لقد أشرنا آنفاً إلى استحالة التوافق الأخلاقي الكامل بين شخصين، وهذا الأمر واضح بقدر مما حدا بالفلاسفة للقول:
“كل شخص يرى نفسه أولاً؛ يعني بلحاظ الأنا يختلف نظره للآخرين”، وبعبارة علمية يمكن أن يقال: الجنس الإنساني يتحدد بالفردية، فهوية كل إنسان تتفاوت مع هوية إنسان آخر تفاوتاً عظيماً، لذا لا ينتظر أن يتوافق الرجل والمرأة توافقاً أخلاقياً كاملاً.
يختلف الناس في تعاملهم على طول الزمان في أذواقهم وآمالهم؛ لذا يجب على من يروم تشكيل أسرة أن يلتفت إلى أن التوافق الكامل في محيط الأسرة مستحيل، وأن تحقق كل ما يصبو إليه هو خيال في خيال.
بعد أن بدا واضحاً لنا أننا لا يمكن أن نتجنب الاختلاف الذوقي ولا الاختلاف النفسي لابد لنا أن نتخذ التدابير اللازمة للحفاظ على تنظيم الأسرة تنظيماً يصون سلامتها بعيداً عن كل ما يعرقل سيرها نحو الأفضل.
فما هذه التدابير إذن؟
جواب هذا السؤال يكمن في مسائل أشرنا إليها في ما مضى؛ فالرجل والمرأة وباقي أفراد الأسرة الواحدة عليهم أن يتحلوا بالعفو والإيثار والتضحية منذ البداية لانطلاق مسيرة الأسرة.
والرجل أو رب الأسرة جدير بهذه الصفات أكثر من باقي أفراد الأسرة. وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الصفات “بالصفح” أي: غض النظر عن الانزلاقات والاشتباهات الجزئية.
كذلك قلنا، إذا تمكن رب الأسرة من قلوب من هم دونه، أعني إذا استقرت محبته وكلامه في قلوب زوجته وأبنائه؛ استوت له الأمور استواءً يساعده على إدارة وتدبير أمور المنزل على أحسن وجه.
الإيثار ودوره الفعال
أعزائي، يجب أن تضعوا على رأس الأمور أن على الإنسان دائماً أن يحسن الظن بالتفاته إلى النقاط الإيجابية والجيدة، لا يلتفت إلى كل ما يشده إلى ملاحقة المعايب والمثالب في غيره.
إذا ما نظر الإنسان بحسن نية إلى أعمال الأفراد الذين يحيون معه بلغ الكمال في حل مشكلاته ومعضلاته. وعلى العكس من ذلك فيما إذا كان سيئ النية فستكون حياته جحيماً وكذلك في الآخرة فيحتمل أن يحشر على هيئة أخرى غير الآدميين.
مثل الأفراد الذين يسيئون النظر ويعتمدون على خيالات واهية مثلهم كمثل الذباب الدائم البحث في المحيطات الملوثة، هؤلاء لا يمكن لهم أن يروا النقاط الإيجابية والأعمال الحسنة لزوجاتهم العاملات صباحاً ومساءً في غسل الملابس وتهيئة الأغذية ومداراة الطفل والاهتمام بنظافة المنزل، و…
ولا يخطر ببالهم أن يروا أعمال غيرهم إلاّ بمنظار ضيق.
وهؤلاء لا يتذوقون حتى العسل وليس لهم من دنياهم غير الصراخ والعويل والاعتراض.
ومثل هذا الإنسان حري به حسن الظن سواء كان في محيط الأسرة أو في كل محيط إسلامي.
فلابد أن يعفو عن الاشتباهات والأخطاء التي قد تصدر عن رفيقة عمره ويشكرها على حسن صنيعها، ليستمرا في طريق السرور مطمئنين.
إن من الأصول في حياة الإنسان حسن النية وبعد النظر.
فمن المسلم به أن كل إنسان فيه خصال طيبة تبعث على الرضا عنه والسرور به. ولو التفت كل زوج إلى زوجته ناظراً إلى هذه الخصال الحميدة والسجايا الكريمة وحدها لوجد فيها ما يسعد به أبداً.
وكذا الأمر في المجتمع الكبير، فنقاط القوة في النظام الإسلامي، كثيرة جداً، والخدمات الجليلة للثورة الإسلامية عظيمة، وهي لا تسمح بالانشغال في النواقص والأخطاء واحتسابها حجة لمخالفة النظام.
أما أعداء الإسلام فيغمضون أبصارهم عن النقاط الإيجابية والأعمال الحسنة للثورة ويمسكون بنقاط الضعف التنفيذية ليعملوا على تعظيمها وتكبيرها في أعين الناظرين.
إساءة الظن بأخيك المسلم
قال رسول الله (ص):
“أحسنوا ظنونكم بإخوانكم تغتنموا بها صفاء القلب ونقاء الطبع”(1).
كذلك ورد ورد في مصباح الشريعة ما معناه “إذا صادف ورأيت أخاك المسلم في عمل غير محمود أو عمل مكروه، كان عليك أن تحمل عمله هذا على سبعين محملاً.
وإذا لم تطمئن نفسك بعد حملك لأخيك على سبعين محملاً، فلم نفسك وازجرها لعدم قبولها محملاً واحداً من بين هذه السبعين، واستر عليه واعذره.
إذن عليك أن تلوم نفسك المضطربة هذه لأنها أحرى أن تلام”(2).
فكل منا جدير بأن ينظر دائماً إلى محاسن وامتيازات المجتمع والأسرة والأصدقاء، ويحمل أعمالهم على محمل جيد غاضاً النظر عن الاشتباهات التي قد تصدر عنهم.