قال الحافظ الممدوح في رفع المنارة ص٥٦:
(قال ابن نصر الله: لازم استحباب زيارة قبره (ص) استحباب شد الرحال إليها، لأن زيارته للحاج بعد حجه لاتمكن بدون شد الرحل، فهذا كالتصريح باستحباب شد الرحل لزيارته (ص) . ج٢ /٥١٤. وقال أبو الحسن المرداوي في الإنصاف:٤/٥٣: هذا المذهب، وعليه الأصحاب قاطبة، متقدمهم ومتأخرهم) .
وقال الممدوح في ص٧٢:
(غير خفي أن ابن تيمية انفرد في القرن السابع بمنع إنشاء السفر لزيارة النبي (ص) …..وأعقب فتيا ابن تيمية مناظرات ومصنفات وفتن، وأكثرَ العلماء من رد مقالته) .
وقال في ص٧٤:
وقال أيضاً (الحافظ أبو زرعة) في طرح التثريب:٦/٤٣) :
(وللشيخ تقي الدين بن تيمية هنا كلام بشع عجيب، يتضمن منع شد الرحل للزيارة! وأنه ليس من القرب بل بضد ذلك، ورد عليه الشيخ تقي الدين السبكي في شفاء السقام، فشفى صدور قوم مؤمنين) .
وقال في ص٧٥- ٨٣:
(وعمدة ابن تيمية على هذا المنع حديث (لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا) .
والجواب على هذا من وجوه. الوجه الأول: هذا الإستثناء المذكور في الحديث استثناءٌ مفرَّغ، ولابد من تقدير المستثنى منه، وهو إما أن يحمل على عمومه فيقدر له أعم العام، لأن الإستثناء معيار العموم، فيكون التقدير لاتشد الرحال إلى مكان إلا إلى المساجد الثلاثة، وهذا باطلٌ بداهةً، لأنه يستلزم تعطيل السفر مطلقاً إلا للمساجد الثلاثة.
وقال العلامة البدر العيني الحنفي:٦/٢٧٦:
(وشد الرحل كناية عن السفر لأنه لازم للسفر، والإستثناء مفرَّغ فتقدير الكلام: لاتشد الرحال إلى موضع أو مكان. فإن قيل: فعلى هذا يلزم أن لا يجوز السفر إلى ما كان غير المستثنى حتى لا يجوز السفر لزيارة إبراهيم الخليل (ص) ونحوه، لأن المستثنى منه في المفرغ لابد أن يقدر أعم العام.
وأجيب: بأن المراد بأعم العام مايناسب المستثنى نوعاً ووصفاً، كما إذا قلت ما رأيت إلا زيداً، كان تقديره ما رأيت رجلاً أو أحداً إلا زيداً، لا ما رأيت شيئاً أو حيواناً إلا زيداً. فهاهنا تقديره لاتشد إلى مسجد إلا إلى ثلاثة) .
وقال ابن حجر في فتح الباري: ٣/٦٦:
(قال بعض المحققين: قوله: (إلا إلى ثلاثة مساجد) المستثنى منه محذوف، فإما أن يقدر عاماً فيصير: لاتشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان إلا إلى الثلاثة أو أخص من ذلك، ولاسبيل إلى الأول لإفضائه إلى سد باب السفر للتجارة، وصلة الرحم، وطلب العلم وغيرها، فتعين الثاني. والأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة وهو: لاتشد الرحال إلى مسجد للصلاة إلا إلى الثلاثة، فيبطل بذلك قول من منع شد الرحال إلى زيارة القبر الشريف وغيره من قبور الصالحين) .
وقال السبكي ما ملخصه: ص١١٩-١٢١:
(السفر فيه أمران باعث عليه كطلب العلم وزيارة الوالدين وما أشبه ذلك، وهو مشروع
والسفر لزيارة المصطفى (ص) اجتمع فيه الأمران، فهو في الدرجة العليا من الطلب، ودونه ما وجد فيه أحد أمرين. وإن كان السفر الذي غايته أحد الأماكن الثلاثة، لابد في كونه قربة من قصد صالح. وأما السفر لمكان غير الأماكن الثلاثة لتعظيم ذلك المكان فهو الذي ورد فيه الحديث، ولهذا جاء عن بعض التابعين أنه قال: قلت لابن عمر إني أريد أن آتي الطور؟ قال: إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد رسول الله والمسجد الأقصى، ودع الطور فلا تأته) .
والحاصل أن الحديث إن حمل على عمومه وفق مراد ابن تيمية، فهو لايرِد على الزيارة مطلقاً، لأن المسافر للزيارة مسافر لساكن البقعة كالعالم والقريب وهذا جائز إجماعاً. أما الحديث فوارد في الأماكن فقط فتدبر تستفد. ولله در التقي السبكي) .
وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم: ٩/١٠٦:
(والصحيح عند أصحابنا، وهو الذي اختاره إمام الحرمين والمحققون أنه لا يحرم ولايكره، قالوا والمراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه الثلاثة خاصة) .
وقال الشيخ الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في المغني: ٢/١٠٣:
(وأما قوله عليه السلام (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) ، فيحمل على نفي التفضيل لا على التحريم، وليست الفضيلة شرطاً في إباحة القصر، فلا يضر انتفاؤها) . ومثله لأبي الفرج ابن قدامة في الشرح الكبير:٢/٩٣) .
وقال إمام الحرمين في الروضة: ٣ / ٣٢٤:
والظاهر أنه ليس فيه تحريم ولا كراهة، وبه قال الشيخ أبو علي. ومقصود الحديث تخصيص القربة بقصد المساجد الثلاثة. انتهى. (المجموع: ٨ / ٣٧٥) .
وصفوة ما سبق أن الصلاة في هذه المساجد تختص بطاعة زائدة على ما سواها من المساجد، وما كان الأمر كذلك فلا يصح الوفاء بالنذر إلا إليها. أما غيرها من المساجد فيستوي ثواب الصلاة فيها، والسفر إليها سفر مباح، يجوز قصر الصلاة فيه) . انتهى كلام الممدوح.
وقال الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي (رحمه الله) ، وهو من كبار فقهاء الإمامية وكان قريباً من عصر ابن تيمية فقد توفي سنة ٧٨٦، قال في كتابه الذكرى ص ١٥٤من الطبعة القديمة:
(وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله: لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي، والمسجد الأقصى.
قلت:
أجمع العلماء إلا من شذ على أن المراد بهذا النفي بالنسبة الى المساجد، أي لايصلح ذلك الى مسجد غير هذه الثلاثة، لتقارب المساجد سواها في الفضل، فليس سفره إلى مسجد بلد آخر ليصلي فيه بأولى من مقامه عند مسجد بلده والصلاة فيه.
وهذا النفي يراد به نهي التنزيه، لانعقاد الإجماع على عدم تحريم السفر إلى غير المساجد المذكورة، لتجارة أو قُربة من القرب.
وقال بعضهم: المراد لايستحب شد الرحال إلا الى هذه، ولا يلزم من نفي الإستحباب نفي الجواز.
وارتكب واحد من العامة تحريم زيارة الأنبياء والأئمة عليهم السلام والصالحين متمسكاً بهذا الخبر على مطلوبه، ذاهباً إلى أنه لابد من إضمار شئ هنا وليكن العبادة، لأن الأسفار المطلقة ليست حراماً! وهو تحكُّمٌ محض، لأن إباحة الشد للأسفار المطلقة تستلزم أولويته لما هو عبادة، إذ العبادة أو الحج في نظر الشرع من السفر المباح.
ويلزمه عدم الشد لزيارة أحياء العلماء، وطلب العلم، وصلة الرحم، وقد جاء: من زار عالماً فكمن زار بيت المقدس، وورد: أطلبوا العلم ولو بالصين، ولايخالف أحدٌ في إباحة هذا مع أنه عبادة، فتعين أن المراد بالحديث: لايستحق، أو لايتأكد، أو لا أولى بالشد من هذه الثلاثة. أو يضمر المساجد كما سبق ذكره.
وهذا القائل كلامه صريح في نفي مطلق زيارة قبور الأنبياء عليهم السلام والصلحاء لأنه احتج بأنه لم يثبت في الزيارة خبر صحيح! بل كلما ورد فيها موضوع بزعمه! وكل هذا مراغمةً للفرقة المحقة والفرقة الناجية، الذين يرون تعظيم الزيارات والمزارات، ويهاجرون إليها ويجاورون
وأما الأخبار الواردة في زيارته فهي كثيرة جداً، قد ضمنها العلماء في كتبهم المأثورة وسننهم المشهورة، مثل مارواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ما من رجل يسلِّم عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ صلى الله عليه وآله. ولم يزل الصحابة والتابعون كلما دخلوا المسجد يسلمون على النبي صلى الله عليه وآله. ولاحاجة إلى الإستدلال بالأخبار في هذا المقام المجمع عليه، فإنه عدولٌ عن يقين إلى شك، ومن علمٍ إلى ظن!) . انتهى.
أولاً: أنهم خالفوا في هذه الفتوى مليار ونصف مليار مسلم
إن مقتضى إطلاق الأحاديث الشريفة، وفتاوي ائمة المذاهب جميعاً هو استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله لمن دخل المسجد النبوي سواء أراد أداء الفريضة فيه أم غيرها أو لم يرد الصلاة فيه، وسواء قبل صلاته أو بعدها، سواء كان ذلك مرة أو أكثر. وأن يصلي في مسجده الشريف ركعتي الزيارة، أو ما شاء من الصلاة، خاصة في الروضة الشريفة بين القبر والمنبر!
وخالف التيميون في ذلك جميع المسلمين فقالوا: دخول المسجد بنية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله معصية! وحتى الخطوة الواحدة الى قبره داخل المسجد بنية زيارته معصية، وإن كانت هذه الخطوة مع نية التوسل به فهي شرك!
وقالوا لا تستحب زيارته! بل هي مشروعة غير محرمة! ووضعوا لها شروطاً متعددة صريحة أو غير صريحة، لم يشترطها أحد من المسلمين:
منها: أن لايتوسل الى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وآله.
ومنها: أن يبتعد عن الضريح ولا يتبرك به.
ومنها: أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وغيره من القبور مخصوصة بالرجال، محرمة مشددة التحريم على النساء!
ومنها: أن يزوره مع صاحبيه أبي بكر وعمر.
ومنها: أن الزيارة الجائزة مرة واحدة! فإذا تعددت صارت
ثانياً: تناقض فتواهم مع الشرع والعقل!
فقد أفتوا بأن أصل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله حلال، فكيف تصير حراماً إذا تكررت؟! فهل تكون زيارة قبر أقدس شخص في الوجود صلى الله عليه وآله قليلها حلال، وكثيرها حرام؟!
وإن زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يجعل قبره عيداً أي محفلاً، وأن هذا يشمل زيارة قبره الشريف، فلا فرق في ذلك بين المرة والمرات! فاللازم أن يحرموا زيارة القبر الشريف كلياً! لأن المسلمين يجتمعون حوله ويحتفلون بزيارته طوال السنة، والذي يزوره أول مرة والذي يزوره للمرة الخمسين، مشاركون في هذا الإحتفاء والإحتفال!!
ويلاحظ أن الشيخ البدير اعتبر تكرار الزيارة من المخالفات أي من المعاصي فقال: (المخالفة السادسة: التكرار والإكثار من زيارة قبره) ! وقد أبهم هذا الشيخ واستعمل التقية، ولم يبين قصده خوفاً من المسلمين!
ثالثاً: لماذا يصر الأعوج على فرض اعوجاجه على الناس؟!
مقتضى الحمل على الأحسن أن نقول إن ابن تيمية وأتباعه المشايخ وصل اجتهادهم الى أن الزيارة الأولى للنبي صلى الله عليه وآله معفوة، والزيارة الثانية وما بعدها حرام وبدعة.. وعلى المجتهد أن يعمل باجتهاده وما وصل اليه رأيه، لأنه إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد.
حسناً، لهم الحرية أن يعملوا برأيهم، وملايين المسلمين أتباع المذاهب الأربعة، والخمسة، والسبعة، لهم الحرية في أن يعملوا برأي مذاهبهم. فلماذا يستغل هؤلاء المشايخ موسم الحج والمناصب الدينية والمدنية التي تعطيهم إياها الحكومة السعودية، ويعملون لفرض رأيهم على الحجاج، ويحكمون عليهم بالكفر أو الضلال، إذا لم يقلدوهم؟!
فإن قالوا هذا رأينا واجتهادنا في المسألة، فإن باب الإجتهاد
هذا إذا حسبنا مجموع المسلمين، أما لو اقتصرنا على الفقهاء، فكم يبلغ عدد فقهائهم ياترى من مجموع فقهاء المسلمين؟!
المسألة الخامسة
زعمه أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله شركٌ بالله تعالى!
يرى ابن تيمية وأتباعه أن من توسل الى الله تعالى بنبيه المصطفى صلى الله عليه وآله فلو قال الزائر مثلاً: اللهم إني أتوسل اليك بنبيك نبي الرحمة محمد أن تغفر لي. أو قال: يارسول الله إني أتوجه بك الى الله، وأتوسل بك الى الله أن يغفر لي. فقد أشرك بالله تعالى وكفر! لأنه بزعمهم قد أشرك الرسول صلى الله عليه وآله وعبده وجعله إلهاً مع الله تعالى!
وهذا معنىقول البدير:” ومن قصد بشد رحله إلى المدينه زيارة المسجد والصلاة فيه، فقصده مبرور وسعيه مشكور، ومن لم يرم بشد رحله إلا زيارة القبور، والاستغاثة بالمقبور، فقصده محظور وفعله منكور “.
وقد عبر هذا الشيخ بأسلوب فظ غليظ عن قبر النبي صلى الله عليه وآله وزواره! كما استعمل أسلوب اللف والدوران في كلامه، فلم يصرح بكفر الحاج الذي يقصد زيارة قبر نبيه صلى الله عليه وآله ويتوسل به الى ربه، ولكن ذلك معلوم من كلامه، ومن مذهبه! لاحظ قوله: “ومن لم يرم بشد رحله إلا زيارة القبور، والإستغاثة بالمقبور، فقصده محظور، وفعله منكور “!
وقصده بالمقبور النبي صلى الله عليه وآله! وقصده بأن فعله منكور: أنه مشرك!
يقول ذلك من على منبر مسجد النبي صلى الله عليه وآله وهو يعرف أن كافة المسلمين الذين يستمعون الى خطبته قد نووا من بلادهم حج بيت الله تعالى وزيارة قبر حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله والتوسل به الى الله تعالى! فلو
أنظر كيف يخاطبهم كأنهم كفار يعبدون النبي صلى الله عليه وآله ويعبدون الأموات ويعتقدون أنهم آلهة من دون الله تعالى؟!
قال البدير: (فليحذر الزائر الوقوع في إحدى المخالفات التالية:
المخالفة الأولى: دعاء الرسول (ص) أو ندائه أو الإستغاثة به كقول بعضهم يا رسول الله إشف مريضي، يارسول الله إقض ديني، ياوسيلتي، يا باب حاجتي، أو غير ذلك من الأقول الشركية والأفعال البدعية المضادة للتوحيد) .
وقال: (والإستغاثة بالأموات والإستعانة بهم، أو طلب المدد منهم، أو ندائهم وسؤالهم لسد الفاقة وجلب الفوائد ودفع الشدائد، شرك أكبر! يخرج صاحبه عن ملة الاسلام، ويجعله من عبَّاد الأوثان، إذ لا يفرج الهموم ولا يكشف الغموم إلا الله وحده لا شريك له) . انتهى.
أولاً: تعليم النبي صلى الله عليه وآله للمسلمين التوسل به الى الله تعالى
اتفقت كلمة المسلمين على مشروعية التوسل الى الله تعالى بالنبي وآله الطاهرين صلى الله عليه وآله أو بغيرهم من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام. ورووا بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله أنه عَلَّمَ المسلمين أن يتوسلوا به الى الله تعالى.
روى الترمذي: ٥/٢٢٩ رقم ٣٦٤٩:
(حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا شعبة، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي (ص) فقال: أدع الله أن يعافيني. قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك.
قال: فادعه. قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء:
اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك الى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه فيَّ. هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وهو غير الخطمي. انتهى.
ورواه ابن ماجة في: ١/٤٤١، وقال:
قال أبو اسحاق هذا حديث صحيح. ورواه أحمدفي مسنده:٤ /١٣٨، بروايتين. ورواه الحاكم في المستدرك: ١/ ٣١٣، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه في: ١/٥١٩، بسندين آخرين،
وفي السنن الكبرى للنسائي: ٦/ ١٦٨:
(عن عثمان بن حنيف أن رجلاً أعمي أتي النبي (ص) فقال: يا رسول الله إني رجل أعمى، فادع الله أن يشفيني، قال بل أدَعُك، قال: أدع الله لي مرتين أو ثلاثاً.قال: توضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك الى الله أن يقضي حاجتي، أو حاجتي الى فلان، أو حاجتي في كذا وكذا. اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي) . انتهى. ثم رواه النسائي بروايتين أيضاً.
ثانياً: الصحابة علموا الناس التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته
فقد روى الطبراني بسند صحيح تطبيق عثمان بن حنيف لحديث التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته!
قال الحافظ الصديق المغربي في كتابه (إرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي) ص١١:
(وبعد، فإن الشيخ الألباني سامحه الله تعالى صاحب غرض وهوى، إذا رأى حديثاً أو أثراً لايوافق هواه فإنه يسعى في تضعيفه بأسلوب فيه تدليس وغش، ليوهم قراءه أنه مصيب مع أنه مخطئ بل خاطئ غاش، وبأسلوبه هذا ضلَّلَ كثيراً من أصحابه الذين يثقون به ويظنون أنه على صواب، والواقع خلاف ذلك.
ومن المخدوعين به من يدعى حمدي السلفي الذي يحقق المعجم الكبير، فقد أقدم بجرأة على تضعيف أثر صحيح لم يوافق هواه كما لم يوافق هوى شيخه، وكان كلامه في تضعيفه هو كلام شيخه نفسه!
فأردت أن أرد الحق الى نصابه، ببيان بطلان كلام الخادع والمخدوع به، وعلى الله اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي: روى الطبراني في المعجم الكبير:٩/١٧، من طريق ابن وهب، عن شبيب، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي المدني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف (رضي الله عنه) : أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفان (رضي الله عنه) في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: إئت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: أللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد (ص) نبي
صححه الطبراني، وتعقبه حمدي السلفي بقوله: لا شك في صحة الحديث المرفوع، وإنما الشك في هذه القصة التي يستدل بها على التوسل المبتدع، وهي انفرد بها شبيب كما قال الطبراني، وشبيب لا بأس بحديثه، بشرطين: أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه، وأن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد. والحديث رواه عن شبيب بن وهب وولداه إسماعيل وأحمد، وقد تكلم الثقات في رواية ابن وهب عن شبيب في شبيب، وابنه اسماعيل لايعرف، وأحمد وإن روى القصة عن أبيه إلا أنها ليست من طريق يونس بن يزيد، ثم اختلف فيها على
وفي هذا الكلام تدليس وتحريف نبينه فيما يلي:
أولاً:
هذه القصة رواها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان، حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد، ثنا أبي عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ، فذكر القصة بتمامها. ويعقوب بن سفيان هو الفسوي الحافظ الإمام الثقة، بل هو فوق الثقة، وهذا إسناد صحيح البخاري، ومعنى ذلك أنها صحيحة، وهذا الذي يوافق كلام الحافظ ويبطل ما استنبطه الألباني من كلام الحافظ في مقدمة فتح الباري، فليتأمل. وإن الحفاظ أيضاً صححوا هذه القصة، كالمنذري في الترغيب والترهيب:١/٤٧٦ بإقراره للطبراني، والهيثمي في مجمع الزوائد:٢/ ٢٧٩،أيضاً، وقبلهما الإمام الحافظ الطبراني في معجمه الصغير:١/٣٠٧ الروض الداني. وغيرهم.
ثانياً:
أحمد بن شبيب من رجال البخاري، روى عنه في الصحيح وفي الأدب المفرد، ووثقه أبوحاتم الرازي وكتب عنه هو وأبو زرعة، وقال ابن عدي: وثقه أهل البصرة وكتب عنه علي بن المديني. وأبوه شبيب بن سعيد التميمي الحبطي البصري أبو سعيد، من رجال البخاري