الرئيسية / شخصيات اسلامية / الامام محمد الجواد عليه السلام سيرة وتاريخ

الامام محمد الجواد عليه السلام سيرة وتاريخ

القسم الاول : المقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيِمْ
الحمدُ لله ربِّ العالمين ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين . .
وبعد . . فإننا مع الاِمام الجواد عليه السلام سنعيش لاَول مرة ظاهرة مثيرة بحق ، تستوقف النظر وتستحث العقول ، ألا وهي الاِمامة المبكرة ، الظاهرة التي نصادفها لاَول مرّة في تاريخ أهل البيت عليهم السلام ، فابن الثامنة من العمر يتولى هنا إمامة المسلمين بكل ما يتعلق بها من مسؤوليات ومهام ، وما تتطلبه من علم كامل بالشريعة وأحكامها ، ومن الصعب بل المتعذّر أن يدّعى كل هذا لمن هو في هذه السن ، إلاّ أن يكون محاطاً بعناية إلهية خاصة وقد اصطنعه الله تعالى لهذه المهمة ، وأُعدّ لها الاِعداد التام من قبل .
وهذا ما ينقلنا على الفور الى استدعاء البعد المميز لشأن المصطَفَين ودور الاصطفاء في إحداث النقلة النوعية في الذات الاِنسانية ، الاَمر الذي يجعل مقارنة المختصّ بهذا الاصطفاء مع غيره من سائر الناس حتى أصحاب المواهب الخاصة مقارنة فاقدة لموضوعها ، غير مبرَّرة بحال . . . وهذا ما يجعل ظاهرة كهذه أمراً طبيعياً ، في دائرة الاِمكان ، وبلا غرابة ، وهذا ما ينقلنا مرّة أخرى الى النماذج الاَسبق في هذه الدائرة ، والذي باصطحابه ستكون الظاهرة التي اقترنت بالاِمام الجواد عليه السلام إنّما هي أنموذجاً مكرّراً لظاهرة أسبق تاريخاً ، بكثير ، ففي دائرة الاصطفاء قد سبقت النبوّة لعيسى ابن مريم في السابعة من عمره بعد أن تكلم بها في مهده ، ثم سبقت بكل مهماتها ولوازمها لصبيّ ما يزال في بواكير صباه ، ذلك يحيى بن زكريا عليهما السلام : ( وآتيناه الحكم صبيّاً ) . . فلسنا إذن مع أمر ممكن الوقوع فحسب ، بل مع أنموذج مكرر لواقع محقق ، وضمن الدائرة ذاتها ، دائرة الاصطفاء . .

7

ثم بعد ذلك فإنّ المتقلّد لهذه المهمة سوف يعيش بين الناس عالمهم وجاهلهم ، فليس من الصعب إذن التحقق من صحّة هذا التقليد والتقدم ، وهذا ما وقع مبكراً مع الاِمام الجواد عليه السلام من قِبَل من استنكر شأنه ، وفي مجلس عقده المأمون وشحنه بأهل العلم ممّن هم حوله أذعن قاضي قضاته يحيى بن أكثم بأنّ ابن الثامنة ، الجواد بن الرضا عليهما السلام ، إن هو إلاّ إمام معلَّم ، وليس هو بفتى ملهم وحسب . . ثم عاش الاِمام الجواد عليه السلام تجربته كلها ومن حوله علماء فحول ، من أصحاب القرآن والحديث والكلام ، في عصر ازدهرت فيه العلوم وقعّدت قواعدها ، وأسست أصولها ، فلم يرَ منه أصحابه أو خصومه دون ما كانوا يرون من آبائه العظام من علم وحلم وحكمة ، وتلك تجربة أمّة امتدت به سبع عشرة سنة ، حتى وفاته عليه السلام ، وليس هناك في التاريخ قضية هي أثبت من تجربة أمّة . . فكيف إذا كانت تجربة في عصر عصيب ، يطارد الحكام أصحابها ، ومن قبل قتلوا جدّه الكاظم عليه السلام سجيناً ، ثم اغتالوا أباه الرضا عليه السلام ، ثم هم من حوله يتربّصون به وبأصحابه ؟ ! إنّ هذا لمن أهم ما يثبت عظمة تلك التجربة وعظمة رائدها الذي لو وجد فيه خصومه السياسيون وهم الحاكمون ، والدينيون وهم متوافرون ، من مغمزٍ لما توانوا في نشره ، بل لطربوا له ولنسجوا من حوله الحكايات والاَساطير . .
وفي صفحات إصدارنا هذا سنعيش مع هذه الظاهرة ، وفي رحاب رائدها الاَول في تاريخ أهل البيت عليهم السلام ، والثالث في دائرة الاصطفاء ، مؤدّين بعض الحق لهذا الاِمام العظيم ، مستلهمين المزيد من الدروس والعبر . . وكم هو جميل أن يتزامن إصدارنا هذا مع مرور ألف ومئتي عام على وفاته سلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً .

مركز الرسالة
8

المقدِّمة

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الاَمين وآل بيته الطيبين الطاهرين المنتجبين ، وصحبه الهداة المهديين .
فقد درجت الاُمم والشعوب منذ عهدها بالتدوين على تخليد قادتها ورجالاتها ، عرفاناً منها لما أسدوه لها من خدمات جليلة ، وبما زانوا مجدها وتأريخها بكل طارف وتليد . ونحن كأُمّة إسلامية لنا أعظم دين ، وأغنى تراث ، وأرقى حضارة ، ما كنّا بدعاً من الاُمم والحضارات في تخليد عظمائنا ورجالاتنا الذين شادوا مجد هذه الاُمّة ، وبنوا صرحها الشامخ . بل ، نحن أحق من غيرنا بذلك للعديد من الاعتبارات . .
وربّ تساؤل يقفز إلى ساحة الذهن ، بأنّهم كُثر أُولئك الذين كان لهم دور في عملية صياغة التاريخ ، وصناعة المجد ، وبناء الحضارة . . فمن من اولئك حقيق بالتخليد والذكر الجميل ؟ ثم ، كيف نُحيي تراثهم ، ونُعيد تأريخهم ؟ ولماذا . . ؟
وطبيعي أن يأتي الجواب بأن أي دراسة يجب أن تتناول النخبة الصالحة الرشيدة التي بذلت كل ما في وسعها من أجل أن تحيا هذه الاُمّة على مبادئ رسالتها الخالدة ، وأن تشتمل تلك الدراسة على تاريخ حياة أولئك الاَعلام المضحين ، ومناهجهم في عملية البناء والتغيير ، وجهادهم وجهودهم المضنية في هذا المجال ، كما ينبغي تناول سيرتهم العملية وأقوالهم بالدرس والتحليل .
وأما الغرض من تدارس أحوال ومواقف أولئك العظام؛ فهو لاستلهام
9

مناهجهم في الحياة ، وفي البناء الحضاري ، وللاستنارة من فيض علومهم ومعارفهم الخلاّقة ، وإسهاماتهم في تبيين معالم الدين ، وتوضيح أصول الشريعة . . أضف إلى ذلك مكافحتهم للجهل ، ومقارعة الظلم والظالمين ، ونشر العدل ، وإحقاق الحق . . بل ، واتخاذهم منارات يُسترشد بهديهم لجميع الاَجيال البشرية على رغم تعاقبها مرّ الدهور .
ولا ريب بأن الاَحقّ بهذا التدارس والتعظيم ، هو شخص النبوة الكريم ، أشرف موجود ، وسيّد الكائنات وأقدسها . وهل أحد أحق من بعده غير أهل بيته المطهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس ، واختارهم قادة رساليين يُقتدى بهم ؟ حتى صار دورهم ملموساً ومتميزاً في بناء الاِنسان وصيانته وحفظ المجتمع وكيانه . ومن هنا أصبح تسليط الضوء على حياتهم المشرقة بالعطاء ـ بعد اختلاط الاَوراق ـ وفاءً لرسالة الاِسلام الخالدة باعتبارهم عليهم السلام قادتها الاَُمناء الحقيقيين .
فالاَئمة المعصومون الاثنا عشر من أهل البيت عليهم السلام الذين نصّ عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عدة أحاديث صحاح ، هم محور الحياة الذي تدور عليه كلّ مكرمة وفضيلة ، فقد جعلهم الله حياة للاَنام ، ومصابيح الظلام ، ومفاتيح الكلام ، ودعائم للاِسلام . . ووصفهم أمير البيان عليه السلام بقوله : « هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم . لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صادق » .
فدراسة حياة الاَئمة الميامين عليهم السلام يجب أن تنطلق من تلك الحقائق المهمة ، وينبغي التركيز على المنهج الاَصيل والدور الحقيقي والواقعي لهم عليهم السلام باعتبارهم وحدة متكاملة لا فرق بين القائم منهم بالسيف أو المتصدي بالدعاء أو الناشر للعلم أو غيرها من مناهج العمل والتغيير للوصول إلى الهدف المشترك للجميع . فهم عليهم السلام رغم تنوّع أدوارهم ، وفق
4

طبيعة المرحلة والظروف السياسية المحيطة بهم ، يحملون هدفاً مشتركاً واحداً لا يختلفون فيه ، ذلك هو حفظ الكتاب الكريم وسُنّة الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وطلب الاصلاح والهداية ، والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ونحن على أعتاب مرور اثني عشر قرناً ( 1200 عام ) على شهادة الاِمام الجواد عليه السلام ، فالاَمل يحدونا أن تستطيع هذه الدراسة الموجزة من سيرة تاسع أئمة أهل البيت عليهم السلام إلقاء بعض الضوء على الدور الفاعل والكبير لتحرك الاِمام أبي جعفر الثاني الجواد عليه السلام في الاُمّة ، من خلال جسّ مواقع حركته التغييرية والاِصلاحية في الزمن القصير الذي عاشه .
ويمكن تلمّس تحرك الاِمام عليه السلام ، واستشفاف الحقائق الناصعة في أدوار حياته عبر الفصول الاَربعة التي اشتملتها هذه الدراسة .
فمروراً بالتعريف بظروف مولد الاِمام عليه السلام ، إلى التعريف بشخصه المبارك وبعض سماته ، ثم النصوص الدالّة على إمامته ، وأخيراً كان لنا بحث مقتضب حول مسألة العمر ومنصب الاِمامة ، كل ذلك تضمّنه الفصل الاَول .
أما الفصل الثاني : فقد عرض للمرحلة التالية من حياة الاِمام الجواد عليه السلام خاصة بعد شهادة أبيه ، وما رافق ذلك من إرهاصات انعكست مباشرة على حياة الاِمام . فكان لابدّ من استبيان الظروف والاَحداث السياسية خلال هذه الفترة الزمنية من عمر الاِمام ، خاصة ما كان من مقولة خلق القرآن ، ثم علاقة الاِمام عليه السلام بالجهاز الحاكم الذي كان يتربّص به الدوائر للقضاء عليه . كما استعرضنا أحداث عقد قرانه عليه السلام على ابنة المأمون العباسي ثم زواجه منها ، وما رافق ذينك الحدثين من حوادث كان لها انعكاسات مباشرة على حياته عليه السلام . وفي خاتمة الفصل كانت لنا إطلالة على بعض الثورات
10

والانتفاضات التي كانت تصبّ في خط أهل البيت عليهم السلام وتدعو لهم .
وأمّا الفصل الثالث : فقد حاولنا أن نستجمع فيه عطاءه الفكري ودوره الرسالي ، ونشاطه في استقطاب الاَصحاب والوكلاء وتوجيه الاُمّة نحو المسار الاِسلامي الصحيح ، وممارسة دوره العلمي في إرساء قواعد التشريع الاِسلامي ، ومناظراته واحتجاجاته في الدين والعقيدة . ولم يفتنا اقتباس شذرات من أنوار كلمه النديّة ، كي نروّي بها صحراء نفوسنا المجدبة .
وأخيراً كان لنا فصل رابع بحثنا فيه عن كيفية استدعاء المعتصم العباسي للاِمام من المدينة إلى بغداد ، والاَسباب والدواعي التي دفعت مثلث الاغتيال إلى التآمر على الاِمام وتنفيذ عملهم الدنيء بقتله بالسم وهو في غضارة شبابه ، ثم عرجنا على من أشاد بشخصية الاِمام الجواد عليه السلام وأقرّ بفضله وتقدمه فانتقينا منهم ما يسمح لنا به سعة الكتاب .
وقبل الوداع كان مسك الختام جولة في رحاب شعر المديح والرثاء لجواد الاَئمة عليه السلام .
اللهمَّ فاجعلنا به مهتدين ، وبنوره مستوضحين طريق الحق ، وببركته مستمطرين خير السماء وبركاتها ، فإنّه حجتك العليا ، ومثلك الاَعلى ، وكلمتك الحسنى . . الداعي إليك ، والدالّ عليك ، الذي نصبته علماً لعبادك ، ومترجماً لكتابك ، وصادعاً بأمرك ، وناصراً لدينك ، وحجتك على خلقك ، ونوراً تُخرق به الظلم ، وقدوة تُدرك بها الهداية ، وشفيعاً تُنال به الجنّة . .

والحمدُ لله ربِّ العالمين
11

الفصل الأول
الجواد في ظلِّ أبيه عليهما السلام
ظروف ما قبل الميلاد:
لو عدنا قليلاً إلى الوراء . . أي إلى ما قبل مولد أبي جعفر الثاني عليه السلام بسنة أو نحوها ، لوجدنا أن ظروفاً عصيبة مرّت بأبيه الاِمام الرضا عليه السلام ، الذي عانى في أخريات سني حياته الشريفة من أزمات حادة ، كان يثيرها بعض الواقفة والانتهازيين؛ للتشكيك بإمامته عليه السلام بعدم إنجابه الوَلَد . ذلك أنّه كان مركوزاً في الذهنية العامة للمسلمين أنّ من علامات الاِمام المعصوم أن يخلفه إمام من صلبه ، إذ لا تكون الاِمامة في أخ أو عمٍّ أو غيرهم ، فقد سُئل الاِمام الرضا عليه السلام ، أتكون الاِمامة في عمٍّ أو خالٍ ؟ فقال : « لا ، فقلت : ففي أخ ؟ قال : لا ، قلت : ففي مَن ؟ قال : في ولدي ، وهو يومئذٍ لا ولد له » (1) .
وأغلب الظنّ أنّ الاَيدي العباسية لم تكن بعيدة عن ساحة قدس الاِمام الرضا عليه السلام في التنقيب وافتعال الحوادث والمواقف للنيل من إمامته عليه السلام والطعن فيها .
نعم ، من هنا كانت معاناة الاِمام أبي الحسن الرضا عليه السلام تتزايد يوماً بعد
____________
1) اُصول الكافي | الكليني 1 : 286 | 3 كتاب التوحيد .

يوم ، خاصة وقد امتدّ به العمر إلى نحو الخامسة والاَربعين ، ولم يكن قد خلّف بعدُ ( الولد ) الذي يليه بالاِمامة ، ثم الذي زاد المحنة سوءاً هو تكالب بعض إخوته وعمومته وأبناء عمومته من العلويين والعباسيين عليه ، حسداً من بعضهم ، وبغضاً وكرهاً من البعض الآخر . . وثمّة تأليب الانتهازيين والسلطويين على البيت النبوي عموماً ، حيث أثاروا جميعاً حول شخصية الاِمام العظيمة غبار حسدهم وأحقادهم الدفينة .
لكنّ الاِمام عليه السلام كان يقف أمامهم بحزم . . ويجيبهم جواب الواثق المطمئن من نفسه بأنّ الليالي والاَيام لا تمضي حتى يرزقه الله ولداً يُفرّقُ به بين الحق والباطل . هذا الموقف نستشفّه من رواية محمد بن يعقوب الكليني ، قال : كتب ابن قياما (1) إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام كتاباً يقول فيه : كيف تكون إماماً وليس لك ولد ؟
فأجابه أبو الحسن عليه السلام : « وما علمك أنّه لا يكون لي ولد ؟ ! والله لا تمضي الاَيام والليالي حتى يرزقني الله ذكراً يُفرّق بين الحق والباطل ») (2) .
وينقلنا الكليني عليه الرحمة إلى مشهد آخر مع نفس هذا الواقفي ، وهو يصف حواره مع الاِمام الرضا عليه السلام بقوله : دخلتُ على علي بن موسى ، فقلت له : أيكون إمامان ؟ قال : «لا ، إلاّ أن يكون أحدهما صامتاً » . فقلت له : هو ذا أنت ، ليس لك صامت ! فقال لي : « والله ليجعلنَّ الله مني ما يُثبت به الحق وأهله ، ويمحق به الباطل وأهله » ولم يكن في الوقت له ولد ، فولد له أبو
____________
1) ابن قياما الواسطي : واقفي ، مخالف معروف .
2) اُصول الكافي 1 : 320 | 4 ، وعنه نقل الشيخ المفيد في الارشاد 2 : 277 بواسطة أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه . وراجع إثبات الوصية | المسعودي : 183 .
13

جعفر عليه السلام بعد سنة (1) .
وحتى بعد مولد أبي جعفر التقي عليه السلام لم يكن المشككون منفكّين من محاولاتهم تلك حتى رأوا البيّنة وأذعنوا لها صاغرين ، هم ومن جاءوا بهم من القافة أجمعين . وهنالك رقى ابن الرضا عليه السلام درجات منبرٍ ، وألقى خطبة قصيرة بليغة ، وصلت في مداها أقصى غاية المنى في تأنيب المشككين ، وردع ( الواقفة ) والمتصيدين في الضباب ، أو عكرٍ من الماء ، حين طعنوا في بنوّة أبي جعفر عليه السلام وانتسابه للاِمام الرضا عليه السلام . فلقد جاءوا بالاِفك ، وقول الزور . . وإنّه لكبير ما ادّعوه على قدس الاِمامة ، والشرف الباذخ للبيت النبويّ الطاهر .

مطهّـرون نقيّـات ثيـابـهم * تجري الصلاة عليهم كلّما ذكروا

كانت هذه لمحة ضوء خاطفة تطلّعنا من خلال أشعتها على بعض الظروف التي واكبت وسبقت ولادة الاِمام أبي جعفر الجواد عليه السلام . . ثم يحين اليوم الموعود . .
بشرى المولد العظيم :
« اللهمّ إنّي أسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني ، وابنه علي بن محمد المنتجب . . . » (2) الدعاء .
هذا الدعاء أورده شيخ الطائفة الطوسي رحمه الله ( ت | 460 هـ ) في مصباح
____________
1) اُصول الكافي 1 : 321 | 7 . والارشاد 2 : 277 ـ 278 .
2) الاِمام علي بن محمد التقي يلقّب بالنجيب أيضاً ، وأن أباه الاِمام الجواد عليه السلام يلقّب بالمنتجب ، فلاحظ .
(14)

المتهجّد (1) ، وابن عياش أحمد بن محمد بن عبدالله الجوهري صاحب كتاب ( مقتضب الاَثر ) ، وقيل هو دعاء مأثور عن صاحب الاَمر عليه السلام ، قال ابن عياش : خرج إلى أهلي على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في مقامه عندهم . وبه أخذ بعض المؤرخين بناء على نقل ابن عياش من أن مولد الجواد عليه السلام كان في يوم الجمعة العاشر من رجب سنة ( 195 هـ ) الموافق لسنة ( 811 ) الميلادية . وهو التاريخ المعمول به عند الطائفة اليوم .
لكن العلماء ومشايخ الطائفة يذهبون إلى أن ولادته الميمونة كانت في شهر رمضان من عام ( 195 هـ ) ، وترددوا بين ( 15 ، 17 ، 18 ، 19 ) منه ، ولعلّ ثانيها (2) هو الاَرجح من بين هذه التواريخ ، لكن الاَكثر قال بالتاريخ الاَخير بناءً على نقل اللاحق عن السابق (3) .
وأما حدث المولد العظيم وساعته وما جرى فيه من الكرامة فتحكيه السيدة الكريمة حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قالت : ( لمّا حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر عليه السلام دعاني الرضا عليه السلام ، فقال : « يا حكيمة احضري ولادتها » ، وأدخلني وإيّاها والقابلة بيتاً ووضع لنا مصباحاً ، وأغلق الباب علينا .
فلمّا أخذها الطلق طفئ المصباح ، وكان بين يديها طست ، فاغتممت بطفء المصباح ، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السلام في الطست ، وإذا
____________
1) مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد : 741 .
2) إعلام الورى 2 : 91 . وتاج المواليد | الطبرسي أحمد بن علي ( ت | 548 هـ ) : 52 المطبوع ضمن كتاب « مجموعة نفيسة » .
3) اُصول الكافي 1 : 492 . والاِرشاد 2 : 273 . وعيون المعجزات : 121 . ومناقب آل أبي طالب 4 : 379 . وكشف الغمة 3 : 135 .
(15)

عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء . فجاء الرضا عليه السلام وفتح الباب وقد فرغنا من أمره ، فأخذه ووضعه في المهد ، وقال لي : « ياحكيمة إلزمي مهده » .
قالت : فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال : « أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله » . فقمت ذعرة فزعة فأتيت أبا الحسن عليه السلام ، فقلت : سمعت من هذا الصبي عجباً . فقال : « وما ذاك ؟ » ، فأخبرته الخبر . فقال : « يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر » (1) .
رعاية أبوية خاصة:
ليس أمراً غريباً أن يكتنف الاِمام الرضا عليه السلام وليده برعاية وعناية خاصتين ، بل ويحيطه بهالة من التعظيم والتبجيل وهو طفل رضيع ، ذلك أن أبا جعفر هو وحيد الاِمام أبي الحسن الرضا عليه السلام الذي رُزقه بعدما جاوز عليه السلام الخامسة والاَربعين من العمر ، فعليه تكون الاِمامة منحصرة بوليده الفرد . لهذا كلّه فقد كان إمامنا الرضا عليه السلام يوليه تربية خاصة ، وعناية زائدة ، كما كان يتوسم فيه بركة وخيراً عظيماً على شيعته ومحبيه .
فعن يحيى الصنعاني ، قال : دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام وهو بمكة وهو يقشّر موزاً ويطعم أبا جعفر عليه السلام ، فقلت له : جعلت فداك هو المولود المبارك ؟ قال : « نعم يا يحيى ، هذا المولود الذي لم يولد في الاِسلام مثله مولود أعظم بركة على شيعتنا منه » ) (2) .
____________
1) مناقب آل أبي طالب 4 : 394 . والفصول المهمة | ابن الصباغ المالكي : 208 ـ 209 .
2) الفروع من الكافي 6 : 360 | 3 .
(16)

وينقل لنا الرواة والمؤرخون أيضاً كيف أنّ الاِمام الرضا عليه السلام كان يترقب وبشوق بالغ ، ولهفة عجلى مولد ابنه محمداً ، فلما ولد كان عليه السلام يلازم مهده ، وفي بعض الاَحيان كان يناغيه وهو في مهده طول ليلته (1)؛ بل إنّ علقته بطفله الرضيع بلغت حداً أنّه عليه السلام كان يلازم مهده لعدة ليالٍ حتى إن أحد شيعته كلمه في أن يكف عن كثرة ملازمته لمهد وليده قائلاً له : جُعلت فداك ، قد وُلد للناس أولاد قبل هذا ، فكل هذا تعوّذه ؟
لقد ظن هذا المعترض أن الاِمام أبا الحسن عليه السلام ، ولشدة حبّه لمولوده ، فإنّه يخاف عليه من عيون الحسّاد؛ لذلك فهو يعوّذه طوال هذه المدة . لكن الاِمام عليه السلام أجاب المستفهم بأن حنوّه على ولده ليس لغرض التعويذ ، بل إنّه عليه السلام يلقي إليه أمر الاِمامة وعلومها ، بقوله : « ويحك ليس هذا عوذة ، إنّما أغرّه بالعلم غرّاً » (2) ، كما كان يطعمه بنفسه ، وما كان يفارقه طويلاً ، حتى إنّه عليه السلام ليصطحبه في سفره وتنقلاته داخل المدينة وخارجها تنويهاً به عليه السلام ، وزيادة في إعظامه وإكرامه .
وأما تعظيم الاِمام الرضا عليه السلام لمولوده المبارك ، فإنّه ما كان يناديه إلاّ بكنيته منذ نعومة أظفاره ، فقد تحدّث محمد بن أبي عبّاد وكان يكتب للرضا عليه السلام ، ضمه إليه الفضل بن سهل ، قال : ما كان عليه السلام يذكر محمداً ابنه إلاّ بكنيته ، ويقول : كتب إليّ أبو جعفر . . وكنت أكتب إلى أبي جعفر . . وهو صبيّ بالمدينة ، فيخاطبه بالتعظيم ، وترد كتب أبي جعفر عليه السلام في نهاية البلاغة والحُسن ، فسمعته يقول : « أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من
____________
1) عيون المعجزات : 121 . وعنه بحار الاَنوار 50 : 15 | 19 .
2) إثبات الوصية : 183 .
(17)

بعدي » (1) ، وربما كتب إليه الاِمام الرضا عليه السلام : فداك أبوك !!
فقد روى العياشي عن محمد بن عيسى بن زياد . قال : كنت في ديوان أبي عباد ، فرأيت كتاباً يُنسخ فسألت عنه فقالوا : كتاب الرضا إلى ابنه عليهما السلام من خراسان ، فسألتهم أن يدفعوه إليّ فإذا فيه : « بسم الله الرحمن الرحيم ، أبقاك الله طويلاً وأعاذ من عدوّك يا ولد ، فداك أبوك … » ثم يوصيه عليه السلام بالاِنفاق وخاصة على الهاشميين من قرابته ، ويختم كتابه بقوله : « وقد أوسع الله عليك كثيراً ، يا بنيّ فداك أبوك لا تستر دوني الاَمور لحبّها فتخطئ حظّك ، والسلام » (2) .
ويبلغ حبّ الوالد لولده مداه ويغرق فيه نزعاً ، حتى يوصله إلى امتزاج روحيهما في روح واحدة هي روح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ذلك الاغراق في الحبّ والمودّة يوقفنا عليه بنان بن نافع في خبر يرويه حول محاورة في الاِمامة جرت بينه وبين الاِمام الرضا عليه السلام من جهة وبين الاِمام الجواد عليه السلام من جهة اُخرى .
يقول ابن نافع في نهاية الخبر : ثم دخل علينا أبو الحسن ، فقال لي : « يابن نافع سلّم واذعن له بالطاعة ، فروحه روحي وروحي روح رسول الله » (3) .
وأخيراً ينقل لنا صاحب كتاب دلائل الاِمامة خبراً عن أُمية بن علي القيسي الشامي يمكننا من خلاله الوقوف على درجة العلاقة بين الوالد والولد ، وشدة حبّ الوالد لولده واهتمامه به من جهة ، ومدى تعلّق الولد
____________
1) عيون أخبار الرضا 2 : 266 باب 60 . وعنه بحار الاَنوار 50 : 18 | 2 .
2) تفسير العياشي 1 : 131 ـ 132 .
3) مناقب آل أبي طالب 4 : 388 .
(18)

بوالده من جهة اُخرى ، فقد نقل قول أُمية : كنت مع أبي الحسن عليه السلام بمكة ، في السنة التي حجّ فيها ، ثم صار إلى خراسان ، ومعه أبو جعفر ، وأبو الحسن عليه السلام يودّع البيت ، فلمّا قضى طوافه عدل إلى المقام فصلّى عنده ، فصار أبو جعفر إلى الحجر فجلس فيه ، فأطال . فقال له موفق : قم جُعلت فداك . فقال : « ما أريد أن أبرح من مكاني هذا إلاّ أن يشاء الله » ، واستبان في وجهه الغم . فأتى موفق أبا الحسن عليه السلام فقال له : جُعلت فداك قد جلس أبو جعفر في الحجر ، وهو يأبى أن يقوم ، فقام أبو الحسن عليه السلام فأتى أبا جعفر فقال : « قم ياحبيبي » . فقال عليه السلام : « ما أريد أن أبرح من مكاني هذا » . قال عليه السلام عليهم السلام « بلى ياحبيبي » . ثم قال عليه السلام : « كيف أقوم وقد ودّعت البيت وداعاً لاترجع إليه » ؟ فقال له عليه السلام : « قم يا حبيبي » ، فقام معه (1) .
نسبه الشريف :
سمّي محمداً وهو بعد في الاَصلاب الشامخات والاَرحام المطهّرات ، أبوه علي الرضا عليه السلام ، وجدّه الكاظم موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي السجاد زين العابدين بن الحسين السبط الشهيد ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
نسب وضّاح ، وذريّة طيبة مطهّرة نقيّة . . نعم ، إنّها ( سلسلة الذهب ) باعتراف عشرين ألفاً أو يزيدون من الكتّاب أو النسّاخ ، وطلبة العلم والحديث ورواته في نيسابور ، وعلى رأسهم الحافظان أبو زرعة ، ومحمد ابن أسلم الطوسي (2) .
____________
1) كشف الغمة 3 : 155 .
2) أخبار الدول | القرماني 3 : 344 .
(19)

أُمّه عليها السلام :
أما أُمّه ، فهي أم ولد اسمها ( سبيكة ) ، نوبيّة . وقيل : سكن المريسية (1) . وقيل أيضاً : إنّ الاِمام الرضا عليه السلام لما اشتراها لاستيلادها أطلق عليها اسم « خيزران » ، وهي من قبيلة مارية القبطية زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وعلى كلِّ حال . . فقد كانت من الجلال والقدر أن عُدَّت في زمانها أفضل بنات جنسها ، وإليها أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يذكر الاِمام محمداً التقي عليه السلام بقوله : « بأبي ابن خيرة الاِماء ، ابن النوبية الطيبة الفم ، المنتجبة الرحم » (2) .
ويدلُّ على مكانتها وجلالة قدرها أيضاً ، أن الاِمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام طلب من يزيد بن سليط أن يبلغها منه السلام إن استطاع إلى ذلك سبيلاً ، فقد ورد في الخبر أن الاِمام الكاظم عليه السلام التقاه في طريق مكة وهم يريدون العمرة . فقال له : « إنّي أؤخذ في هذه السنة ، والاَمر إلى ابني عليّ سمي عليّ وعليّ . فأما عليّ الاَول فعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وأما علي الآخر فعلي بن الحسين . . يا يزيد فإذا مررت بالموضع ولقيته ، وستلقاه فبشّره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك ، وسيعلمك أنك لقيتني فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل مارية القبطية جارية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن قدرت أن تبلغها مني السلام ، فافعل ذلك » . والرواية سنوردها بتمامها بعد قليل في موضوع النص على إمامة الجواد عليه السلام .
وفي خبر آخر أورده المحدِّث الشيخ حسين بن عبدالوهاب في « عيون
____________
1) نسبة إلى مرّيسة وهي قرية في صعيد مصر من بلاد النوبة .
2) اُصول الكافي 1 : 323 | 14 .
(20)

المعجزات » بسند ذكره ، عن كلثم بن عمران (1) ، قال : قلت للرضا عليه السلام : ادع الله أن يرزقك ولداً . فقال : « إنّما أُرزق ولداً واحداً وهو يرثني » . فلما ولد أبو جعفر عليه السلام قال الرضا عليه السلام لاَصحابه : « قد ولد لي شبيه موسى بن عمران ، فالق البحار ، وشبيه عيسى بن مريم ، تقدّست أُمٌّ ولدته ، قد خُلقت طاهرة مطهّرة » (2) .
كنيته :
وكُنّي بأبي جعفر من يوم مولده ، وما كان الاِمام الرضا عليه السلام يدعوه إلاّ بها ، وهي الكنية المشهور بها (3) ، ثم عرّفه الرواة والمحدِّثون بالثاني لتمييزه عن الاِمام أبي جعفر الباقر عليه السلام . ويكنّى أيضاً بأبي عليّ ، ولا يُعرف بها .
حليته :
كان عليه السلام شديد الاَُدْمَه (4) ، ضاوي الجسم (5) قصيره ، قطُّ الشعر مثل حلك الغراب (6) ، وطبيعي جداً أن يكون الاِمام أبو جعفر عليه السلام ـ وهو من بين أب حجازي وأمّ نوبية ـ حائل اللون ، ولا ريب في ذلك ، هذا وإن كان الاِمام الجواد عليه السلام حائل اللون إلاّ أنّه :
____________
1) وجاء في مصادر اُخرى باسم : كليم . وبأي الاسمين ورد فهما واحد .
2) عيون المعجزات : 121 . وعنه الاَنوار البهية | المحدّث الشيخ عباس القمي : 209 .
3) الكافي 1 : 320 ، 469 . وإثبات الوصية : 183 ـ 194 . وتهذيب الاَحكام 6 : 90 باب 37 وما بعده .
4) دلائل الاِمامة : 384 | 342 ، و404 | 365 .
5) مناقب آل أبي طالب 4 : 387 . ودلائل الاِمامة : 404 | 365 .
6) راجع : دلائل الاِمامة : 397 | 346 . وفي مقاتل الطالبيين : 456 جاء أيضاً ما هذا نصّه : وزوّج المأمون ابنته أم الفضل محمد بن علي بن موسى على حلكة لونه وسواده ..
(21)

مشتقة مـن رسول الله نبعتُهُ * طابت مغارسُهُ والخيمُ والشِّيمُ

وأما ما انفرد به ابن الصباغ من أن صفته أبيض معتدل ، ووافقه بعض من كتب في سيرة الاِمام الجواد عليه السلام ، ورجّح قوله ، استثقالاً منه أن يقول بسمرة الاِمام ، فهو خلاف المشهور من صفته عليه السلام (1) .
ألقابه الشريفة :
تميّز إمامنا الجواد عليه السلام بألقاب عديدة من أخصّها به قديماً لقب ( التقي ) (2) ثمّ بعد ذلك ( الجواد ) (3) قال ابن شهر آشوب:

فديت إمامي أبا جعفر * جواداً يلقّب بـالتاسعِ

وبين هذين اللقبين عدّدوا له ألقاباً اُخرى منها : المنتجب والمرتضى والزكي والقانع والرضي والمتوكل وغيرها (4) .
أولاده :
ذكر الشيخ المفيد رحمه الله أن الجواد عليه السلام ( خلّف بعده من الولد عليّاً ابنه الإمام من بعده ، وموسى ، وفاطمة ، وأُمامة ابنتيه ، ولم يخلّف ذكراً غير من
____________
1) حياة الاِمام محمد الجواد عليه السلام | باقر شريف القرشي : 24 .
2) عيون المعجزات : 121 . ودلائل الاِمامة : 396 . واعلام الورى 2 : 91 . وتاج المواليد | الطبرسي : 52 . والدعوات | الراوندي : 89 | 224 و 106 | 234 . ومناقب ابن شهر آشوب 4 : 379 و 410 ـ 411 .
3) دلائل الاِمامة : 396 . ومناقب ابن شهر آشوب 4 : 379 و 410 ـ 411 . وكشف الغمة 3 : 137 . والنجوم الزاهرة 2 : 321 حوادث سنة 219 .
4) راجع : الاِرشاد 2 : 295 . ودلائل الاِمامة : 396 . وإعلام الورى 2 : 91 .
(22)

سمّيناه ) (1) .
ونقل ابن شهرآشوب عن الشيخ الصدوق إنهنَّ : حكيمة وخديجة وأم كلثوم (2) . وزاد عليهن السيد ضامن بن شدقم في ( تحفة الاَزهار ) : فاطمة .
وفي ( الشجرة الطيبة ) للمدرس الرضوي المشهدي أن بنات الاِمام الجواد عليه السلام : زينب ، وأم محمد ، وميمونة ، وخديجة ، وحكيمة ، وأم كلثوم . وقال آخر : ولد الجواد عليه السلام عليّاً ، وموسى ، والحسن ، وحكيمة ، وبريهة ، وأُمامة ، وفاطمة (3) .
إذن ، المشهور أنّ للاِمام الجواد عليه السلام ابنة يقال لها ( حكيمة ) كانت جليلة القدر ، رفيعة المقام ، عالية الشأن . أوكل إليها أخوها الاِمام الهادي عليه السلام جاريته ( نرجس ) كي تعلمها معالم الدين ، وأحكام الشريعة ، وتؤدّبها بالآداب الاِلهية .
وزوّج الاِمام الهادي عليه السلام نرجس من ولده الاِمام العسكري عليه السلام فانجبت له الاِمام المهدي عليه السلام وقامت حكيمة بمهمّة القابلة لاُمّه ليلة ولادته (4) ، وصرّحت بمشاهدة الاِمام المهدي عليه السلام بعد مولده (5) .
وكان لحكيمة دور مهم بعد استشهاد الاِمام الحسن العسكري عليه السلام ، حيث كانت تقوم بدور السفارة بين الشيعة وبين الاِمام محمد المهدي عليه السلام
____________
1) الاِرشاد 2 : 295 . وإعلام الورى 2 : 106 .
2) مناقب آل أبي طالب 4 : 380 .
3) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : هامش ص 199 .
4) كمال الدين 2 : 424 | 1 ط2 . والغيبة | الشيخ الطوسي : 234 | 204 .
5) اُصول الكافي 1 : 330 | 3 . وكمال الدين 2 : 433 | 14 .
(23)

في غيبته الصغرى ، فكانت تقوم باستلام الكتب والمسائل وتوصلها إلى الاِمام عليه السلام ثم تستلم منه توقيعاته الشريفة وتوصلها إلى الناس (1) .
أضف إلى ذلك أنّها تروي حرز الاِمام الجواد عليه السلام ، وقد توفيت هذه السيدة الجليلة في مدينة سامراء ، ودفنت عند رجلي الاِمامين العسكريين عليهما السلام ، وقبرها مشهور معروف .
وغريب من مثل الشيخ المفيد أن يفوته التعرض لذكر اسمها ضمن تعداده لاَبناء الاِمام أبي جعفر الجواد عليه السلام ، مع أنّه ـ عليه الرحمة ـ ذكرها في « الاِرشاد » في ثاني خبر له في باب ذكر من رأى الاِمام الثاني عشر عليه السلام ، فقال : أخبرني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ـ وهو الكليني ـ ، عن محمد بن يحيى ، عن الحسين بن رزق الله ، قال : حدثني موسى بن محمد ابن القاسم ابن حمزة بن موسى بن جعفر ، قال : حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي ـ وهي عمة الحسن عليه السلام ـ أنّها رأت القائم عليه السلام ليلة مولده وبعد ذلك (2) .
وأما ولده موسى المعروف بالمبرقع ، وإليه ينتهي نسب السادة الرضويين ، فقد عاش في المدينة ، وبعد شهادة أبيه انتقل إلى الكوفة فسكنها مدة ، ثم هاجر إلى قم فوردها سنة ( 256 هـ ) قاصداً استيطانها ، فكان أول سيد رضوي تطأ أقدامه هذه المدينة ، وكان من أهل الحديث والدراية . توفي في ربيع الآخر سنة ( 296 هـ ) ودفن في بيته .
النصّ على إمامته:
من نافلة القول معرفة أن منصب الاِمامة نص إلهي ، أبلغه تعالى نبيه
____________
1) بحار الاَنوار 102 : 79 ، وعنه رجال بحر العلوم 2 : 317 .
2) الاِرشاد 2 : 351 .
(24)

الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يوم نصّ على خلافة الاِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام له صلى الله عليه وآله وسلم في منصب إمامة المسلمين؛ ثم كانت للرسول الاَعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم مواقف وكلمات ـ في روايات وردتنا ـ صرّح في بعضها بأسماء الاَئمة خلفائه واحداً واحداً حتى اثني عشر إماماً ، كما أن الاَئمة عليهم السلام ـ باعتبار عصمتهم ـ نصوا على من يليهم بهذا المنصب ، ولم يكن الاَمر باختيارهم .
أخرج إبراهيم بن محمد الحمّوئي الشافعي في فرائده بسنده ، عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس رفعه : « إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لاِثنا عشر ، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي » . قيل : يا رسول الله ومن أخوك ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : « عليّ » . قيل : فمن ولدك ؟ قال : « المهدي الذي يملأ الاَرض قسطاً وعدلاً .. » الحديث (1) .
وفيه : عن الاَصبغ بن نباتة ، عن ابن عباس رفعه : « أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون » (2) .
وإمامنا الجواد عليه السلام وردت النصوص بإمامته عن جدّه النبيّ الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعن آبائه عليهم السلام وإليك جملة من هذه النصوص:
نص النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم :
عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت جابر بن عبدالله الاَنصاري يقول:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي
____________
1) فرائد السمطين 2 : 312 | 562 . وراجع : ينابيع المودة | القندوزي الحنفي 3 : 383 الباب 94 الطبعة الاُولى 1416 هـ ، تحقيق علي جمال أشرف الحسيني ، نشر دار الاُسوة ـ طهران .
2) فرائد السمطين 2 : 313 | 563 ، 564 . وراجع : ينابيع المودة 3 : 384 .
(25)

أوّلهم عليّ ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ، ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي ابن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم القائم اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي . . . » (1) .
ونقل صاحب الفرائد خبراً آخر يرويه ابن عباس عن يهودي يدعى نعثلاً حاجج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صفات الله ، ثم في أوصيائه وطلب من النبي تسميتهم ، فسماهم له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إثنا عشر وصيّاً (2) .
ونقل أخطب خوارزم الموفق بن أحمد في كتابه « مقتل الحسين » عن ابن شاذان قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبدالله الحافظ حدثني علي بن علي بن سنان الموصلي عن أحمد بن محمد بن صالح عن سلمان بن محمد عن زياد بن مسلم عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن سلامة عن أبي سلمى راعي أبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « ليلة أُسري بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ وعلا : ( آمن الرسول بما اُنزل إليه من ربّه ) ، قلت : والمؤمنون ، قال : صدقت يا محمد من خلفت في أمتك ، قلت : خيرها ، قال : علي بن أبي طالب ، قلت : نعم يا رب ، قال : يا محمد إنّي اطّلعت إلى الاَرض اطلاّعة فاخترتك منها فشققت لك اسماً من اسمائي فلا اذكر في موضع إلاّ ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثم اطّلعت الثانية ، فاخترت عليّاً ، وشققت له اسماً من اسمائي ، فأنا الاَعلى وهو علي؛ يا محمد
____________
1) راجع : ينابيع المودة 3 : 398 الباب 94 . وكشف الغمة | الاِربلي 3 : 314 .
2) فرائد السمطين 2 : 132 | 431 ، وعنه أورده القندوزي في ينابيع المودة 3 : 281 الباب 76 .
(26)

اني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والاَئمة من ولده من سنخ نور من نوري وعرضت ولايتكم على أهل السموات وأهل الاَرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين ، يا محمد لو ان عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم اتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقرّ بولايتكم ، يا محمد أتحب أن تراهم ، قلت : نعم يارب ، فقال : لي التفت عن يمين العرش فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يصلّون وهو في وسطهم ـ يعني المهدي ـ كأنّه كوكب دري . قال : يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك ، وعزتي وجلالي انه الحجة الواجبة لاوليائي والمنتقم من أعدائي » (1) .
روى الشيخ المفيد رحمه الله بالاِسناد عن زكريا بن يحيى بن النعمان ، قال : سمعت علي بن جعفر بن محمد يحدّث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين ، فقال في حديثه : لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه السلام لما بغى عليه إخوته وعمومته . . وذكر حديثاً طويلاً حتى انتهى إلى قوله : فقمت وقبضت على يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام ، وقلت له : أشهد أنك إمام عند الله . فبكى الرضا عليه السلام ثم قال : « يا عم ، ألم تسمع أبي وهو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بأبي ابن خيرة الاِماء النوبية الطيبة ، يكون من ولده الطريد الشريد ، الموتور بأبيه وجده ، صاحب الغيبة . . . » (2) .
____________
1) مقتل الحسين | الخوارزمي : 95 ـ 96 . وعنه رواه الجويني الشافعي في فرائد السمطين 2 : 319 | 571 .
2) الاِرشاد 2 : 275 . وراجع : اصول الكافي 1 : 323 | 14 . وإعلام الورى 2 : 92 . وبحار الاَنوار 50 :

=
(27)

وروى الشيخ الصدوق في ( عيون أخبار الرضا ) بسنده عن محمد بن علي بن عبدالصمد الكوفي ، قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن محمد بن علي ابن موسى ، عن أبيه علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : « دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده أُبيّ بن كعب ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مرحباً أبا عبدالله ، يازين السموات والاَرض . . ثم ذكر حواراً طويلاً مفصّلاً بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين أُبي ابن كعب ذكر له النبي أسماء الاَئمة ودعاء كل واحد منهم حتى وصل إلى إمامنا أبي جعفر الجواد عليه السلام ، فقال في صفته : وإنّ الله عزَّ وجلّ ركّب في صلبه ـ أي في صلب الاِمام الرضا عليه السلام ـ نطفة مباركة طيبة رضية مرضية ، وسمّاها محمد بن علي ، فهو شفيع شيعته ، ووارث علم جدّه . له علامة بيّنة ، وحجة ظاهرة ، إذا ولد يقول : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله . . » الخبر (1) .
نصّ الاِمام الكاظم عليه السلام :
جاء في كتاب الغيبة لشيخ الطائفة الطوسي رحمه الله خبر رُفع إلى محمد بن سنان ، قال : دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام من قبل أن يقدم العراق بسنة ، وعلي ابنه جالس بين يديه ، فنظر إليّ وقال : « يا محمد ستكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك . . إلى أن قال عليه السلام : من ظلم ابني هذا حقّه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب عليه السلام إمامته وجحده حقّه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال : قلت : والله لئن مدّ الله لي في العمر لاُسلّمنّ له حقّه،
____________
=
21 | 7 .
1) عيون أخبار الرضا 2 : 62 | 29 .
(28)

ولاَقرنّ بإمامته . قال : صدقت يا محمد يمدُّ الله في عمرك وتسلّم له حقّه ، وتقرّ له بإمامته وإمامة من يكون بعده ، قال : قلت : ومن ذاك ؟ قال : ابنه محمد » . قال : قلت : له الرضا والتسليم (1) .
وهذا نصٌّ صريح بإمامته من جدّه الاِمام الكاظم عليه السلام . وهناك نصّ آخر في رواية طويلة ننقل منها موضع الحاجة ، يرويها يزيد بن سليط الزيدي في لقائه مع الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام في طريق مكة ، وهم يريدون العمرة ـ إلى أن قال : ـ . . ثم قال أبو إبراهيم عليه السلام : « إنّي أؤخذ في هذه السنة ، والاَمر إلى ابني عليّ سمي عليّ وعليّ ، فأما عليّ الاَول فعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وأما عليّ الآخر فعليّ بن الحسين ، أُعطي فهم الاَول وحكمته ، وبصره وودّه ودينه ، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره ، وليس له أن يتكلم إلاّ بعد موت هارون بأربع سنين ، ثم قال : يا يزيد فإذا مررت بهذا الموضع ، ولقيته وستلقاه ، فبشّره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك ، وسيعلمك أنّك لقيتني فأخبره عند ذلك أنّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من بيت مارية القبطية جارية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن قدرت أن تبلغها منّي السلام فافعل ذلك » .
ثم يرحل الاِمام الكاظم عليه السلام ، ويلتقي يزيد بالاِمام الرضا في نفس ذلك الموضع ويخبره ، ويقصّ عليه الخبر . فيجيبه الاِمام عليه السلام : « أما الجارية فلم تجيء بعد ، فإذا دخلت أبلغتها منك السلام » . قال يزيد : فانطلقنا إلى مكة ، واشتراها في تلك السنة ، فلم تلبث إلاّ قليلاً حتى حملت ، فولدت ذلك الغلام (2) .
____________
1) راجع : أُصول الكافي 1 : 319 | 16 . والغيبة | الشيخ الطوسي : 32 | 8 . و بحار الاَنوار 50 : 19 | 4 .
2) اُصول الكافي 1 : 313 ـ 319 | 14 . وإعلام الورى 2 : 50 وعنه بحار الاَنوار 50 : 25 ـ 28 | 17 .

 

 

https://t.me/wilayahin

 

00