أهمية السجود في الصلاة
وأهم العبادات ، وأفضلها في شريعة الإسلام هي الصلاة فهي معراج المؤمن ، وقربان كل
تقي ، والحد الفاصل بين المسلم والكافر ، وقد أناط الإسلام بها قبول الأعمال ففي
الحديث : ( إن قبلت قبل ما سواها ، وإن ردت رد ما سواها ) .
لقد ميز الله تعالى الإنسان وشرفه على بقية مخلوقاته بالصلاة التي يمثل بها
الإنسان أمام خالق الأكوان وواهب الحياة لقد سما الإنسان بهذه العبادة التي تطهر
روحه ، وتصده عن الفحشاء والمنكر وتهديه إلى سواء السبيل .
أهمية السجود
وأفضل أجزاء العبادة ، وأهمها هو السجود لله تعالى ، فإنه آخر مظاهر العبودية
والتذلل له وقد أخرج الله تعالى إبليس من الجنة وطرده منها لما أبى من السجود لآدم
، فقد أخذته الأنانية والكبرياء ورأى أنه
أفضل من آدم لأنه مخلوق من طاقة حرارية وهي أفضل من الطين الذي خلق منه آدم فقد أخذ
بالقياس ، وفي الحديث أول من قاس إبليس .
إن السجود لله تعالى بقصد التذلل والتعظيم من أعظم العبادات ، وما عبد الله بمثله
، وما من عمل أشق على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجدا لله تعالى ، لأنه قد أمر به
فعصى وغوى وهلك ، وابن آدم أمر به فأطاع ونجى .
ويحرم السجود لغير الله تعالى ، فأما سجود الملائكة لآدم فإنها لم تكن له وإنما
كانت لله وآدم قبلة لهم ، كما أن سجود يعقوب وولده لم تكن ليوسف وإنما هي شكر لله
على ما وهبه وأعطاه من الملك .
شروط السجود
ونظرا لأهيمة السجود بذاته ، ولأنه جزء من العبادة فيشترط فيه ما يلي :
أولا : أن يكون السجود على الأرض ، وقد تضافرت الأخبار بذلك عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم وعن بعض صحابته ، وهذه بعض الأخبار :
أ ج قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : جعلت لي الأرض طيبة ومسجدا ، وأيما
أدركته الصلاة صلى حيث كان ( 1 ) .
ب ج قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر : الأرض لك مسجد ، فحيثما أدركت
الصلاة فصل ( 2 ) .
ج ج روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد على الحجر ( 3 ) .
د ج روى أبو سعيد الخدري قال : أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى
أنفه وجبهته أثر الماء والطين ( 4 ) .
ه – روى أنس بن مالك قال : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شدة
الحر ، فيأخذ أحدنا الحصباء في
يده فإذا برد وضعه وسجد عليه ( 1 ) .
و – روى جاب بن عبد الله قال : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة
الظهر وآخذ قبضة من حصى فأجعلها في يدي الأخرى حتى تبرد ، ثم أسجد عليها من شدة
الحر .
وأمثال هذه الأحاديث أثرت عن أئمة الهدى عليهم السلام وهي تلزم بالسجود على الأرض
وما أنبتت .
ثانيا : أنه يشترط أن يكون المكان الذي يسجد عليه المصلي مباحا ، فلو كان مغصوبا
عينا أو منفعة فلا يصح السجود عليه .
ثالثا : يشترط في المكان الذي يسجد عليه أن يكون طاهرا فلو كان نجسا فلا يصح
السجود عليه .
رابعا : أن لا يكون من جنس المأكول والملبوس فول كان منهما فلا يصح السجود عليه في
الصلاة ، وهنا بحوث ذكرها الفقهاء في رسائلهم العملية تتعلق في جنس ما يأكل ويلبس
مما لا يصح السجود عليه .
أمكنة يكره فيها السجود
ويكره السجود في الصلاة في مواضع وهذه بعضها :
1 – الحمام ، وهو المكان الذي يغسل فيه ، وعمم بعض الفقهاء الكراهة إلى المسلخ
.
2 – المزابل : وهي المواضع القذرة التي تجمع فيها القمامة .
3 – المكان المتخذ للكيف .
4 – الأماكن التي تذبح فيها الحيوانات أو تنحر .
5 – المواضع التي يصنع فيها المسكر ، أو يباع .
6 – المطابخ وبيوت النار .
7 – بيوت المجوس إلا إذا رشت وجف ما عليها من ماء فلا يكره السجود فيها .
8 – الأرض السبخة .
9 – إعطان الإبل ، وإن كنست ورشت بالماء .
10 – مرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ، ومرابض الغنم ، وذلك لقذارتها .
11 – الطرق العامة ما لم تضر بالمارة فإن أضرت بها حرم السجود وبطلت الصلاة .
12 – مجاري المياه ، وإن لم يتوقع جريان الماء فيها .
13 – مكان أمامه حائط ينز من بالوعة يبال فيها أو كنيف .
14 – المقابر .
15 – السجود على القبر .
16 – السجود بين قبرين من غير حائط ( 1 ) .
وذكر الفقهاء أمكنة أخرى يكره فيها الصلاة .
أمكنة يستحب فيها السجود
ويستحب السجود الذي هو من أركان الصلاة في الأماكن المقدسة ، وأفضلها ما يلي :
1 – المسجد الحرام : فقد ورد أن الصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة .
2 – مسجد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فالصلاة فيه تعدل
عشرة آلاف .
3 – مسجد الكوفة والصلاة فيه تعدل ألف صلاة .
4 – المسجد الأقصى الذي احتلته الصهاينة أعداء الله والصلاة فيه تعدل ألف صلاة
.
5 – المسجد الجامع للبلد ، والصلاة فيه تعدل مائة .
6 – مسجد القبيلة ، والصلاة فيه تعدل خمسا وعشرين .
7 – مسجد السوق ، والصلاة فيه تعدل اثني عشر صلاة .
8 – مشاهد أئمة الهدى عليهم السلام ، وهي من البيوت التي أمر الله أن ترفع
ويذكر فيها اسمه .
9 – روضات الأنبياء .
10 – مقام الأولياء والصالحين والعلماء والعباد ( 1 ) .
إن السجود لله تعالى من أفضل صور العبادة وينبغي أن يكون في الأمكنة المحترمة ، وفي
المواضع
الطاهرة وينبغي للمصلي أن يتخذ لنفسه تربة طاهرة يسجد عليها من أي أرض اتخذت لأنه
قد لا يتهيأ له موضع يسجد عليه في حال صلاته متيقنا بطهارته وحليته خصوصا في حال
السفر والنزول في الفنادق وغيرها ، والاختلاط بالذين لا يكترثون بالطهارة والنجاسة
، وقد كان بعض فقهاء السلف إذا سافر حمل معه لبنة طاهرة يسجد عليها ، فهذا الفقيه
مسروق بن الأجدع ( 1 ) إذا سافر أخذ معه لبنة يسجد عليها للجهة التي ذكرناها .
وعلى أي حال فإن رأي الشيعة في السجود هو على مطلق الأرض ، وهذا هو رأي الإسلام
الذي أجمع عليه الفقهاء
التربة الحسينية
واعتادت الشيعة السجود في صلاتهم على التربة الحسينية ، وجعلوا منها أقراصا ،
وحملوها معهم في حلهم وترحالهم ليسجدوا عليها ، ولم يكن ذلك عن تعصب أو هوى وتقليد
، وإنما هو لأهمية هذه التربة وقداستها ، فقد اتخذت من أرض كربلاء التي حظيت
بجثمان ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيد شباب أهل الجنة الإمام
الحسين عليه السلام الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( حسين مني
وأنا من حسين ) فعلى صعيد تلك التربة المقدسة سفك دمه الطاهر والدماء الزكية من
أبنائه وأهل بيته وأصحابه من أجل إعلاء كلمة الإسلام ، ودرء الخطر الجاهلي الذي
داهم المسلمين في أيام حكومة يزيد حفيد أبي سفيان وابن معاوية الذي أعلن وجاهر بكل
صلافة ( لا خبر جاء ولا وحي نزل ) فانبرى إليه حفيد الرسول ونازله الحبرب ، فحطم
كيانه ، وأنزله من قصره إلى قبره ، ودلل على جريمة
من نصبه وأقامه خليفة على المسلمين .
لقد أضاءت تلك الدماء الزكية طريق الحرية والكرامة لجميع شعوب العالم ، وأشعلت
النار في قصور الأمويين حتى أطاحت بعروشهم .
لقد تسامت أرض كربلاء ، وارتفعت إلى قبة السماء وذلك لما حازته من فخر وشرف لم تحزه
أي بقعة من بقاع الأرض يقول العقاد :
( فهي ج أي كربلاء ج اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى ، ويزوره غير
المسلمين للنظر والمشاهدة ، ولكنها لو أعطيت حقها من التنوية والتخليد لحق لها أن
تصبح مزارا لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيبا من القداسة وحظا من الفضيلة لأننا لا
نذكر بقعة من بقاع الأرض يقترن اسمها بجملة من المناقب والفضائل أسمى وألزم لنوع
الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين فيها ) .
وعلى أي حال فإن السجود على التربة الحسينية إنما هو سجود لله على أسمى وأجل أرض في
دنيا
الإسلام وغيره ، ويعلل الإمام كاشف الغطاء في بحثه الممتع عن الأرض والتربة
الحسينية السبب في السجود عليها يقول :
( لعل من جملة الأغراض العالية ، والمقاصد السامية ج أي في السجود على التربة
الحسينية ج أن يتذكر المصلي حين يضع جبهته على تلك التربة نصيحة ذلك الإمام نفسه ،
وآل بيته والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ وتحطيم هياكل الجور والفساد ،
والظلم والاستبداد ولما كان السجود أعظم أركان الصلاة وفي الحديث ( أقرب ما يكون
العبد إلى ربه حال سجوده ) ناسب أن يتذكر بوضع جبهته على تلك التربة الزكية أولئك
الذين وضعوا أجسامهم عليها ، ضحايا الحق ، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى ليخشع
ويخضع ، ويتلازم الوضع والرفع ، ويحتقر هذه الدنيا الزائفة ، وزخارفها الزائبة ،
ولعل هذا هو المقصود من أن السجود عليها يخرق الحجب السبع كما في الخبر ، فيكون
حينئذ في السجود سر الصعود والعروج من التراب إلى رب الأرباب إلى غير ذلك من لطائف
الحكم ودقائق
الأسرار . . . ) ( 1 ) .
وعلى اي حال فإن قداسة أرض كربلاء ، وسمو مكانتها وعظيم شأنها مما شاع وذاع بين
المسلمين ، فقد شرفت بضريح سيد الشهداء أبي الأحرار .
يقول الجواهري :
تعاليت من مفزع للحتوف * وبورك قبرك من مفزع
تلوذ الدهور فمن سجد * على جانبيه ومن ركع
وعلي أي حال فإنا نعرض إلى الأخبار التي أثرت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وأهل بيته في فضل التربة الحسينية وإلى الأمور التي ترتبط بها .
في رحاب الأخبار
وتضافرت الأخبار عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار في
فضل التربة الحسينية زادها الله شرفا ، وفيما يلي تلك الأحاديث النبوية :
أما ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأخبار فهذه بعضها .
1 – روت أم المؤمنين السيدة أم سلمة قالت : كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي
صلى الله عليه وآله وسلم فنزل جبرائيل فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من
بعدك ج وأشار إلى الحسين ج فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضمه إلى صدره
وكان بيده تربة فجعل يشمها ج والتربة مأخوذة من كربلاء ج وهو يقول : ( ويح كرب
وبلاء ) وناولها أم سلمة فقال لها : ( إذا تحولت هذه دما فاعلمي أن ابني قد قتل
) فجعلتها أم سلمة في قارورة وجعلت تتعاهدها وهي تقول : ( إن يوما تتحولين دما
ليوم عظيم ) ( 1 ) .
2 – روت السيدة أم سلمة قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اضطجع ذات ليلة
للنوم وهو خاثر ج أي مضطرب ج ثم اضطجع وهو خاثر دون ما رأيت به المرة الأولى ، ثم
اضطجع وفي يده تربة حمراء وهو يقبلها ، فقلت له :
( ما هذه التربة يا رسول الله ) .
فقال : ( أخبرني جبرائيل أن هذا ج وأشار إلى الحسين ج يقتل بأرض العراق ، فقلت
لجبرائيل : أرني التربة التي يقتل بها ، فهذه تربته ) .
3 – روت السيدة أم الفضل بنت الحارث فقالت : كان الحسين في حجري فدخلت على رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم تهريقان من الدموع فقلت له : ( يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك ) فقال
لها : ( أتاني جبرائيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا ) وذعرت أم الفضل ، وراحت
تقول : ( يقتل ج هذا ج وأشارت إلى الحسين – ) .
4 – روت السيدة عائشة فقالت : دخل الحسين بن علي على رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وهو يوحى إليه ، فنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو منكب ، فقال
جبرائيل : أتحبه يا محمد ؟ قال : ومالي لا أحب ابني ! ! قال : فإن أمتك ستقتله من
بعدك . فمد جبرائيل يده فأتاه بتربة بيضاء فقال : في هذه الأرض يقتل ابنك هذا
واسمها الطف ، فلما ذهب جبرائيل من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتربة
في يده وهو يبكي فقال :
( يا عائشة إن جبرائيل أخبرني أن ابني حسينا مقتول في أرض الطف ، وأن أمتي ستفتن
بعدي ) ثم خرج إلى أصحابه وفيهم علي وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي
فبادروا إليه قائلين : ( ما يبكيك يا رسول الله ؟ ) .
قال : ( أخبرني جبرائيل أن ابني الحسين يقتل بعدي وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن
فيها مضجعه ) ( 1 ) .
5 – روى أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : بينما الحسين بن علي عليهما
السلام عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أتاه جبرائيل فقال : يا محمد
أتحبه ؟ . فقال : نعم ، فقال : أما أن أمتك ستقتله قال : فحزن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم حزنا شديدا ، فقال له جبرائيل يا رسول الله أتريد التربة التي
يقتل فيها ، فقال : نعم ، فخسف ما بين مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى
كربلاء حتى التقت القطعتان هذكا ثم جمع ما بين السبابتين . ثم تناول
بجناحه من تربتها وناولها رسول الله ثم رجعت أسرع من طرفة عين فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : طوبى لك من تربة ، وطوبى لمن يقتل فيك . ( 1 ) .
وكثير من أمثال هذه الأحاديث أثرت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فضل التربة
التي استشهد على ثراها ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبو الأحرار الأول
عن رسالة الإسلام .
روايات عن أمير المؤمنين عليه السلام في فضل كربلاء
وأثرت عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة علم النبي بعض الأحاديث في
فضل البقعة التي استشهد عليها الإمام الحسين عليه السلام وهي :
1 – روى الإمام الصادق عليه السلام قال : مر أمير المؤمنين عليه السلام بكربلاء في
أناس من أصحابه فأغرورقت عيناه بالبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم وهذا ملتقى
رحالهم ، وهنا تهرق دماؤهم طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبة ( 2 ) .
2 – اجتاز أمير المؤمنين عليه السلام على أرض كربلاء فأخذ قبضة من ترابها فشمها وبكى
حتى بل الأرض بدموعه وهو يقول : يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير
حساب ( 1 ) .
كما أثرت عن أئمة الهدى عليهم السلام كوكبة من الأحاديث في فضل تربة كربلاء ، وفي
بعضها موضع قبر الحسين ترعة من ترع الجنة ( 2 ) .
وعلى أي حال فقد حفلت مصادر الحديث والأخبار بطائفة من الأحاديث في فضل التربة
الحسينية ، فأي نقص على الشيعة من السجود عليها لله تعالى وحده لا شريك له .
وقد مر علي أثناء مراجعتي في بعض المصادر عن سيرة الأوزاعي كان إذا أراد السفر من
المدينة المنورة حمل معه طينة ليسجد عليها فسئل عن ذلك فأجاب أن أفضل بقعة في الأرض
هي البقعة التي دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحب أن يكون سجودي لله
تعالى عليها .
لقد عابوا على الشيعة في سجودهم على التربة الحسينية واتهموهم بتهم باطلة ليس لها
أي سند من علم ومن المؤكد أنه لو كان هناك دليل شرعي على عدم السجود عليها لتركتها
الشيعة ولم تسجد عليها .
أول من صلى على التربة
إن أول من صلى على التربة الحسينية ج حسبما يحدثنا الإمام كاشف الغطاء ج هو الإمام
زين العابدين عليه السلام وذلك بعد ما فرغ من دفن أبيه وأهل بيته وأنصاره ، فقد أخذ
قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف الذي خرقته سيوف الأمويين فشد ذلك
التراب في صرة وعمل منه سجدة ومسبحة وهي السبحة التي كانت بيده حينما أدخلوه على
طاغية بني أمية حفيد أبي سفيان ، فسأله عنها فروى له الإمام عن جده رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم حديثا مفاده أن من حمل السبحة وقرأ دعاء مخصوصا فإنه يكتب
له ثواب التسبيح وإن لم يسبح ولما رجع الإمام إلى يثرب كان يتبرك بتلك التربة
ويسجد عليها ويعالج بها مرضى أهل بيته . فشاع ذلك عند العلويين وشيعتهم وبعد وفاته
كان ولده الإمام محمد الباقر عليه السلام يحث أصحابه على
السجود على التربة الحسينية والتبرك بها ، وبعد ما انتقل إلى حضيرة القدس كان ولده
الإمام جعفر الصادق عليه السلام يلازم السجود عليها ، ففي مصباح المتهجدين لشيخ
الطائفة الشيخ الطوسي رحمه الله أنه كان لأبي عبد الله الصادق عليه السلام خريطة من
ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله الحسين عليه السلام فكان إذا حضرته الصلاة صبه
على سجادته وسجد عليها ثم قال : إن السجود على تربة أبي عبد الله يخرق الحجب السبعة
ولعل المراد بالحجب السبع هي الحاءات السبع من الرذائل التي تحجب النفس عن
الاستضائة بأنوار الحق وهي : الحسد ، والحقد ، والحرص ، والحدة ، والحماقة ،
والحيلة ، والحقارة . فالسجود على التربة من عظيم التواضع ، والتوسل بأصفياء الحق
يمزقها ويخرقها ويبدلها بالحاءات السبع من الفضائل وهي : الحكمة ، الحزم ، الحلم ،
الحنان ، الحياء ، الحب . ولذا يروي صاحب الوسائل عن الديلمي قال : كان الصادق عليه
السلام لا يسجد إلا على التربة الحسينية تذللا لله واستكانة إليه ، ولم تزل
الأئمة من أولاده وأحفاده تحرك العواطف وتحفز الهمم ، وتوفر الدواعي إلى السجود
عليها والالتزام بها ، وبيان
تضاعف الأجر والثواب والمواظبة عليها حتى التزمت بها الشيعة إلى اليوم هذا الالتزام
مع عظيم الاهتمام ، ولم يمض على زمن الصادق قرن واحد حتى صارت الشيعة تصنعها
ألواحا وتضعها في جيوبها ، كما هو المتعارف اليوم ، فقد روى في الوسائل عن الإمام
الثاني عشر الحجة عليه السلام أن الحميري كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح من طين
قبر الحسين هل فيه فضل فأجاب عليه السلام يجوز ذلك وفيه الفضل ثم سأله عن السبحة
فأجاب بمثل ذلك ، فيظهر أن صنع التربة أقراصا وألواحا كما هو المتعارف اليوم كان
متعارفا من ذلك العصر أي وسط القرن الثالث حدود المائتين وخمسين هجرية ، وفيها قال
: روي عن الصادق عليه السلام أن السجود على طين قبر الحسين ينور الأرضين السبع ومن
كانت معه سبحة من طين قبر الحسين كتب مسبحا وإن لم يسبح فيها . ( 1 ) .
انتهى ما أفاده الإمام محمد الحسين كاشف الغطاء نضر الله مثواه وهو وثيق ، وملم
بالموضوع من جميع جهاته .
المزايا الخاصة لمرقد أبي الأحرار
منح الله تعالى مرقد أبي الشهداء بمزايا خاصة ، وفضله على كثير من مراقد أوليائه
ومن بين ما اختص به من الفضل ما يلي :
استجابة الدعاء تحت قبته :
والشئ المحقق الذي لا يخامره شك أن الدعاء يستجاب عند مرقد أبي الأحرار إذا كان عن
إيمان خالص ، ونية صادقة ، وقد كان ذلك شائعا عند أئمة الهدى عليهم السلام روى أبو
هاشم الجعفري قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام وهو محموم عليل ،
فقال لي :
( يا أبا هاشم ابعث رجلا من موالينا إلى الحاير ، أي ج الحاير الحسين ج يدعو الله
لي ) .
وخرج أبو هاشم من عند الإمام فاستقبله علي بن بلال فأعلمه بما قال الإمام وطلب منه
أن يكون هو الرجل الذي يخرج إلى الحاير ، ويدعو للإمام ، وبهر علي بن بلال وراح
يقول : ( إنه ج أي الإمام ج أفضل من الحاير إذ كان
بمنزلة من في الحاير ( 1 ) ودعاؤه لنفسه أفضل من دعائي له بالحاير ) . وقفل أبو هاشم
راجعا إلى الإمام عليه السلام ، وأخبره بمقالة علي بن بلال . فأجابه الإمام : (قل له : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من البيت والحجر ، وكان يطوف
بالبيت ويستلم الحجر وأن لله بقاعا يحب أن يدعى فيها ، فيستجيب لمن دعاه والحاير
منها ) ( 2 ) .
نعم إن الحائر المعظم من الأماكن المقدسة التي يستجاب فيها الدعاء .
الشفاء في تربة الحسين
وتواترت الأخبار عن أئمة الهدى عليهم السلام أن الله تعالى قد جعل الشفاء بتربة
المظلوم أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، وأيدت ذلك تجارب المؤمنين المستمرة في
شفائهم وشفاء مرضاهم بهذه التربة المباركة ، ونعرض إلى بعض ما أثر من الأخبار فيها
:
أ – قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام : في طين قبر الحسين الشفاء من كل
داء ، وهو الدواء الأكبر ( 1 ) .
ب – قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام : طين قبر الحسين عليه السلام
فيه شفاء وأن أخذ على رأس ميل ( 2 ) .
ج – قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام : من أصابته علة فبدأ بطين قبر
الحسين عليه السلام شفاه الله من تلك العلة إلا أن تكون علة السام ( 3 ) .
وإنما ينتفع المريض بطين قبر الإمام الحسين عليه السلام إذا كان مؤمنا مطمئنا
بذلك ، فقد قال ابن أبي يعفور إلى الإمام الصادق عليه السلام : يأخذ الإنسان من طين
قبر الحسين فينتفع به ، ويأخذ غيره فلا ينتفع به ، فقال الإمام عليه السلام : لا
والله الذي لا إله إلا هو ما يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلا نفعه الله
به ( 4 ) .
الدعاء عند تناول التربة
ويستحب الدعاء عند تناول تربة الحسين لشربها ، فقد روى أبو جعفر الموصلي عن الإمام
أبي جعفر عليه السلام أنه قال : إذا أخذت طين قبر الحسين فقل : ( اللهم بحق هذه
التربة ، وبحق الملك الموكل بها والملك الذي كربها ، وبحق الموصي الذي هو فيها صل
على محمد وآل محمد ، واجعل هذا الطين شفاء من كل داء وأمانا من كل خوف ) ( 1 )
وروي دعاء آخر عن الإمام الصادق عليه السلام وهو : ( اللهم إني أسألك بحق هذه
الطينة وبحق الملك الذي أخذها وبحق النبي الذي قبضها وبحق الوصي الذي حل فيها صل
على محمد وأهل بيته واجعل لي فيها شفاء من كل داء ، وأمانا من كل خوف ) .
وفسر الإمام الصادق عليه السلام هذا الحديث قال : إن الملك الذي أخذها جبرائيل ،
وأراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : هذه تربة ابنك تقتله أمتك من بعدك ،
والنبي الذي قبضها هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأما الوصي الذي حل فيها وهو
الحسين بن علي سيد الشهداء ( 2 ) .
رأي الإمام كاشف الغطاء
وعلق الإمام محمد بن الحسين كاشف الغطاء رحمه الله على العلاج والشفاء بالتربة
الحسينية قال : ( والآثار تكون متواترة كتواتر الحوادث والوقائع التي حصل الشفاء
فيها لمن استشفى بها من الأمراض التي عجز الأطباء عن شفائها ، أفلا يجوز أن يكون في
تلك الطينة عناصر كيمياوية تكون بلسما شافيا من جملة من الأسقام قاتلة للميكروبات
وقد اتفق علماء الإمامية وتضافرت الأخبار بحرمة أكل الطين إلا من تربة قبر الحسين
عليه السلام بآداب مخصوصة وبمقدار معين وهو أن يكون أقل من حمصة أخذها من القبر
بكيفية خاصة وأدعية معينة .
ولا نكران ولا غرابة ، فتلك وصفة روحية من طبيب رباني يرى بنور الوحي والإلهام ما
في طبائع الأشياء ويعرف أسرار الطبيعة وكنوزها الدفينة التي لم تصل إليها عقول
البشر بعد ، ولعل البحث والتحري والمثابرة سوف يتوصل إليها ويستكشف سرها ويحل
طلسمها كما اكتشف سر كثير من العناصر ذات الأثر العظيم مما لم تصل إليه معارف
الأقدمين ولم يكن
يخطر على بال واحد منهم مع تقدمهم وسمو أفكارهم وعظم آثارهم وكم من سر دفين ومنفعة
جليلة مع موجودات حقيرة وضئيلة لم تزل مجهولة لا تخطر على بال ، ولا تمر على خيال
وكفى بالبنسلين وأشباهه شاهدا على ذلك ، نعم لا تزال أسرار الطبيعة مجهولة إلى أن
يأذن الله للباحثين بحل رموزها واستخراج كنوزها ، والأمور مرهونة بأوقاتها ولكل
كتاب أجل ولكل أجل كتاب ، ولا يزال العلم في تجدد ، فلا تبادر إلى الإنكار إذا بلغك
أن بعض المرضى عجز الأطباء عن علاجهم ، وحصل لهم الشفاء بقوة روحية ، وأصابع خفية
من استعمال التربة الحسينية أو من الدعاء ، والاتجاه إلى القدرة الأزلية أو ببركة
دعاء بعض الصالحين .
نعم ليس من الحزم البدار إلى الإنكار فضلا عن السخرية بل اللازم الرجوع في أمثال
هذه القضايا والحوادث الغريبة إلى قاعدة الشيخ الرئيس المشهور : ( كلما قرع سمعك
من غرايب الأكوان فذره في بقعة الإمكان حتى يذودك عنه قائم البرهان ) ( 1 ) .
وحكى رأي الإمام كاشف الغطاء الواقع بالشفاء بتربة ريحانة رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ، وأزال كل شبهة تحوم حولها .
التخيير بين القصر والتمام
ومما امتاز به ضريح الإمام الحسين عليه السلام أنه يتخير فيه المسافر بين قصر
الصلاة وإتمامها في تمام الروضة المقدسة دون الرواق والصحن الشريف ( 1 ) .
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن هذه الدراسة الموجزة عن السجود على التربة الحسينية
آملا أن تكون مقبولة عند سيد الشهداء وأن تنالني شفاعته يوم ألقى الله .
نصيحة الإمام السيستاني
وينصح سماحة المرجع الديني الإمام السيد علي الحسيني السيستاني دامت بركاته أرباب
معامل التربة الحسينية أن يجعلوها ساذجة وخالية من النقوش
وأسماء الأئمة وغير ذلك مما هو مدعاة للنقد .
ومن الجدير بالذكر أن هذه النصيحة مطابقة لرأي الإمام الشيخ محمد الحسين آل كاشف
الغطاء ، قال في الأرض والتربة الحسينية : ويلزم أن تكون التربة التي يسجد عليها
المؤمن طاهرة نقية ، ساذجة لا نقش عليها ولا كتابة ولا مصورة ، وما يصنعه بعض
العوام من النقش والكتابة فهو غير مشروع ولا صحيح ، والأمل من اخواننا المؤمنين
الإجابة لهذه النصيحة العالية . والله ولي التوفيق .