الوقت – بعد تولي الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” مهام عمله في 20 يناير /كانون الثاني الماضي أعاد التأكيد على وعده الانتخابي بضرورة السيطرة على مدينة الرقّة السورية العاصمة المزعومة لتنظيم “داعش” الإرهابي، مشدداً على أهمية الإسراع بحسم هذا الموضوع كي يسجل هذا الإنجاز باسمه، ومن أجل ذلك قام ترامب بتسليح القوات الكردية السورية المشاركة في تحرير “الرقّة” على الرغم من معارضة تركيا لهذا الأمر.
وخلال الأيام الماضية تمكنت القوات الكردية السورية المنضوية تحت ما يعرف بـ “قوات سوريا الديمقراطية” من تحقيق تقدم سريع باتجاه السيطرة على الرقّة، وبات المراقبون يعتقدون بأن هزيمة “داعش” في “الرقّة” ستحقق لامحالة عاجلاً أم آجلاً، لكنهم يؤكدون في الوقت ذاته على أنه ليس من السهل معرفة مستقبل هذه المدينة وبيد من ستقع بعد تحريرها من هذا التنظيم الإرهابي.
فالأكراد يعلمون جيداً بأن معظم أهالي الرقّة هم من العرب وهم غير مستعدين لأن تبقى مدينتهم تحت سيطرة غيرهم لمدة طويلة، هذا من جانب، ومن جانب آخر لا يرغب الأكراد أنفسهم بالبقاء في هذه المدينة بعد تحريرها؛ بل إنهم يسعون في الحقيقة إلى كسب امتيازات لغرض التفاوض مع الحكومة السورية في أي محادثات قادمة تهدف إلى رسم المستقبل السياسي للبلد.
في هذه الأثناء ترددت أنباء بأن الإدارة الأمريكية وعدت تركيا بإنهاء دور الأكراد في “الرقّة” بعد إخراج “داعش” منها لطمأنة أنقرة من احتمال توسع نفوذ الأكراد في شمال وشمال شرق سوريا.
من خلال قراءة هذه المعطيات يتبين أن أمريكا باتت تقف في مفترق طرق فيما يتعلق بمستقبل الرقّة بعد “داعش”، ويعتقد المحللون بأن واشنطن أمام خيارين لاثالث لهما؛ الأول: أن تقوم القوات الأمريكية بنشر قواتها بشكل مباشر وواسع في عموم منطقة الرقّة من أجل فرض سياسية “الأمر الواقع” والبدء بتشكيل حكومة للأكراد تحت إشرافها في شمال وشمال شرق سوريا.
وفي هذا السياق ذكرت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية بأن مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي “روبرت ماك مستر” يسعى لإقناع ترامب بإرسال 150 ألف جندي أمريكي إلى شمال شرق سوريا. وهذا الأمر يحظى في الواقع بدعم كبير من قبل السعودية والكيان الإسرائيلي في إطار مشروعهم الرامي إلى شق ما يسمونه بـ “الهلال الشيعي” في عموم المنطقة، بيد أن معظم المتابعين يعتقدون بأن هذه المساعي لن يكتب لها النجاح لعدّة أسباب بينها:
– تناقضها مع الشعارات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية والتي وعد فيها بالتوجه لإصلاح الأوضاع في الداخل الأمريكي وتقليص التوجه نحو الخارج.
– الخشية من تكرار التجربة القاسية التي عانت ولازالت تعاني منها أمريكا في العراق. فقد فشلت واشنطن فشلاً ذريعاً في السيطرة على الأوضاع في هذا البلد بعد الإطاحة بنظام صدام في عام 2003، وتحمل الشعب العراقي خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات جراء هذا الفشل.
– إنشاء دولة جديدة في شمال وشمال شرق سوريا من قبل واشنطن يتعارض تماماً مع القوانين والمقررات الدولية باعتباره يمثل انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، وسيواجه اعتراضات شديدة من قبل المجتمع الدولي.
الخيار الآخر أمام أمريكا بشأن مستقبل الرقّة بعد “داعش” يتمثل بتمزيق النسيج الاجتماعي لهذه المدينة وتحويلها إلى كيانات مجزأة قبلياً ومناطقياً من أجل إضعاف أو فك ارتباطها بالحكومة المركزية في دمشق. ويرجح المراقبون أن تعمد واشنطن لتبني هذا الخيار. وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” قبل أيام نقلاً عن مسؤول أمريكي بارز بأن القوات الأمريكية تستعد للسيطرة على الرقّة بعد “داعش” والتنسيق مع رؤساء القبائل لهذا الغرض، وأشارت الصحيفة أيضاً إلى أن الحكومة السورية على اطلاع كامل بهذا الأمر، ولهذا يرفض الكثير من رؤساء القبائل التعاون مع واشنطن لتنفيذ هذه الخطة لأنهم يدركون جيداً بأن الأوضاع لن تستمر على هذه الحالة طويلاً كما حصل في العراق.
ومن الأدلة الأخرى التي تعزز احتمال تبني واشنطن للخيار الثاني هي المواقف السياسية التي اتخذتها دمشق وموسكو مؤخراً. فقد أعلن وزير الخارجية السوري “وليد المعلم” الأسبوع الماضي أن الحكومة السورية تدعم مساعي “قوات سوريا الديمقراطية” لتحرير “الرقّة” من “داعش”. كما أكد نائب وزير الخارجية الروسي “ميخائيل بوغدانوف” تأييد بلاده لتشكيل مجالس محلية لإدارة شؤون المناطق التي يتم تحريرها من داعش، لكنها ترفض في الوقت ذاته أن تدار هذه المناطق دون التنسيق مع الحكومة المركزية في دمشق.