المحور الثاني:
علوم ومعارف قرآنيّة
الدرس السادس: أسماء القرآن وأوصافه
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف معنى القرآن وأسماءه.
2- يشرح أوصاف القرآن.
3- يفهم نكات كون لغة القرآن عربية.
معنى القرآن
أ. المعنى اللغوي: تعدّدت آراء اللغويين والباحثين في علوم القرآن في تحديد معنى القرآن وأصله الاشتقاقي اللغوي إلى أقوال كثيرة[1]، أهمّها وأقواها أنّ القرآن:
اسم مهموز مصدر لقرأتُ، بمعنى التلاوة، كالرجحان والغفران، سُمّي به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر، أي المقروء أو ما يُقرأ. واستخدم القرآن بمعنى القراءة، كالكتاب الذي يُطلق على المكتوب، بمعنى الكتابة.
والقِرَاءَةُ في اللغة هي: ضمّ الحروف والكلمات بعضها إلى بعضها الآخر في الترتيل… لا يُقال: قرأت القوم: إذا جمعتهم، ويدلّ على ذلك أنّه لا يُقال للحرف الواحد إذا تُفُوِّه به قراءة، والْقُرْآنُ في الأصل مصدر، نحو: كفران ورجحان. قال تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾[2]“[3].
والمعنى لا تعجل به إذ علينا أن نجمع ما نوحيه إليك، بضمّ بعض أجزائه إلى بعض، وقراءته عليك، فلا يفوتنا شيء منه حتى يحتاج إلى أن تسبقنا إلى قراءة ما لم نُوحِه بعد. وقيل: المعنى إنّ علينا أن نجمعه في صدرك، بحيث لا يذهب عليك شيء من معانيه، وأن نثبّت قراءته في لسانك، بحيث تقرأه متى شئت. وهذا لا يخلو من بعد. وقوله: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ
قُرْآنَهُ﴾، أي: فإذا أتممنا قراءته عليك وحياً، فاتّبع قراءتنا له، واقرأ بعد تمامها[4].
ب- المعنى الاصطلاحي: ذُكِرَت فيه تحديدات مختلفة، وردت عليها إشكالات عدّة، ولعلّ أقلّها محلاًّ للإشكالات ما اشتهر على لسان الأصوليين والفقهاء واللغويين ويوافقهم عليه المتكلّمون: “اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، المنقول عنه بالتواتر، المتعبّد بتلاوته”.
أسماء القرآن
اختلف الباحثون في علوم القرآن في عدد أسماء القرآن، وتفاوتت تحديداتهم في هذا الصدد، حيث حصر بعضهم أسماء القرآن في اسم “القرآن” فقط، وعدّ الأسماء الأخرى المتداولة مجرّد صفات للقرآن وليست أسماء له[5]، وذهب آخرون إلى أنّ للقرآن 55 اسماً[6]، وآخرون إلى أنّ له 95 اسماً[7]…
ولعلّ السبب في هذا الاختلاف راجع إلى وجود خلل في التمييز بين أسماء القرآن وصفاته، أو إلى تباين الأذواق والمعايير المعتمدة في تحديد الأسماء والصفات[8]. واسم الشيء، هو تعريفه وتشخيصه في الخارج ضمن أبعاد وحدود تحكي ماهيّة المسمّى ويُعرَف بها. وأمّا الصفة فهي تحكي خاصيّة معيّنة من المسمّى وعليه، فأسماء القرآن هي خصوص المعرّفات والمشخّصات التي تحكي عن القرآن في الخارج من أنّه كلام الله تعالى المنزل على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم بالإعجاز. وأمّا صفات القرآن فهي تحكي عن خاصيّة معيّنة يشتمل عليها القرآن من قبيل: الهداية، التبشير، الإنذار….
والمشهور من الأسماء، هو التالي[9]:
أ- القرآن: وردت مفردة “قرآن” 68 مرّة في القرآن الكريم (قرآن: 58 مرّة/ قرآناً:
10 مرّات)[10]. وأُريد بها: تارة مجموعة من الآيات، كما في قوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ…﴾[11] ، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[12]. وتارة أخرى مجموع الكتاب(أي ما بين الدفّتين)، كما في قوله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾[13]. وقد تقدّم معنى القرآن لغة واصطلاحاً.
ب- الفرقان: وردت مفردة “فرقان” 6 مرّات في القرآن الكريم[14]. والفرقان من الفرق والتفرقة، ويُراد بها ما يفرق بين الحقّ والباطل[15]. وروي أنّه سُئِلَ الإمام الصادق عليه السلام عن القرآن والفرقان أهما شيئان أم شيء واحد؟ فقال عليه السلام: “القرآن جملة الكتاب، والفرقان الحكم الواجب العمل به”[16].
ج- الذِّكْر: وردت مفردة “ذِكْر” 52 مرّة في القرآن الكريم[17]، وأُريد بها القرآن في بعض المواضع فقط، كما في قوله تعالى: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ﴾[18]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[19]، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾[20]. ويُراد بالذِّكْر: الشرف[21].
د. الكتاب: وردت مفردة “كتاب” 230 مرّة في القرآن الكريم[22]، كما في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾[23]، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا…﴾[24]. والكتاب هو: جملة ما هو موجود بين الدفّتين. وقد استعمل في القرآن الكريم وأُريد به: تارة ما أُنزِلَ على الأنبياء والرسل عليهم السلام من كلام الله تعالى المُوحَى إليهم، كما في قوله تعالى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾[25]، وقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾[26]، وقوله تعالى-على لسان نبيّه عيسى عليه السلام -: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ…﴾[27]. وتارة استعمل الكتاب بمعنى خصوص المكتوب على نحو المراسلات والمخاطبات، كما في قوله تعالى – في معرض حكايته لقصة النبي سليمان عليه السلام وملكة سبأ -: ﴿اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾[28]. وتارة استعمل بمعنى صحيفة أعمال الإنسان، كما في قوله تعالى: ﴿…مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا…﴾[29] ، وقوله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾[30].
هـ- التنزيل[31]: وردت مفردة “تنزيل” 11 مرّة في القرآن الكريم[32]، كما في قوله تعالى:
﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[33]، وقوله تعالى: ﴿تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾[34]، وقوله تعالى: ﴿تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾[35]. ويُراد من التنزيل: القرآن النازل مفرّقاً مرّة بعد أخرى[36].
و- المصحف: لم يرد ذِكْر هذه المفردة في القرآن الكريم، ولكن اشتهر تداولها بين المسلمين بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، بوصفها اسماً من أسماء القرآن الكريم.
ولعلّ اشتهار تداولها يعود إلى شدّة انشغال المسلمين واهتمامهم بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلمبكتابة القرآن وتدوينه وجمعه بين دفّتين. و”الصَّحِيفَةُ: المبسوط من الشيء، كصحيفة الوجه، والصَّحِيفَةُ: التي يكتب فيها، وجمعها: صَحَائِفُ وصُحُفٌ. قال تعالى: ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾[37]، ﴿يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾[38]، قيل: أُريد بها القرآن، وجعله صحفاً فيها كتب من أجل تضمّنه لزيادة ما في كتب الله المتقدّمة. والْمُصْحَفُ: ما جعل جامعاً لِلصُّحُفِ المكتوبة، وجمعه: مَصَاحِفُ”[39].
وتجدر الإشارة إلى أنّ الأسماء الثلاثة: الكتاب، الذِّكر، الفرقان، هي أسماء مشتركة بين القرآن والكتب السماوية الأخرى. وأمّا اسم “القرآن” فهو الاسم الوحيد الذي اختصّ به كتاب رسالة الإسلام عن كتب باقي الرسالات السماوية. ويُعدّ من أشهر أسماء القرآن: القرآن، ثمّ الفرقان، ثمّ يأتي بعدهما في الشهرة ترتيباً: الكتاب، والذِّكر، والتنزيل[40].
أوصاف القرآن
ذكر الباحثون والمفسّرون عدّة صفات للقرآن الكريم، وتفاوتت تحديداتهم في هذا الصدد، تبعاً لاختلاف معاييرهم وأذواقهم في تحديد أسماء القرآن وتمييزها عن صفاته،
وأبرز هذه الصفات التي اقترنت بأسماء القرآن المشهورة – التي تقدّم ذكرها – وجاءت وصفاً لها:
أ- الحكيم: أي مستقرّ الحكمة. قال تعالى: ﴿وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾[41].
ب- العزيز: أي عديم النظير، والمنيع، والممتنع من أن يُغلَب. قال تعالى: ﴿…وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾[42].
ج- العظيم: أي الكبير والقوي. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾[43].
د- العربي: أي النازل بلغة العرب. قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[44].
هـ- وغيرها صفات أخرى، من قبيل: البشير[45]، والشافي[46]، والقيِّم[47]، والكريم[48]، والمبارك[49]، والمبين[50]، والمتشابه[51]، والمثاني[52]، والمجيد[53]، والنذير[54]، وذو الذّكر[55]، وغير ذي عوج[56]…
لغة القرآن
إنّ لغة القرآن هي اللغة العربية، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بعدّة تعابير، من قبيل: ﴿قُرآنًا عَرَبِيًّا﴾[57]، و﴿لِسَانٌ عَرَبِيٌّ﴾[58] أو ﴿لِّسَانًا عَرَبِيًّا﴾[59]، و﴿حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾[60].
وأمّا اختيار اللغة العربية لتكون لغة القرآن الكريم، فيعود إلى نكات دقيقة، أبرزها التالي:
أ- جاء نزول القرآن باللغة العربية استناداً إلى أصل عامّ وسنّة إلهية في الإنذار والتبشير، مفادها: اتّحاد لغة كلّ رسول مع لغة قومه. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ…﴾[61]. وهذه القاعدة العامّة في إرسال الرسل، تنطبق أيضاً على إنزال الكتب السماوية. قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا…﴾[62].
ومن هذا المنطلق، فإنّ نزول القرآن باللغة العربية أمر طبيعي موافق للسنّة الإلهية في الإنذار والتبشير. وهذا لا يتنافى مع رسالة الإسلام العالمية، ودعوته العامّة على مدى العصور والأجيال، ولا مع ما جاء به القرآن من هداية عامّة لكافّة الناس، بقوله تعالى: ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ…﴾[63]. وأمّا إنذار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأهل مكة، الذي ورد في سورة الشورى، فلم يكن إلا لأنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان في المراحل الأولى من حركته العالمية، مكلّفاً بدعوة قومه وهداية أبناء بيئته. ومن غير المعقول أن يُؤمَر صلى الله عليه وآله وسلم بإرشاد الناس وهدايتهم، ثمّ يعرض عليهم كتاباً بلغة غريبة عنهم.
ب- يرى علماء اللغة أنّ اللغة العربية تمتاز عن اللغات الأخرى بأنّها واسعة جدّاً، ولها قدرة عالية على حكاية المفاهيم المعنوية العالية والسامية التي يطرحها القرآن، أكثر من غيرها من اللغات الأخرى. تتميّز اللغة العربية عن اللغات الأخرى بكثرة المفردات، واشتقاق الكلمات، ووفرة قواعدها، وفصاحتها، وبلاغتها…
وقد اختار الله تعالى اللغة العربية لتكون لغة للقرآن الكريم، حيث قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[64]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[65].
وهاتان الآيتان تكشفان عن حقيقة أنّ إكساء القرآن باللغة العربية مُسنَد إلى الله تعالى، وهو الذي أنزل معنى القرآن ومحتواه بقالب اللفظ العربي، ليكون قابلاً للتعقّل والتأمّل. وفي الآية الواردة في سورة الزخرف يقول تعالى – بعد بيان أنّ لغة القرآن هي العربية -: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾. وفي ذلك دلالة ما على أنّ لألفاظ الكتاب العزيز من جهة تعيّنها، بالاستناد إلى الوحي، وكونها عربية، دخلاً في ضبط أسرار الآيات وحقائق المعارف. ولو أنّه تعالى أوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه، وكان اللفظ الحالي له هو لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما في الأحاديث القدسية -مثلاً-، أو تُرجِم إلى لغة أخرى، لخفي بعض أسرار آياته البيّنات عن عقول الناس ولم تنله عقولهم وأفهامهم[66].
ج- أكّد القرآن الكريم على صفة كونه بلسان عربي في وجه مَنْ زعموا أنّ هناك شخصاً يُعلِّم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القرآن: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾[67].
ويُراد بـ ﴿أَعْجَمِيٌّ﴾: أنّه غير صحيح، فـ”الإعجام: الإبهام. والعجم خلاف العرب، والعجمي منسوب إليهم. والأعجم: مَنْ في لسانه عجمة، عربياً كان، أم غير عربي”[68].
وورد في حديث جاء جواباً عن معنى ﴿لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾: “يبيّنُ الألسُنَ، ولا تُبيّنهُ الألسُنُ”[69].
ومن هنا، فالمراد بالعربية هو: بيان حقيقة أنّ اللغة العربية لغة الفصاحة والوضوح والخلو من التعقيد والإبهام، في مقابل الأعجمي المبهم وغير الواضح والمعقّد، وقد اختارها الله تعالى ليُبيّن بها معارف وحقائق راقية، بلغة فصيحة وبليغة.
المفاهيم الرئيسة
– تعدّدت الأقوال في تحديد معنى القرآن وأصله الاشتقاقي اللغوي. وأقواها وأصوبها أنّه: اسم مهموز مصدر لقرأتُ، بمعنى التلاوة، سُمّي به الكتاب المقروء.
– أبرز أسماء القرآن: القرآن، الفرقان، الذِّكْر، الكتاب، التنزيل، المصحف.
– حقيقة القرآن هي حقيقة إلهية تنطوي على أعمق المعارف المعنوية. وقد قضى الله تعالى أن يُلبِسَ هذه الحقيقة لباس الألفاظ، ليتسنّى للناس فهم القرآن.
– من أوصاف القرآن الكريم: البشير، الحكيم، الشافي، العربي، العزيز، العظيم، القيّم، الكريم…
– إنّ القرآن نزل بالعربية وذلك لأنّ العربية لغة الفصاحة والوضوح والخلو من التعقيد والإبهام، في مقابل الأعجمي المبهم وغير الواضح والمعقّد، وقد اختارها الله تعالى ليُبيّن بها معارف وحقائق راقية، بلغة فصيحة وبليغة.
للمطالعة
قراءة القرآن والعمل به
وقد حذّرت الأحاديث الشّريفة بشدّة من قارئ القرآن الذي لا يعمل به ولا يُطبّقه على نفسه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال في حديث: “من تعلّم القرآن فلم يعمل به وآثر عليه حبّ الدُّنيا وزينتها استوجب سخط الله وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى الذين ينبذون كتاب الله وراء ظهورهم، ومن قرأ القرآن وأراد به السمعة والوصول إلى الدُّنيا لقي الله ووجهه عظم لا لحم فيه وزجّه القرآن على قفاه حتَّى يدخل النَّار ويسقط في النَّار مع الذين سقطوا، ومن قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى فيقول ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾[70] فيؤمر به إلى النَّار، ومن قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وتفقّهاً في الدِّين كان له من الثواب مثل جميع ما يُعطى الملائكة والأنبياء والمرسلون، ومن تعلّم القرآن يريده رياء وسمعة ليُماري به السفهاء ويُباهي به العلماء ويطلب به الدُّنيا بدّد الله عزّ وجلّ عظامه يوم القيامة ولم يكن في النَّار أشدّ عذاباً منه وليس نوع من أنواع العذاب إلا ويُعذّب من شدّة غضب الله عليه وسخطه، ومن تعلّم القرآن وتواضع في العلم وعلّم عباد الله يريد ما عند الله لم يكن في الجنَّة أعظم ثواباً منه ولا أعظم منزلة منه ولم يكن في الجنَّة منزلة ولا درجة رفيعة ولا نفيسة إلا كان له فيها أوفر النصيب وأشرف المنازل”[71].
[1] لمزيد من التفصيل: انظر: الزركشي، بدر الدين: البرهان في علوم القرآن، ص273-276، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، لام، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، 1376هـ.ق/ 1957م، ج1، السيوطي، جلال الدين: الإتقان في علوم القرآن، تحقيق سعيد المندوب، ط1، بيروت، دار الفكر، 1416هـ.ق/ 1996م، ج1، ص144، الزرقاني، عبد العظيم: مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1، ص15-17، تحقيق فوّاز أحمد زمَرلي، ط1، بيروت، دار الكتاب العربي، 1415هـ.ق/1995م.
[2] سورة القيامة، الآيتان 17 و 18.
[3] الأصفهاني، الراغب: مفردات ألفاظ القرآن، ص 668، تحقيق صفوان داوودي، قم المقدّسة، نشر طليعة النور، مطبعة سليمان زاده، 1427هـ.ق، ط2، مادّة “قرأ”.
[4] انظر: الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص109-110، لاط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، لات.
[5] انظر: العسكري، مرتضى: معالم المدرستين، ج2، ص13-15، لاط، بيروت، مؤسّسة النعمان، 1410هـ.ق/ 1990م.
[6] انظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج1، ص273، السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص141.
[7] انظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج1، ص273.
[8] انظر: الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1، ص17.
[9] انظر: الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1، ص15-17.
[10] روحاني، محمود: المعجم الإحصائي لألفاظ القرآن الكريم، ج3، ص1154، ط1، مشهد المقدّسة، مؤسّسة الآستانة الرضوية المقدّسة، 1372هـ.ق/ 1987م.
[11] سورة الإسراء، الآية 82.
[12] سورة الأعراف، الآية 204.
[13] سورة الإسراء، الآية 106.
[14] انظر: روحاني، المعجم الإحصائي لألفاظ القرآن الكريم، ج3، ص1082.
[15] انظر: ابن فارس، أحمد: معجم مقاييس اللغة، ص493-495، تحقيق عبد السلام هارون، لاط، لام، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404هـ.ق، ج4، مادّة”فرق”.
[16] الشيخ الكليني، الكافي، ص 630،ج2.
[17] انظر: روحاني، المعجم الإحصائي لألفاظ القرآن الكريم، ج2، ص746.
[18] سورة الأنبياء، الآية 50.
[19] سورة النحل، الآية 44.
[20] سورة الزخرف، الآية 44.
[21] انظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص 328، مادّة “ذكر”.
[22] انظر: روحاني، المعجم الإحصائي لألفاظ القرآن الكريم، ج3، ص1211.
[23] سورة البقرة، الآية 2.
[24] سورة فاطر، الآية 32.
[25] سورة مريم، الآية 12.
[26] سورة الإسراء، الآية 2.
[27] سورة مريم، الآية 30.
[28] سورة النمل، الآيتان 28 و 29.
[29] سورة الكهف، الآية 49.
[30] سورة الإسراء، الآيتان 13 و 14.
[31] عدّه عبد العظيم الزرقاني من أسماء القرآن الكريم. انظر: الزرقاني، مناهل العرفان، ج1، ص15.
[32] انظر: روحاني، المعجم الإحصائي لألفاظ القرآن الكريم، ج2، ص584.
[33] سورة الشعراء، الآية 192.
[34] سورة فصّلت، الآية 2.
[35] سورة يس، الآية 5.
[36] انظر: الراغب، مفردات ألفاظ القرآن، ص 799، مادّة “نزل”.
[37] سورة الأعلى، الآية 19.
[38] سورة البينة، الآيتان 2 و 3.
[39] الراغب، مفردات ألفاظ القرآن، ص 476، مادّة “صحف”.
[40] انظر: الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1، ص17.
[41] سورة يس، الآية 2.
[42] سورة فصّلت، الآية 41.
[43] سورة الحجر، الآية 87.
[44] سورة يوسف، الآية 2.
[45] قال تعالى: ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (سورة فصّلت، الآية 4).
[46] قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء﴾ (سورة الإسراء، الآية 82).
[47] قال تعالى: ﴿أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (سورة الكهف، الآيتان 1و2).
[48] قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ (سورة الواقعة، الآية 77).
[49] قال تعالى: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ (سورة الأنبياء، الآية 50).
[50] قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ﴾ (سورة الحج، الآية 16).
[51] قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا…﴾ (سورة الزمر، الآية 23).
[52] قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا﴾ (سورة الزمر، الآية 23).
[53] قال تعالى: ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ (سورة ق، الآية 1).
[54] قال تعالى: ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (سورة فصلت، الآية 4).
[55] قال تعالى: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ (سورة ص، الآية 1).
[56] قال تعالى: ﴿قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ (سورة الزمر، الآية 28).
[57] سورة يوسف، الآية 5، طه، الآية 113، الزمر، الآية 28، فصّلت، الآية 3، الشورى، الآية 7، الزخرف، الآية 3.
[58] سورة النحل، الآية 103.
[59] سورة الأحقاف، الآية 12.
[60] سورة الرعد، الآية 37.
[61] سورة إبراهيم، الآية 4.
[62] سورة الشورى، الآية 7.
[63] سورة البقرة، الآية 185.
[64] سورة يوسف، الآية 2.
[65] سورة الزخرف، الآية 3.
[66] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج11، ص75.
[67] سورة النحل، الآية 103.
[68] انظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص 549، مادّة “عجم”.
[69] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 632.
[70] سورة طه، الآيتان 125 و126.
[71] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص183.