سهولة العثور على الموضوعات المطلوبة، يراجع الجزء 22 من صحيفة الإمام، الذي يضم فهارس الموضوعات والأعلام والحوادث التاريخية والآيات والأحاديث والأشعار، وفهارس موضوعية مفصلة لما ورد في الأجزاء الأحد والعشرين من الصحيفة.
ديباجة
بقلم قائد الثورة الاسلامية الموقّر
بسم الله الرحمن الرحيم
الآن إذ تعد للنشر ثانية المجموعة القيمة من الاحاديث الهادية والمرشدة لمعلمنا ومرشدنا وامامنا الكبير، من المناسب أن تسجل كلمة- وإن كانت موجزة ومتواضعة- حول هذه الشخصية الفريدة المجددة حياة الاسلام حقاً في هذا العصر.
في كل نقطة من العالم، متى ما خطا إنسان بوحي من العلم والعقل والفكر السامي، اوالزهد والتقوى والايمان الراسخ، اوالشهامة والشجاعة والهمة العالية، او الفطنة والحنكة والوعي السياسي، في طريق عمل عظيم، وتابع هدفه المقدس بصبر وثبات؛ لا شك في أنه سيقود بلده وشعبه واحياناً الانسانية الى تحقيق مفاخر عظيمة وتقدم خالد، فكل الذين وجدوا موقعاً لهم بين مشاهير التاريخ، كانوا قد اتسموا ببعض هذه السمات.
بيد أن المعلم الفذّ في عصرنا الحاضر، ألا وهوالامام روح الله الخميني، كانت تتجلي فيه كل هذه السمات مجتمعة، بمستوى بعيد المنال قليل النظير في اغلب الاحيان، إذ كان عالماً ورعاً، وعاقلًا متقياً، وحكيماً مدبراً، ومؤمناً مجدداً، وعارفاً شجاعاً وواعياً، وحاكماً عادلًا، ومجاهداً مضحياً.
كان سماحته فقيهاً واصولياً وفيلسوفاً وعارفاً، ومعلم اخلاق، وأديباً وشاعراً، وقد تربع سنوات طوالًا على ارفع مقاعد التدريس، واستحوذ على اهتمام أبرز وأشهر المجامع العلمية في الحوزة.
فقد امتزجت خصوصياته الذاتية البارزة مع ما نهله من المعارف القرآنية وزين به قلبه وروحه، فصنعت منه شخصية عظيمة وجذابة ومؤثرة بنحو تبدو إزاءه كلّ شخصية من الشخصيات البارزة في القرن الأخير الذي يعد قرن الرجال العظام والمصلحين الدينيين وكبار السياسيين والاجتماعيين، هامشية وقليلة الجذابية وأحادية الجانب.
فالعمل الذي كرّس له همّته، واستطاع انجازه بايمانه وتوكله ودرايته وصبره، كان عظيماً ومدهشاً ويبعث على الاعجاب بالدرجة ذاتها أيضاً.
إذ كانت شخصيته الفذة والساطعة، محط الانظار وفريدة في مختلف مراحل حياته السياسية، سواء يوم دعا بوحي من موقعه، وهو مرجع ديني في مدينة قم، الى مقارعة النظام البهلوي
وكذلك حينما استطاع، بعد نضال مرير زاخر بالمحن على مدى خمسة عشر عاماً، وبفضل الجهاد العظيم للشعب الايراني، تأسيس النظام الاسلامي واجتثاث جذور النظام الخائن والفاسد والوضيع.
وفي كل ذلك تجلى صرح الايمان والشجاعة والتضحية ذاته في وجوده القيم جنباً الى جنب مع عمق الحكمة والدراية والعقلانية.
لقد كان يعرف ايران جيداً: فمن جهة كان يدرك موقعها الجغرافي الحساس والمصيري، ويعي جغرافيتها السياسية ومواردها الطبيعية والانسانية، ويحيط بتطلعاتها واهدافها وآمالها الكبيرة، ومن جهة اخرى كان محيطاً بتاريخها على مدى المئة والخمسين عاماً الاخيرة الزاخر بالمحن، وابعاد هيمنة الاجانب ونهبهم لثرواتها، وخيانة وفساد واستبداد الأسرة البهلوية وآلاف الأسر المرتبطة بها، وما فُرض عليها من فقر وتخلف علمي وصناعي واخلاقي و .. وأهم من ذلك كلّه إدراكه لروحية شعبها العظيم والاصيل والرشيد والمؤمن.
كما أنه كان على اطلاع بأوضاع العالم والشعوب المستعمرة والدول المستكبرة والجيل الشاب التائه الحيران والمتعطش للحقيقة، ولا سيما الاوضاع المؤسفة للدول والامة الاسلامية. وكان يتألم لكل ذلك. وكانت القضية الفلسطينية ومعاناتها المؤلمة تعتصر قلبه الكبير.
إن شعور سماحته بالواجب الديني هو الذي دفعه للنزول الى ساحة النضال الكبير والتأريخي، التي لم يطأها مطلقاً غير رجالات التأريخ الاستثنائيين، ولم يخرج منها منتصراً سوى عدة معدودة.
كان سماحته يفكّر بانقاذ ايران من قبضة النظام الفاسد الذي فرض عليها التخلف والانحطاط والفقر الاقتصادي والاخلاقي والعلمي، وقد رأى في العودة الى الاسلام واقامة نظام الاسلام السياسي وحكومة القيم الإلهية، السبيل الوحيد لتحقيق ذلك.
وبشقه لهذا الطريق، وضع النموذج الحي بين يدي الامة الاسلامية وأسّس نهجاً جديداً في العالم الاسلامي كان من اولى معطياته المباركة احياء الهوية الاسلامية في اوساط المسلمين.
بدأ نضاله منذ الخطوة الاولي باسم الله وبمساعدة شرائح المجتمع الواسعة .. تحدث اليهم ودعاهم لمناصرته بايمانهم وعقولهم وهممهم، لم يتوجه الى الاحزاب والتنظيمات صاحبة الادعاءات قط، بل كان ينظر الى دوافعها وأهدافها نظرة شك وريبة في الغالب، واشاح بوجهه عن سجالاتها ومساوماتها السياسية. تحدث الى الجماهير بصدق واخلاص دائماً، ووضع- شأنه شأن المعلم البصير والمرشد الخبير- عقله وحكمته ومعرفته تحت تصرف الاتباع في مسيرة النضال الشاقة.
ولما انتصر نضال الشعب الايراني وسط حيرة العالم ودهشته، وقَبلَ الشعب الايراني بأسره قيادته وزعامته من الاعماق، أوجد بفكره وسلوكه أعظم تحول في التاريخ السياسي لهذا البلد، أي استبدل الملكية التي كانت تجسيداً لحكومة الظالمين والناهبين الدوليين المستبدة، ب- (الامامة) التي تمثل مركز الحكومة الالهية والشعبية لعباد الله، وزيّن اقتداره وصلابته بالعدل، ونوّر امتيازه
وتفرّده بالعبودية والتواضع، وعالج تمكّنه وقوته بالزهد والتقوى، فَلَمْ يتخلّ لحظة عن طريق الله وعبودية الله. ولأنه حمل على عاتقه عبء الامانة الجسيم، ضاعف من مراقبة روحه.
إن كلامه النابع من القلب، وقلبه الذاكر الخاشع، وسلوكه المستلهم من الدين، أفاض بنبع متدفق من المعرفة والحكمة والتدبير الالهي، على فكر وعقل الشعب الايراني الذي كان يعشق اخلاصه ومعنويته. فكان الزاد والمعين لرجال الدولة والمسؤولين وأبناء الشعب في مواجهة الكم الهائل من الدسائس والعداوات، وايجاد الحلول لجبل من المشكلات المفروضة.
والسنوات العشر الاخيرة من حياة الامام الكبير المباركة، تمثل بحق مرحلة تأسيس نظام الاسلام السياسي، واحياء الهوية الاسلامية لدى مسلمي العالم، واهتزاز راية الاسلام في بلدنا، مرحلة استقلال ايران وحريتها، وعزة الشعب الايراني ومفاخره الوطنية ونهضته غير المسبوقة نحو الرقي والتكامل، مرحلة عزة ايران على الصعيد العالمي، وتأثيرها في القضايا الدولية، مرحلة انطلاقة نهج جديد في تاريخ بلدنا، وبمواصلة ذلك ستحقق ايران الاسلامية تقدمها المادي والمعنوي.
لقد رسم الامام الحكيم المحُن- ك، معالم هذا الطريق، ولفت اليها الانظار بوضوح في العشرات من المناسبات بمئات التوجيهات والارشادات الفاعلة الموجهة لمسؤولي البلد وأبناء الشعب الايراني بأسره.
وهذه المعالم والتوجيهات تحمل اليوم القدر نفسه من القيمة والمتانة والفاعلية، والحكومة والشعب الايراني بأمسّ الحاجة اليها لمواصلة مسيرته المليئة بالمطبات، صوب الفلاح والتقدم المادي والمعنوي.
تصدر هذه المجموعة من المواعظ والحكم، التي تُلقي في الوقت نفسه الضوء على تاريخ الثورة الاسلامية والسنوات العشر التي اعقبت انتصار الثورة والأحوال التي مّرت بها البلاد آنذاك خاصة، تصدر بمناسبة الذكرى المئوية لولادة رجل التاريخ الأوحد، وفي عام يفخر بحمل اسمه، ونأمل أن تحظى باهتمام الجميع واستفادتهم.
كل التحيات لروحه السامي، وشوق الى حضرة بقية الله- ارواحنا فداه- وسلام عليه.