لقد اهتمّ الإسلام العزيز بالمرأة أيّما اهتمام، إلى الحدّ الّذي أنزلت سورة طويلة مسمّاة باسم “النساء” في القرآن الكريم. وهذا يدلّ على خطورة وأهمّية العنصر النسائي في المجتمع الإنساني، وعلى اهتمام الإسلام بهذا العنصر، إلّا أنّ التاريخ والحاضر قد ظلمها، ولم يلتفت إلى خطورة دورها، فأنقص حقوقها وهدرها. ونحن ذاكرون بعض حقوق المرأة العامّة في الإسلام، عسى أن يكون ذلك دافعاً لردّ بعض الشبهات الّتي قد تعتري بعض الناس حول وضع المرأة في الإسلام.
العلم غير مختص بالرجل
بعد أن عرفنا ارتباط العلم بالدين ومعرفة الله تعالى، وارتباطه بإتقان الأعمال ورشد المجتمع وأنّ الجهل أساس الفساد… هل يمكن بعد ذلك كلّه تخصيص العلم بالرجل وسلبه عن المرأة؟
إنّ اختصاصه بالرجل يعني أنّ الدين ومعرفة الله وإتقان الأعمال والرشد… كلّ ذلك مختص بالرجل! وهذا ما لم يقله أحد.من هنا نجد الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة، ألا إنّ الله يحبّ بُغاة العلم”13. فالعلم غير مختصّ بالرجل لأنّ مبرّراته غير مختصّة به. فتعليم المرأة ليس أمراً غير ممنوع فحسب، بل هو أمر مطلوب وراجح.
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها وعلّمها فأحسن تعليمها فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه كانت له مِنعة من النار”14.
أجواء التعلّم
إنّ أجواء المدارس والمعاهد والجامعات وساحات العلم… يجب أن تكون سليمة ومساعدة على تحقيق أهداف التعلّم، فيجب أن يبقى العلم رافعاً للإنسان ومؤكّداً للقيم الإنسانيّة، وبعبارة أخرى يجب أن يكون عماد الدين وداعية إلى معرفة الخالق والتزام الأخلاق الإنسانيّة الرفيعة، وهذا يتحقّق من خلال أمرين:
1- عدم الغفلة عن الهدف من التعلّم؛ وهو تكامل الإنسان فرداً ومجتمعاً وإلّا فالغفلة أساس الضياع.
2- التمسّك بالعفاف والتزام الأحكام الشرعيّة، والسير على المنهج الذي رسمه لنا الإسلام العزيز بشخص السيّدة الزهراء عليها السلام قدوة النساء العالمات، التي كان من ألقابها “العالمة”، فعلى كلّ عالمة أو متعلّمة أن تضع دائماً نصب أعينها السيّدة الزهراء عليها السلام لتحاول أن تقتدي بها في كلّ حركة تقوم بها أو سكون تلتزمه.
أولويّات التعلّم
ما هي أولويّات التعلّم بالنسبة للمرأة؟
هناك العديد من الأمور الأساسيّة والضروريّة التي نشير إلى بعضها:
1- المعارف الأساسيّة كالعقائد والفقه والأخلاق: ورد في رواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّما العلم ثلاثة: آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنّة قائمة، وما خلاهنّ فهو فضل”15.فإنّ هذه العلوم ضروريّة جدّاً لكلّ امرأة في أيّ موقع كانت، فهي قبل كلّ شيء مأمورة بإصلاح نفسها على المستوى المعرفيّ العقائديّ، والقلبيّ الأخلاقيّ، والمسلكيّ الفقهيّ. وهذا ما لا تستغني عنه امرأة في أيّ موقع كانت.
2- أساليب التصرّف العائليّ: إنّ أوّل دور تواجهه المرأة هو دورها داخل أسرتها كبنت أو أخت أو زوجة أو أم، وهذه الأدوار كلّها لها أهميّتها الخاصّة وتأثيرها الحاسم على العائلة خصوصاً الأمّ التي تخرج إلى المجتمع أبناءً صالحين من علماء ومجاهدين وشهداء وأتقياء، من هنا فعلى الأمّ أن تتعلّم وسائل التربية، وتتعرّف على خصائص الأطفال ومتغيّراتهم بحسب العمر والطبيعة، فإنّ ذلك كلّه سيفيدها كثيراً في مهمتها كأم، وكذلك الزوجة في حياتها مع زوجها، فإنّ الكثير من المشكلات والثغرات تنشأ من الجهل وعدم المعرفة، ومن الطبيعي أنّ التعرّف على هذه الأدوار ووسائلها وطرقها يحسّن أداء المرأة ويفعّل دورها.
3- الخدمات التي تساعد على تحقيق الأجواء الإسلاميّة الصحيحة:فإنّ المرأة تشكل نصف المجتمع بأقلّ تقدير وهي بحاجة لخدمات اجتماعيّة ونفسيّة وطبيّة… وإذا لم يكن في المجتمع امرأة متخصّصة في هذا الجانب قادرة على رفع حاجات المرأة ستضطر المرأة لمراجعة الرجال، وهذه حالة غير صحيّة مع عدم الاضطرار، من هنا فعلى المرأة أن تتوجه للتخصّص في المجالات التي تحتاجها النساء.
4- حاجات المجتمع: إنّ للمجتمع بشكل عام حاجات خاصّة تختلف من مكان لآخر بحسب الظروف والمتطلّبات، و الاهتمام بهذه الحاجات والتوجّه للتخصّص لرفعها هو أمر مطلوب وراجح.
*مكانة المرأة ودورها,نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية,ط2, 2010م-1431هـ, ص35-44.
1- العلق، الآيات: 1 ـ 5.
2- الزمر: 9.
3- المجادلة: 11.
4- بحار الأنوار، ج2، ص17.
5- ميزان الحكمة، ج1، ص463.
6- سبأ: 6.
7- الحج: 54.
8- الحكمة، ج3، ص2064.
9- طه: 114.
10- أمالي الشيخ الطوسي، ص428.
11- ميزان الحكمة، ج1، ص462.
12- ميزان الحكمة، ج1، ص462.
13- الكافي، ج1، ص30.
14- ميزان الحكمة، ج1، ص65.
15- الكافي، ج1، ص32.