تحدثنا في المقال الأول عن المعني المقصود ( بالأميين ) في سورة الجمعة المباركة ، وإستنتجنا من مقارنة ثلاثة أيات تتحدث عن نفس موضوع بعثة النبي صلوات الله عليه وأله ، ان المقصود بالأميين الذين بُعث فيهم الرسول صلوات الله عليه وأله هم الأئمة من أهل البيت عليهم السلام …
ونستكمل في هذا المقال شرح الفكرة ببعض التفصيل :
نبدأ بذكر الأيات المباركة من ( سورة الجمعة ) وهي قوله تعالي :
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4
الفرق بين البعثة والرسالة
الأية الأولي :
( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ )
الأية الكريمة تتحدث عن بعثة الرسول صلوات الله عليه وأله ، فلو كان المقصود بالأميين هم العرب الذين لا يقرأون ولا يكتبون ، فهل بُعث الرسول صلوات الله عليه وأله لهم فقط ، أم أن الله أرسله للناس جميعاَ
مما لا شك فيه أن الرسول الأكرم سيدنا محمد صلوات الله عليه وأله قد أرسل للناس جميعاَ ، يقول تعالي :
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) 158) الأعراف )
وكذلك قوله تعالي :
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ} [سورة سبأ:28-30
ــــــــــــــــــــــــــــ
نلاحظ في الأيات المذكورة التفرقة بين ( البعثة ) وبين ( الرسالة ) ففي البعثة تم ذكر أنها ( في الأميين ) فقط ، وفي ( الأخرين منهم )
أما في الرسالة تم ذكر انها ( للناس جميعاَ ) أو ( كافة ) .
كما نلاحظ أن مع البعث يتم إستخدام ( فيهم )
أم مع الرسالة فيتم إستخدام ( إليكم )
ونستطيع أن نجمع بين المعنيين بالعبارة الاتية :
( أن النبى صلوات الله عليه وأله بُعث في الأئمة من أهل بيته عليهم السلام ( خاصة ) ، ولكنه أرسل للناس جميعاَ أو كافة )
أما الحكمة من ذلك فهي :
( أن الرسول بُعث في أهل بيته خاصة لتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة لما سيكون لهم من دور في قيادة الامة والسير بها نحو الكمال ، ونحو الله عز وجل ، وهذا المعني تذكره الأية الكريمة بوضوح ، يقول تعالي :
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )
ويمكن أيضاَ أن نستنتج أن الأية تخنص بأهل البيت عليهم السلام بالادلة الأتية :
1 ـ جملة ( رسولا منهم ) وأهل بيته منه : كما في الأحاديث الشريفة :
(حسين منى وأنا من حسين )
( فاطمة بضع منى ………)
( فعلي منى وأنا من علي )
2 ـ بل تحدث القرأن عن أمر للرسول صلوات الله عليه وأله بإختصاص عشيرته الأقربين ، يقول تعالي :
﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) . الشعراء
وتم وقتها إعلان خلافة وولاية علي عليه السلام من بعده .
3 ـ الدليل الأخر نستنجة من قوله تعالي (ويعلمهم الكتاب والحكمة ) كأحد اسباب البعثة المباركة ، لأنه بالرجوع إلي الأيات المشابهة في القرأن نجد ان تعليم الكتاب والحكمة من إختصاص الانبياء والأولياء الكمل ،
معنى تعليم الكتاب والحكمة
يقول تعالي موضحاَ هدف المبعث النبوي الشريف :
( يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )
فمن الملائم أن تختص هذه الدرجة من التزكية وتعليم الكتاب والحكمة بالأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) وهم بدورهم عليهم هداية الامة وإرشادها ، فهي تختص بأهل البيت بالأصالة وبباقي الأمة بالتبعية ،،،
ويترجح إختصاصها بأهل البيت عليهم السلام ، في حالة ما إذا كان المقصود ( بقوله تعالى (ويعلمهم الكتاب ) هو (علم الكتاب ) الخاص ، كما هو الحال في أصف بن برخيا وصى النبي سليمان عليه السلام ،الذى كان عنده علم حرف واحد من الكتاب فاتي بعرش بلقيس في أقل من طرفة عين ، كما في قوله تعالي :
َقالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) …. فهذا علم خاص لايتاح إلا للأولياء الكاملين ، وهذا يرجح إختصاص أهل البيت عليهم السلام بقوله تعالى ؛ ( ويعلمهم الكتاب ) فيكونون هم المقصودون ( بالمبعوث فيهم ) … والمعروف أن اهل البيت عليهم السلام عندهم علم الكتاب كله ، كما ورد في حق علي عليه السلام :
(قل كفي بالله شهيدا بينى وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) أخر سورة الرعد
فلو كان المقصود تعليم الكتابة أو العلوم التحصيلية العادية فهى ليست مختصة بفئة معينة دون باقي الأمة …
ولقد ورد في الروايات الشريفة نموذج من العلم الذي علمه الرسول صلوات الله عليه وأله لأمير المؤمنين علي ( ع ) :
ففي كتاب ينابيع المودة / القندوزي :
قال الإمام زين العابدين والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق (عليهم السلام): (علّم رسول الله صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام ألف باب، يفتح من كل باب ألف باب)
تم هذا في دقائق في مرض وفاة الرسول الأكرم صلوات الله عليه وأله ، فهذا نوع من العلم الخاص الذي تنطبق عليه الأية الكريمة .
ولنرجع للقرأن ونسأله هل ورد نص ( ويعلمهم الكتاب والحكمة) في سورة أخري ) …؟
الكتاب والحكمة في القرأن
قوله تعالي : (ويعلمهم الكتاب والحكمة ) لو عرضنا هذه الجملة على القرأن لوجدناها ذكرت بنصها تماماَ علي أنها من مختصات الانبياء أو من في حكمهم كالأئمة والأولياء الكاملين ، وذلك كما في قوله تعالي :
( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ ( كِتَابٍ وَحِكْمَة ) ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ )
نلاحظ في الأية الشريفة أن تعليم الكتاب والحكمة من المختصات التي يمنحها الله للنبيين و لخاصة أوليائه ، وليس لأهل مكة الذين كانوا يعبدون الأوثان ، وأن من شروطها التى تم أخذ العهد عليها في ميثاق عالم الذر هو الإيمان بالنبى محمد صلوات الله عليه وأله .فتعليم الكتاب والحكمة ليس للعرب ولا لعبدة الاوثان ولا لعامة الناس ولا لخاصتهم نصيب فيه ، لأنه تعليم إلهي لانبيائة وأوليائه .. وهذا يرجح إختصاص هذه الاية من سورة الجمعة بأهل البيت عليهم السلام .
يتبقى شبهة واحدة وهى قوله تعالي : ( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )
فإن كان المقصود بالأميين هم الائمة من أهل البيت عليهم السلام ، فكيف يتم وصفهم بقوله تعالي : ( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) ………….؟!!
بإذن الله تعالي سوف يكون الرد علي هذه الشبهة موضوع مقالنا الثالث .