ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٣٢١ – ٣٤٠
الأسئلة
١ ـ هل تقبلون أن القرآن الذي هو كلام الله تعالى لم ينزل على حرف واحد بل على سبعة أحرف؟!
٢ ـ إذا قبلتم مقولة عمر فهل تجوزون تبديل كلمات القرآن وتحريفه؟!
٣ ـ ماذا كان موقفكم لو قال شخص غير عمر إن نص القرآن ليس واحداً بل يتسع لسبعة أنواع؟!
٤ ـ لماذا تردون الأحاديث الصحيحة التي تعارض مقولة عمر وتنص على أن القرآن نزل على سبعة أحرف، أي سبعة معاني؟
٥- إذا كان عندنا نصان لحديث نبوي، أحدهما يرويه صحابي وليس له معنى معقول، والآخر يرويه صحابي آخر وله معنى معقول.. فبأي النصين نأخذ؟!
٦ ـ مالكم أعرضتم عن رواية عبدالله بم مسعود وغيره من الصحابة، وأعرضتم عن حديث أهل بيت نبيكم، وقد أوصاكم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن وبهم، وقد بينوا لكم أن القرآن نزل من عند الواحد على حرف واحد، على قلب واحد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
المســألة: ٧٥
علي (عليه السلام) يحرك عثمان لتخليص المسلمين من بدعة عمر!
كان علي (عليه السلام) يضغط على عمر لكي تعتمد الدولة نسخة واحدة من القرآن، ولم يسمع عمر نصيحته، بل أجاز قراءة القرآن بأشكال مختلفة محتجاً بأنه نزل على سبعة أحرف، وإنه مشغول بجمعه!
ولم تمض سنوات حتى سبب عمل عمر تفاوتاً بين مصاحف الصحابة، ومصاحف أهل المدينة والشام والعراق واليمن، واختلف فيه الصبيان عند الكتاتيب والمعلمين، واختلف الناس في الأمصار، حتى وصل الإختلاف إلى الجيش العراقي والجيش الشامي اللذين كانا في فتح أرمينية بقيادة حذيفة بن اليمان، فكفر بعضهم بقرآن بعض وكاد يقع بينهم قتال، فاستكبر ذلك حذيفة وقصد المدينة وأصر مع علي (عليه السلام) على عثمان أن يوحد نسخة القرآن قبل أن تصير متعددة كإنجيل النصارى، وواصلا سعيهما حتى تمت كتابة المصحف المعروف بمصحف عثمان!
وخير شهادة لدور علي (عليه السلام) العظيم في ذلك ما قاله عبد الله بن الزبير العدو اللدود لعلي وبني هاشم، والذي بلغ من كرهه لهم أنه ترك الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبه في مكة فعوتب على ذلك فقال: إن هذا الحي من بني هاشم إذا سمعوا ذكره أشرأبت أعناقهم، وأبغض الأشياء إليَّ ما يسرهم! وفي رواية: إن له أهيل سوء… الخ! (الصحيح من السيرة:٢/١٥٣، عن العقد الفريد:٤/٤١٣ ط دار
الكتاب العربي، وأنساب الأشراف:٤/٢٨، وغيرهما).
يقول ابن الزبير كما يروي عنه عمر بن شبة في تاريخ المدينة:٣/٩٩٠:
(حدثنا الحسن بن عثمان قال: حدثنا الربيع بن بدر، عن سوار بن شبيب قال: دخلت على ابن الزبير في نفر، فسألته عن عثمان لم شقق المصاحف ولم حمى الحمى؟ فقال قوموا فإنكم حرورية، قلنا: لا والله ما نحن حرورية. قال: قام إلى أمير المؤمنين عمر رجل فيه كذب وولع!! فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس قد اختلفوا في القراءة، فكان عمر قد هم أن يجمع المصاحف فيجعلها على قراءة واحدة، فطعن طعنته التي مات فيها، فلما كان في خلافة عثمان، قام ذلك الرجل فذكر له، فجمع عثمان المصاحف، ثم بعثني إلى عائشة فجئت بالصحف التي كتب فيها رسول الله القرآن، فعرضناها عليها حتى قومناها، ثم أمر بسائرها فشققت). انتهى.
فقد اعترض سوار ورفقاؤه القراء على عثمان لأنه وحَّد نسخة القرآن ومزق الباقي! وقد تعودوا هم على الإختلاف وتعلموا من عمر أن القرآن نزل على سبعة نسخ كلها صحيحة!
ودافع ابن الزبير عن عثمان بأنه لم يخالف عمر، فقد كان عمر ينوي توحيد نسخة القرآن، والتنازل عن الأحرف السبعة!
وقال لهم ابن الزبير إن السبب في نية عمر تلك، أنه يوجد (رجل فيه كذب وولع)
كان يصر عليه بهذا العمل، ثم (قام ذلك الرجل) وأخذ يصر على عثمان، فجمع القرآن من مصحف خالتي عائشة!
فهذا الرجل الكبير الحكيم الذي كان السبب في توحيد نسخة القرآن هو الذي يكرهه عبدالله بن الزبير ويصفه بأنه (فيه ولع وكذب) وهو الذي واصل مسعاه مع عثمان حتى نجح في هدفه!
فمن هو هذا الشخص الحكيم الحريص على قرآن المسلمين؟!
إنه علي (عليه السلام)! الذي قلما تتحدث روايات السلطة عن دوره، لكنها تحدثت عن دور حذيفة في جمع القرآن، وهو الشيعي المطيع لإمامه!
روايات السلطة تصف تفاقم أزمة الأحرف السبعة!
قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة:٣/٩٩١:
(عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق وأفزع باختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر عثمان زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.
وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من
القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم، ففعلوا ذلك، حتى إذا نسخ المصحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق). (ورواه البخاري:٦/٩٩ بتفاوت يسير. وكنز العمال:٢/٥٨١، وقال في مصادره (ابن سعد، خ، ت، ن، وابن أبي داود، وابن الأنباري معاً في المصاحف، حب، ق) انتهى.) ثم أضاف ابن شبة:
(عن ابن شهاب قال: حدثني أنس بن مالك أنه اجتمع لغزوة أرمينية وأذربيجان أهل الشام وأهل العراق، فتذاكروا القرآن فاختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة، فركب حذيفة بن اليمان إلى عثمان لما رأى من اختلافهم في القرآن فقال: إن الناس قد اختلفوا في القرآن حتى والله إني لأخشى أن يصيبهم ما أصاب اليهود والنصارى من الإختلاف، ففزع لذلك عثمان فزعاً شديداً، فأرسل إلى حفصة فاستخرج المصاحف التي كان أبو بكر أمر بجمعها زيداً، فنسخ منها مصاحف بعث بها إلى الآفاق.
عن ابن شهاب الزهري، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت أن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة غزاها بفرج أرمينية فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل العراق يقرؤون بقراءة عبدالله بن مسعود ويأتون بما لم يسمع أهل الشام، ويقرأ أهل الشام بقراءة أبي بن كعب ويأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق! قال: فأمرني عثمان أن
أكتب له مصحفاً فكتبته فلما فرغت منه عرضه.
حدثنا عبد الله بن وهب قال حدثني عمرو بن الحارث أن بكيراً حدث: أن ناساً كانوا بالعراق يسأل أحدهم عن الآية فإذا قرأها قال فإني أكفر بهذه! ففشا ذلك في الناس واختلفوا في القراءة، فكلم عثمان بن عفان في ذلك، فأمر بجمع المصاحف فأحرقها، وكتب مصاحف ثم بثها في الأجناد). انتهى.
فالسبب الأساسي الذي حرك عثمان لمعالجة فتنة الأحرف السبعة العمرية هو علي (عليه السلام)، فقد أصر على عثمان وجعله يصدر مرسوماً خلافياً به، هو وحذيفة. ويبدو أن خطبة عثمان التالية كانت بعد مجئ حذيفة قائد الجبهة الشرقية للفتوحات ومعه عدد من القادة العسكريين يحذرون من المشكلة.
قال في كنز العمال:٢/٥٨٢: (عن أبي قلابة قال: لما كان في خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يتلقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين، حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان فقام خطيباً فقال: أنتم عندي تختلفون وتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافاً وأشد لحناً! فاجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوا للناس إماماً) انتهى.
أما ما رواه أحمد عن فزع أهل الكوفة إلى ابن مسعود وتسكيته لهم، فهو يعبر عن سياسة عمر، ولعل القضية كانت في عهد عمر! قال أحمد:١/٤٤٥: (عن عثمان بن حسان
عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف فدخلنا عليه فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين ولكن جئناك حين راعنا هذا الخبر! فقال: إن القرآن نزل على نبيكم (ص) من سبعة أبواب على سبعة أحرف أو قال حروف وإن الكتاب قبله كان ينزل من باب واحد على حرف واحد).
كانت مشكلة وأزمة خطيرة إذن، شملت التلاميذ ومعلميهم في مكاتب القرآن، والمصلين في المساجد، وحكام الأمصار والمجاهدين في جيوش الفتح، بسبب فتنة أحرف عمر السبعة! وكان علاجها الوحيد تدوين القرآن على حرف واحد وجمع المسلمين عليه!
حذيفة يحمل بأمر علي (عليه السلام) لواء توحيد القرآن
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق:٤٢/٤٥٧: (قالت بنو عبس لحذيفة إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال آمركم أن تلزموا عماراً. قالوا: إن عماراً لايفارق علياً! قال: إن الحسد أهلك الجسد! وإنما ينفركم عن عمار قربه من علي؟! فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً لمن الأخيار. وهو يعلم أنهم إن لزموا عماراً كانوا مع علي). (وهو في كنزالعمال:١٣/٥٣٢).
وقال الذهبي في السير:٢/٣٦١: (حذيفة بن اليمان. من نجباء أصحاب محمد (ص)، وهو صاحب السر… حليف الأنصار، من أعيان
المهاجرين… عن ابن سيرين أن عمر كتب في عهد حذيفة على المدائن إسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم… وليَ حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان، وتوفي بعد عثمان بأربعين ليلة… وحذيفة هو الذي ندبه رسول الله (ص) ليلة الأحزاب ليجس له خبر العدو. وعلى يده فتح الدينور عنوة. ومناقبه تطول، رضي الله عنه.
…خالد عن أبي قلابة عن حذيفة قال: إني لأشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله…
أبو نعيم: حدثنا سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى قال: بلغني أن حذيفة كان يقول: ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشترى بعض دينه ببعض. قالوا: وأنت؟ قال: وأنا والله!) انتهى.
وكما كان حذيفة من حواريي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وموضع سره، صار بعده من خاصة شيعة علي (عليه السلام) وموضع سره، وهذا يؤكد أنه لايقوم بعمل مهم إلا بأمر علي (عليه السلام)، وأنه (عليه السلام) كان وراء حركة توحيد نسخة القرآن!
وقد اعترف الجميع أن الذي قام بدور (يا للقرآن..يا للمسلمين) هو حذيفة الذي كان حاكماً على المدائن، وقائداً لجيش الفتح في آذربيجان وأرمينية، وقد جاء إلى المدينة خصيصاً مع وفد من جيش الفتح، شاكياً إلى عثمان طالباً حل مشكلة خطيرة داخل جيوش الفتح فاستجاب له عثمان بعد أن كانت المسألة نصف ناضجة في ذهنه،
وأصدر مرسومه التاريخي بتوحيد نسخة القرآن، وبقي حذيفة في المدينة يواكب تدوين القرآن، ثم قام بتنفيذ المرسوم عملياً بأمر عثمان ونفوذ حذيفة الأدبي باعتباره من خاصة أصحاب النبي (عليه السلام)، وكان عليه أن يصادر المصاحف التي فيها تغيير عن المصحف العثماني، وهي مصحف عمر الذي عند حفصة، ومصحف أبي موسى الأشعري، ومصحف أبي، ومصحف ابن مسعود.
أما مصحف عمر فقد استعصت به حفصة ولم تسلمه إلى عثمان حتى توفيت، فأخذه مروان وأحرقه.
وأما مصحف أبي بن كعب فيظهر أن عثمان أخذه من ورثته بدون مشكلة. فقد روى في كنز العمال:٢/٥٨٥: (عن محمد بن أبيّ بن كعب أن ناساً من أهل العراق قدموا عليه فقالوا، إنا تحملنا إليك من العراق، فأخرج لنا مصحف أبيٍّ، فقال محمد قد قبضه عثمان قالوا: سبحان الله أخرجه، قال: قد قبضه عثمان ـ أبوعبيد في الفضائل وابن أبي داود) انتهى.
وأما مصحف أبي موسى فقد ذهب حذيفة إلى البصرة وصادره منه وهو يتأسف على زياداته ويترجاه أن يبقيها!
بينما استعصى ابن مسعود بمصحفه حتى توفي!
قال ابن شبة في تاريخ المدينة:٣/٩٩٨: (حدثنا عمرو بن مرة الجملي قال: استأذن رجل على ابن مسعود فقال الآذن: إن القوم والأشعري، وإذا حذيفة يقول لهم: أما إنكما إن شئتما أقمتما هذا الكتاب على حرف واحد فإني قد خشيت أن يتهون الناس فيه تهون
أهل الكتاب! أما أنت يا أبو (كذا) موسى فيطيعك أهل اليمن، وأما أنت يا ابن مسعود فيطيعك الناس. قال ابن مسعود: لو أني أعلم أن أحداً من الناس أحفظ مني لشددت رحلي براحلتي حتى أنيخ عليه قال: فكان الناس يرون أن حذيفة ممن عمل فيه حتى أتى على حرف واحد!
حدثنا عبد الأعلى بن الحكم الكلابي قال: أتيت دار أبي موسى الأشعري فإذا حذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري فوق إجار، فقلت: هؤلاء والله الذين أريد، فأخذت أرتقي لهم فإذا غلام على الدرجة فمنعني أن أرتقي إليهم فنازعته حتى التفت إليَّ بعضهم فأتيتهم حتى جلست إليهم، فإذا عندهم مصحف أرسل به عثمان فأمرهم أن يقيموا مصاحفهم عليه، فقال أبو موسى: ما وجدتم في مصحفي هذا من زيادة فلا تنقصوها، وما وجدتم من نقصان فاكتبوه فيه! فقال حذيفة: فكيف بما صنعنا؟!والله ما أحد من أهل هذا البلد يرغب عن قراءة هذا الشيخ يعني ابن مسعود، ولا أحد من أهل اليمن يرغب عن قراءة هذا الآخر يعني أبا موسى.
وكان حذيفة هو الذي أشار على عثمان أن يجمع المصاحف على مصحف واحد!) انتهى.
ويبدو أن محل هذه الحادثة البصرة مركز ولاية أبي موسى الأشعري، ولا بد أن حذيفة ذهب خصيصا لمصادرة مصحف أبي موسى! وأن عبد الله بن مسعود كان زائراً، لقول حذيفة فيها (من أهل هذا البلد) وهو يدل على أن أهل البصرة غير اليمانيين كانوا
يقرؤون بقراءة ابن مسعود، واليمانيين بقراءة أبي موسى! ولو كانت الحادثة في المدينة لما صح ذلك لأن أهلها كانوا يقرؤون بقراءة أبيّ!
ويظهر من كلام أبي موسى أنه سلم نسخته إلى حذيفة خوفاً من عثمان ومنه، رغم إضافاتها العزيزة على قلبه! ولابد أنهم أتلفوا نسخته وخلصوا الأمة الإسلامية من زياداتها السامرية، كما خلصوها من زيادات عمر وفتنة أحرفه السبعة.. جزاهم الله خيراً.
الأسئلة
١- أين جمع أبي بكر وعمر للقرآن الذي تدعونه! وأين عمل اللجنة العتيدة التي هي كلجان حكوماتنا المعاصرة! وقد بلغ الأمر بالمسلمين من أعمال عمر أنه: (جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يتلقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين، حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان فقام خطيباً فقال: أنتم عندي تختلفون وتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافاً وأشد لحناً!)؟!!
٢ ـ رأيتم تعبير الرواة والصحابة بأن عثمان كتب القرآن على حرف واحد! وهل معنى ذلك إلا أنه أبطل الأحرف السبعة العمرية؟!
٣ ـ من الذي حفظ الله به القرآن: هل هو عمر الذي رفض أن تتبنى الدولة نسخة رسمية من القرآن، واخترع الأحرف السبعة، وأفتى بتعويم نص القرآن وسبَّبَ كل هذه المصيبة في المسلمين؟
أم علي (عليه السلام) الذي جاء بنسخة القرآن إلى أبي بكر وعمر فرفضاها، ثم سعى في خلافة عمر وعثمان لأن تعتمد الدولة نسخة القرآن على حرف واحد، وتخلص المسلمين من فرية الأحرف السبعة وغيرها؟!
٤- ما رأيكم في قول عبدالله بن الزبير أن القرآن كتب عن نسخة خالته عائشة؟
٥ ـ ما رأيكم بقول حذيفة: (ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشترى بعض دينه ببعض. قالوا: وأنت؟ قال: وأنا والله!)؟!
٦ ـ روى البخاري أن حذيفة بن اليمان موضع سر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال في:٤/٢١٥ و:٧/١٣٩: (عن إبراهيم قال ذهب علقمة إلى الشام فلما دخل المسجد قال: اللهم يسر لي جليساً صالحاً فجلس إلى أبي الدرداء، فقال أبو الدرداء: ممن أنت؟ قال من أهل الكوفة، قال: أليس فيكم أو منكم صاحب السر الذي لايعلمه غيره؟ يعني حذيفة، قال قلت: بلى، قال: أليس فيكم أو منكم الذي أجاره الله على لسان نبيه (ص) يعني من الشيطان يعني عماراً؟ قلت: بلى…). وروى عنه وصف نفوذ المنافقين بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:٨/١٠٠: (عن حذيفة بن اليمان قال: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي (ص) كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون…. إنما كان النفاق على عهد النبي (ص) فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان!!) انتهى.
فمَن هم هؤلاء الذين كانوا يجهرون بالنفاق، في عهد أبي بكر وعمر وعثمان، وما هو النفاق المجهور به الذي صار عادياً؟!
المســألة: ٧٦
نسخة علي (عليه السلام) هي النسخة التي كتبوا عنها مصحف عثمان
شكَّل عثمان لجنة لتدوين نسخة القرآن من اثني عشر عضواً، وجعل رئيسها سعيد بن العاص الأموي، وكاتبها زيد بن ثابت كاتب عمر، وقد جعلها البخاري رباعية على عادته في الإختصار والحذف، قال في:٤/١٥٦: (باب نزل القرآن بلسان قريش… عن ابن شهاب عن أنس أن عثمان دعا زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ففعلوا ذلك).
وقال عمر ابن شبة في تاريخ المدينة:٣/٩٩٣: (حدثنا هشام عن محمد قال: كان الرجل يقرأ فيقول له صاحبه: كفرت بما تقول، فرفع ذلك إلى ابن عفان فتعاظم في نفسه، فجمع اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار منهم أبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأرسل إلى الرقعة التي كانت في بيت عمر فيها القرآن، قال وكان يتعاهدهم. قال فحدثني كثير بن أفلح أنه كان فيمن يكتب لهم، فكانوا كلما اختلفوا في شئ أخروه. قلت لم أخروه؟ قال لا أدري.
قال محمد: فظننت أنا فيه ظناً ولا تجعلوه أنتم يقيناً، ظننت أنهم كانوا إذا اختلفوا في الشئ أخروه حتى ينظروا آخرهم عهداً بالعرضة الأخيرة فكتبوه على قوله.
حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا هشام بنحوه، وزاد: قال محمد فأرجو أن تكون قراءتنا هذه آخرتها عهداً بالعرضة الأخيرة). انتهى.
وعليه، لابد من القول إن الأعضاء الإستشاريين كانوا كثيرين، وأن يكون حذيفة في طليعتهم، وعلي (عليه السلام) مرجعهم، وأن الأعضاء الكتاب والنساخين كانوا كثيرين أيضاً، وكان أبرزهم زيد بن ثابت.
والظاهر أن اسم أبي بن كعب جاء في اللجنة بدل اسم ابنه محمد بن أبي بن كعب، لأن أبيّاً توفي في زمن عمر، وقد ورد اسم ولده محمد بأنه سلم مصحف أبيه كعب إلى الخليفة عثمان. وقد أشكل المستشرقون على ذكر أبي بن كعب في لجنة جمع القرآن وضخموا ذلك، وأرادوا أن يطعنوا بسببه في نسخة القرآن، على عادتهم السيئة!
وقد كتب عثمان رسالة إلى الأمصار وبعثها مع المصاحف، ولم يذكر فيه اسم أحد من اللجنة، بل نسب الفعل إلى نفسه لأنه الآمر بذلك، ولم يذكر الصعوبات التي ذكرتها روايات عمر وزيد في جمع القرآن، بل بشر المسلمين بأنه لهم نسخ القرآن عن آخر نسخة غضة طرية مسموعة من فم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونسب النسخة إلى عائشة!!
قال في تاريخ المدينة:٣/٩٩٧: (عن أبي محمد القرشي: أن عثمان بن عفان كتب إلى الأمصار: أما بعد فإن نفراً من أهل الأمصار اجتمعوا عندي فتدارسوا القرآن، فاختلفوا اختلافاً شديداً، فقال بعضهم قرأت على حرف أبي الدرداء.
حروف عليٍّ، فألقى بها زيداً في المواسم بالمدينة فما اختلفنا إلا في التابوت كان زيد يقرأ بالهاء وعليٌّ بالتاء). انتهى.
فلايمكن أن يكون عن نسخة مصحف عمر الذي كان عند حفصة، لأنها استعصت بها حتى أحرقها مروان يوم وفاتها، ولأن عثمان نسب النسخة الغضة في رسالته إلى الأمصار إلى عائشة ولم يذكر حفصة!
ثم إن نسخة حفصة لابد أن تكون فيها قراءات عمر الثابتة عنه والتي لاتوجد في مصحفنا والحمد لله.
وعليه يجب رد الروايات التي تقول إنه نسخ من مصحف حفصة.
قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة:٣/١٠٠٣: (قال الزهري: فحدثني سالم قال، لما توفيت حفصة أرسل مروان إلى ابن عمر بعزيمة ليرسلن بها، فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابن عمر، فشققها ومزقها مخافة أن يكون في شئ من ذلك خلاف لما نسخ عثمان!!).
كما لايمكن أن يكون عن نسخة مصحف عثمان، لأنهم رووا أن عثمان لما أكملوا نسخ القرآن وعرضوه عليه نظر فيه وقال: (إن فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها!
ففي كنز العمال:٢/٥٨٦، عن كتاب المصاحف لابن الأنباري وابن أبي دؤاد، قال: (عن قتادة أن عثمان لما رفع إليه المصحف قال: إن فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها…. وعن عكرمة قال: لو كان المملي من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا)!
كما لايمكن أن يكون عن نسخة عائشة، لأن أحداً لم يدع أن عائشة كان عندها نسخة ذلك القرآن الذي وصفه عثمان في رسالته إلى الأمصار: (القرآن الذي كتب عن فم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أوحاه الله إلى جبريل وأوحاه جبريل إلى محمد وأنزله عليه، وإذا القرآن غض).
فلو كان عندها لما استكتبت نسخة من القرآن المتداول كما في رواية مسلم:٢/١١٢: (عن أبي يونس مولى عائشة أنه قال أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، فلما بلغتها آذنتها فأملت عليَّ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر، وقوموا لله قانتين)!
ولو كان عندها مثل هذه النسخة لاحتجت بها على نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما خالفنها في مسألة رضاع الكبير ومسألة كفاية خمس رضعات.. فقد قالت كما في صحيح مسلم:٤/١٦٧: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله (ص) وهن فيما يقرأ من القرآن!).
وقال أحمد:٦/٢٧١: (كانت عائشة تأمر أخواتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيراً خمس رضعات ثم يدخل عليها! وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي (ص) أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحداً من الناس، حتى يرضع في المهد..) انتهى.
فقد كان مهماً عند عائشة أن تحتج
لمسألة الرضاعة، لأن نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خالفنها وانتقدنها، وكانت متحمسة لإثبات صحة عملها!
فالقرآن الفعلي يختلف عما ثبت في كل هذه النسخ، ولاينطبق إلا على نسخة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وما روي عنه (عليه السلام) من قراءات، وقد تقدم من سير الذهبي (٢/٤٢٦) أن عاصماً روى عن أستاذه أنه قال: (لم أخالف علياً في شئ من قراءته، وكنت أجمع حروف عليّ ٍ).
وعليه، لا بد من حمل ما ورد في رسالة عثمان إلى الأمصار من نسبة النسخة إلى عائشة، أنه قول سياسي لغرض من الأغراض.
الأسئلة
١ ـ مادام علي (عليه السلام) هو الذي سعى في توحيد نسخة القرآن، وهو الذي أعطى عثمان النسخة التي كتبها سماعاً من فم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف تقولون إن أبا بكر وعمر جمعا القرآن ثم جمعه عثمان ولم يجمعه علي (عليه السلام)؟!
٢ ـ كيف تحلون الروايات المتناقضة في نسخة حفصة، فمنها يقول إن القرآن كتب عنها، ومنها ما يقول إنها استعضت بها حتى ماتت!
٣ ـ كيف تحلون الروايات المتناقضة في نسخة عائشة، فمنها يقول إنها غضة طرية مكتوبة من فم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنها يقول إنها استكتبت نسخة وأضافت إليها كلمة صلاة العصر بعد الصلاة الوسطى؟!
٤ ـ ما رأيكم في قول عثمان عن القرآن الفعلي (إن فيه لحناً) وأين هو اللحن، وهل قومته العرب كما زعم؟
٥ ـ هل تفتون بفسق أو كفرمن قال إن القرآن الفعلي فيه لحن، كما قال عثمان، أو يقول إن فيه نقصاً لآيات وخطأً من الكتاب كما تقول عائشة؟!