الرئيسية / تقاريـــر / حروب الجيل الخامس (العلوم بدلاً من العسكر) تعاظم الصين وروسيا وايران وتقهقر الامريكان…!

حروب الجيل الخامس (العلوم بدلاً من العسكر) تعاظم الصين وروسيا وايران وتقهقر الامريكان…!

محمد صادق الحسيني
كل المؤشرات المعلوماتية تفيد بان الصين تسيطر على عالم الإنترنت والمعادن النادره في العالم، وان ثمة استراتيجيه صينيه شامله تتقدم للعالم، يقابلها تخبط اميركي وانعدام استراتيجيه مستقبليه.

والمعلوم تاريخياً ان الولايات المتحده ، خاصة بعد دخولها الحرب العالميه الأولى ، وانتصار تحالفها ( فرنسا وبريطانيا ) على تحالف دول المحور ( المانيا والإمبراطورية العثمانية ) ، قد عملت على توسيع وتعزيز هيمنتها الاستعماريه ، داخليا وخارجياً ، بقوة السلاح طبعاً وليس بقوة المعرفة والعلوم …!

وعلى الرغم من تحقيقها نجاحا نسبياً في تعزيز سيطرتها على القارة الاوروبيه ، الا ان حدوث الازمه الاقتصاديه ، او دعنا نسميها بالانهيار الاقتصادي الدولي عام ١٩٢٩ ، وما ترتب على ذلك من انحسار للإمكانيات الماليه والاقتصاديه الاميركيه ، نتيجة للازمه ، ثم وصول الحزب النازي الألماني الى السلطه وسيطرة أودلف هتلر على الحكم في المانيا ، عبر انتخابات برلمانيه وتحالفات حزبيه معقده ، وقيادته المانيا الى حرب عالمية جديده دخلتها الولايات المتحده وهي مصممة على استكمال سيطرتها على أوروبا تمهيدا لفرض سيطرتها على العالم .

فقد كانت اداة السيطرة الاميركيه ، انذاك كما اليوم ، هي القوة العسكريه الجباره . وكان اوج استعراض واشنطن لهذه القوة قد تمظهر بشكل صارخ عندما قامت بقصفت هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النوويه في شهر آب ١٩٤٩ . الامر الذي رفع الولايات المتحده الى مرتبة الأقوى عسكريا واقتصاديا في العالم .

لكن ذلك لم يدم طويلاً فبعد نجاح الاتحاد السوفييتي في تصنيع القنبلة النوويه ، وإجراء تجربته النووية الاولى بتاريخ ٢٩/٨/١٩٤٩ ، سرعان ما انكسر انكسر هذاالاحتكار النووي الاميركي وبدأ ، رويداً رويداً يتراجع ، الى ان نشأ توازن ردع في العلاقات الدوليه على صعيد العالم ، تجلى بشكل واضح وقوي في اجبار قوات الاحتلال ، البريطاني الفرنسي الاسرائيلي عام ١٩٥٦ /١٩٥٧ ، لسيناء على الانسحاب منها ، اثر الموقف الصارم الذي اتخذه زعيم الاتحاد السوفييتي انذاك ، نيكيتا خروتشوف ، في مجلس الامن الدولي .

ولكن عناصر الردع والقوة الاميركيه ، التي اعتمدت أساساً وقبل كل شيء على قوة السلاح ، بدأت بالتآكل ، اكثر فاكثر ، اثر المتغيرات الجذريه التي شهدتها ميادين الصراع الدوليه ، وعلى كافة الصعد ، الاقتصاديه والسياسيه والعلميه والعسكريه ، الامر الذي ادى ليس فقط الى كسر احتكار الولايات المتحده لمحاولات السيطره على العالم ومقدرات شعوبه ، وانما الى دخولها في مرحلة تراجع تدريجي مستمر ، سواءً على الصعيد الاقتصادي او السياسي ( تراجع تأثيرها السياسي في العالم ) او العسكري والعلمي ( المعرفي) قبل كل شيء .

هذا التراجع العلمي والمعرفي ، الذي يعبر عن نفسه من خلال الحروب الاقتصادية وسياسة العقوبات التي يفرضها ترامب على العديد من الدول ، والتي تشهد ايران أكثرها صرامة ، بينما تشهد الصين أكثرها اتساعاً ، من ناحية الحجم المالي ، نقول ان هذا التعبير او التجلي لهذا التراجع قد ادى الى إضعاف قدرة الصناعات والشركات الاميركيه على المنافسه بسبب قلة الاستثمار في قطاعي ا لعلم (المعرفة) والبحث العلمي اولا وبسبب التغير الذي شهدته مختلف قطاعات الصناعه والتكنولوجيا والمال والأعمال خلال العقدين الماضيين .

هذا التغيير الذي وضعنا في بداية ثورة صناعية جديده يطلق عليها اسم الثوره الرقمية ، او ثورة الإنترنت ، والتي سوف تغير كل مجالات الحياة البشرية ، سواءً كانت صناعية او اقتصادية او سياسية او اجتماعية او غير ذلك .

و هذه الثوره لا تعتمد على قوة السلاح ، والتهديد باستخدامه لاسقاط دول ذات سيادة واحتلال أراضيها، بل تعتمد على تكنولوجيا الإنترنت الفائقة السرعه والتي يتم تشغيلها بالاعتماد على تقنية تسمى تقنية الجيل الخامس ( G 5 ) ، والتي لا تعتمد ابداً على تقنية الولايات المتحدة وانما وقبل كل شيء على تقنيات صينيه ، تعتبر شركة هواوي هي الرائدة في صناعتها ، الامر الذي جعل الرئيس الاميركي يشن حربا عالمية عليها وعلى خمسة من أخواتها الصينيات اللواتي ستخضع للعقوبات والمقاطعة الاميركيه اعتباراً من يوم ‪الاثنين ٢٤/٦/٢٠١٩‬ .

و اذا ما تفحصنا بعض جوانب هذه الحرب المجنونه ، التي تشنها الولايات المتحده على عمالقة احدث تكنولوجيا الاتصالات في العالم الا وهي هواوي واخواتها، فاننا سنكتشف بسرعة الإنترنت الصينية الفائقة السرعة ان هذه الحرب خاسرة بلا جدال وان لا طائل من ورائها مطلقا وذلك لسبب بسيط جداً ، الا وهو ان الشركات الاميركيه والتكنولوجيا التي تنتجها ، في قطاع الاتصالات وتقنياتها ، لا يمكنها منافسة المنتج الصيني الاكثر تقدما والأقل كلفة .

اما دليلنا على عدم قدرة الولايات المتحده على منافسة الصين ، في قطاع الاتصالات بشكل خاص وفِي غيره من القطاعات الصناعيه بشكل عام ، فهو ما يلي :

1. ان تكنولوجيا الجيل الخامس الصينيه للإنترنت اكثر تطوراً من التكنولوجيا الاميركيه ، كما ان خدمات الشركات الصينيه التي تصنع وتدير هذه التكنولوجيا ، مثل شركة هواوي وشركة هينغ تونغ ، افضل بكثير من نظيراتها الاميركيات ، حسب مركز Rethink Research الاميركي . وهو ما يعلل قيام العديد من الدول الاوروبيه ، وعلى رأسها المانيا وبريطانيا ، بأن تعهَدَ لشركة هواوي ببناء شبكة الإنترنت من الجيل الخامس في أراضيها ، وليس لشركات اميركيه .

2. عدم وجود خطة تطوير تقني / تجاري / اميركيه استراتيجيه شامله ، سواء في قطاع الاتصالات او بقية القطاعات الانتاجيه والخدماتيه ، بينما لدى الصين خططا واضحة ودقيقة تعتمد على الاستثمار البعيد المدى في البنى التحتيه ذات العلاقه مع المواضيع المذكوره اعلاه . وهو ما يعني المزيد من التطور والتقدم وازدياد القدره على المنافسه القويه في الاسواق الدوليه .

3. وانطلاقا من الخطه الاستراتيجيه الشامله للصين ، في تطوير صناعة التكنولوجيا الحديثه وتعميم الفائدة التجاريه من هذا التطوير على الكثير من الامم ، فقد قامت الصين بطرح مشروع الحزام والطريق ، الذي يعتمد مبدأ تطوير البنى التحتيه ، في سبعين دولة حتى الآن ، في قطاعات الصناعه والنقل والاتصالات والتجاره ، بدلاً من استخدام القوه في التعامل بين الدول . اَي مبدأ التعاون والتكامل بدل شن الحروب الاقتصاديه والعسكريه وفرض العقوبات على عشرات الدول ، كما تفعل الولايات المتحده حالياً .

4. وبالنظر الى مشروع الحزام والطريق ، الذي يعيش في الدول المشاركة فيه حتى الآن ٦٥ ٪؜ من سكان العالم ويقومون بإنتاج ٤٠٪؜ من الانتاج في العالم ، فان ذلك يعني وجود سوق هائلة للبضائع الصينيه ، وعلى رأسها تكنولوجيا الإنترنت اللاسلكي الفائق السرعه ، ما يعني سيطرة الصين على قطاع خدمات الإنترنت في العالم ، التي ستصبح ، خلال سنوات قليله ، وسيلة التواصل الرئيسيه بين اكثر من عشرين مليار شخص وآلة او شئ ( هناك مسمى جديد يطلق عليه اسم : إنترنت الآلات . اَي ان الآلات من سيارات وطائرات وغيرها من الآلات الصناعيه سوف تتبادل المعلومات في ما بينها دون تدخل بشري ) .

وغني عن القول طبعاً ان شركات صناعة تكنولوجيا وخدمات الإنترنت الاميركيه لن يكون لديها اَي فرصة لدخول أسواق تلك الدول ، الأعضاء في مشروع الطريق والحزام ، من دون حتى اللجوء الى اجراءات عقابيةاو حمائية ، من قبل تلك الدول ، وانما بسبب التفوق التقني للشركات الصينيه وقدرتها الهائله على المنافسه ، لما تتمتع به من تفوق علمي ينتج تفوقاً تقنياً، وليس بسبب الأيدي العامله الصينيه الأقل كلفة من الأيدي العامله الاميركيه فقط .

5. انطلاقا من كل ما تقدم ، حول اهمية التفوق التقني والصناعات التكنولوجيه ، في مجال الإنترنت اللاسلكي الفائق السرعه ، يبدو واضحا ان المواجهة الدوليه ، التي نعيش مشاهدها في الكثير من بقاع العالم ، كالشرق الاوسط ومنطقة البحر الأسود /. القرم واكرانيا / وبحر الصين الجنوبي والبحار الاخرى ، وصولا الى القارتين الافريقيه والامريكيه الجنوبيه ، لن يتم حسمها الا لصالح روسيا والصين ، وبالتالي لصالح القوى الدوليه الساعه الى انهاءً السيطره والهيمنة الاميركيه الاحادية الجانب في العالم ، وذلك لأن الانتصار في الحروب لم يعد يعتمد على استخدام القوة المسلحة فقط وانما على استخدام العلم كقاعدة للتفوق على القوة بواسطة ابطال مفعولها .

وكما لاحظنا قبل ايّام قليلة فقط فانه لم يكن بإمكان ايران ان تسقط طائرة التجسس الاميركيه الاحدث في العالم لو ان ايران لم تكن تملك العقول العلميه والهندسية والقاعدة الصناعية لانتاج الصواريخ المضاده للطائرات بالمواصفات التي عرفها العالم عبر الصاروخ الايراني الذي اسقط هذه الطائرة .

6. وهذا بالضبط هو ما دفع مستشار الامن الوطني البريطاني ، مارك سيدويل Mark Sedwill ، لإبلاغ البرلمان البريطاني ، خلال جلسة استماع سنة ٢٠١٧ ، بان اَي هجوم إلكتروني على احد كوابل الإنترنت البحريه البريطانيه او على احدى محطات التحويل الخاصه بالإنترنت والمسماة تيرمنال Terminal ، اَي محطه ، والموجوده تحت البحر ، يشبه قصف محطات الكهرباء والموانئ البريطانيه خلال الحرب العالميه الثانيه .

ما يعني ان التقدم الهائل الذي حققته الصناعات التكنولوجيه الفائقة الحداثه لم يعطِ الصين ميزة خلق نظام دفاع إلكتروني / سايبري / فعال للغاية فحسب ، وانما نقلها الى مرحلة الدفاع الهجومي الرادع تماما لاي عدوان محتمل ، وذلك من خلال السلاح الصيني المخيف ، الذي كشف عنه مؤخراً والمتمثل في المدفع الكهرومغناطيسي ،والمسمى بالانجليزيه Electromagnetic Railgun ، وهو محمول على سفينة إنزال من فئة 072ll – Yuting – Class ، اسمها هايانغشان ( Haiyangshan ) ويطلق قذائف تفوق سرعتها سرعة الصوت بخمس مرات . علما ان باستطاعة هذا المدفع ، الذي سيدخل الخدمه الميدانيه في الجيش الصيني عام ٢٠٢٣ ، ان يطلق قذائف كهرومغناطيسية قاتله يصل مداها الى مائتي كيلومتر .

اذن فهي الثوره الرقمية والتكنولوجيا المرتبطة بها هي التي ستضع حداً للهيمنة الاميركيه على مقدرات العالم والتي ستحول التقاتل الى تعاون منتج على قاعدة الاحترام المتبادل لاستقلال الدول والشعوب وسيادتها على أراضيها .

عالم يأفل نجمه ويتصدع رغم تقدمه العسكري فيما عالم ينهض ويتعالى بالعلوم رغم حجم تسليحه الاقل والفضل في ذلك للثورة المعرفية والعلمية.

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

مفاجآت القرن الـ 21: ملحمة فلسطين وأسطورة إيران

ناصر قنديل يبدو القتال الأميركي الإسرائيلي والغربي عموماً لإنكار صعود العملاق الإيراني وإبهار الملحمة الفلسطينيّة ...