الرئيسية / الاسلام والحياة / موسوعة طبقات الفقهاء

موسوعة طبقات الفقهاء

51 عبد اللَّه بن العباس « 1 »
( 3 ق ه – 68 ه ) ابن عبد المطلب القرشي الهاشمي ، أبو العباس المدني ، ابن عم رسول اللَّه .
– صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وُلد في الشِّعب بمكة وبنو هاشم محصورون ، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين .
روى عن النبيّ – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وعن عليّ – عليه السّلام وأُبي بن كعب ، وعمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري ، وعمر بن الخطاب ، وبُريدة بن الحصيب الأسلمي ، وطائفة .
روى عنه : سعيد بن جُبير ، وأبو أُمامة أسعد بن سهل بن حنيف ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة ، وعطاء بن أبي رباح ، وعمرو بن دينار ، وأبو الشعثاء جابر ابن زيد ، وعكرمة ، وآخرون .
وكان فقيهاً مفتياً محدثاً عالماً بالتفسير ، وهو أوّل من أملى في تفسير القرآن عن الامام عليّ – عليه السّلام وكان يسمّى البحر والحَبْر لغزارة علمه .
رُوي عنه أنّه قال : دعاني رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، فمسح على ناصيتي وقال : اللَّهمّ علَّمه الحكمة وتأويل الكتاب .
وكان خطيباً مصقعاً ومناظراً قديراً ، وكان عمر يدنيه ويشاوره مع كبار الصحابة ، وكان يفتي في عهد عمر وعثمان إلى يوم مات .
عُدّ من المكثرين في الفتيا من الصحابة ، ونقل عنه الشيخ الطوسي في كتاب « الخلاف « 201 فتوى ، وكان ممن ثبت على القول بإباحة المتعة وعدم نسخها .
قال عطاء : ما رأيت مجلساً قط كان أكرم من مجلس ابن عباس ، وإنّ أصحاب القرآن عنده يسألونه ، وأصحاب الشعر عنده يسألونه ، وأصحاب الفقه عنده يسألونه ، كلَّهم يصدرهم في واد واسع .
وكان ابن عباس محباً لعليّ – عليه السّلام ملازماً لطاعته في حياته وبعد مماته ، وكان تلميذه وخرّيجه ، قيل له : أين علمك من علم ابن عمّك ؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط « 1 » وإلى هذا المعنى أشار محمود البغدادي ، فقال :
وأفصحَ عبد اللَّه عن كُنه ِ موقفٍ
وذلك حبْر ثاقبُ الفكر عَيْلَمُ
ألا إنّ علمي للوصي كقطرةٍ
إلى البحر ما لابن الفواطم توأمُ
« 2 »
وقد شهد ابن عباس مع الإمام علي – عليه السّلام حروبه كلَّها الجمل وصفين والنهروان ، وولَّاه أمير المؤمنين البصرة بعد ظفره بأصحاب الجمل ، وكان يُعدّه لمهام الأُمور فقد أرسله إلى أُمّ المؤمنين بعد حرب الجمل فكان له في ذلك المقام المشهود ، وأراده للحكومة يوم صفّين ، فأبى أهل الجباة السود العمي القلوب ، وبعثه إلى الخوارج يوم النهروان فاحتجّ عليهم بأبلغ الحجج ، وله في نصرة علي – عليه السّلام وأبنائه مواقف مشهورة .
جاء في شرح نهج البلاغة 5 – 179 : وأمّا اليوم الخامس أي من أيام صفّين فانّه خرج فيه عبد اللَّه بن عباس ، فخرج إليه الوليد بن عقبة . . فأرسل إليه عبد اللَّه بن العباس أن ابرز إلي ، فأبى أن يفعل ، وقاتل ابن عباس ذلك اليوم قتالًا شديداً .
ومن شعره في أمير المؤمنين – عليه السّلام – :
وصي رسول اللَّه من دون أهله
وفارسُه إن قيل هل من مُنازلِ
فدونكه إن كنت تبغي مهاجراً
أشمَّ كنصل السيف عَيْر حَلاحلِ
« 1 »
وكان يلقى معاوية بقوارع الكلم ، قال له يوماً معاوية : ما بالكم تصابون بأبصاركم يا بني هاشم ؟ فقال له : كما تصابون في بصائركم يا بني أُمية .
وعمي هو وأبوه وجده .
وكان يمسك بركاب الحسن والحسين « عليهما السلام » إذا ركبا .
ولما أبى الحسين – عليه السّلام أن يبايع ليزيد ، وأراد أن يسير من مكة إلى العراق ، قال له ابن عباس : أقم بهذا البلد فانّك سيد أهل الحجاز ، فإنْ أبيتَ فسر إلى اليمن . . فقال له الحسين – عليه السّلام : يا ابن عم إنّي واللَّه لَاعلم أنّك ناصح مشفق ولكنّني قد أزمعت وأجمعت على المسير « 1 » .
ولما خرج الحسين – عليه السّلام إلى الكوفة اجتمع ابن عباس وعبد اللَّه بن الزبير بمكة ، فضرب ابن عباس جنب ابن الزبير وتمثّل :
يا لكِ من قُبَّرة بمَعْمَرِ
خلا لكِ الجو فبيضي واصفري
ونقّري ما شئت أن تُنقّري
خلا لك واللَّه يا ابن الزبير الحجاز ، فقال ابن الزبير : واللَّه ما ترون إلَّا أنّكم أحقُّ بهذا الامر من سائر الناس ، فقال له ابن عباس : إنّما يرى من كان في شك ، فأمّا نحن من ذلك فعلى يقين « 2 » ومن كلام ابن عباس :
لو أنّ العلماء أخذوا العلم بحقّه لَاحبهم اللَّه عزّ وجلّ والملائكة والصالحون من عباده ، ولَهابَهم الناس لفضل العلم وشرفه .
وقال : ما بلغني عن أخ لي مكروه قط إلَّا أنزلته أحد ثلاثة منازل : إن كان فوقي عرفتُ له قدره ، وإن كان نظيري تفضّلتُ عليه ، وان كان دوني لم أحفِل به .
وقال : أكرم الناس عليَّ جليسي ، إنّ الذباب ليقع عليه فيؤذيني .
وكان بين ابن عباس وبين ابن الزبير منافرات شديدة ، رواها المؤرخون في كتبهم .
ولما دعا ابن الزبير لنفسه بالخلافة ، أبى ابن عباس أن يبايعه ، فأخرجه من مكة إلى الطائف فتوفّي بها – سنة ثمان وستين .
ولما دُفن قال محمّد بن الحنفية : اليوم مات ربّانيّ هذه الأُمّة .
52 أبو بكر بن أبي قحافة « 1 »
( 2 ، 3 بعد عام الفيل – 13 ه ) عبد اللَّه بن عثمان بن عامر القرشي التّيمي . ولد بمكة بعد عام الفيل بسنتين أو ثلاث .
وكان من السابقين إلى الإسلام ، وآخى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بينه وبين عمر بن الخطاب ، وهاجر مع رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وصحبه في الغار .
شهد بدراً وسائر المشاهد مع رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
ولما نزلت سورة براءة في سنة تسع للهجرة ، دفعها النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم إلى أبي بكر ، حتى إذا كان ببعض الطريق ، أرسل علياً رضي اللَّه عنه فأخذها منه ثم سار بها ، فوجد أبو بكر في نفسه ، فقال رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : لا يؤدي عنّي إلَّا أنا أو رجل منّي « 1 » وفي سنة احدى عشرة أمر النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم الناس بالتهيوَ لغزو الروم ، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلَّا عبّأه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم – بالجيش ، وأجمع أهل السير والاخبار على أنّ أبا بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وغيرهم كانوا في الجيش ، ثم مرض – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم – فلما أصبح ووجدهم متثاقلين ، خرج إليهم فحضّهم على السير وعقد اللواء لاسامة بيده الشريفة ، فجعلوا يودعونه ويخرجون إلى العسكر بالجرف ، ثم ثقل – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم – في مرضه فجعل يقول : جهزوا جيش اسامة ، انفذوا جيش اسامة ، يكرر ذلك ، ثم رجع اسامة وعمرو أبو عبيدة ، فانتهوا إليه وهو يجود بنفسه ، فتوفّي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم – في ذلك اليوم ، فرجع الجيش إلى المدينة ، ولما تمّ الامر لَابي بكر سيّر الجيش بقيادة أُسامة بن زيد وتخلَّف عنه جماعة ممن عبّأهم رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم في جيشه فشنّ الغارة على أهل أُبنى .
ولما توفّي رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد ابن عبادة ، فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح ، وحدث بين الطرفين خلاف طويل وعريض ، ثم قال أبو بكر : إنّي قد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين : عمر أو أبا عبيدة ، فقام عمر فبايع أبا بكر ، فقالت الأنصار أو
بعض الأنصار لا نبايع إلَّا علياً « 1 » ثم تمت البيعة لَابي بكر ، والتي قال عنها عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللَّه المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه .ولم يشهد الإمام علي – عليه السّلام وسائر أوليائه من بني هاشم وغيرهم البيعة ، ولم يدخلوا السقيفة ، بل كانوا منصرفين إلى خطبهم الفادح برسول اللَّه وقيامهم بالواجب من تجهيزه .
قال ابن الأثير في « أسد الغابة » : وتخلَّف عن بيعته [ أي بيعة أبي بكر ] علي وبنو هاشم والزبير بن العوام وخالد بن سعيد بن العاص وسعد بن عبادة الأنصاري « 2 » .
وكان لَابي بكر مع الزهراء البتول « عليها السّلام » في قضية فدك وغيرها مواقف أدّت إلى غضبها وهجرانها له ، حتى توفيت « عليها السّلام » وهي غاضبة عليه كما أخرج ذلك البخاري « 3 » وغيره .
وفي أيام أبي بكر افتُتحت بلاد الشام وقسم كبير من العراق .
وكان قليل الرواية عن النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم « 1 » فاتفق له الشيخان على ستة ، وانفرد البخاري بأحد عشر ومسلم بواحد .
روى عنه : عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، وعثمان ، وابن عمر ، وغيرهم .
وعُدّ من المتوسطين من الصحابة فيما روي عنه من الفتيا ، ونقل عنه الشيخ الطوسي في « الخلاف » أربعاً وأربعين فتوى منها : انّه كان يرى جواز تولية المفضول على من هو أفضل منه .
وكان أبو بكر يقول برأيه في العديد من المسائل والاحكام ، فقد سئل عن الكلالة التي نزل بحكمها القرآن فقال : إنّي سأقول فيها برأيي ، فان يك صواباً فمن اللَّه ، وان يك خطأ فهو منّي ومن الشيطان « 2 » .
وجاء في « سنن البيهقي « : 6 – 246 عن أبي سعيد الخدري ، قال : إنّ أبا بكر رضى اللَّه عنه كان ينزل الجد بمنزلة الأب .
( يعني أنّه كان يحجب الإخوة بالجد كما أنّ الأب يحجب الإخوة والأخوات ) .
توفّي أبو بكر بالمدينة في – سنة ثلاث عشرة ، ولما حضره الموت استخلف عمر ابن الخطاب .

شاهد أيضاً

المقاومةُ بخير ومخزونُها الاستراتيجيُ بخير ولم يَرَ العدوُّ من ضرباتِنا الا القليل

هي الخلاصةُ للعدوِ والصديق، قدَّمَها باسمِ حزبِ الله مسؤولُ العلاقاتِ الاعلاميةِ في الحزب محمد عفيف.. ...