الرد على الفتاوى المتطرفة / الصفحات: ١ – ٢٠
مقــدمة
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على نبينا
محمد وآله الطيبين الطاهرين
وبعد، فنعتذر لأنا اضطررنا للرد على هذا الخطيب الذي أعطوه منبر المسجد النبوي الشريف في موسم الحج، لكي يرحب بحجاج بيت الله الحرام وزوار قبر نبيه صلى الله عليه وآله، ويبين لهم ما اتفقت عليه مذاهب المسلمين من تعظيم حرم الله تعالى وحرم رسوله الأمين صلى الله عليه وآله، ويرغبهم في أداء حجهم وزيارتهم، بهدوء الخاشعين، وتحابِّ المؤمنين.
لكنه خرج عن حده، وجعل خطبته منبراًًً لأفكاره المتطرفة، المخالفة لما أجمع عليه المسلمون، وشنَّ
هجوماً خشناً على الذين يخالفون رأيه وهم كل المسلمين بكل مذاهبهم، واتهمهم بالشرك والكفر والضلال!وهي تُهَمٌ لايناسب أن تصدر من رجل عادي في مكان عادي، فكيف بخطيب من على منبر المسجد النبوي الشريف!
وفيما يلي رد مقولاته الباطلة وتهمه الظالمة، ضمن عشرة مسائل وخاتمة،
والله ولي التوفيق والقبول.
حرره في قم المشرفة
في العاشر من ربيع الأول ١٤٢٣
على الكوراني
نص خطبة صلاة الجمعة للشيخ صلاح بن محمد البدير
في المسجد النبوي الشريف في موسم حج سنة ١٤٢٢
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً. (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) . (ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) . (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم. ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما) .
أما بعد،
فياأيها المسلمون الوافدون لطابة!
قدمتم خير مقدم، وغنمتم خير مغنم، وطاب في طيبة بقاءكم، وتقبل الله صالح أعمالكم، وبلغكم خير آمالكم، حييتم في دار الهجرة والنضرة، بلد المصطفى المختار، ومهاجر الصحابة الأخيار، وديار الأنصار، فأنتم في هذه البلادبلاد الحرمين وخادمة المسجدين العظيمين، بين أهليكم وذويكم ومحبيكم، خدمتكم شرفها، وراحتكم مطلبها، والقيام بما تحتاجون وظيفتها وواجبها، والديار دياركم، والبلاد بلادكم.
أيها الوافدون لطابة!
إنكم في بلد هي بعد مكة خير البقاع، وأشرف الأماكن والأصقاع، فاعرفوا حقها، واقدروا قدرها، وراعوا حرمتها وقداستها، وتأدبوا فيها بأحسن الآداب. واعلموا أن الله توعد من أحدث فيها بأشد العذاب.
فعن أبي هريرة (رض) عن النبي (ص) أنه قال: المدينة حرم ما بين عير الى ثور فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً) متفق عليه. ومن أتى فيها إثماً أو آوى من أتاه، وضمه اليه وحماه، فقد عرض نفسه للعذاب المهين وغضب إله العالمين. وإن من أعظم الإحداث تكدير صفوها باظهار البدع والمحدثات، وتعكيرها بالخرافات والخزعبلات، وتدنيس أرضها الطاهرة بنشر المقالات البدعية، وما يخالف الشريعة الاسلامية، بأنواع المنكرات والمحرمات، والمحدث والمؤوي له بالإسم سواء.
أيها الوافد الزائر لمسجد سيد الأوائل والأواخر:
هل فقهت ما لهذه الزيارة من أحكام، هل علمت الحلال فيها من الحرام، أم أنت ممن قلد العوام واتبع الطغام، وجهل سنة سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
أيها الزائر المكرم!
إليك كلمات منتقاة وتوجيهات مستقاة من الكتاب والسنة ما هي إلا إشارة وإنارة، في أحكام هذه الزيارة، وبالكتاب والسنة يحتمي المسلم من ضلال الضلال، وجهالة الجهال، وبدع الأقوال، ومحدثات الأفعال.
أيها المسلمون!
زيارة المسجد النبوي سنة من المسنونات،وليست واجباً من الواجبات ليس لها علاقة بالحج ولا هي له من المتممات، وكل
ما يروى من أحاديث في إثبات علاقتها وعلاقة زيارة قبر المصطفى (ص) بالحج، فهو من الموضوعات والمكذوبات. ومن قصد بشد رحله إلى المدينه زيارة المسجد والصلاة فيه، فقصده مبرور وسعيه مشكور، ومن لم يرُم بشد رحله إلا زيارة القبور، والإستغانة بالمقبور، فقصده محظور، وفعله منكور. فعن أبي هريرة (رض) أن رسول الله (ص) قال: لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) متفق عليه. وعن جابر (رض) عن رسول الله (ص) أنه قال: إن خير ماركبت إليه الرواحل مسجدي هذا والبيت العتيق) أخرجه أحمد.
أيها المسلمون!
الصلاة في مسجد المدينة مضاعفة الجزاء فرضاً ونفلاً في أصح قولي العلماء. يقول عليه الصلاة والسلام: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في ماسواه إلا المسجد الحرام. متفق عليه. إلا أن صلاة النافلة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد، حتى ولو كانت مضاعفة لقوله عليه الصلاة والسلام: فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. متفق عليه.
أيها الزائر المكرم لهذا المسجد المعظم!
إعلم أنه لايجوز التبرك بشئ من أجزاء المسجد النبوي كالأعمدة،أو الجدران، أو الأبواب، أو المحاريب، أو المنبر، بالتمسح بها أو تقبيلها،كما لايجوز التبرك بالحجرة النبوية باستلامها أو تقبيلها، أو مسح الثياب بها، ولايجوز الطواف عليها، فمن فعل شيئاً من ذلك وجب عليه التوبة وعدم العودة.
ويشرع لمن زار المسجد النبوي أن يصلي في الروضة الشريفة ركعتين أو ماشاء من النفل، لما ثبت فيها من الفضل. فعن أبي هريرة (رض) عن النبي (ص) قال: مابين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري
على حوضي. متفق عليه. وعن يزيد بن أبي عبيد قال:كنت آت مع سلامة بن الأكوع فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف أي الروضة الشريفة فقلت: يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة؟ فقال: إني رأيت النبي (ص) يتحرى الصلاة عندها. متفق عليه. والحرص على الصلاة في الروضة لايسوع الإعتداء على الناس، أو مدافعة الضعاف، أو تخطي الرقاب.ويشرع لزائر المدينة والساكين بها إتيان مسجد قبا للصلاة فيه اقتداء بالمبعوث في أم القرى، وتحصيلاً لأجر العمرة بالإمترا. فعن سهل بن حنيف (رض) قال: (قال رسول الله (ص) : من خرج حتى يأتي هذا المسجد يعني مسجد قبا فيصلي فيه كان له كأجر عمرة. أخرجه أحمد. وعن ابن ماجة:من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قبا وصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة. وفي الصحيحين أن رسول الله (ص) كان يأتي مسجد قبا كل سبت ماشياً وراكباً فيصلي فيه ركعتين.
أيها الزائر المكرم!
لايشرع زيارة شئ من المساجد في المدينة النبوية سوى هذين المسجدين، مسجد رسول الله ومسجد قبا، ولايشرع للزائر ولغيره قصد بقاع بعينها يرجو الخير بقصدها أو التعبد عندها، لم تستحب الشريعة قصدها. وليس من المشروع تتبع مواطن أو مساجد صلى فيها رسول الله (ص) أو غيره من الصحابة الكرام لقصد الصلاة فيها أو التعبد بالدعاء ونحوه عندها، وهو (ص) لم يأمر بقصدها ولم يحث على زيارتها. فعن المعرور بن سويد قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب (رض) فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتدر ناسٌ يصلون فقال: ماشأنهم؟ قالوا: هذا مسجد رسول الله (ص) فابتدر الناس يصلون فيه، فقال
عمر (رض) : يا أيها الناس! إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعاً، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض فيه صلاة…) أخرجه بن أبي شيبة.ولما بلغ عمر بن الخطاب (رض) أن ناساً يأتون الشجرة التي بويع تحتها النبي (ص) أمر بها فقطعت. أخرجه بن أبي شيبة.
أيها المسلمون! ويشرع لزائر المسجد النبوي من الرجال، زيارة قبر النبي (ص) وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر (رض) بالسلام عليهم والدعاء لهم.أما النساء فلا يجوز لهن زيارة القبور في أصح قولي العلماء، لما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس (رض) : أن النبي (ص) لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. ولما رواه الترمذي عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله (ص) لعن زورات القبور) .
وصفة الزيارة أن يأتي الزائر القبر الشريف ويستقبله بوجهه ويقول: السلام عليك يارسول الله، ثم يتقدم الي يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكرويقول: السلام عليك يا أبا بكر، ثم يتقدم قليلاً الى يمينه قدر ذراع بالسلام على عمر بن الخطاب (رض) فيقول: السلام عليك يا عمر. فليحذر الزائر الوقوع في إحدى المخالفات التالية:
المخالفة الأولى:
دعاء الرسول (ص) أو نداؤه أو الإستغاثة به، كقول بعضهم: يا رسول الله إشف مريضي، يا رسول الله إقض ديني، يا وسيلتي، ياباب حاجتي، أو غير ذلك من الأقول الشركية، والأفعال البدعية، المضادة للتوحيد الذي هو حق الله على العبيد.
المخالفة الثانية:
الوقوف أمام القبركهيئةالمصلي بوضع اليمين علىالشمال على الصدر أو تحته،وذلك فعل محرم وإن تلك الهيئة هيئة ذل
وعبادة لا تجوز إلا لله عز وجل.
المخالفة الثالثة:
الإنحناء عند القبر، أو السجود، أو غير ذلك، مما لايجوز فعله الا لله. ففي الحديث عن قيس بن سعد (رض) قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أن نسجد له، فأتيت النبي (ص) فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك، فقال (ص) : أرأيت إن مررت بقبري أكنت تسجد له؟ فقلت: لا، فقال (ص) فلا تفعله) . أخرجه أبو داود. وعن أنس (رض) قال: قال رسول الله (ص) : لايصلح لبشر أن يسجد لبشر. أخرجه أحمد.
المخالفة الرابعة:
دعاء الله عند القبر، أو اعتقاد أن الدعاء عنده مستجاب، وذلك فعل محرم، لأنه من أسباب الشرك. ولو كان الدعاء عند القبور أو عند قبر النبي (ص) أفضل، وأثوب وأحب إلى الله وأجوب، لرغبنا فيه رسول الهدى (ص) ، لأنه لم يترك شيئاً يقرب إلى الجنة إلا وحث أمته عليه، فلما لم يفعل ذلك علم أنه فعل غير مشروع، وعمل محرم وممنوع. وقد روى أبو يعلى والحافظ الضياء في المختارة أن علي بن الحسين رضي الله عنهما رأي رجلاً يجئ إلى الفرجة كانت عند قبر النبي (ص) فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته عن أبي عن جدي رسول الله (ص) : لاتتخذوا قبري عيداً ولابيوتكم قبوراً وصلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم.
المخالفة الخامسة:
إرسال من عجر عن الوصول الى المدينة سلامه لرسول الله (ص) مع بعض الزوار وقيام بعضهم بتبليغ هذا السلام، فهذا فعل مبتدع، وأمر مخترع. فيامرسل السلام ويا مبلغه: كفَّ عن ذلك، فقد
كفيتكما به قوله (ص) : صلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم. وبقوله صلى الله عليه وآله: إن لله في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام. أخرجه أحمد.
المخالفة السادسة:
التكرار والإكثار من زيارة قبره (ص) كأن تكون زيارته بعد كل فريضة، أو في كل يوم بعد فريضة بعينها، ففي هذا مخالفة لهدي النبي (ص) ، وفي هذا مخالفة لقوله (ص) : لاتجعلوا قبري عيداً. قال ابن حجر الهيثمي في شرح المشكاة: العيد اسم من الأعياد، يقال عاده واعتاده وتعوده، صار له عادة. والمعنى: لاتجعلوا قبري محلاً لاعتياد المجئ اليه متكرراً تكراراً كثيراً.فلهذا قال (ص) : فصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم. فإن فيها كفاية عن ذلك.انتهى كلامه (ره) . وفي كتاب الجامع للبيان لابن رشد: سئل مالك (ره) عن الغريب يأتي قبر النبي (ص) كل يوم فقال: ما هذا من الأمر، فذكر حديث:اللهم لاتجعل قبري وثناً يعبد، قال ابن رشد: فيكره أن يكثر المرور به والسلام عليه والإتيان كل يوم اليه، لئلا يجعل القبر كالمسجد الذي يؤتى كل يوم للصلاة فيه، فقد نهى رسول الله (ص) عن ذلك بقوله: اللهم لاتجعل قبري وثناً. انتهى كلامه (ره) .
وسئل القاضي عياض عن أناس من أهل المدينة يقفون على القبر في اليوم مرة أو أكثر ويسلمون ويدعون ساعة؟ فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه، ولايصلح آخر هذه الأمة إلا ماأصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك.
المخالفة السابعة:
التوجه إلى قبره الشريف من كل نواحي المسجد واستقباله له كلما دخل المسجد، أو كلما فرغ من الصلاة، ووضع اليدين
علي الجنبين، وتنكيس الرووس والأذقان أثناء السلام عليه في تلك الحال. وهذه من البدع المنتشره والمخالفات المشتهرة، فاتقوا الله عباد الله واحذروا سائر البدع والمخالفات، واحذرو الهوى والتقليد الأعمى وكونوا من أمركم على بينة وهدى.قال جل في علاه: (أفمن كان علىبينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهوائهم) .جعلني الله وإياكم من الهداة المهتدين، المتبعين لسنة سيد المرسلين.أقول ما تسمعون، وأستغفرالله لي ولكم ولسائر المسلمين، من كل ذنب وخطيئة، واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشانه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الداعي الى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد، فيا عباد الله! اتقوا الله وراقبوه وأطيعوه ولا تعصوه: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) .
أيها المسلمون! ويشرع لزوار المدينة من الرجال زيارة أهل بقيع الغرقد وشهداء أحد للسلام عليهم والدعاء لهم. عن أبي هريرة (رض) قال: كان رسول الله يعلمهم إذا خرجوا الى المقابر يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية. أخرجه مسلم.
وزيارة القبور إنما شرعت لمقصدين عظيمين أولهما للزائر لغرض
الإعتبار والإذكار. وثانيهما للمزور بالدعاء لهم والترحم عليهم والإستغفار.ويشترط لجواز زيارة القبورعدم قول الهجر، وأعظمه الشرك والكفر. فعن أبي هريرة (رض) أن رسول الله (ص) قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هجرا. أخرجه النسائي. فلا يجوز الطواف بهذه القبور ولا غيرها، ولا الصلاة اليها، ولابينها، ولا التعبد عندها بقراءة القرآن، أو الدعاء، أو غيرها، لأن ذلك من وسائل الإشراك برب الأملاك والأفلاك، ومن اتخاذها مساجد حتى ولو لم يبن عليها مسجد. فعن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (لما نزل برسول الله (ص) الموت طفق يطرح خميصة على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر ما صنعوا. أخرجه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام: إن من شرار الناس من تدرك الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد. أخرجه أحمد. وعن أبي مرفد الغنوي (رض) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام. أخرجه أحمد. وفي حديث أنس (رض) إن النبي (ص) نهى أن يصلى بين القبور. أخرجه المحبان. ولا يجوز السجود على المقابر، بل ذلك وثنية الجاهلية، وشذوذ فكري، وتخلف عقلي.
ولا يجوز لزائر تلك القبور ولا غيرها التبرك بها بمسحها وتقبيلها أو الصاق شئ من أجزاء البدن، أو الإستشفاء بتربتها بالتمرغ عليها، أو أخذ شئ منها للإغتسال بها.
ولا يجوز لزائرها أو غيره دفن شئ من شعره أو بدنه أو مناذيره، أو وضع صورته، أو غير ذلك مما معه، في تربتها لقصد البركة.
ولا يجوز رمي النقود أو شئ من الطعام كالحبوب ونحوها عليها، فمن فعل شيئاً من ذلك وجب عليه التوبة وعدم العودة. ولا يجوز تخليقها ولا تقبيعها، والقسم على الله بأصحابها. ولايجوز سؤال الله بهم، أو بجاهم، وحقهم، بل ذلك توسل محرم من وسائل الشرك. ولا يجوز تصوير القبور، لأن ذلك وسيلة إلى تعظيمها والإفتتان بها. ولايجوز وضع طعام أو طيب أو غير ذلك، لمن علم استخدامه لها في تلك المخالفات العظيمة.والإستغاثة بالأموات، والإستعانة بهم، أو طلب المدد منهم، أو نداؤهم، وسؤالهم لسد الفاقة وجلب الفوائد، ودفع الشدائد، شركٌ أكبر، يخرج صاحبه عن ملة الاسلام، ويجعله من عباد الأوثان، إذ لا يفرج الهموم ولا يكشف الغموم إلا الله وحده لا شريك له، جل في علاه. (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خيبر) . ويقول جل في علاه: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا. أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محظورا) .
فاتقوا الله عباد الله! واحذروا أفعال عُبَّاد الأوثان، وأولياء الشيطان، الذين يعطلون المساجد ويعظمون القبور والمشاهد، والجؤوا إلى الله وأنزلوا الشدائد الصعاب، والنوازل الصلاب عليه (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير
وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) . فصلوا وسلموا على خير البرية، وأزكى البشرية، وقد أمركم الله بذلك: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) .اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم، وتابعيهم باحسان إلى يوم الدين، بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
المسألة الأولى
معنى الإحداث في المدينة المنورة؟
قال البدير: (أيها الوافدون لطابة، إنكم في بلد هي بعد مكة خير البقاع، وأشرف الأماكن والأصقاع، فاعرفوا حقها، واقدروا قدرها، وراعوا حرمتها وقداستها وتأدبوا فيها بأحسن الاداب.
واعلموا أن الله توعد من أحدث فيها بأشد العذاب. فعن أبي هريرة (رض) عن النبي (ص) أنه قال: المدينة حرم ما بين عير الى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لايقبل الله منه يوم القيامة صرفاً و لا عدلاً) . متفق عليه. ومن أتى فيها إثماً، أو آوى من أتاه، وضمه اليه وحماه، فقد عرض نفسه للعذاب المهين وغضب إله العالمين.
وإن من أعظم الإحداث تعكير صفوها بإظهار البدع والمحدثات، وتعكيرها بالخرافات والخزعبلات، وتدنيس أرضها الطاهرة بنشر المقالات البدعية، ومايخالف الشريعة الاسلامية، بأنواع المنكرات والمحرمات، والمحدث والمؤوي له بالإسم سواء) . انتهى.