أشار السيد العلاّمة إلى أنّ رحلات المؤلف سنة 521 ه إلى بغداد و 529 ه إلى خراسان كانت في طلب الحديث وأنّ صلته بالدولة أيضاً لم تكن إلاّ لتحقيق هذا الهدف.
هذا، وذكر المؤرخون أنَّ ابنَ عساكر سافر في تحصيلِ العلمِ، وسَماعِ الحَديثِ مَرَّتين:
الأُولى: سَنة 521 ه قاصداً حجَّ بيت اللَّه الحرام، فعرجَ على بغداد طلباً للحديث، ومنها غادرَ إلى المدينةِ فمكة والطائف.
قال ياقوت: «وارتحلَ إلى العراقِ سنةَ 520 ه، وأقامَ خَمْسَ سنينَ، وحجَّ سنة إحدى وعشرينَ، وسمعَ بمكةَ ومِنى»(18).
وقال الحافظ الذّهبي: «وارتحلَ إلى العراق في سنةِ عشرينَ، وحَجَّ سَنة إحدى وعشرين… وأقام ببغداد خمسة أعوام في تحصيل العلم فسمع من هبة اللَّه بن الحصين وعلي بن عبد الواحد الدينوري وقراتكين بن أسعد وأبي غالب بن البنّاء وهبة اللَّه بن أحمدبن الطبر وأبي الحسن البارع وأحمد بن ملوك الوراق والقاضي أبي بكر وخلق كثير.
وبمكة من عبداللَّه بن محمدالمصري الملقّب بالغزال، وبالمدينة من عبد الخلاق بن عبدالواسع الهروي.
وقال الذهبي أيضاً: وعدد شيوخه الذي في «معجمه» ألف وثلاث مئة شيخ بالسماع و ستة
مخطط توضيحى يبدو فيه المدن التي زارها ابن عساكر في رحلتيه
(من كتاب «تراجم النساء من تاريخ مدينة دمشق» ص12 و 13)
ادامه نقشه سفر
وأربعون شيخاً أنشدوه وعن مئتين وتسعين شيخاً بالإجازة، الكل في معجمه، وبضع وثمانون امرأة لهنّ معجم صغير سمعناه(19).
وما أن عادَ مِنْ سفرهِ إلى مدينةِ دمشقَ حتّى هيّأَ العدّةَ لسفرةٍ أُخرى إلى بلادِ العَجَمِ في سَنَةِ529ه.
قال الحافظ الذهبي: «ارتحل إلى خراسان على طريق آذربايجان في سنة 529 ه»(20).
وقال السبكي: «سمع خلائق، وعدّة شيوخه ألف وثلاث مئة شيخ، ومن النساء بضع وثمانون امرأة، وارتحلَ إلى العراق ومكّة والمدينة، وارتحل إلى بلاد العجم فسمعَ باصبهان، ونيسابور، ومرو، وتبريز، وميهنة، وبيهَق، وخَسروجرد، وبسطام، ودامغان، والري، وزنجان، وهمدان، وأسد آباد، وجي، وهَراة، وبون، وبَغْ، وبوشنج، وسَرَخس، ونوقان،وسِمنان، وأَبهَر، ومَرند، وخُوي، وجُرباذقان، ومُشكان، ورُوذْراور، وحلوان، وأرجيش.
وسمعَ بالأنبارِ، والرافقة، والرحبة، وماردين، وماكسين وغيرها من البلاد الكثيرة والمدن الشاسعة والأقاليم المتفرقة، لا ينفك نائي الديار يعمل مطيته في أقصى القفار، وحيداً لا يصحبه إلّا تقيّ اتّخذه أنيسه، وعزم لا يرى غير بلوغ المآرب درجةً نفيسة، ولا يظلله إلاّ سَمُرة في رباع قفراء، ولا يرد غير إداوة لعلّه يرتشف منها الماء.
وسمع منه جماعة من الحفاظ كأبي العلاء الهمداني، وأبي سعد السمعاني، وروى عنه الجمّ الغفيروالعدد الكثير، ورويت مصنفاته – وهو حي – بالإجازة في مدن خراسان، وغيرها، وانتشر اسمه في الأرض»(21).
وقال عَنْهُ السّمعاني: إنّهُ بدأَ بكتابه قَبل رحلتهِ إلى بلاد العَجم، وقال: «دخلَ نيسابور قبلي بشهرٍ، سمعتُ منهُ وسمع منّي، وسمِعتُ منهُ معجمهُ، وحصلَ لي بدمشقَ نسخة منه، وكان قَدْ شرعَ في التأريخِ الكبيرِ لدمشق»(22).
وبعدَ عودتهِ إلى دمشق في سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة استقرَّ فيها منصرفاً إلى التدريسِ، والتصنيفِ، والتأليفِ. وكانَ نِتاجُ رحلاتهِ المئات من الرسائل، والكتب، والتي سوف نشير إلى جوانب منها عند الحديث عن مؤلفاتهِ فيما يلي.