل ، ومقتضيات الشرائع
والأديان .
ومن مساوئ التكبر الاجتماعية :
أنه يُشيع في المجتمع روح الحقد والبغضاء ، ويعكّر صفو العلاقات الاجتماعية ، فلا
يسيء الناس ويستثير سخطهم ومقتهم ، كما يستثيره المتكبر الذي يتعالى عليهم بصلفه
وأنانيته .
إن الغطرسة داء يُشقي الانسان ، ويجعله منبوذاً يعاني مرارة العزلة والوحشة ، ويشقي
كذلك المرتبطين به بصنوف الروابط والعلاقات .
بواعث التكبر :
الأخلاق البشرية كريمة كانت أو ذميمة ، هي انعكاسات النفس على صاحبها ، وفيض نبعها ،
فهي تُشرق وتُظلم ، ويحلو فيضها ويمرّ تبعاً
لطيبة النفس أو لؤمها ، استقامتها أو انحرافها . وما من خلق ذميم إلا وله سبب من
أسباب لؤم النفس أو انحرافها .
فمن أسباب التكبر : مغالاة الانسان في تقييم نفسه ، وتثمين مزاياها وفضائلها ،
والافراط في الاعجاب والزهو بها ، فلا يتكبر المتكبر إلا إذا آنس من نفسه علماً
وافراً ، أو منصباً رفيعاً ، أو ثراءً ضخماً ، أو جاهاً عريضاً ، ونحو ذلك من مثيرات
الأنانية والتكبر .
وقد ينشأ التكبر من بواعث العداء أو الحسد أو المباهاة ، مما يدفع المتصفين بهذه
الخلال على تحدي الأماثل والنبلاء ، وبخس كراماتهم ، والتطاول عليهم ، بصنوف
الازدراءات الفعلية أو القولية ، كما يتجلى ذلك في تصرفات المتنافسين والمتحاسدين في
المحافل والندوات .
درجات التكبر :
وهكذا تتفاوت درجات التكبر وأبعاده بتفاوت أعراضه شدّةً وضعفاً .
فالدرجة الأولى : وهي التي كَمِن التكبر في صاحبها ، فعالجه بالتواضع ، ولم تظهر عليه
أعراضه ومساوئه .
والدرجة الثانية : وهي التي نما التكبر فيها ، وتجلت أعراضه بالاستعلاء على الناس ،
والتقدم عليهم في المحافل ، والتبختر في المشي .
والدرجة الثالثة : وهي التي طغى التكبر فيها ، وتفاقمت مضاعفاته ، فجُنَّ صاحبها بجنون
العظمة ، والافراط في حب الجاه والظهور ، فطفق
يلهج في محاسنه وفضائله ، واستنقاص غيره واستصغاره . وهذه أسوأ درجات التكبر ، وأشدها
صَلفَاً وعتوّاً .
أنواع التكبر :
وينقسم التكبر باعتبار مصاديقه إلى ثلاثة أنواع :
( 1 ) – التكبر على اللّه عز وجل :
وذلك بالامتناع عن الإيمان به ، والاستكبار عن طاعته وعبادته . وهو أفحش أنواع الكفر ،
وأبشع أنواع التكبر ، كما كان عليه فرعون ونمرود وأضرابهما من طغاة الكفر وجبابرة
الالحاد .
( 2 ) – التكبر على الأنبياء .
وذلك بالترفع عن تصديقهم والاذعان لهم ، وهو دون الأول وقريب منه .
( 3 ) – التكبر على الناس :
وذلك بازدرائهم والتعالي عليهم بالأقوال والأفعال ، ومن هذا النوع التكبر على
العلماء المخلصين ، والترفع عن مسائلتهم والانتفاع بعلومهم وارشادهم ، مما يفضي
بالمستكبرين إلى الخسران والجهل بحقائق الدين ، وأحكام الشريعة الغراء .
علاج التكبر :
وحيث كان التكبر هوساً أخلاقياً خطيراً ماحقاً ، فجدير بكل عاقل
أن يأخذ حذره منه ، وأن يجتهد – إذا ما داخلته أعراضه – في علاج نفسه ، وتطهيرها من
مثالبه ، وإليك مجملاً من النصائح العلاجية :
( 1 ) – أن يعرف المتكبر واقعه وما يتصف به من ألوان الضعف والعجز : فأوله نطفة قذرة ،
وآخره جيفة منتنة ، وهو بينهما عاجز واهن ، يرهقه الجوع والظمأ ، ويعتوره السقم والمرض ،
وينتابه الفقر والضُّر ، ويدركه الموتُ والبِلى ، لا يقوى على جلب المنافع وردّ
المكاره ، فحقيق بمن اتصف بهذا الوهن ، أن ينبذ الأنانية والتكبر ، مستهديا بالآية
الكريمة « تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً
والعاقبة للمتقين » ( القصص : 83 )
فأفضل الناس أحسنهم أخلاقاً ، وأكثرهم نفعاً ، وأشدّهم تقوى وصلاحاً .
( 2 ) – أن يتذكر مآثر التواضع ومحاسنه ، ومساوئ التكبر وآثامه ، وما ترادف في مدح
الأول وذم الثاني من دلائل العقل والنقل ، قال بزرجمهر : « وجدنا التواضع مع الجهل
والبخل ، أحمد عند العقلاء من الكبر مع الأدب والسخاء ، فأنبِل بحسنة غطّت على
سيئتين ، وأقبح بسيئة غطّت على حسنتين » ( 1 ) .
( 3 ) – أن يروض نفسه على التواضع ، والتخلق بأخلاق المتواضعين ، لتخفيف حدة التكبر في
نفسه ، وإليك أمثلة في ذلك :
أ – جدير بالعاقل عند احتدام الجدل والنقاش في المساجلات العلمية أن يذعن لمناظره
بالحق إذا ما ظهر عليه بحجته ، متفادياً نوازع المكابرة والعناد .
ب – أن يتفادى منافسة الأقران في السبق إلى دخول المحافل ، والتصدر في المجالس .
ج – أن يخالط الفقراء والبؤساء ، ويبدأهم بالسلام ، ويؤاكلهم على المائدة ، ويجيب
دعوتهم ، متأسياً بأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام .
2019-10-29