الرئيسية / تقاريـــر / ذكرى المبعث النبوي الشريف بقلم سالم الصباغ

ذكرى المبعث النبوي الشريف بقلم سالم الصباغ

ذكرى المبعث النبوي الشريف بقلم سالم الصباغ

يقول الله تعالى في أول ما نزل من القراَن الكريم :

 اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) سورة العلق

وفي دعاء ليلة المبعث :

( اللهم إني أسألك بالتجلي الأعظم في هذه الليلة من الشهر المعظم والمرسل المكرم أن تصلي على محمد وأله .. )

العرب قبل البعثة النبوية الشريفة

لقد كانت البشرية قبل بعثة الرسول الأكرم سيدنا محمد صلوات الله عليه وأله تعيش فى ظلام الجاهلية ، وخاصة في جزيرة العرب ، حيث كانوا يرتزقون من قطع الطرق والإغارة علي القبائل ، ويحتقرون النساء ، ويئدهن أحياء بدسهن في التراب ، ولقد وصف القرأن هذا الموقف من الإناث أبلغ وصف وتشبيه ، حيث قال تعالي :

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) النحل  

كذلك وصفت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام حالة العرب قبل البعثة النبوية الشريفة في خطبتها المشهودة بعد شهادة أبيها صلوات الله وسلامه عليه ، فبدأت بالحديث عن الوجود النوراني للرسول الأعظم صلوات الله عليه وأله قبل عالم الخلق :

وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله،
اختاره قبل أن يجتبله،
واصطفاه قبل أن ابتعثه ،
وسماه قبل أن استنجبه،
إذ الخلائق بالغيوب مكنونة،
وبستر الاهاويل مصونة،
وبنهاية العدم مقرونة،
علما من الله عزوجل بمأيل الامور،
وإحاطة بحوادث الدهور،
ومعرفة بمواضع المقدور،
ابتعثه الله عزوجل إتماما لامرهوعزيمة على إمضاء حكمه،

ثم وصفت صلوات الله عليها حالة الأمم قبل البعثة النبوية الشريفة ،
فقالت :
فرأى الامم صلوات الله عليه وآله فرقا في أديانها،
عكفا على نيرانها،
عابدة لاوثانها،
منكرة لله مع عرفانها،
فأنار الله عزوجل بمحمد صلى الله عليه وآله ظلمها،
وفرج عن القلوب بُهمها،
وجلا عن الابصار غُممها ..

المبعث النبوي الشريف في القرأن الكريم

إن ذكري المبعث النبوي الشريف الذي هو يوم التجلي الأعظم بالأسم الأعظم الأعظم الأعظم ، علي قلب صاحب الخلق العظيم ….كما ورد في الدعاء الخاص بليلة المبعث ويومها ففي الدعاء الشريف في ليلة المبعث :

اللهم إني أسالك بالتجلي الأعظم 
وفيه أيضاَ :
وبالاسم الأعظم الاعظم الأعظم

وهو أيضاَ عيد نزول (الرسالة الخاتمة ) وهي القرأن الكريم …

ولابد في الليلة الاولي من مشروع التكامل الإنساني والنقله الحضارية للإنسان ومع بداية البعثة النبوية الشريفة أن تبدأ بتحديد أهداف رسالة الله وكلمته الأخيرة للإنسان … وهذا ماسنحاول قراءته في الايات القرانية الخاصة بهذه المناسبة :

                            تأملات في سورة العلق / أقرأ

يقول الله تعالى في سورة ( العلق ) :

( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ )

إن أول مانزل من القرأن علي قلب الرسول الاعظم صلوات الله وسلامه عليه وأله هو الأيات الأولي من سورة ( العلق ) ، ولذلك كان من الملائم أن تُلخص هذه السورة المباركة وتوضح الهدف من هذه الرسالة الألهية الخاتمة ،

يقول الله تعالي :

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ/ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ/ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ/ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ/ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ العلق

وحيث أن المبعث النبوي الشريف يمثل بداية حمل رسالة الإسلام وتبليغها إلي الخلق ،نجد الأتي :

  • أن بداية نزول القرأن بدأ بكلمة ( اقرأ ) لتتعلم الأمة كلها أن بداية السير في طريق التكامل الإنساني والقرب الألهي ، وارتباط الإنسان بخالقه ومعرفته ، يبدأ بالقراءة والتعلم ( أقرأ باسم ربك ) ..
  • كما وأن هذه القراءة يجب أن تكون باسم الله ، وليست باسم أي شئ اخر ، أي يجب أن يتوجه الإنسان في سيره في هذه الحياة متوجهاَ إلى الله ، وأن تكون أعماله خالصة لوجه الله ، يقول الله تعالى :
      قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) الأنعام
    وهذا يوضح لنا أن العلوم الحقيقية التي يجب أن يتجه إليها الإنسان في مسيرته نحو التكامل البشري هي العلوم التي تكون لله وباسمه وخاصة الإلهيات والتي تختص بمعرفة الله عز وجل ، ويكون مصدرها الوحي أي كلام الله في كتابه العزيز ، كما الصحيح من سنة نبيه الكريم .
  • ثم أشارت الأية الكريمة إلي أي مدي يمكن أن يصل إليه التطور البشري ، حيث أن هذا الإنسان الكائن إعجوبة الخلق الإلهي قد بدأ الله خلقه من ( علق ) وهى النطفة أو نقطة الدم المتعلقة بجدار رحم المرأة ، ثم لنتساءل كيف تحولت هذه النطفة إلي هذا الإنسان السوي العاقل المفكر المبدع والذي استطاع بالعقل الذي وهبه الله إليه أن يصنع هذه الحضارة المادية العظيمة ، بل أختار الله عز وجل من هذا النوع الإنساني أشرف المخلوقات وهم أنبياؤه ورسله وخاصة خاتمهم المصطفي وأله الطيبين الطاهرين ..
  • فإذا كانت هذه النطفة والتي قد تحولت إلى هذا المخلوق الأعجوبة تمثل التطور في جانبه المنظور والمادي ، فالأحري بالإنسان أن يصل إلي أضعاف هذا التطور في جانبه الروحاني التي هي من الأمر الألهي ( قل الروح من أمري ) وهو الجانب الأعظم في الإنسان بل هو حقيقة الإنسان وسره .
  • إذن فقد أرادت هذه الأيات أن ترشدنا ان الهدف من هذه الرسالة هو التكامل الإنساني ، فكما بدأ تكامله الجسماني من ( العلقة ) إلي ( الجسد المتكامل ) ، ثم الخلق الأخر ـ ثم أنشأنه خلقاَ أخر كذلك لابد أن تتكامل ( النفس ) من نقطة الصفر عند الولاده حيث ( هو الذي أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاَ ) إلي أعلي درجات التكامل الإيماني ، وادني درجات القرب الألهي حيث وصل الرسول المكرم إلى مقام قاب قوسين أو أدني ..
  • ثم تحدثت الأية عن أهمية العلم والتعليم للخلق ـ أقرأ بسم ربك الذي خلق ـ وأنه عطاء إلهي من  ( ربك الاكرم ) وليس ( الكريم ) فقط ، دلالة على عظمة منحة القابلية للتعلم لدي الإنسان وأهمية العلم ودوره في الرسالة الخاتمة
  • كما نلاحظ استعمال القرأن للفظ ( ربك ) في خطابه للرسول الأعظم صلوات الله عليه واله ولم يقل الرب الأكرم ، بل قال ربك انت يا محمد الذى يربيك ويدبر حياتك علي عينه ـ فإنك بأعيننا ـ إنها التربية الإلهية الخاصة ، حيث ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) ..ولم يقل وربك الكريم ، بل قال وربك الأكرم        
  • وهي دليل على أن القراءة والتعلم هي من أعظم العطاءات الإلهية للإنسان فهي ليست من عطاء الكريم فقط بل من عطاء الأكرم ( أقرأ وربك الأكرم ) .. ومن الملاحظات العجيبة أنه في دعاء ليلة المبعث الشريف وردت الإشارة إلى الكرم ،

ففي هذا الدعاء :
( اللهم إني أسألك بالتجلي الأعظم في هذه الليلة من الشهر المعظم والمرسل المكرم أن تصلي على محمد وأله )

لاحظ سورة العلق ، ولاحظ هذا الدعاء :
ففي سورة العلق : ( وربك الأكرم )
وفي دعاء المبعث : ( والمرسل المكرم )

وفي سورة العلق : إقرأ بسم ربك الذي خلق .. فا لحديث عن اسم ربك الذي خلق ..
وفي دعاء ليلة المبعث الشريف :
   ( وباسمك الأعظم الأعظم الأعظم الأجل الأكرم الذي خلقته فاستقر في ظلك فلا يخرج منك إلى غيرك )

ذكرت هذه المقاربات لكي ننتبه إلى أدعية أهل البيت عليهم السلام ، فهي ليست كلمات تقال ولكنها تتكلم عن حقائق ترتبط بالمناسبة المذكور فيها الدعاء ، وأنها مرتبطة بالقران الكريم ..

                                           ليلة التجلي الأعظم

هذه بعض عطاءات سورة العلق المباركة ، وفي القران من الصفات الألهية التي تجلت في الرسول المكرم ما يُعرف الأمة بهذا النور الإلهي الذي ابتعثه الله رحمة للعالمين :
فالله هو الرحمن الرحيم ، ولقد تجلت هذه الرحمة في رسول الله صلوات الله عليه وأله ،
فقال تعالى واصفاَ رحمته :

( ورحمتي وسعت كل شئ )

هذه هي الرحمة الالهية ، ولقد تجلت هذه الرحمة فى الرسول الأكرم صلوات الله عليه وأله ،
يقول الله تعالى :

( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
فهذه الليلة قد وصفتها أدعية أهل البيت عليهم السلام في أدعيتهم الشريفة الخاصة بها بأنها ليلة التجلي الأعظم :
ففي الدعاء :
( اللهم إني أسألك بالتجلي الأعظم في هذه الليلة من الشهر المعظم والمرسل المكرم )
وعن التجلي الإلهي يقول إمامنا الصادق عليه السلام :

( لقد تجلى الله لخلقه بكلامه، ولكنهم لايبصرون )

خلاصة الرسالة التي تبعثها الأيات الشريفة من سورة العلق للبشرية :

( أن القراءة والتعلم والتكامل الإنساني هو الهدف من الرسالة الإسلامية ومن القران الكريم ، وأن طريق التكامل مفتوح أمام الخلق) حيث أودع الله في الإنسان الاستعداد والقابلية والقوة للوصول إلى أقرب مقامات القرب الإلهي

شاهد أيضاً

على خطى الحسين (عليه السلام) د. أحمد راسم النفيس

على المنبر، وكتب بالخبر إلى الأجناد، وثاب إليه الناس، وبكوا سنة وهو على المنبر والأصابع ...