التبيان في تفسير القرآن
7 مارس,2022
القرآن الكريم
397 زيارة
فصل
في ذكر أسامي القرآن ، وتسمية السور والآيات
سمى الله تعالى القرآن بأربعة أسماء : سماه قرآنا في قوله تعالى : ” انا جعلناه
قرآنا عربيا ” ( 1 ) وفي قوله : ” شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن ” ( 2 ) وغير
ذلك من الآي
وسماه فرقانا في قوله تعالى : تبارك الذي انزل الفرقان على عبده ليكون
للعالمين نذيرا . ” ( 3 )
وسماه الكتاب في قوله : ” الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل
له عوجا قيما ” ( 4 )
وسماه الذكر في قوله : ” انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ” ( 1 )
وتسميته بالقرآن تحتمل أمرين : أحدهما – ما روي عن ابن عباس ، أنه قال
: ( هو مصدر قرأت قرآنا ) أي تلوته ، مثل : غفرت غفرانا ، وكفرت كفرانا
والثاني – ما حكي عن قتادة ، أنه قال ” هو مصدر قرأت الشئ إذا جمعت
بعضه إلى بعض ” قال عمرو بن كلثوم
ذراعي عيطل ( 2 ) ادماء ( 3 ) بكر * هجان ( 4 ) اللون لم تقرأ جنينا
اي لم تضم جنينها في رحمها . وقال قطرب في معناه قولان أحدهما هذا
وعليه أكثر المفسرين وقال قولا آخر معناه لفظت به مجموعا وقال معنى البيت
أيضا أي لم تلقه مجموعا وتفسير ابن عباس أولى ، لان قوله تعالى ( ان علينا
جمعه وقرآنه ، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) ( 5 )
والوجه المختار أن يكون المراد وإذ تلوناه عليك ، وبيناه لك ، فاتبع تلاوته
ولو حملناه على الجمع – على ما قال قتادة – لكان يجب ألا يلزم اتباع آية آية من القرآن
النازلة في كل وقت ، وكان يقف وجوب الاتباع على حين الجمع ، لأنه علقه بذلك
على هذا القول ، لأنه قال : ” فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ” يعني جمعناه على ما قالوه
فاتبع قرآنه ، وكان يقف وجوب الاتباع على تكامل الجميع ، وذلك خلاف الاجماع
فالأول أولى
فان قيل : ( كيف يسمي القراءة قرآنا ، وإنما هو مقروء ؟ ) قلنا : ( سمي
بذلك كما يسمى المكتوب كتابا ، بمعنى : كتاب الكاتب ) قال الشاعر في صفة طلاق
كتبه لامرأته :
تؤمل رجعة مني وفيها * كتاب مثل ما لصق الغراء
يعني طلاقا مكتوبا
وتسميته بأنه فرقان ، لأنه يفرق بين الحق والباطل . والفرقان هو الفرق
بين الشيئين . وإنما يقع الفرق بين الحق والباطل بادلته الدالة على صحة الحق ،
وبطلان الباطل .
وتسميته بالكتاب لأنه مصدر من قولك ، كتبت كتابا ، كما تقول قمت
قياما . وسمي كتابا وإنما هو مكتوب ، كما قال الشاعر في البيت المتقدم . والكتابة
مأخوذة من الجمع في قولهم : كتبت السقاء إذا جمعته بالخرز قال الشاعر :
لا تأمنن فزاريا خلوت به * على قلوصك فاكتبها باسيار ( 1 )
والكتبة ، الخرزة . وكلما ضممت بعضه إلى بعض على وجه التقارب فقد
كتبته والكتيب ( 2 ) من الجيش ، من هذا لانضمام بعضها إلى بعض
وتسميته بالذكر ، ويحتمل أمرين : أحدهما – انه ذكر من الله تعالى ذكر به
عباده ، فعرفهم فيه فرائضه ، وحدوده . والآخر – انه ذكر وشرف لمن آمن به
وصدق بما فيه . كقوله ( وانه لذكر لك ولقومك ) ( 3 ) .
وأما السورة – بغير همز – فهي منزلته من منازل الارتفاع ، ومن ذلك
سور المدينة سمي بذلك – الحائط الذي يحويها لارتفاعه عما يحويه غيران سور
المدينة لم يجمع سورا ، وسورة القرآن تجمع سورا . وهذه أليق بتسميته سور
القرآن سورة . قال النابغة
ألم تر ان الله أعطاك سورة * يرى كل ملك دونها يتذبذب
يعني منزلة من منازل الشرف التي قصرت عنها الملوك .
واما من همز السورة من القرآن ، فإنه أراد به القطعة التي انفصلت من
القرآن وأبقيت وسؤر كل شئ بقيته . يقال اسأرت في الاناء أي أبقيت فيه
قال الأعشى بن ثعلبة ، يصف امرأة
فبانت وقد أسأرت في الفؤاد * صدعا على نأيها مستطارا
وتسمية الآية بأنها آية ، يحتمل وجهين أحدهما – لأنها علامة يعرف بها
تمام ما قبلها ، ومنه قوله تعالى [ أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا
وآخرنا وآية منك ] ( 1 ) يعني علامة لإجابتك دعاءنا . والآخر أن الآية القصة
والرسالة . قال كعب بن زهير
ألا أبلغا هذا المعرض آية * أيقظان قال القول إذا قال أم حلم
يعني رسالة فيكون معنى الآيات القصص ، قصة تتلو قصة روى واثلة بن الأصقع
أن النبي صلى الله عليه وآله قال ( أعطيت مكان التوراة السبع الطول ، وأعطيت مكان الزبور
المئين ، وأعطيت مكان الإنجيل ، المثاني ، وفضلت بالمفصل ) فالسبع الطول
1 – البقرة 2 – آل عمران 3 – النساء 4 – المائدة 5 – الانعام 6 – الأعراف
7 – ويونس . في قول سعيد بن جبير وروي مثل ذلك عن ابن عباس قال وسميت
السبع الطوال ، لطولها على سائر القرآن . وأما المئون ، فهو كل سورة تكون
مائة آية أو يزيد عليها شيئا يسيرا ، أو ينقص عنها شيئا يسيرا . وأما المثاني فهي
ما ثنت المئين ، فتلاها . فكان المئون لها أوائل ، وكان المثاني لها ثوان وقيل إنها
سميت بذلك ، لتثنية الله قيها الأمثال ، والحدود ، والقرآن ، والفرائض وهو
قول ابن عباس . وقال قوم ( المثاني سورة الحمد ، لأنها تثنى قراءتها في كل صلاة )
وبه قال الحسن البصري ، وهو المروي في أخبارنا قال الشاعر
حلفت بالسبع اللواتي طولت * وبمئين بعدد قد أميت
وبثمان ثنيت وكررت * وبالطواسين التي قد تليت
وبالحواميم التي قد سبعت * وبالمفصل اللواتي فصلت
وسميت المفصل مفصلا ، لكثرة الفصول بين سورها ببسم الله الرحمن الرحيم
وسمي المفصل محكما ، لما قيل إنها لم تنسخ . وقال أكثر أهل العلم ( أول المفصل
من سورة محمد صلى الله عليه وآله إلى سورة الناس ) وقال آخرون ( من ق ، إلى الناس )
وقالت فرقة ثالثة – وهو المحكي عن ابن عباس – أنه من سورة الضحى إلى الناس
وكان يفصل من الضحى بين كل سورتين بالتكبير ، وهو قراءة ابن كثير . وإن
قيل : ما وجه الحكمة في تفصيل القرآن على السور ؟ قيل : فيه وجوه من الجواب
أحدها – أن القارئ ، إذا خرج من فن إلى فن كان أحلى في نفسه وأشهى
لقراءته ومنها – ان جعل الشئ مع شكله ، وما هو أولى به هو الترتيب الذي يعمل
عليه ومنها – أن الانسان قد يضعف عن حفظ الجميع ، فيحفظ سورة تامة ويقتصر
عليها ، وقد يكون ذلك سببا يدعوه إلى غيرها ومنها – ان التفصيل أبين ، إذ كان
الاشكال مع الاختلاط والالتباس أكثر . ومنها – ان كلما ترقى إليه درجة درجة
ومنزلة منزلة كانت القوة عليه أشد ، والوصول إليه أسهل وإنما السورة منزلة يرتفع
2022-03-07