الرئيسية / من / طرائف الحكم / سنن النبي (صلى الله عليه وآله) – العلامة الطباطبائي

سنن النبي (صلى الله عليه وآله) – العلامة الطباطبائي

[104]

يقدر على إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا، ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة. وسألته (عليه السلام) عن مخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف كان يصنع فيه ؟ فقال (عليه السلام): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخزن لسانه إلا عما كان يعنيه، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه. ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهنه. معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا ويميلوا، ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم. أفضلهم عنده أعمهم نصيحة للمسلمين، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مؤاساة ومؤازرة. قال: فسألته (عليه السلام) عن مجلسه، فقال: كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر لا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك. ويعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف، من سأله حاجة لم يرجع إلا بها أو ميسور من القول. قد وسع الناس منه خلقه فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الخلق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء، وصدق وأمانة. ولا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم. ولا تثنى فلتاته، متعادلين متواصلين فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب. فقلت: كيف كان سيرته في جلسائه ؟ فقال (عليه السلام): كان دائم البشر سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ، ولا ضحاك (1)، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مداح. يتغافل عما لا يشتهي. فلا يؤيس منه، ولا يخيب فيه مؤمليه. قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عثراته ولا عورته. ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق

(1) في المصدر ” ولا صخاب “.

[105]

جلساؤه، كأن على رؤوسهم الطير. فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث. من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ. حديثهم عنده حديث أولهم. يضحك مما يضحكون منه. ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته ومنطقه، حتى إن كان أصحابه يستجلبونهم (1)، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه. ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد كلامه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام. قال: فسألته (عليه السلام) عن سكوت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال (عليه السلام): كان سكوته على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير. فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس. وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى. وجمع له الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شئ ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده الرأي في صلاح امته، والقيام فيما جمع له (2) خير الدنيا والآخرة (3). أقول: ورواه في مكارم الأخلاق (4) نقلا من كتاب محمد بن إسحاق بن إبراهيم الطالقاني بروايته عن ثقاته. عن الحسن والحسين (عليهما السلام). قال في البحار: وهذا الخبر من الأخبار المشهورة روته العامة في أكثر كتبهم (5). 18 – وعن الطبرسي في مكارم الأخلاق: عن أنس بن مالك، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان أزهر اللون، كأن لونه اللؤلؤ، وإذا مشى تكفأ، وما شممت رائحة مسك ولا عنبر أطيب من رائحته، ولا مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله (صلى الله عليه وآله) (6) الخبر.

(1) في المصدر ” ليستجلبونهم “. (2) في المصدر ” لهم من “. (3) معاني الأخبار: 83، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 246، والسيرة النبوية لابن كثير 2: 601، وفيض القدير 5: 76، وإحياء علوم الدين 2: 381، ودلائل النبوة 1: 211. (4) مكارم الأخلاق: 11. (5) بحار الأنوار 16: 161. (6) مكارم الأخلاق: 24، وعوارف المعارف: 224.

[106]

19 – وعنه: عن كعب بن مالك قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا سره الأمر استنار وجهه كأنه دارة القمر (1). 20 – وعن الغزالي في الإحياء: كان (صلى الله عليه وآله) أفصح الناس منطقا وأحلاهم، ويقول: أنا أفصح العرب، وأن أهل الجنة يتكلمون بلغة محمد – إلى أن قال: – وكان (صلى الله عليه وآله) يتكلم بجوامع الكلم، لا فضول ولا تقصير، كأنه يتبع بعضه بعضا، بين كلامه توقف يحفظه سامعه ويعيه. وكان (صلى الله عليه وآله) جهير الصوت، أحسن الناس نغمة (2). 21 – وفي المناقب: عن عائشة، قلت: يا رسول الله، إنك تدخل الخلاء فإذا خرجت دخلت على أثرك فما أرى شيئا، إلا أني أجد رائحة المسك ؟ ! فقال: إنا معاشر الأنبياء تنبت أجسادنا على أرواح الجنة، فما يخرج منه شئ إلا ابتلعته الأرض (3). 22 – وفي المحاسن: عن عبد الله بن الفضل النوفلي، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلق الله العقل فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال: ما خلقت خلقا أحب إلي منك، فأعطى الله محمدا تسعة وتسعين جزء، ثم قسم بين العباد جزء واحدا (4). 23 – وعن الشيخ في التهذيب: بإسناده عن إسحاق بن جعفر عن أخيه موسى عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: بعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها (5). 24 – وعن الصدوق في الفقيه: بإسناده عن عبد الله بن مسكان، عن أبي

(1) مكارم الأخلاق: 19، ومجمع البيان 5: 69 سورة التوبة. (2) إحياء علوم الدين 2: 367. (3) مناقب آل أبي طالب 1: 125، ومكارم الأخلاق: 24. (4) المحاسن: 192، ح 8. (5) لم نجده في التهذيب بل وجدناه في أمالي الشيخ الطوسي 2: 209، الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 353، ومشكاة الأنوار: 243، وعوارف المعارف: 211.

[107]

عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تعالى خص رسوله بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم، فإن كانت فيكم فاحمدوا الله عزوجل وارغبوا إليه في الزيادة منها. فذكرها عشرة: اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، وحسن الخلق، والسخاء، والغيرة والشجاعة، والمروة. أقول: ورواه الكليني، وكذلك هو في سائر كتبه (1). 25 – وفي مكارم الأخلاق نقلا من كتاب النبوة: عن أنس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشجع الناس، وأحسن الناس، وأجود الناس، قال: لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق الناس قبل الصوت. قال: فتلقاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد سبقهم وهو يقول: لم تراعوا، وهو على فرس لأبي طلحة وفي عنقه السيف. قال: فجعل يقول للناس: لم تراعوا، وجدناه بحرا، أو أنه لبحر (2). 26 – وفيه: عن علي (عليه السلام) قال: كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله) فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه (3). 27 – وفيه: عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشد حياء من العذراء في خدرها. وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه (4). 28 – وفي الكافي: مسندا عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا حفص، إن من صبر صبر قليلا، وإن من جزع جزع قليلا. ثم قال: عليك بالصبر في جميع امورك، فإن الله عزوجل بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) فأمره بالصبر والرفق فقال: ” واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا * وذرني والمكذبين اولي النعمة ” (5) وقال: ” ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي

(1) الفقيه 3: 554، ومعاني الأخبار: 191، والخصال: 431، وتحف العقول: 362، والكافي 2: 56، وفيه ” خص رسله “، وأمالي الصدوق: 184. (2) مكارم الأخلاق: 19. (3) مكارم الأخلاق: 18، ونهج البلاغة: 520 في غريب كلامه الحديث 9 وليس فيه ” ولقي القوم القوم “، وكشف الغمة 1: 9. (4) مكارم الأخلاق: 17. (5) المزمل: 10 و 11.

[108]

حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ” (1) فصبر حتى ما نالوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره، فأنزل الله عليه: ” ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ” (2) ثم كذبوه ورموه فحزن لذلك، فأنزل الله: ” قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى أتاهم نصرنا ” (3) فألزم النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه الصبر، فتعدوا، فذكر الله تبارك وتعالى، فكذبوه، فقال (صلى الله عليه وآله): قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي، ولا صبر لي على ذكر إلهي. فأنزل الله عزوجل: ” فاصبر على ما يقولون ” (4) فصبر في جميع أحواله. ثم بشر في عترته بالأئمة ووصفوا بالصبر فقال عز ثناؤه: ” وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ” (5) فعند ذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله): الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. فشكر الله ذلك له فأنزل الله: ” وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ” (6) فقال (صلى الله عليه وآله): إنه بشرى وانتقام. فأباح الله له قتال المشركين، فأنزل الله: ” فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ” (7) ” واقتلوهم حيث ثقفتموهم ” (8) فقتلهم الله على يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأحبائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة. فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتى يقر الله له عينه في أعدائه مع ما يدخر له في الآخرة (9). 29 – وفي معاني الأخبار: باسناده عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه في حديث مرفوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال: جاء جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا رسول الله إن الله

(1) فصلت: 34 و 35. (2) الحجر: 97 و 98. (3) الأنعام: 33 و 34. (4) ق: 39. (5) السجدة: 24. (6) الأعراف: 137. (7) التوبة: 5. (8) البقرة: 191، النساء: 91. (9) الكافي 2: 88.

[109]

أرسلني إليك بهدية، لم يعطها أحدا قبلك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما هي ؟ قال: الصبر وأحسن منه، قال: وما هو ؟ قال: الرضا وأحسن منه. قال: وما هو ؟ قال: الزهد وأحسن منه. قال: وما هو ؟ قال: الإخلاص وأحسن منه. قال: وما هو ؟ قال: اليقين وأحسن منه. قال: قلت: ما هو يا جبرئيل ؟ قال: إن مدرجة ذلك التوكل على الله عزوجل، فقلت: وما التوكل على الله ؟ – قال: العلم بأن المخلوق لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لا يعمل لأحد سوى الله ولم يرج ولم يخف سوى الله ولم يطمع في أحد سوى الله فهذا هو التوكل. قال: قلت: يا جبرئيل فما تفسير الصبر ؟ قال: يصبر في الضراء كما يصبر في السراء. وفي الفاقة كما يصبر في الغنى، وفي البلاء كما يصبر في العافية، فلا يشكو حاله – بما يصيبه من البلاء. قلت: فما تفسير القناعة ؟ قال: يقنع بما يصيبه من الدنيا، يقنع بالقليل ويشكر اليسير. قلت: فما تفسير الرضا ؟ قال: الراضي لا يسخط على سيده، أصاب من الدنيا أم لم يصب، ولا يرضى لنفسه باليسير من العمل. قلت: فما تفسير الزهد ؟ قال: يحب من يحب خالقه، ويبغض من يبغض خالقه، ويتحرج من حلال الدنيا ولا يلتفت إلى حرامها، فإن حلالها حساب وحرامها عقاب، ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه، ويتحرج من الكلام كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها، ويتحرج من حطام الدنيا وزينتها كما يتجنب النار أن تغشاه، وأن يقصر أمله، وكأن بين عينيه أجله. قلت: يا جبرئيل فما تفسير الإخلاص ؟ قال: المخلص الذي لا يسأل الناس شيئا حتى يجد، وإذا وجد رضي، وإذا بقي عنده شئ أعطاه في الله، فإن لم يسأل المخلوق فقد أقر لله بالعبودية، وإذا وجد فرضي فهو عن الله راض، والله تبارك وتعالى عنه راض، وإذا أعطى الله عزوجل فهو على حد الثقة بربه.

[110]

قلت: فما تفسير اليقين ؟ قال: المؤمن (1) يعمل لله كأنه يراه، فإن لم يكن يرى الله فإن الله يراه، وأن يعلم يقينا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهذا كله أغصان التوكل ومدرجة الزهد (2). 30 – وفي كتاب عاصم بن حميد الحناط: عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ملك فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام وهو يقول: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض (3) ذهب. قال: فرفع رأسه إلى السماء فقال: يا رب أشبع يوما فأحمدك وأجوع يوما فأسألك (4). 31 – وفي الكافي: مسندا عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يذكر أنه أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ملك فقال: إن الله يخيرك أن تكون عبدا رسولا متواضعا، أو ملكا رسولا. قال: فنظر إلى جبرئيل (عليه السلام) وأومى بيده أن تواضع، فقال: عبدا رسولا متواضعا. فقال الرسول: مع أنه لا ينقصك مما عند ربك شيئا. قال: ومعه مفاتيح خزائن الأرض (5). 32 – وفي نهج البلاغة: قال (عليه السلام): فتأس بنبيك الأطيب الأطهر – إلى أن قال: – قضم (6) الدنيا قضما ولم يعرها طرفا، أهضم (7) أهل الدنيا كشحا (8) وأخمصهم (9) من الدنيا بطنا، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله سبحانه أبغض شيئا

(1) في المصدر ” الموقن “. (2) معاني الأخبار: 260، عدة الداعي لابن فهد: 94. (3) الرضراض: حجارة متكسرة على وجه الأرض (ترتيب العين: 314). (4) الاصول الستة عشر: 37، مكارم الأخلاق: 24، الكافي 8: 131، جامع الأخبار: 295، أمالي الشيخ الطوسي 2: 144، بحار الأنوار 16: 283 و 70: 318. (5) الكافي 2: 122، و 8: 131، أمالي الصدوق: 365، بحار الأنوار 18: 334. (6) القضم: الأكل بأطراف الأسنان (مجمع البحرين 6: 140). (7) الهضم: النقص (مجمع البحرين 6: 186). (8) الكشح: من لدن السرة إلى المتن ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف (ترتيب العين: 710). (9) الخمص: خلاء البطن من الطعام (ترتيب العين: 243).

[111]

فأبغضه، وحقر شيئا فحقره، وصغر شيئا فصغره. ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله ورسوله، وتعظيمنا لما صغر الله ورسوله لكفى به شقاقا لله ومحادة عن أمر الله (1) ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري ويردف خلفه ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول: ” يا فلانة – لإحدى أزواجه – غيبيه عني، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها “. فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه، لكي لا يتخذ منها رياشا (2) ولا يعتقدها قرارا، ولا يرجو فيها مقاما. فأخرجها من النفس، وأشخصها عن القلب، وغيبها عن البصر، وكذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه وأن يذكر عنده (3). 33 – وفي الكافي: مسندا عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما أعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) شئ من الدنيا إلا أن يكون فيها جائعا خائفا (4). أقول: وروي هذا المعنى أيضا مسندا عن هشام وغيره عنه (عليه السلام) (5). 34 – وعن الطبرسي في الاحتجاج: عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي (عليهم السلام) – في خبر طويل يذكر فيه حالاته (صلى الله عليه وآله) -: وكان يبكي حتى يبتل مصلاه خشية من الله عز وجل من غير جرم (6) الخبر. 35 – وفي المناقب: وكان (صلى الله عليه وآله) يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا. وكذلك كان غشيات علي بن أبي طالب وصيه في مقاماته (7).

(1) حاد الله: أي شاق الله، أي عادى الله وخالفه (مجمع البحرين 3: 33). (2) الرياش: اللباس الحسن (ترتيب العين: 337). (3) نهج البلاغة: 227 الخطبة 160، ومكارم الأخلاق: 9، بحار الأنوار 16: 285. (4) الكافي 2: 129. (5) الكافي 8: 129. (6) الاحتجاج: 223 في احتجاج الإمام علي (عليه السلام) مع اليهود. (7) المستدرك 11: 247، وإرشاد القلوب: 91، ولم نجده في المناقب.

[112]

36 – وعن الديلمي في الإرشاد: وروي أن إبراهيم (عليه السلام) كان يسمع منه في صلاته أزيز كأزيز المرجل (1) من خوف الله تعالى. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذلك (2). 37 – وعن الشيخ أبي الفتوح في تفسيره: عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزل قوله تعالى: ” اذكروا الله ذكرا كثيرا ” (3) اشتغل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذكر الله حتى قال الكفار: أنه جن (4). 38 – وفي الكافي: مسندا عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوب إلى الله في كل يوم سبعين مرة، قلت: أكان يقول: أستغفر الله وأتوب إليه ؟ قال: لا، ولكن كان يقول: أتوب إلى الله، قلت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوب ولا يعود ونحن نتوب ونعود، فقال: الله المستعان (5). 39 – وفيه: مسندا عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان لا يقوم من مجلس وإن خف حتى يستغفر الله عز وجل خمسا وعشرين مرة (6). 40 – وفي مكارم الأخلاق، نقلا من كتاب النبوة: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان إذا وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: كان أجود الناس كفا، وأجرأ الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، لم أر قبله ولا بعده مثله (صلى الله عليه وآله) (7). 41 – وعن الشيخ في الأمالي: مسندا عن محمد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بمكارم

(1) المرجل: قدر من نحاس (ترتيب العين: 759). (2) إرشاد القلوب: 105، وعدة الداعي: 138. (3) الأحزاب: 41. (4) روح الجنان وروح الجنان (تفسير أبي الفتوح الرازي) 1: 375، سورة البقرة ذيل الآية 148. (5) الكافي 2: 438، وعدة الداعي: 250. (6) الكافي 2: 504، وعدة الداعي: 250. (7) مكارم الأخلاق: 18، وبحار الأنوار 16: 194، ب 8 ح 33.

[113]

الأخلاق فإن الله بعثني بها، وإن من مكارم الأخلاق أن يعفو الرجل عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، وأن يعود من لا يعوده (1). 42 – وفي الكافي: عن عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي عن أبيه (عليه السلام) قال: كانت من أيمان رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا، وأستغفر الله (2). 43 – وفي مكارم الأخلاق: عن ابن عمر، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعرف رضاه وسخطه في وجهه، كان إذا رضي فكأنما يلاحك الجدر ضوء وجهه، وإذا غضب خسف لونه واسود (3). 44 – وفي الكافي: مسندا عن محمد بن عرفة عن أبي عبد الله (صلى الله عليه وآله) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): ألا اخبركم بأشبهكم بي ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أحسنكم خلقا، وألينكم كنفا، وأبركم بقرابته، وأشدكم حبا لإخوانه في دينه، وأصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفوا، وأشدكم من نفسه إنصافا في الرضا والغضب (4). 45 – وعن الغزالي في الاحياء: وكان (صلى الله عليه وآله) إذا اشتد وجده أكثر من مس لحيته الكريمة (5). 46 – وفيه: قال: وكان (صلى الله عليه وآله) أسخى الناس لا يبيت عنده دينار ولا درهم، وإن فضل شئ ولم يجد من يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، لا يسأل شيئا إلا أعطاه، ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه، حتى أنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شئ – إلى أن قال: – وينفذ الحق وإن عاد ذلك عليه بالضرر أو على أصحابه – إلى أن قال: – ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس – إلى أن قال: – لا يهوله شئ من امور الدنيا – إلى أن قال: – ويجالس الفقراء، ويواكل المساكين، ويكرم أهل الفضل في

(1) أمالي الشيخ الطوسي 2: 92. (2) الكافي 7: 463. (3) مكارم الأخلاق: 19. (4) الكافي 2: 240، وتحف العقول: 48. (5) إحياء علوم الدين 2: 378.

شاهد أيضاً

السياسة المحورية ونهضة المشروع القرآني لتقويض المصالح الغربية العدائية

فتحي الذاري مأخذ دهاليز سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والمصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط تتضمن الأهداف ...