الرئيسية / تقاريـــر / حكايتي مع التشيع في مصر

حكايتي مع التشيع في مصر

ماقبل البداية ..!

في يوم 1 / 2 / 1979 ذكرى عودة الأمام الخميني من فرنسا إلى إيران لي ذكريات فكما كانت عودته فيها الكثير من اللطف والكرم والتوفيق الإلهي ، كذلك كانت قصة تعرفي على مدرسة أهل البيت عليهم السلام في هذا اليوم ، كان فيها أيضاَ كثيرا من اللطف والكرم والتوفيق الإلهي ظاهراَ واضحاَ لا لبس فيه ، فلقد تعرفت على هذه المدرسة المباركة ، مدرسة الولاية والمحبة والنصرة والخلافة الإلهية .

 

ولقد سبق أن كتبت مقال عن كيفية تعرفي على مدرسة أهل البيت عليهم السلام تحت عنوان ( تجربة إنسانية وليست دعوة مذهبية ) ..
وفي هذا المقال الثاني أحاول أن أستكمل القصة لعل أولادنا الشباب يستفيدوا منها بكلمة أو عبارة أو إشارة .. فالكلمات هي من ملحمة ( أقرأ كتابك …) ،أي حكايات حقيقية وهانحن نقرأ كتابنا على أحبابنا ..

جلست أفكر وأتساءل :
ثم ماذا بعد أن عرفت …..؟

في هذه الفترة من تاريخ مصر كانت الجماعات الإسلامية المعتدلة والمتشددة والتكفيرية كأنما هبطت بها الريح من مكان سحيق على أرض مصر الطيبة ، وكنت قد قررت إعتزال كل تلك الجماعات ، وأتفرغ للبحث والتنقيب والدعاء والتضرع لعلى أجد على نار هذه الخلافات هدى أو قبساَ من نور الحقيقة فأهتدي إليها .. وقد كان ..

ثم تساءلت :
ماذا بعد ..؟
هل أكتم سري ؟ أم أبوح به ؟
ولمن أبوح ، ولمن أشتكي ليشاركني همي ؟!
أم إني على وشك أن أضيف إلى سجل فتن الجماعات الإسلامية المتعددة فتنة أخرى وجماعة أخرى ؟

كانت أول مرة في حياتي أسمع فيها عن ( الشيعة ) ، لم أكن أعرف عنها إلا كأمثال الأساطير القديمة ، وحكايات الجن والعفاريت ، والكائنات الفضائية ، ولم أكن قد قرأت كتاب عن الشيعة من قبل ، وكذلك لم أكن قد تشرفت برؤية أحد منهم أبدا ..!

وكان القرار هو ( لابد من بث هذا الأكتشاف أوربما هذا الفتح) ولو لواحد فقط من الأخوة أو الأصدقاء حتى لا أكون ممن كتم العلم ، وخاصة وأنا أرى حولي أفراد الجماعات التكفيرية المتعددة وهى تتيه في الصحراء ، يتنازعون بينهم أمرهم ، فمنهم من يكفر المجتمع كله ، ومنهم من يكفر الحكام فقط ، ومنهم من يكفر أباه وأمه مع أنه يعيش في بيتهم وظلهم ويتولون رعايته ..وحواديت وقصص كثيرة قد تكون من وحي الخيال عن الطلبة الذين يسرقون زملائهم لأن أموالهم أصبحت حلال لهم …………..!
وعن وهؤلاء الذين تبرأوا من أبائهم ،
فقد حُكي لي عن أحد هؤلاء الشباب عندما كان يقوم بإنجاز مهمة في مصلحة حكومية ، وسأله الموظف : هل أنت إبن الشيخ ( فلان ) … ؟
قال : نعم … ولكن سابقاَ …!!

وعن هذا الشاب الصغير الذي حكم بكفر أبية وأقنع أمه بالفكر التكفيري ، ولما أقتنعت زوجها من أحد أخوانه الشباب ، على أساس أن امه أصبحت طالقاً من أبيه ولا تحل له ولكنها تحل لصديقه أو أخوة في الجماعة …!!!
كان المجتمع كله ضد الفكر التكفيري ، دخل أحدهم مسجدا للجمعية الشرعية ، ومعه مذكرة مدون بها أفكاره ، فأخذا يقرأ عليهم ويدعوهم لفكره التكفيرى ، فأغلقوا المسجد عليه وقاموا بضربه ، وهو يصيح :
أحد أحد ..
متشبها بسيدنا بلال رضوان الله عليه عندما كان المشركون يعذبونه ..

هذه قصص كانت تتردد بيننا ، لا أعرف مدى صحتها ، ومدى المبالغة فيها ، ولكن القضية كانت كارثية بكل المقاييس ..

وأسماء عجيبة للجماعات :
فهذه التكفير والهجرة
وتلك الجماعة الإسلامية
وهذه جماعة الجهاد
وتلك الناجون من النار
وهذه جماعة قف وتبين
بالإضافة إلى الجماعات التي كانت معتدلة في هذا الوقت مثل :
جماعة الأخوان المسلمين ، والجمعية الشرعية ، وأنصار السنة …
لم يكن على الساحة شئ يسمى ( بالسلفية ) كجماعة ..أو لم أسمع بهم ..
الحمد لله لم أكن أنتمى إلى أي من هذه الجماعات ، بل كنت ممن يطلق عليهم (الشباب المتدين ) فقط ..

المهم أنني عندما استعرضت هذه الجماعات كلها جاءتنى الفكرة الأتية :
( أنني لو بدأت بعرض هذا الفكر ، أوهذا المذهب الشيعي ، أو مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، لو بدأت بعرضها على جماعات التكفير فقد يكون هذا مناسباَ ، حيث أنى كنت أعتبر هذه الجماعات من أخطر الجماعات على الفرد والأسرة والمجتمع ، وأنها من أكبر الفتن على الساحة المصرية ، وأني مهما عرضت عليهم من أفكار فهي لن تحدث فتنة ، لأنهم بالفعل يعيشون الفتنة بأكبر صورها ، فلو كان التشيع فتنة فهو بالنسبة للتكفير كعود ثقاب ، فماذا يفعل عود ثقاب في حريق مشتعل …؟!!
ولكني كنت أرى أن مدرسة أهل البيت عليهم السلام هي الماء والغدير الذي سيطفئ فتنة التكفير .. ومازلت أرى ذلك حتى الأن ..
ومما جعلني أقتنع أن عرض المذهب على الجماعات التكفيرية هو أرجح من عرضه على أي جماعة أخرى للأسباب الأتية :

1 ـ أن هذه الجماعات كان مقياسها وميزانها في المناقشات الفكرية هو (الدليل ) من قرأن وسنة .. ولا يأخذون بقول الصحابى ولا فعله ولا القياس ولا الأجماع ولا المذاهب الفقهية ، فأصبح الميزان هنا واضح مما يحسم المناقشات .

2 ـ كان الكثير من قيادات هذه الجماعة ممن تم اعتقالهم عام 1980 على يد نظام السادات فيما يعرف باعتقلات شهر سبتمبر ، وكان فيها معظم السياسين الكبار أمثال المرحوم ( محمد حسنين هيكل ) ، بل تم نفي البابا شنودة ، وكانت هذه الأعتقالات من الجماعات المختلفة فرصة لتلاقي الأفكار والحوارات بين المنتمين لهذه الجماعات ، وكان أن ترك بعض هؤلاء فكرهم ، وبعضهم خرج وهو في حالة شك وتردد وحيرة ، ويبحث عن حل …!

3 ـ كان في رأيي أن ( حديث التمسك بالثقلين ) وهو حديث صحيح ، وحديث الأئمة الإثتا عشر ، وأية التطهير تكفي فقط كأدلة على وجوب أتباع مدرسة أهل البيت .

4 ـ حاولت عرض هذا الفكر الجديد على أصدقائي المعتدلين في الجمعية الشرعية ، فاعتذروا بأدب جم عن مجرد قراءة كتاب المراجعات ، وكانت حجة كبيرهم وصديقي العزيز هي :
( لو فرضنا أن هذا المذهب صحيح ، فهل تريدني أن أترك مذهب أهل السنة )… ؟

كانت الجماعات المعتدلة ( وقتها ) كالأخوان والجمعية الشرعية ( بعض الأصدقاء فيها ) ، يمدحون المذهب ويقرون بصحة الأحاديث وقوتها ، ومع ذلك لا جديد ، هم على ماهم عليه ..! ..كانوا معتدلين جداَ وأكثر من اللازم ..

لم أنتظر طويلا .. فلقد تم الأفراج عن أحد الأصدقاء الأعزاء من قيادات ( جماعة المسلمين ) أي التكفير والهجرة ، وكان معتقلا في أحداث سبتمبر 1980 ، وجاء لزيارتي وليخبرني أنه ترك الجماعة ، ,انه سوف يبدأ البحث من جديد ، واخبرني أنه سوف يبدأ بدراسة المذهب الشافعي على ما أتذكر ، في الحقيقة أشفقت عليه ، فقلت في نفسي : سوف يعود لما هرب منه ..
ولكني أيضا قلت له :
يوجد شئ جديد ..!
فكر جديد ..!
فقال

أي شئ ..؟
فأخرجت لة كتاب ( المراجعات )
وقلت له :
أقرأ هذا الكتاب ، ثم نتناقش بعد ذلك ..
وقلت له ملخص صغير جدا جدا عن فكرة المذهب ..

وكانت هذه البداية ….
ولعل الله يمن علينا ويوفقنا لاستكمال الرحلة ..

شاهد أيضاً

اليوم النوعي للمقاومة الإسلامية.. إما يذعن العدو الآن أو الآتي اعظم

عبد الحسين شبيب حتى تاريخه؛ يمكن القول إن الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 ...