الرئيسية / الاسلام والحياة / الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة شاقة تواجه أصنافا من الناس يختلفون في الاستجابة ، فمنهم من يتفاعل معها ليغير مفاهيمه وقيمه وممارساته في ضوء ما يؤمر به وينهى عنه، ومنهم من تصده شهواته ونوازعه عنها، فيعرض عنها معاندا لا ينفتح قلبه لدلائل الهدى، مصرا على انحرافه الفكري والعقائدي يقابل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بسخرية واستهزاء أو بالاعراض وعدم الاستماع.
ومنهم من يترقى به العناد والغرور والكبرياء إلى المواجهة العنيفة، ويعمل على الحاق الأذى بالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وقد يصل الأذى إلى مرحلة الجرح أو التعويق أو القتل، ففي مثل هذه الحالة فان الانسان يسقط عنه وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه مشروط بالأمن من الضرر سواء على نفسه أو على غيره.
قال الإمام الصادق عليه السلام: والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك، ولم يخف على نفسه ولا على أصحابه (1).
وكتب الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام للمأمون حينما سأله أن يكتب له محض الاسلام:… والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان إذا أمكن، ولم يكن خيفة على النفس… (2).
والضرر المقصود يحدد من قبل المكلف نفسه بعد تشخيصه للمصلحة والمفسدة المترتبة على قيامه بالتكليف أو عدمه، فيقدم أهون الضررين.
١) الخصال 2: 609.
2) عيون أخبار الرضا 2: 121، 125.
(٣١)

والضرر لا يتحدد بوقت من الأوقات، قال الشيخ الطوسي: – في ذكره لشروط الوجوب -:
(… وعلم أنه لا يؤدي إلى ضرر عليه ولا على أحد من المؤمنين لا في الحال ولا في مستقبل الأوقات) (1).
شروط الترك:
شرع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لهداية الناس وارشادهم، وتغيير المحتوى الداخلي للنفس البشرية وما تحمل من أفكار ومشاعر، لتكون حاكمة على الممارسات العملية من سلوك صالح وأخلاق فاضلة وعلاقات حسنة.
والغاية منهما تخليص النفوس من ظلمات الأوهام والانحرافات العقائدية، وتحريرها من ربقة الشهوات، لتنتصر على الهوى وتتغلب على الشهوة، عن طريق استحثاث الطاقة الكامنة في كيان الانسان، وانماء القدرات الممكنة النماء.
كل ذلك يتم عن طريق الانذار والايقاظ بالحجة والبرهان والترغيب بالاستقامة والسمو والتكامل، فإذا أغلق الانسان منافذ الهداية في كيانه، ورفض الاستماع أو التلقي غرورا وكبرا، ولم يستجب للموعظة المراد منها تطهير القلب وتزكية النفس وتحسين الأخلاق، أو آنس بواقعه العقائدي والسلوكي، أو كان جاهلا بما يصلحه جهلا مركبا مطبقا على كيانه، فإذا لم توقظه موحيات الايمان وموجبات الهداية، ورفضت نفسه الوضيعة السمو إلى الكمال، فان المواعظ والارشادات المصحوبة بعدم الاستجابة ستكون إضاعة للوقت، وصرفا للجهد في غير محله.
١) النهاية: ٢٩٩.

وفي هذه الحالة فإن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر سيكون مخيرا بين الاستمرار في أداء مسؤوليته، وبين تركها من تحين الفرص المناسبة لها.
ويمكن تحديد شروط ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنقاط التالية:
أولا: تجذر الانحراف: إذا تجذر الانحراف وأصبح جزءا من كيان الانسان، ويئس المكلف من اصلاحه وتغييره، فيجوز له ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه لا يغير من الواقع شيئا، بل قد يؤدي إلى نتائج سلبية على المكلف نفسه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، واعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمرا لا يدان لك به، فعليك خويصة نفسك، فإن من ورائكم أيام الصبر . الصبر فيهن على مثل قبض على الجمر. للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون بمثل عمله (1).
ثانيا: انحراف الأكابر: من طبيعة النفس البشرية أنها تذعن وتخضع للأكابر والمتنفذين وتقتبس المفاهيم والقيم من الشخصيات البارزة في المجتمع، والمؤثرة فيه ، لامتلاكها خصائص التأثير الذاتية والعملية، كالملوك والعلماء ورؤساء القبائل والوجودات الاجتماعية، فإذا انحرف هؤلاء انحرف المجتمع، وهذه حقيقة ثابتة في جميع المجتمعات.
١) سنن ابن ماجة ٢: ١٣٣١ / 4014.
(٣٣)

ففي مثل هذه الحالة يتفشى الانحراف ويستشري ويصعب اصلاحه وتغييره، ولا يكون للامر بالمعروف والنهي عن المنكر أي تأثير في العقول والنفوس.
وفي مثل هذا الظرف يكون الواجب على كل مؤمن عالم بالمعروف والمنكر أن يحافظ على نفسه بأن يروضها بالعمل بالمعروف والترك للمنكر حتى لا يؤثر فيه الجو العام في المجتمع، وأن يحافظ أيضا على أهله وذويه ومن يهمه أمره الذين ينصاعون لأوامره ونواهيه، صونا لهم من الانحراف والانجراف.
ثالثا: وقوع الفتن: حينما تكون الأهواء حاكمة على الأفكار والمواقف دون الرجوع إلى الأسس الثابتة للمنهج الاسلامي، وحينما تبتدع الاحكام المخالفة لكتاب الله تعالى، ويتحكم التعصب بولاء الانسان والمجتمع بعيدا عن أسس الولاء التي حددتها الشريعة الاسلامية، فان الفتن ستكون هي الظاهرة القائمة المتفشية في المجتمع الاسلامي، قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، ويتولى عليها رجال رجالا، على غير دين الله… (1).
وإذا وقعت الفتن فسيعيش المجتمع ظاهرة الاضطراب الفكري والنفسي والسلوكي بتبادل النظرة السلبية، والموقف المتشنج، ويدخل في صراع دائم مستمر بتبادل الاتهامات ودفعها، ويصبح النبز بالكفر والانحراف والفسق هو الحاكم على العلاقات دون الاستناد إلى الأصول الواضحة للمنهج الاسلامي.
1) نهج البلاغة: 88، الخطبة / 50.
(٣٤)

ويدفع التعصب أفراد المجتمع إلى اتخاذ المواقف تبعا للمتعصبين له، ويختلط الحق بالباطل، وتلتبس المفاهيم والقيم على الناس، فيندفعون دون روية ودون بحث عن الحقيقة أو رغبة في المعرفة، ويتخلل اندفاعهم جدال لا ينتهي إلى شئ، تصحبه المواقف المتشنجة من اتهامات وتعيير وتحقير، فتعمى بصائر المتعصبين وتنغلق منافذ الهدى في عقولهم ونفوسهم ومواقفهم، ففي مثل هذه الحالة لا تنفع معهم المواعظ والارشادات والنصائح، ولا يدركون الخطر المحدق بهم، بل يحسبون انهم يحسنون صنعا ، فإذا أغلقوا قلوبهم وانفصلوا عن مصدر الاشعاع الفكري والسلوكي، فلا يجب على المكلفين حينئذ القيام بدورهم في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم يرون المجتمع يعيش في غبش الأوهام وضباب الأهواء، واضطراب الولاء القائم على أساس التعصب للأشخاص.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ستكون فتن لا يستطيع المؤمن أن يغير فيها بيد ولا لسان، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: وفيهم يومئذ مؤمنون، قال: نعم.
قال عليه السلام: فينقص ذلك من ايمانهم شيئا؟.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا، الا كما ينقص القطر من الصفا، أنهم يكرهونه بقلوبهم (1).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا – وشبك بين أنامله – فالزم
١) مستدرك الوسائل ١٢: ١٩.
(٣٥)

شاهد أيضاً

قائد الثورة: اجتثاث الصهاينة واجب ديني وانساني واذا قام الاعداء بأي عمل شرير فسوف يتلقون ضربة قوية

في خطبة صلاة عيد الفطر المبارك: قائد الثورة: اجتثاث الصهاينة واجب ديني وانساني واذا قام الاعداء ...