الرئيسية / القرآن الكريم / الوجيز في علوم القرآن

الوجيز في علوم القرآن

الدّرس الحادي عشر: المحكم والمتشابه في القرآن

اهداف الدرس:
1- أن يتعرَّف الطالب إلى معنى المحكم والمتشابه.
2- أن يدرك الحكمة من وجود المتشابه في القرآن.
3- أن يتعرَّف إلى معنى التأويل.

تمهيد
من أهمّ الأبحاث العلمية في علوم القرآن الكريم هو بحث المحكم والمتشابه، وهو بحث قديم يرجع للزمن الأوّل بعد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، في زمن التابعين من الأصحاب، حيث نجد في تعابير أمير المؤمنين عليه السلام العبارات الصريحة الدالة على هذا البحث، وهو من الأبحاث التي لا يستغني عنها فقيه من الفقهاء، لأنه لا يستطيع أن يقدّم أي فتوى من الفتاوى دون الرجوع إلى القرآن الكريم لأنه المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي، والرجوع إلى القرآن يحتاج إلى التمييز بين المحكم والمتشابه، وهذا البحث الذي بين أيدينا معقود لبيان المراد من المحكم والمتشابه، والمراد من التأويل، وكيفية التعاطي مع المتشابهات، ولماذا كان في القرآن الكريم بعض آيات متشابهات، ولم يكن كله من المحكمات؟

معنى المحكم:
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾ .

الإحكام في اللغة: يعني الإتقان، ويوصف به الكلام إذا كانت دلالته على المراد واضحة, بحيث لا تحتمل وجوهاً أخرى من المعاني، ومن هنا كان المحكم هو الذي لا تعتريه شبهة من حيث الدلالة والمعنى، ولا يتعدّد فيه احتمال المعنى.

وأما المتشابه: فهو مأخوذ من تشابه الوجوه أي تماثل بعضها مع بعض آخر، بحيث يحتمل وجوهاً متعدّدة من المعاني. ومن ثمّ كان المتشابه ما فيه شي‏ء من الخفاء، فكان ظاهره لا ينبئ بنفسه عن المراد، ما لم يرجع إلى المحكم من القرآن الكريم، أو القرائن والدلالات الواردة في الروايات الواردة عن أهل بيت النبوة عليهم السلام الكاشفة عن الدلالة الصحيحة أو المعنى المراد.

إذن فالمتشابه بحاجة إلى التأويل والإرشاد إلى الوجه المتعيّن من الوجوه المحتملة، وإذا أُرجعت المتشابهات إلى المحكمات ارتفعت جميع جوانب الإبهام والتشابه أو كثير منها.

والآية الشريفة السابقة الذكر تتحدّث عن مرضى القلوب وطلّاب التحريف المعنوي، الذين يريدون استخدام القرآن الكريم وسيلة للوصول إلى مآربهم الخبيثة، فيلجؤون إلى المتشابهات، وأما التمسّك بالمتشابهات بالطريقة الصحيحة وعلى أساس إرجاعها إلى المحكمات التي تفسّرها، أو الرجوع إلى الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويلها، فإنّ ذلك جائز لا ريب فيه.

حكمة المتشابه في القرآن
من المعلوم أن القرآن كتاب هداية للناس، وهو الكتاب السماوي الخاتم الذي لا كتاب بعده للناس، فينبغي أن يكون خالياً من التحريف والنقص وأيّ شيء يؤثّر سلباً على الهدف الذي من أجله نزل القرآن، والمتشابه قد يوقع الإنسان في الالتباس والشبهات، وذلك لعدم وضوح معنى المتشابه، ولتعدّد الاحتمالات فيه، فقد يسأل سائل أنّه ما الحكمة في وجود المتشابه في القرآن؟

الجواب: إنّ القرآن الكريم تصدّى لبيان أمور كثيرة غير محسوسة، ولا يمكن تصويرها ولا التعبير عنها بالطريقة المتعارفة، إلا إذا استعين بالمجازات والاستعارات والكنايات، وتقريب تلك المعاني بتشبيهها بالمحسوسات، وذلك لأمرين:

1- ضيق العبارات، وعجز الألفاظ.
2- عجز الأذهان البشرية الساذجة عن إدراك تلك المعاني إما لدقّتها أو لخفائها عن غير أهلها.

وعلى سبيل المثال: كيف نعبّر لشخص لم يسافر خارج بلده ولم يرَ البلدان الأخرى عن بعض المناظر الموجودة في البلاد الأخرى؟ ألا نضطر للاستفادة من التشبيه والتمثيل له ببعض الأمور الموجودة في بلده؟ وإذا أردنا أن نصف للطبيب بعض الآلام التي نشعر بها، ألا نشبه له الألم بأمور محسوسة؟ والله سبحانه وتعالى عندما يريد أن يخبرنا مثلاً عن بعض ملذّات الجنة ألا يشبهها لنا بما تدركه عقولنا من تفاح ورمان و… ولكن تفاح لا كتفاح الدنيا ورمان لا كرمان الدنيا وهكذا سائر النعم في الجنة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكذلك الأمر بالنسبة للعذاب فهو ليس كعذاب الدنيا أبداً، ولكن يشبّه لنا ببعض أنواع العذاب الدنيويّ كي نستطيع فهم المعنى على قدر المستوى البشري.

ويؤكّد هذا المعنى العلامة الطباطبائي حيث ذهب إلى أنّ سبب وقوع التشابه في القرآن يعود إلى كون القرآن الكريم يخضع في إلقاء معارفه العالية لألفاظ وأساليب دارجة لم تكن موضوعة سوى لمعانٍ محسوسة أو قريبة منها، ومن ثمّ لم تكن تفي بتمام المقصود، إلا بارتكاب الكنايات والمجازات فوقع التشابه فيها وخفي وجه المطلوب إلا على أولئك الذين نفذت بصيرتهم وكانوا على مستوى رفيع من العلم .

وفي هذا المجال يقول الشيخ محمد عبده:
“إنّ الأنبياء بعثوا إلى جميع أصناف الناس من دانٍ وشريف وعالم وجاهل وذكي وبليد، وكان من المعاني ما لا يمكن التعبير عنه بعبارة يفهمها كل أحد، ففيها من المعاني العالية والحكم الدقيقة ما يفهمه الخاصّة ولو بطريق الكناية والتعريض، ويؤمر العامّة بتفويض الأمر فيه إلى الله والوقوف عند حدّ المحكم فيكون لكلٍّ نصيبه على قدر استعداده” .

كيف نتعامل مع المتشابه؟
وقصور الذهن البشري بشكل عام عن إدراك المعنى الدقيق والكامل للقرآن لا يعني ذلك أبداً خروج القرآن الكريم عن كونه كتاب هداية وبيان ونور، ولا ينافي ذلك أبداً وجوب التدبّر في آياته والغوص في أعماقه واستخراج مكنوناته، فإنّ الطريق إلى معرفة المعاني المقصودة في الآيات المتشابهة مفتوح وذلك عن طريقين:

الأول: ردّ المتشابه إلى المحكم، وتفسيره على ضوء ما هو مبيّن في الآيات المحكمات، فهي التي تحدّد المقصود وتبيّن المراد.

الثاني: الرجوع إلى الراسخين في العلم: وهم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته المعصومون عليهم السلام ورثة علمه وباب مدينته وخزّان وحيه.

وقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: “إنما يعرف القرآن من خوطب به” .

فالمتشابه، ليس متشابهاً بقول مطلق، لأن تشابهه مرتفع عند أهله، وقد ورد في الأثر عن الإمام الصادق عليه السلام: “المحكم ما يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله” .

فقوله عليه السلام: “على جاهله” يدل على أنه غير متشابه عند العالم به وهم الراسخون في العلم.

وفي الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام: “من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم” .

ومن هذه النصوص نستفيد أن الآيات المتشابهة هي الآيات التي لا تستقل في مدلولها بل لا بد من ردّها إلى الآيات المحكمة.

يقول العلامة الطباطبائي قدس سره: “وعليه ليس في القرآن آية لا نتمكّن من معرفة معناها، بل الآية إمّا محكمة بلا واسطة كالمحكمات نفسها، أو محكمة مع الواسطة كالمتشابهات…” .

واختصاص معرفة معاني القرآن بالراسخين في العلم لا يمنع معرفة بعض مراتب المعنى بما يتناسب مع مستوى إدراك القارئ المتدبّر في القرآن، وإلا فمراتب المعنى عديدة وكثيرة تختلف عمقاً ولا يمكن إدراك مداها إلا لمن خصّ بالمنزلة العليا من الكمال البشري وهم الراسخون في العلم. وهذا لا علاقة له بالإحكام والتشابه وإنما هو يجري في كل آية من آيات الكتاب.

أهل الزيغ والمتشابهات
يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ﴾ . وهذه الآية الشريفة تقسم مواقف الناس في تعاملهم مع متشابه القرآن

ومحكمه إلى قسمين: قسمٌ هم أهل الزيغ والضلال، وقسم هم الراسخون في العلم.

وأمّا القسم الأوّل فهم إمّا أهل الظاهر الذين يقفون عند ظاهر اللفظ دون الاهتمام بما ينتج عن ذلك من مخالفة صريحة للمحكمات، والالتزام بما لا ينسجم مع العقائد الأساسية الثابتة بالعقل والنقل.

وأمّا أهل الزيغ ومرضى القلوب الذين تحدّثت عنهم الآية، فهؤلاء يتعمّدون التحريف والتأويل والتصرّف في المعاني بحسب أهوائهم.

ولقد تسبّب أهل الزيغ في خلق حالة التشكيك والخفاء في الآيات المتشابهة نتيجة الخوض في الشبهات والسجالات الكلامية، وأبعدوا بذلك المعاني القرآنية عن متناول الأيدي بالنسبة للكثيرين.

ولأجل ذلك كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يوصي ابن عباس عندما بعثه إلى الخوارج للاحتجاج عليهم: “لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنّة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً” .

والآية الشريفة لم تنهَ عن الاستفادة من الآيات المتشابهة في المحاججة كما توهّم بعضٌ، وإنّما ذمّت الذين يلجؤون إلى التشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل بما يتناسب مع أغراضهم الدنيئة.

أمّا العمل بالمتشابه بعد ردّه إلى المحكم أو رفع تشابهه عن طريق الرجوع إلى الراسخين في العلم، فهو مما لا ريب فيه ولم ينه عنه القرآن ولا منع منه.

فالقرآن “يشهد بعضه على بعض وينطق بعضه ببعض” كما روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

التأويل في القرآن
التأويل: مأخوذ من مادة آل إذا رجع، فكأن التأويل إرجاع اللفظ إلى معناه المراد واقعاً.

قال الخليل الفراهيدي: التأوّل والتأويل: تفسير الكلام الذي تختلف معانيه ولا يصح إلاّ ببيان غير لفظه . وهذا هو المقصود في الآية التي تعرّضت لتأويل المتشابه.

وقد وردت مادة التأويل في القرآن الكريم 71 مرة، يمكن إرجاع الجميع إلى معنى واحد وهو كشف ما كان غامضاً في فعل أو لفظ أو غيب. وهذا ينسجم مع المعنى اللغوي.

وأما في لسان المفسّرين فهناك ثلاثة استعمالات للتأويل:
الأول: تأويل المتشابه وبيان الوجه فيه والمعنى المراد منه وهو مختصّ بالآيات المتشابهة.
الثاني: بمعنى التفسير سواء كان اعتماداً على مداليل الألفاظ أو غيرها من الوسائل والطرق، وهذا أعم من الاستعمال السابق.
الثالث: بيان المعاني الباطنة للقرآن الكريم، فإن القرآن على ما ورد في الأثر له ظهر وبطن، بل بطون متعدّدة.

فعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: “ليس من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما من حرف إلا وله تأويل، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم” .

وسئل الإمام الباقر عليه السلام عن هذه الرواية فقال: “ظهر وبطن هو تأويلها، منه ما قد مضى ومنه ما لم يجئ… ونحن نعلمه” .

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن… وله ظهر وبطن ظاهره حكمة وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق”

لماذا كان في القرآن آيات فيها تأويل؟
القرآن الكريم تبيان كل شي‏ء، ولا يمكن بيان كل شي‏ء لكل أحد، نظراً لاختلاف مستويات الناس من حيث القدرة على الإدراك.

فمن الناس من لا يدرك حتى الظاهر منه.

ومن العلماء من يقتصر على إدراك الظاهر, لأنّه يعجز عن خوض غمار الباطن، ومنهم من ينكشف أمامه بعض مراتب الباطن وطبقاته.

ومنهم الراسخون في العلم الذين أَوغلوا فيه وسبروا أعماقه.

وهذا الأسلوب القرآني يعدّ من وجوه الإعجاز فيه حيث يخاطب الناس كلهم على اختلاف مداركهم بكلام واحد يتضمّن مستويات من العلم والحكمة والمعارف.

فالقرآن كله نور وبيان وهدى، والخفاء الحاصل من بطونه ناشي‏ء من قصور في مداركنا وعقولنا المحدودة، وليس من قبل القرآن نفسه.

الراسخون في العلم
تشير الآية المتقدّمة في مستهل الفصل إلى اختصاص معرفة التأويل بالله والراسخين في العلم. لكن الذين وضعوا علامات الوقف في القرآن الكريم أثبتوا

عند لفظ الجلالة في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ﴾ وقفاً لازماً، ليجعلوا ما بعد لفظ الجلالة كلاماً مستأنفاً في محاولة لتخصيص معرفة تأويل المتشابه باللّه عزّ وجلّ، وإغلاق باب الوصول إليه على البشر جميعاً، جموداً على المتشابه وسدّاً لباب التأويل، ولا نشكّ بأنّ الدافع الأساس لهذا الأمر هو الحسد لأهل البيت عليهم السلام الذين ورد أنهم هم الراسخون في العلم.

والحقيقة أنّ هذا العمل يفتح المجال أمام التساؤل عن فائدة إدراج الآيات المتشابهة في القرآن الكريم مع كونها لا يعلم تأويلها إلا الله، وكيف يمكن أن يكون الكتاب كل الكتاب كتاب هداية وبيان، وكيف يمكن الأمر بتدبر آياته كل آياته.

فالصحيح أنّ ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ معطوفة على “الله”، في الآية، فهم يعلمون بتعليم منه بلا شك تأويل المتشابه بل البطون العميقة للقرآن الكريم . وليس هناك أي إشكال نحوي في جعل جملة “يقولون آمنا به “مستأنفة، فاعلها يعود إلى الراسخين أنفسهم.

من هم الراسخون؟
يقول الإمام الباقر عليه السلام كما في الرواية: “إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الراسخين في العلم، قد علم جميع ما أنزل الله من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلمه تأويله” .

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: “إن الله علّم نبيه التنزيل والتأويل فعلّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام وعلّمنا والله” .

وأما الروايات التي تصرّح بأنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام هم الراسخون في العلم فكثيرة جدّاً ومستفيضة.
نماذج من الآيات المتشابهات

1- قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ .

وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ .

وأمثال هذه الآيات التي عبّرت بالاستواء.

ولا شك أن الاستواء على العرش بمعنى الجلوس عليه غير جائز عليه تعالى، فلا بد من حملها على معنى السيطرة والاستيلاء والقدرة، وهو معنى نستفيده من الآية الشريفة: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ، وما ورد في كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “… ومن قال: فيم؟ فقد ضمّنه، ومن قال: علام؟ فقد أخلى منه…” .

ولكن الذين عجزوا عن التأويل توهّموا عدم اطلاع أحد غير الله عليه، فقالوا كما روي عن مالك بن أنس أنه سئل عن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كيف استوى؟ فأجاب بعد أن أطرق برأسه: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني لأخاف أن تكون ضالاً…

ثم أمر بالرجل فأخرج من المسجد .

وهذا النوع من الاستعمال المجازي معروف عند العرب، قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق

2- قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ .

فإن النظر هنا ليس نظر الجارحة ولا نظر الرؤية، وذلك لقوله تعالى: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ .

والمؤسف أن الغفلة والجمود دفعا البعض إلى مخالفة صريح هذه الآية المحكمة تمسّكاً بالمتشابه في الآية السابقة، فادعوا إمكان رؤية الله تعالى، مع أن النظر لا يلزم منه الرؤية، ومع ذلك يمكن حمله على النظر إلى رحمة الله تعالى وجميل وعده نظر انتظار.

3- قوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء﴾ .

وقوله تعالى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ .

فلا يعقل أن يكون له سبحانه يداً أو رجلاً أو ما شابه ذلك، لأنه يستلزم الجسمية، والجسم يملأ حيزاً، وهو سبحانه وتعالى لا جسم له ولا حيّز له ولا مكان، وإنما هو خالق كل شيء، تعالى الله عمّا يصفون علوّاً كبيراً.

أسئلة حول الدرس

أجب عن الأسئلة التالية:
1- ما هو المحكم؟
2- ما هو المتشابه؟
3- ما هي الحكمة من وجود المتشابه في القرآن الكريم؟
4- ما هي الطرق التي نستخدمها إذا واجهنا آيات متشابهات في القرآن الكريم؟
5- من هم الراسخون في العلم؟ وما هو دورهم في التأويل وردّ المتشابه إلى المحكم؟

أجب بـ  أو :
المتشابه هو ما يحتمل وجوهاً متعدّدة من المعاني.
عند وجود الآيات المتشابهة والمحكمة فإنه لا بد من ردّ المحكم إلى المتشابه.
أهل الزيغ هم مرضى القلوب الذين يحتاجون إلى علاج بالحجّة والبرهان.
مشكلة أهل الجدل والمذاهب الكلامية أنهم يتجاوزون ظاهر الألفاظ القرآنية إلى المعاني الباطنية التي لا توافق العقل والسنة.
إن الرجوع إلى الراسخين في العلم يعني الرجوع إلى كل من له علم ودراية بعلوم القرآن ومعاني آياته الكريمة.

حدّد موضع التشابه في الآيات التالية وكيف تجيب عنها:
1 – ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ .
2 – ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ .

شاهد أيضاً

جنتي: احتلال غزة بالكامل ونزع سلاح حزب الله أوهام باطلة

قال أمين مجلس صيانة الدستور في إيران، آية الله أحمد جنتي، إن من يطرحون هذه ...