أساليب الغزو الفكري للعالم الاسلامي 16
6 يونيو,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
865 زيارة
أولا : العلمانية
معنى العلمانية :
قد تشعر الكلمة في اشتقاقها أنها تعني رفع شعار العلم ومن
ثم فلا تعارض بينها وبين الاسلام بل إنها إحدى وسائل الاسلام
وبعض أهدافه !
وهو ما نحسب أنهم قصدوا إليه حين ترجموا معنى الكلمة في
لغتها الأصلية ليقع المسلمون في هذا الوهم ! !
إن العلمانية ترجمة للكلمة الإنجليزية Secularity وهذا اشتقاق
من Secular وهي مرادفة للكلمة الإنجليزية Unreligous أي
لا ديني أو غير عقيدي ومن ثم كانت العلمانية تعني اللادينية ! !
ومن هنا نفهم إعلان البعض عن قيام دولة علمانية أو عن رغبة
البعض الآخر في ذلك !
ونفهم سر اختيار الكلمة إنها تعبر عن المقصود دون
صدم للمشاعر والأحاسيس !
ولنا أن نتصور الفارق بين الاعلان عن دولة علمانية أو الاعلان
عن دولة لا دينية !
من هنا تحس خبث ترجمة الكلمة إلى لفظ العلمانية ، ونحس
خبث الذين يستعملون هذا اللفظ دون اللفظ الكاشف عن المعنى
المقصود ونحس مع هذا كله بواجبنا لتعرية هذا اللفظ الخبيث
على حقيقته !
العلمانية بين الغرب والشرق :
لم يكن غريبا في الغرب أن تجد العلمانية مكانها فقد فرضت
ذلك ظروف الغرب
نتيجة تسلط الكنيسة وتحالفها مع الظالمين على شعوب الغرب
المختلفة ووقوفها في وجه كل تفتح فكري أو كشف علمي وتجاوزها
ذلك الحجر على العقول إلى حجر على القلوب حين فرضت
صكوك الغفران وقرارات الحرمان وراحت تتاجر بها وتتخذها
وسيلة للكسب الحرام ! !
وغرقت أوروبا في دماء ضحايا الكنيسة حيث سقط المئات بل
الآلاف تحت مقاصل محاكم التفتيش ومشانقها غير من غيبوا في
غياهب السجون
إذا كانت سنة الله في الكون أن لكل فعل رد فعل مساويا له
في القوة ومضادا له في الاتجاه فلقد وقع الصراع صراع العلم مع
الكنيسة وانتهى بإعلان العلمانية التي تعني فصل الدين عن الدولة ،
وتقلص سلطان الكنيسة داخل جدرانها ! ! .
وفضلا عن أن ظروف أوروبا التاريخية كانت تبرر انتشار العلمانية
وفصل الدين عن الدولة فلقد كانت ظروف الديانة المسيحية بعد ما
أدخل عليها من تحريف كان اليهود وراء أكثره – كانت ظروف الديانة
المسيحية تسمح كذلك بوجود علمانية إلى جانب الدين .
وليس غريبا بعد ذلك أن يكون اليهود وراء فصل الدين عن الدولة
كما صرح بذلك كاتب أمريكي ( 1 ) بغية القضاء على بقايا الدين الذي
حرفوه بتعطيله وحبسه عن المجتمع داخل جدران الكنيسة .
وليس غريبا بعد ذلك أن نسمع عن أن الدين الذي حبس داخل
جدران الكنيسة قد جرى فيه التطوير حتى صارت الصلاة تؤدى على
أنغام الموسيقى ثم تعقبها حفلات الرقص بين الجنسين تحت الأضواء
الخافتة الحالمة وبين الألحان الدافئة والساخنة تحت سمع وبصر
رجال الدين بل وتحت ” رعايتهم وتوجيههم ” السديد .
وكانت أوروبا قد بلغت في التقدم العلمي ” التكنولوجي ” درجة
جعلتها ولو إلى حين – تستطيع أن تقيم نهضة مادية بهرت الناس
في أكثر الأحيان .
وحين أريد نقل العلمانية إلى الشرق الاسلامي غفل المسخرون
عن علم أو عن جهل – غفلوا عن هذه الظروف جميعا غفلوا عن أنه ليس
في ظروف الشرق الاسلامي التاريخي ما يبرر فصل الدين عن الدولة ،
فلم يكن ثمة اضطهاد من رجال الدين الاسلامي – إذا صح التعبير
للمقابلة مع رجال الكنيسة – لم يقع اضطهاد من علماء المسلمين
للعلم أو للعلماء
ولم يكن في تاريخنا الاسلامي محاكم تفتيش .
وصكوك غفران وقرارات حرمان .
والذين انحرفوا من العلماء عن جادة السبيل إلى ممالاة الحكام
لفظتهم الأمة وجعلتهم وراء ظهورها والذين كانوا لسان
صدق حملتهم في حنايا صدورها وقدمتهم في أول صفوفها
كذلك لم تكن الديانة الاسلامية لتسمح بالفصل بين الدين والدولة
لأن الدولة في فقه الاسلام قسم للدين لا قسيم فلا دين بغير دولة
ولا دولة بغير دين
كذلك لم تكن الديانة الاسلامية لتسمح بقيام العلمانية إلى جوار
الاسلام بمقولة أن الاسلام يبقى داخل دائرة العقيدة والشعيرة
وتعمل العلمانية في دائرة الشريعة لأن الاسلام عقيدة وشعيرة وشريعة
وهو في هذا لا يقبل التجزئة ولا التفرقة ولا يرضى أن يكون مع الله
أرباب آخرون أو قياصرة آخرون يدين لهم الناس في مجال الشريعة
كما يدينون لله في مجال العقيدة والشريعة
كذلك مع التسليم جدلا بصحة نظرة الغرب التي اعتنقها الحاقدون
أو الجاهلون في الشرق الاسلامي فلم يكن الشرق الاسلامي قد وقف
على قدميه وبلغ التطور العلمي والتكنولوجي الذي بلغه الغرب ليطرح
الدين جانبا ويرفع شعار العلمانية .
من ثم حرم الشرق الدين كما حرم الدنيا وارتضى
بقشور تورثه الترف والدعة وتبعده كثيرا عن الجد والجهاد
والعمل
وسائل نشر العلمانية :
خرص الغرب منذ وطئت أقداممهم التراب الاسلامي على نشر
العلمانية بأكثر من سبيل ، وحين ورثت النخبات الأجنبية ” النخبات
الوطنية ” مكان السلطة وبوأتها كراسيها خرصت على زيادة نشر العلمانية
بكل الوسائل وضعت خبراتها ” العلمية ” والتكنولوجية لتحقيق
هذه الغاية .
ومن ثم فلم يكن غريبا أن نسمع عن بلاد إسلامية متخلفة من
الدرجة الثالثة أو الرابعة تدخل فيها ” التليفزيون ” قبل أن
تمحو من أبنائها الأمية التي تربو على الثمانين أو التسعين في المائة
بل أننا نسمع عن إدخال التليفزيون الملون في بلاد متخلفة جدا وأحيانا
فقيرة جدا .
أما مجالات نشر العلمانية ووسائلها فقد كانت : أولا في التعليم ،
ثانيا : في الإعلام ، صحافة وإذاعة ، وتليفزيون ، وسينما ، ومؤلفات ،
ثالثا : في القانون ويحسن أن نعرض لكل كلمة :
أولا – التعليم :
إن التعليم الوطني عندما قدم الإنجليز إلى مصر كان في قبضة
الجامعة الأزهرية الشديدة التمسك بالدين ، والتي كانت أساليبها الجافة
القديمة ! ! تقف حاجزا في طريق أي إصلاح تعليمي ، وكان الطلبة الذين
يتخرجون في هذه الجامعة يحملون معهم قدرا عظيما من غرور التعصب
الديني ! ! ولا يصيبون إلا قدرا ضئيلا من مرونة التفكير والتقدير ،
فلو أمكن تطوير الأزهر عن طريق حركة تنبعث من داخله لكانت هذه خطوة جليلة القدر .
ولكن إذا بدا أن مثل هذه الأمل غير متيسر تحقيقه فحينئذ يصبح
الأمل محصورا في إصلاح التعليم اللاديني ينافس الأزهر حتى
يتاح له الانتشار والنجاح ، وعندئذ فسوف يجد الأزهر نفسه أمام
أحد أمرين : فإما أن يتطور وإما أن يموت ويختفي ( 1 ) .
* هذه كلمات اللورد كرومر الذي حكم مصر المسلمة ممثلا
للاحتلال الإنجليزي يساعده دنلوب وهو أحد خريجي كلية اللاهوت
في لندن .
* تكملها كلمات للمستشرق جب ( وفي أثناء الجزء الأخير من
القرن التاسع عشر نفذت هذه الخطة لأبعد من ذلك بإنماء التعليم العلماني
تحت إشراف الإنجليز في مصر والهند ( 2 ) ” .
* وأخيرا تكمل هذا كلمات زعيم المبشرين النصارى ” زويمر ”
يقول على جبل الزيتون في القدس إبان الاحتلال الإنجليزي لفلسطين
سنة 1354 ه ( 1935 م ) ( لقد قبضنا أيها الأخوان في هذه الحقبة
من الدهر من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج
التعليم في الممالك الاسلامية وإنكم أعددتم نشئا في ديار المسلمين لا يعرف
الصلة بالله ، ولا يريد أن يعرفها ( ! ) وأخرجتم المسلم من الاسلام ،
ولم تدخلوه في المسيحية وبالتالي جاء النشء الاسلامي طبقا لما أراده
له الاستعمار المسيحي لا يهتم بالعظائم ويحب الراحة والكسل ولا يعرف
همه في دنياه إلا في الشهوات فإذا تعلم فللشهوات ، وإذا جمع
المال فللشهوات وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود
بكل شئ ) .
كانت تلك هي النصوص
ومفادها أنه لما كانت البلاد الاسلامية في سابق عهدها إسلامية
التعليم ، فقد كبر على الاستعمار الغزي أن يترك للمسلمين دينهم ،
بعد أن أبى عليهم أن يترك لهم أرضهم
وكان لا بد له أن يحقق لهم ” جهالتهم ” بالدين ليتحقق فيهم من
بعد أن جهل شيئا عاداه .
وكان له في ذلك أكثر من سبيل
أما السبيل فهو ما لجأ إليه من حصر التعليم الديني
وحصاره ماديا ومعنويا .
فإما الحصر والحصار المادي فقد كان يفتح التعليم اللاديني
في مواجهته وتشجيعه وهو ما أشار إليه المستشرق جب ” بإنماء التعليم
العلماني تحت الإشراف الإنجليزي في مصر والهند ” .
وتم مع ذلك تضييق الموارد المادية على التعليم الديني .
وإغداقها على التعليم اللاديني .
2019-06-06