يوم، في مقصورة بعينها، ويكفل بعضهم بعضاً(١).
وكان الحكام أيضاً يطلبون من خصومهم أن يزوروهم باستمرار، ليرى الناس انقيادهم لهم، وليحذروا من الإتصال بهم.. ولغير ذلك من أسباب.
وإذا كانت السيدة زينب “عليها السلام” هي تلك المرأة المجاهدة التي ضيعت ـ بجرأتها وبحكمتها ـ على طغاة الأمويين ما كانوا يحلمون به، وبددت جهودهم، وأبطلت كيدهم، فإن خوفهم منها سوف يكون كبيراً، وسيسعون إلى رصد تحركاتها، والتضييق عليها، وشل حركتها، ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً..
وهذا ما يثير احتمال أن تكون قد تعرضت لضغط شديد عليها، لحملها على أن تكون بالقرب منهم، وتحت نظرهم..
ولذلك، فإنهم لن يرضوا منها بالسفر إلى مصر، ولا إلى غيرها من البلاد، حتى لا تحرك البلاد والعباد ضدهم، لا سيما وهي تملك أعظم سند إدانة ضدهم ـ وهو ما سوف يكون له أعظم الآثار في تعريف الناس بحقيقتهم، وبأهدافهم، من خلال اطلاعهم على تفاصيل جريمة قتلهم ريحانة الرسول، وسبطه، وأهل بيته، وأصحابه، وسبي نسائه “صلى الله عليه وآله”..
فهل تراهم يغضون الطرف عن نشاطات السيدة زينب “عليها
١- مقاتل الطالبيين ص٤٤٣ و ٤٤٤.
السلام”، ويسكتون على تحركاتها، ويطلقون يدها في التصرف؟!
وهل يمكن أن يعطوها الحرية بالتنقل والإتصال بالناس؟! خصوصاً في المناطق البعيدة عن أنظارهم، وحيث يصعب عليهم مراقبة الأحوال فيها بدقة وفعالية.
ألا يرون أن إقامتها في ذلك المكان المعزول في تلك القرية هو الأنسب، والأولى لهم، والأوفق بمصالحهم؟!
إن مقام الزهراء “عليها السلام” كان أعظم في الأمة من مقام زينب “عليها السلام”، ومع ذلك، فقد حاول الأولون منعها حتى من البكاء على أبيها، وأخرجوها من بيتها، حين رأوا: أن وجودها هناك سوف يؤثر عليهم، وسيثير تساؤلات الناس حول ما صدر منهم تجاهها.
وأظن أن هذا الذي ذكرناه أو بعضه يكفي في بيان معقولية أن تأتي السيدة زينب صلوات الله عليها إلى الشام.. لتعيش فيها أياماً يسيرة، ثم يوافيها الأجل. ويصبح قبرها علماً شامخاً، يشع بالهداية، وينير الطريق للحق..
٤ ـ ونجد في النصوص التاريخية، وغيرها ما يؤيد كون مرقد السيدة زينب الكبرى “صلوات الله وسلامه عليها”، هو ذلك الذي في الشام، وهو مشهور من زمن بعيد، ويعرف بقبر الست، كما يلاحظ مما ذكره ابن عربي في فتوحاته(١).
١- الفتوحات المكية ج٤ ص١٩٨ وليراجع كتاب مرقد العقيلة زينب للسابقي.
أما الذي في مصر، فالظاهر: أنه قبر لامرأة شريفة أخرى من ذرية الإمام علي “عليه السلام”، لعلها زينب بنت يحيى المتوج بن الحسن الأنور..
ويقال: إن زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين “عليهما السلام”، وكنيتها أم كلثوم، قد دفنت قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار، خارج دمشق الشام. وقد يقال في محل وفاة زوجها غير ذلك..
وكانت قد جاءت مع زوجها عبد الله إلى الشام، في أيام عبد الملك بن مروان، سنة المجاعة، ليقيم عبد الله بن جعفر فيما كان له من القرى والمزارع، خارج الشام، حتى تنقضي المجاعة، فماتت السيدة زينب هناك، ودفنت في بعض تلك القرى..
وفي الخيرات الحسان: أنها حمَّت من وعثاء السفر، أو لسبب آخر غير ذلك(١)..
أي أنها لم تقم في تلك القرية إلا مدة وجيزة، ثم لحقت بربها راضية مرضية صلوات الله وسلامه عليها، وعلى جميع أهل البيت الطاهرين..
١- راجع: معالي السمطين ج٢ ص٢٢٤ عن كتاب نزهة أهل الحرمين ص٦٧ للسيد حسن الصدر، وعن غيره.
وراجع: مرقد العقيلة زينب ص١٨٩ و ١٩٠ و ١٩١ عن مراقد المعارف ج١ ص٢٤٠ و ٣٣٤ وعن الثمر المجتنى للبراقي، والخيرات الحسان ج٢ ص٢٩ وتحفة العالم ج١ ص٢٣٥ ونفس المهموم ص٢٩٧ وهدية الزائرين ص٣٥٣ ومنتخب التواريخ ص١٠٣ وغير ذلك..
بعثة رسول الله (صلى الله عليه وآله):
وقد دلت الروايات: على أن النبي “صلى الله عليه وآله” كان نبياً منذ صغره، ثم بعث رسولاً وهو في سن الأربعين، أي أن رسول “صلى الله عليه وآله” قد بعث بعد عشر سنوات من ولادة علي “عليه السلام”، فكان علي أول الأمة إسلاماً.
علي (عليه السلام) أول من أسلم:
وقد بعث النبي “صلى الله عليه وآله” يوم الإثنين، وأسلم علي “عليه السلام” يوم الثلاثاء(١).
١- راجع: الفصول المختارة ص٢٦٣ وكنز الفوائد ص١٢٠ والتعجب للكراجكي ص٩٨ ومناقب الإمام أمير المؤمنين “عليه السلام” للكوفي ج١ ص٢٥٩ وروضة الواعظين ص٨٥ ونيل الأوطار ج٨ ص١٨ وشرح الأخبار ج١ ص٤٤٩ والإحتجاج ج١ ص٣٧ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٢٩١ و ٢٩٧ وذخائر العقبى ص٥٩ والصراط المستقيم ج١ ص٢٣٦ وبحار الأنوار ج١٧ ص٢٣٩ وج٣٨ ص٢٠٣ و ٢٠٩ و ٢٣١ و ٢٣٧ و ٢٥٠ و ٢٥٨ و ٢٧٠ ومناقب أهل البيت “عليهم السلام” للشـيرواني ص٣٦ و ٣٧ والغديـر ج٣ = = ص١٢٠ و ٢٢٣ و ٢٢٤ و ٢٢٨ ومستدرك سفينة البحار ج١٠ ص٢٣٠ وسنن الترمذي ج٥ ص٣٠٤ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٠٢ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص١٦٠ ومسند أبي يعلى ج١ ص٣٤٨ وكنز العمال ج١٣ ص١٢٨ وفيض القدير ج٤ ص٤٦٨ والتفسير المنسوب للإمام العسكري “عليه السلام” ص٤٢٩ ومجمع البيان ج٥ ص١١٢ ونور الثقلين ج٢ ص٢٥٦ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٢٩ و ٣٠ وأسد الغابة ج٤ ص١٧ وتهذيب الكمال ج٢٠ ص٥٠٤ وتاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٥٥ والكامل في التاريخ ج٢ ص٥٧ والبداية والنهاية ج٣ ص٣٦ وج٧ ص٣٦٩ وتنبيه الغافلين ص٨٤ وإعلام الورى ج١ ص٣١٢ والدر النظيم ص٢٦٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج١ ص٤٣١ وسبل الهدى والرشاد ج٢ ص٣٠٢ وينابيع المودة ج١ ص١٨٩ وج٢ ص١٤٧ و ٣٨٦.
ولا ريب في أن علياً “عليه السلام” أول الناس إسلاماً، وقد ذكرنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم “صلى الله عليه وآله” قائمة بأسماء أكثر من ستين رجلاً من أعلام الصحابة والتابعين قالوا: بأنه أول الناس إسلاماً(١).
١- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم “صلى الله عليه وآله” (الطبعة الرابعة) ج٢ ص٣١٧ و (الطبعة الخامسة) ج٣ ص٤٣. وراجع: الغدير ج٣ ص٩٥ و٩٦ و ٩٩ و ٢٢٤ ـ ٢٣٦ وج١٠ ص١٥٦ و ١٥٨ و ١٦٤ و ١٦٨ و ٢٩٠ و ٣٢٢ و ج٩ ص١١٥ و ١٢٢ ودلائل الصدق، والأوائل للطبراني ص٧٨ و ٧٩.
بل ادعى بعضهم الإجماع على ذلك(١).
غير أن لنا تحفظاً على قولهم: أسلم علي “عليه السلام” يوم الثلاثاء، فإنه “عليه السلام” لم يكن كافراً ليقال: إنه قد أسلم، بل هو قد عبد الله سبع سنين وأشهراً(٢) مع رسول الله “صلى الله عليه وآله” قبل البعثة.. وذلك لأنه “صلى الله عليه وآله” كان نبياً منذ صغره، ثم بعث إلى الناس وهو في سن الأربعين، كما دلت عليه الآثار المعتبرة والأخبار المستفيضة. وقد أيد المجلسي “رحمه الله” ذلك بوجوه كثيرة(٣).
فالمراد: أنه “عليه السلام” قد أعلن اسلامه في هذا الوقت. وعلى كل حال، فإن الروايات الصحيحة والمعتبرة الواردة عن النبي “صلى الله عليه
١- راجع: الصواعق المحرقة الفصل الأول، الباب التاسع، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص٢٢ ومناقب أهل البيت “عليهم السلام” للشيرواني ص٣٦ والغدير ج٣ ص٢٣٨ ومقدمة ابن الصلاح لعثمان بن عبد الرحمن ص١٧٨ والجامع لأحكام القرآن ج٨ ص٢٣٦ وإحقاق الحق (الأصل) ص١٩٨ وغاية المرام ج٥ ص١٦٥ ولوامع الأنوار البهية للسفريني ج٢ ص٣٣٨ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٢٠ ص٤٦٨ وج٣٠ ص٥٢٩ و ٦٢٨ وراجع: بحار الأنوار ج٣٨ ص٢٦٢ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٤ ص١٢٤.
٢- تقدمت مصادر ذلك.
٣- بحار الأنوار ج١٨ ص٢٧٧ ـ ٢٨١.
وآله” في هذا الشأن كثيرة.. ونذكر على سبيل المثال ما يلي:
١ ـ عن النبي “صلى الله عليه وآله”: أولكم وروداً علي الحوض، أولكم إسلاماً علي بن أبي طالب(١).
وعنه “صلى الله عليه وآله”: إنه لأول أصحابي إسلاماً، أو أقدم أمتي سلماً(٢).
١- المستدرك للحاكم ج٣ ص١٣٦ وصححه، وتاريخ بغداد للخطيب ج٢ ص٨١ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج٣ ص٢٨ و (ط دار الجيل) ج٣ ص١٠٩١ ومناقب الإمام أمير المؤمنين “عليه السلام” للكوفي ج١ ص٢٨٠ والفصول المختارة ص٢٦٢ و الصراط المستقيم ج١ ص٢٣٥ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٥٦ و ٢٧٠ ومناقب أهل البيت “عليهم السلام” للشيرواني ص٤٠ وما روي في الحوض والكوثر لابن مخلد القرطبي ص١٢١ والتمهيد لابن عبد البر ج٢ ص٣٠٥ وجزء بقي بن مخلد لابن بشكوال ص١٢١ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٢٩ وتذكرة الموضوعات ص٩٧ والإكمال في أسماء الرجال ص١٢٧ والكامل لابن عدي ج٤ ص٢٩١ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٤٠ والموضوعات لابن الجوزي ج١ ص٣٤٦ والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص٨ والعثمانية للجاحظ ص٢٩١ وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج١ ص٣٨ وينابيع المودة ج٢ ص٢٣٩ و ٢٨٩.
٢- مناقب أهل البيت “عليهم السلام” للشـيرواني ص٤٤ و ١٤٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٤ ص١٥١ وج٢٣ ص٥٤٠ وج١٥ ص٥١ و ٥٢ و ٣٢٧ و ٣٦٤ و ٣٧٧ وج٣٠ ص٥٣٩ و ٦٤٤ وج٣٣ ص٢٦٩ والتعجب للكراجكي ص٩٨ ونظم درر السمطين ص١٨٨ وسبل الهدى والرشاد ج١١= = ص٢٩١ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج٣ ص٣٦ و (ط دار الجيل) ج٣ ص١٠٩٩ والعدد القوية ص٢٤٧ والنصائح الكافية ص٢٣٨ وبناء المقالة الفاطمية ص٦٦ والغدير ج٣ ص٩٥ ـ ٩٦ عن: مسند أحمد ج٥ ص٢٦ والرياض النضرة، والمرقاة، وكنز العمال، والسيرة النبوية لدحلان، والسيرة الحلبية، وليراجع: مستدرك الحاكم ج٣، والمنمق، وجمع الجوامع ومجمع الزوائد ج٩ ص١٠٢ و ١٠١ عن الطبراني عن ابن إسحاق، وقال: هو مرسل صحيح الإسناد، وأخرجه الطبراني، وأحمد، وقال عن سند آخر: وفيه خالد بن طهمان، وثقه أبو حاتم، وبقية رجاله ثقات.
وعنه أيضاً: أنه أخذ بيد علي “عليه السلام”، فقال: هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر(١).
١- تاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٤١ و ٤٢ و ٤٣ وميزان الإعتدال ج٢ ص٣ و ٤١٦ ولسان الميزان ج٢ ص٤١٤ وج٣ ص٢٨٣ وبشارة المصطفى ص١٧٢ وكشف الغمة ج١ ص٨٥ وكشف اليقين ص٣٦ ومناقب علي بن أبي طالب “عليه السلام” لابن مردويه ص٦٦ وفيض القدير ج٤ ص٤٧٢ والأمالي للصدوق ص٢٧٤ ومعاني الأخبار ص٤٠٢ وروضة الواعظين ص١١٥ ومناقب الإمام أمير المؤمنين “عليه السلام” للكوفي ج١ ص٢٦٧ و ٢٧٩ وشرح الأخبار ج٢ ص٢٦٤ و ٢٦٦ وكنز الفوائد للكراجكي ص١٢١ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٢٨٧ واليقين لابن طاووس ص٥٠٠ و ٥٠٩ و ٥١٢ وبحار الأنوار ج٣٨ ص١٢٧ و ٢١٠ و ٢١٢ و ٢١٤ و ٢١٥ وج٤٠ ص٥ وج٨٩ = = ص٢٦ والمراجعات ص٢٤١ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٠٢ والمعجم الكبير للطبراني ج٦ ص٢٦٩ والموضوعات لابن الجوزي ج١ ص٣٤٥ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٢٥ وتفسير العياشي ج١ ص٤ والإكمال في أسماء الرجال ص١٢٧.
والكامل لابن عدي ج٤ ص٢٢٩ ونظم درر السمطين ص٨٢ وكنز العمال ج١١ ص٦١٦ وفرائد السمطين ج١ ص٣٩ والغدير ج٢ ص٣١٣ عن الطبراني والبيهقي، والعدني، ومجمع الزوائد وكفاية الطالب وإكمال كنز العمال ولسوف يأتي في حديث الغار حين الكلام عن تلقيب أبي بكر بالصديق المزيد من المصادر لهذا الحديث.
وعنه “صلى الله عليه وآله”: هذا أول من آمن بي، وصدقني، وصلى معي(١).
وعنه “صلى الله عليه وآله”: إن أول من صلى معي علي(٢).
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٢٥ والغدير ج٣ ص٢٢١ والعثمانية للجاحظ ص٢٨٧ وكنز العمال ج١١ ص٦١٦ وغاية المرام ج٥ ص١٧٠ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٤ ص٣٤٦ وج١٥ ص٣٤١ و ٤٢٩.
٢- مناقب آل أبي طالب ج١ ص٢٩٧ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٧ ص٥١٤ وج١٥ ص٤٢٨ وج٢٠ ص٤٩٨ و ٤٩٩ وينابيع المودة ج١ ص١٩٦ وغايةالمرام ج٥ ص١٦٩ و ١٧٨ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٠٣ والغدير ج٣ ص٢٢٠ عن فرائد السمطين باب ٤٧ بأربعة طرق.
دليل آخر:
وإن احتجاجه “عليه السلام” بأنه أول من أسلم، واحتجاج أصحابه من الصحابة والتابعين بهذه الكثرة العجيبة على خصومهم في صفين وغيرها، واهتمامهم الواضح بهذا الأمر يكفي للدلالة على ذلك دلالة واضحة.
ولم نجد أحداً من أعدائه “عليه السلام” حاول إنكار ذلك، أو التشكيك فيه، أو طرح اسم رجل آخر على أنه هو صاحب هذه الفضيلة دونه، رغم توفر الدواعي لذلك، ورغم أن في الطرف المقابل من لا يتورع حتى عن الاختلاق والكذب على الرسول الأعظم “صلى الله عليه وآله”، بل على الله سبحانه وتعالى.
فلو أنهم عرفوا: أن كذبتهم هذه تجوز على أحد لكانوا لها من المبادرين، ولكن التسالم والإجماع على هذا الأمر كان بحيث لا يمكنهم معه التوسل بأية حيلة.
وكشاهد على هذا التسالم نذكر هنا حادثة واحدة فقط، جرت لسعد بن أبي وقاص، الذي كان منحرفاً عن علي “عليه السلام” ونترك ما عداها وهو كثير جداً، وهذه الحادثة هي أنه:
سمع رجلاً يشتم علياً، فوقف عليه وقرره بقوله: يا هذا، على ما تشتم
علي بن أبي طالب؟! ألم يكن أول من أسلم؟! ألم يكن أول من صلى مع رسول الله “صلى الله عليه وآله”؟! ألم يكن أعلم الناس؟! الخ..(١).
كما أن المقداد كان يتعجب من قريش لدفعها هذا الأمر عن أول المؤمنين إسلاماً، يعني علياً “عليه السلام”(٢).
وإذا كان الحديث عن أنه “عليه السلام” أول من أسلم متواتراً إلى حد أن بعضهم ادعى الإجماع عليه، فلا يصغى لقول بعض المنحرفين عن علي “عليه السلام”؛ ومنهم ابن كثير: “..قد ورد في أول من أسلم أحاديث كثيرة لا يصح منها شيء”(٣).
فهو يعترف بكثرة الأحاديث، فإذا بلغت هذه الكثرة إلى حد التواتر لم
١- المستدرك للحاكم ج٣ ص٥٠٠ وصححه هـو والـذهبي في تلخيصه هامش نفس = = الصفحة، وحياة الصحابة ج٢ ص٥١٤ ـ ٥١٥ وشرح الأخبار ج٢ ص٥٤٢ والإكمال في أسماء الرجال ص٧٨ وإمتاع الأسماع ج١٢ ص٣٥ وغاية المرام ج٥ ص١٦١ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٨ ص٢٠٤.
٢- الغدير ج٩ ص١١٥ وتاريخ اليعقوبي ج٢ ص١٦٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج٣ ص٣٣٥ وقاموس الرجال للتستري ج١٠ ص٢٢٩ ومواقف الشيعة ج٢ ص٣٥٣ وشرح أصول الكافي ج١٢ ص٤٦٨.
٣- راجع: البداية والنهاية ج٧ ص٣٧٠ والغدير ج٣ ص٢١٩ ونظرة في كتاب البداية والنهاية ص٢٣.
يعد هناك حاجة للنظر في الأسانيد خصوصاً مع اشتراك المناوؤين لعلي “عليه السلام” في روايتها، ومع توفر الدواعي على إخفائها، مع أن من تلك الأحاديث ما هو صحيح، ومعتبر، فراجع طائفة منها في الجزء الثالث من كتاب الغدير، وكتاب إحقاق الحق، قسم الملحقات، وغير ذلك..
وقد حاول بعضهم أن يدعي: أن أبا بكر أول من أسلم، وقد اثبتنا عدم صحة ذلك، فراجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم “صلى الله عليه وآله”..
غير أننا نشير إلى ما يلي:
١ ـ روى الطبري عن محمد بن سعد قال: قلت لأبي: أكان أبو بكر أولكم إسلاماً.
فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين..(١).
٢ ـ روي عن علي “عليه السلام” أنه قال: “أنا الصدِّيق الأكبر،
١- تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٦٠ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٢٨٩ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٢٨ والغدير ج٣ ص٢٤٠ و ٢٤٣ وج٧ ص٩٢ و ٢٨٠ و ٣٢٤ والإكمال في أسماء الرجال ص٢٠ وتاريخ مدينة دمشق ج٣٠ ص٤٥ والبداية والنهاية ج٣ ص٢٨ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج٣ ص٣٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج١ ص٤٣٦ والتعجب للكراجكي ص٣٤. وراجع: الإفصاح للشيخ المفيد ص٢٣٢ وكنز الفوائد للكراجكي ص١٢٤ ونظرة في كتاب البداية والنهاية للشيخ الأميني ص٧٧ والإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” للهمداني ص٥٤٤.
والفاروق الأول، أسلمت قبل إسلام أبي بكر، وصليت قبل صلاته”(١).
وبقية ما قيل ويقال في هذا المجال يراجع في الجزء الثالث من كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم “صلى الله عليه وآله”، الطبعة الخامسة.
أبو بكر أسلم قبل البعثة:
وقد ثبت في الأحاديث: أن علياً “عليه السلام” صلى مع النبي “صلى الله عليه وآله” قبل الناس بسبع سنين وأشهراً(٢).
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٤ ص١٢٢ وكلام الإسكافي في العثمانية للجاحظ ص٣٠٠ وشرح أصول الكافي ج٦ ص٣٧٥ وبحار الأنوار ج٢٦ ص٢٦٠ وج٣٨ ص٢١٦ و ٢٦٠ و ٣٣٣ وج٤١ ص١٥٢ وج١٠٩ ص٣٤ وراجع: = = كنز الفوائد ص١٢١ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٢٨٦ والصراط المستقيم ج١ ص٢٨٢ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٤٢٥ ومناقب أهل البيت “عليهم السلام” للشيرواني ص٤٥ و ٤٦ و ١٥٦ و ١٥٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١ ص٣٠ وج٤ ص١٢٢ وج١٣ ص٢٠٠ وأعيان الشيعة ج١ ص٣٣٥ والدر النظيم ص٢٦٩ ونهج الإيمان ص٥١٤ وينابيع المودة ج١ ص٤٥٥ وج٢ ص١٤٤ ومشارق أنوار اليقين ص٧٥ و ٢٥٩ و ٢٦١ وغاية المرام ج٥ ص١١٤ وإلزام الناصب ج٢ ص١٩٠ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٤ ص٢١٢ وج٤ ص٣٧٠.
٢- راجع حديث مناشدات علي “عليه السلام” في الشورى، الذي سيأتي إن شاء الله في هذا الكتاب. وراجع: مستدرك الحاكم ج٣ ص١١٢ والخصال للشيخ الصدوق ص٤٠٢ والعمدة لابن البطريق ص٦٤ و ٢٢٠ والطرائف لابن طاووس ص٢٠ و ٧٠ وذخائر العقبى ص٦٠ والصراط المستقيم ج١ ص٢٣٥ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٠٩ و ٢٣٩ و ٢٥٣ و ٢٦٩ ومناقب أهل البيت “عليهم السلام” للشيرواني ص١٥٦ والمصنف لابن أبي شيبة ج٧ ص٤٩٨ والآحاد = = والمثاني للضحاك ج١ ص١٤٨ وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ص٥٨٤ والسنن الكبرى للنسائي ج٥ ص١٠٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٠٠ ومجمع البيان للطبرسي ج٥ ص١١٣ ونور الثقلين ج٢ ص٢٥٦ وتفسير الثعلبي ج٥ ص٨٥ والبداية والنهاية ج٣ ص٣٦ وكشف الغمة للإربلي ج١ ص٨٨ ونهج الإيمان لابن جبر ص١٦٨ و ٤٢٨ و ٥١٦ وكشف اليقين للعلامة الحلي ص١٦٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج١ ص٤٣٢ وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي “عليه السلام” لابن الدمشقي ج١ ص٧٠ وكنز العمال (ط الهند) ج٦ ص٣٩٤ عن ابن أبي شيبة، وأبي نعيم، والنسائي في الخصائص، وابن مردويه، والطبراني، وأحمد وأبي يعلى في مسنديهما.
وثمة مصادر كثيرة ذكرنا شطراً منها في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم “صلى الله عليه وآله” (الطبعة الخامسة) ج٣ ص٥٠ وج٤ ص٢٣٠ و (الطبعة الرابعة) ج٢ ص٣٢١ وج٤ ص٤٥.
فجاء آخرون، فأثبتوا مثل هذه الفضيلة وازيد منها لأبي بكر، فقال النووي: “كان أبو بكر أسبق الناس إسلاماً، أسلم وهو ابن عشرين سنة.
وقيل: خمس عشرة سنة”(١).
وقال الصفوري الشافعي: “وكان إسلامه قبل أن يولد علي بن أبي طالب”(٢).
ومستندهم في ذلك، الرواية التي ذكرها الدياربكري عن ابن عباس وهي تحكي لنا قصة بحيرا، جاء في آخرها قوله: فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق قبل ما نبي “صلى الله عليه وآله”(٣).
وما رووه عن أبي موسى الأشعري، من أنه لما سافر النبي “صلى الله عليه وآله” مع عمه أبي طالب إلى الشام، ونزلوا على بحيرا، عرفهم بحيرا الراهب، وألح على عمه أبي طالب بأن يرجعه إلى مكة، فرده، وبعث معه أبو بكر بلالاً(٤). وتيقن أبو بكر بنبوته منذئذٍ.
١- الغدير ج٧ ص٢٧٢.
٢- نزهة المجالس ج٢ ص١٤٧.
٣- تاريخ الخميس ج١ ص٢٦١.
٤- راجع: الثقات لابن حبان ج١ ص٤٢ والبداية والنهاية ج٢ ص٢٨٥ وتاريخ الأمم والملوك (ط الإستقامة) و (ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٣٣ وتاريخ الإسلام ج١ ص٥٥ وإمتاع الأسماع ج٨ ص١٧٥ وكشف الخفاء ج١ ص١٤١ وتاريخ الخميس ج١ ص٢٥٨ والسيرة الحلبية ج٢ ص١٢٠ وج١ ص١٩٥ والمستدرك للحاكم ج٢ ص٦١٥ والمصنف لابن أبي شيبة ج٨ ص٤٣٥ وتاريخ بغداد ج١٠ ص٢٥١ وعيون الأثر ج١ ص٦٣ وسبل الهدى والرشاد ج٢ ص١٤٠ ودلائل النبوة للأصبهاني ج١ ص٣٨١ وتاريخ مدينة دمشق ج٣ ص٤ و ٥ وسنن الترمذي ج٥ ص٢٥٠، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفي السيرة النبوية لدحلان ج١ ص٤٩: أنه رجع إلى مكة ومعه أبو بكر وبلال.