الأذان بين الأصالة والتحريف / الصفحات: ٤١ – ٦٠
أهل البيت وبدء الأذان
اتّفقت نصوص أهل بيت النبوّة ـ المرويّ منها عن طريق الإماميّة الاثني عشريّة أو الإسماعيليّة أو الزيديّة ـ على أنّ بدء الأذان قد كان في الإسراء، وإليك بعض نصوصهم في هذا السياق.
الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) (ت ٤٠ هـ):
جاء في صحيفة الرضا (عليه السلام)، عن آبائه، قال: “قال عليّ بن أبي طالب: لمّا بُدِي رسول الله بتعليم الأذان، أتى جبرئيل بالبُراق فاستعصت عليه، فقال لها جبرئيل: اسكُني برقة! فما ركبك أحد أكرم على الله منه، فسكنت. قال رسول الله: فركبتها حتّى انتهيت إلى الحجاب الذي يلي الرحمن عَزَّ [ربُّنا] وجَلَّ، فخرج مَلَكٌ مِن وراء الحجاب، فقال: اللهُ أكبر، اللهُ أكبر ; فقال (صلى الله عليه وآله): قلت: يا جبرئيل! مَن هذا المَلَك؟
قال [جبرئيل]: والذي أكرمك بالنبوّة ما رأيتُ هذا الملَك قبل ساعتي هذه.
فقال المَلَك: اللهُ أكبر، اللهُ أكبر ; فنودي مِن وراء الحجاب: صَدَق عبدي، أنا أكبر، أنا أكبر.
قال (صلى الله عليه وآله): فقال المَلَك: أشهد أن لا إله إلاَّ اللهَ، أشهد أن لا إله إلاَّ الله ; فنُودِي مِن وراء الحجاب: صدق عبدي، [أنا الله]، لا إله إلاَّ أنا.
فقال (صلى الله عليه وآله): فقال المَلَك: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ;
قال (صلى الله عليه وآله): فقال المَلَك: حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، فنودي من وراء الحجاب: صدق عبدي، ودعا إلى عبادتي، فقال الملك: قد أفلحَ مَن واظب عليها.
قال (صلى الله عليه وآله): فيومئذ أكمل الله عزَّ وجلَّ لي الشرف على الأوّلين والآخرين”(١).
الإمام الحسن بن عليّ(عليه السلام) (ت ٥٠ هـ):
عن سفيان بن الليل، قال: لمّا كان من أمر الحسن بن عليّ ومعاوية ما كان قَدِمتُ عليه المدينةَ وهو جالس في أصـحابه، فذكر الحديث بطـوله، فقال: فتـذاكرنا عنـده الأذان، فقال بعـضـنا: إنّما كان بـدء الأذان برؤيـا عبـدالله بن زيد.
فقال له الحسن بن عليّ: “إنّ شأن الأذان أعظم من ذلك، أذّنَ جبرئيل في السماء مَثْنى مَثْنى وعلَّمه رسولَ الله، وأقام مرّة مرّة فعلَّمه رسولَ الله”، فأذَّن به الحسن حتّى ولّى(٢).
الإمام الحسين بن عليّ(عليه السلام) (ت ٦١ هـ):
جاء في الجعفريّات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسـى، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسـين، عن الحسـين بن عليّ: أنَّه سئل عن الأذان وما يقول الناس [فيه]، قال: “الوحيُ ينزل على نبيّكم، وتزعمون أنَّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زيد؟ بل سمعتُ أبي عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) يقول: أَهـبَطَ اللهُ عزَّ وجلَّ مَلَكاً حين عُرِج برسول الله فأذَّن مَثْنى مَثْنى، وأقام مَثْنى مَثْنى، ثمّ قال له جبرئيل: يا محمَّـد! هكذا أذان الصلاة”(١).
وفي دعائم الإسلام ـ وهو من كتب الإسماعيليّة ـ: روينا عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جـدّه، عن الحسين بن عليّ: أنّه سـئل عن قـول النـاس في الأذان، إنَّ السـبب كان فيه رؤيا رآها عبدالله بن زيد فأخـبر بها النـبيَّ (صلى الله عليه وآله)، فأمـر بالأذان!
فقال الحسين (عليه السلام): “الوحيُ يتنزَّل على نبيّكم، وتزعمون أنَّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زيد؟ والأذان وجه دينكم!”، وغضب (عليه السلام) ثمّ قال: “بل سمعتُ أبي عليّ بن أبي طالب يقول: أهبَطَ اللهُ عزّوجلّ مَلَكاً حين عرج برسول الله (صلى الله عليه وآله) ” ـ وذكر حديث الإسراء بطوله، اختصرناه نحن ها هنا ـ قال فيه: “وبعث ملكاً لم يُرَ في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده، فأذَّن مَثْنى وأقام مَثْنى”، وذكر كيفيّة الأذان
محمّد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفيّة ت ٧٣ ـ ٩٣ هـ):
عن أبي العلاء، قال: قلت لمحمّد بن الحنفيّة: إنّا لَنتحدّث: أنّ بدء هذا الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه.
قال: ففزع لذلك محمّد بن الحنفيّة فزعاً شديداً، وقال: عَمَدتُم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنّه إنّما كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام!
قال: فقلتُ (له): هذا الحديث قد استفاض في الناس!
قال: “هذا والله هو الباطل”. ثمّ قال: “وإنّما أخبرني أبي: أنَّ جبرئيل (عليه السلام) أذَّن في بيت المقدس ليلة الإسراء وأقام، ثمّ أعاد جبرئيل الأذان لمّا عرج بالنبيّ إلى السماء…”(٢).
وفي معاني الأخبار: عن عليّ بن عبدالله الورّاق، وعليّ بن محمّد بن الحسن القزويني، قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدّثنا العبّاس بن سعيد الأزرق، قال: حدّثنا أبو نصر، عن عيسى بن مهران، عن يحيى بن الحسن بن الفرات، عن حمّاد بن يعلى، عن عليّ بن الحزور، عن الأصبغ بن نُباتة، عن محمّد بن الحنفيّة أنَّه ذُكِرَ عنده الأذان فقال:
“لمّا أُسري بالنبيِّ إلى السماء، وتناهز إلى السماء السادسة، نزل مَلَكٌ من
فقال: أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، فقال الله جلَّ جلاله: عبدي وأميني على خلقي، اصطفيته على عبادي برسالاتي.
ثمّ قال: حيّ على الصلاة، فقال الله جلَّ جلاله: فرضتها على عبادي وجعلتها لي دِيناً.
ثمّ قال: حيّ على الفلاح، فقال الله جلَّ جلاله: أفلح مَن مشى إليها وواظب عليها ابتغاء وجهي.
ثمّ قال: حيّ على خير العمل، فقال اللهُ جلَّ جلاله: هي أفضل الأعمال وأزكاها عندي.
ثمّ قال: قد قامت الصلاة، فتقدَّم النبيُّ (صلى الله عليه وآله) فأمَّ أهلَ السماء، فَمِن يومئذ تمَّ شرف النبيّ (صلى الله عليه وآله) “(١).
وقد جاء ما يماثل هذا في طرق الزيدية، وأخرجه الحافظ العلوي في (الأذان بحيّ على خير العمل)، فقال:
حدّثنا أبو القاسم الحفص بن محمّد بن أبي عابد قراءةً، حدّثنا زيد بن محمّد بن جعفر العامري، حدّثنا جعفر بن محمّد بن مروان، حدّثنا أبي، حدّثنا نصر بن مزاحم المنقري، حدّثنا أيّوب بن سليمان الفزاري، عن عليّ بن جردل، عن محمّد بن بشر، قال: جاء رجل إلى محمّد بن الحنفية فقال له: بلغنا أن الأذان إنّما هو رؤيا رآها رجل من الأنصار فقصّها على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأمر بلالاً فأذّن تلك
الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) (ت ٩٤ هـ) وابنه زيد:
عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ: “أنَّ رسول الله عُلِّمَ الأذان ليلة
فأمّا ما يقول به الجهّال مِن أنّه رؤيا رآها بعض الأنصار فأخبر بها النبيَّ (صلى الله عليه وآله) فأمَرَه أن يُعَلِّمه بلالاً، فهذا من القول محالٌ لا تقبله العقول ; لأنَّ الأذان من أُصولِ الدين، وأُصولُ الدين لا يعلمها رسول الله على لسان بشر من العالمين”(٢).
الإمام محمّد بن عليّ الباقر(عليه السلام) (ت ١١٤ هـ):
جاء في الكافي والتهذيب والاستبصار ـ والنصّ للأخيرينِ ـ بإسناد الشيخ الطوسي عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن عليّ بن السنديّ، عن ابن أبي عُمير، عن ابن أُذينة، عن زُرارة والفُضيل بن يسار، عن أبي جعفر [الباقر] (عليه السلام)، قال:
“لمّا أُسري برسول الله (صلى الله عليه وآله) فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة، فأذَّن جبرئيل وأقام، فتقدَّم رسول الله، وصفَّ الملائكة والنبيّون خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) “.
قال: فقلنا له: كيف أذّن؟
فقال: “اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، لا إله إلاَّ الله، لا إله إلاَّ الله ; والإقامة مثلها إلاَّ أنَّ فيها:
فقال: هذا نبيُّ أهل الكوفة، هذا محمّد بن عليّ!
قال: أشهد لاَتينّه ولأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلاّ نبيّ أو ابن نبيّ أو وصيّ نبيّ.
قال: فاذهب إليه وسَله لعلكّ تُخجِلُه!
فجاء نافع حتّى اتّكأ على الناس ثمّ أشرف على أبي جعفر، فقال: يا محمّد ابن عليّ! إني قرأت التوراة، والإنجيل، والزّبور، والفرقان وقد عرفتُ حلالها وحرامها وقد جئت أسألُك عن مسائل…
[ومنها]: من الذي سأل محمّدٌ(٢) وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة؟
قال: فتلا أبو جعفر (عليه السلام) هذه الآية {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} (٣)، فكان من
٣- الإسراء: ١.
وفي كتاب الاعتصام بحبل الله:.. وروى محمّد بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: من جهالة هذه الأمّة أن يزعموا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّما علم الأذان من رؤيا
٣- في تحقيق عزّان: المنخل. وفي الاعتصام ١: ٣٠٦ ” المنتحل “.
٤- الأذان بحيّ على خير العمل، للحافظ العلوي: ٨٢، بتحقيق الفضيل، وانظر: ص ٢١ و٢٨ من الكتاب نفسه وبتحقيق عزّان ٦٠. والاعتصام بحبل الله ١: ٢٨٦. والزيادات من الاعتصام ١: ٣٠٦.
الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) (ت ١٤٨ هـ):
روى الكلينيّ بسنده عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمير، عن حمّاد، عن منصور بن حازم، عن أبي عبدالله [الصادق] (عليه السلام)، قال: “لمّا هبط جبرئيل بالأذان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رأسه في حِجر عليّ (عليه السلام)، فأذَّن جبرئيل وأقام، فلمّا انتبه رسول الله، قال: يا عليّ! سمعت؟
قال: نعم.
قال: حفظت؟
قال: نعم.
قال: ادعُ بلالاً فعلِّمْه. فدعا عليّ بلالاً فعلَّمَه”(٣).
٣- الكافي ٣: ٣٠٢/٢، التهذيب ٢: ٢٧٧/١٠٩٩ مثله، ورواه الصـدوق في من لا يحضره الفقيه ١: ١٨٣/٨٦٥ بإسناده عن منصور بن حازم، ولا يخفى عليك بأن هذا النص لا يخالف ما ثبت عند أهل البيت وبعض أهل السنة والجماعة من كون تشريع الأذان كان في الاسراء والمعراج، لأن التأذين في المعراج هو في مرحلة الثبوت، أما التأذين في الأرض فهو في مرحلة الاثبات، وسيتضح معنى كلامنا هذا اكثر في الباب الثالث من هذه الدراسة ” اشهد ان عليّاً ولي الله، بين الشرعية والابتداع ” فانتظر.
فأمر اللهُ جبرئيلَ، فقال: اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، فتراجعت الملائكة نحو أبواب السماء، وعلمت أنّه مخلوق ففتحت الباب، فدخل رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى انتهى الى السماء الثانية، فنفرت الملائكة عن أبواب السماء فقالت: إلهانِ! إله في الأرض وإله في السماء؟!
فقال جبرئيل: أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن لا إله إلاَّ الله،، فتراجعت الملائكة وعَلِمتْ أنّه مخلوق.
ثمّ فتح الباب فدخل ومَرَّ حتّى انتهى إلى السماء الثالثة، فنَفَرت الملائكة عن أبواب السـماء، فقال جبرئيل: أشـهد أنَّ محمّداً رسول الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، فتراجعـت الملائكـة، وفـتح الباب ومَـرَّ النـبيُّ حتّى انتهـى إلى السـماء الرابعـة…
ـ إلى أن قال ـ:… فلمّا فرغ من مناجاة ربّه رُدّ إلى البيت المعمور وهو في السماء السابعة بحذاء الكعبة، قال: فجمع له النبيّين والمرسلين والملائكة، ثمّ أمر جبرئيل
قال: جُعِلتُ فداك ; إنّهم يقولون: إنَّ أُبيّ بن كعب الأنصاريّ رآه في النوم.
فقال (عليه السلام): كذبوا والله، إنَّ دين الله تعالى أعَزُّ من أن يُرى في النوم. وقال أبو عبدالله: العزيز الجبّار عَرَج بنبيّه إلى سمائه ـ فذكر قصّة الإسراء بطولها ـ “(٣).
وفي نصّ آخر، قال (عليه السلام): “ينزل الوحيُ على نبيِّكم فتزعمون أنَّه أخذ عن عبدالله بن زيد؟!”(٤).
وعن عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أُذينة، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: “ما تروي هذه الناصبة؟”.
فقلت: جُعِلت فداك ; في ماذا؟
فقال: “في أذانهم وركوعهم وسجودهم”.
فقلت: إنّهم يقولون: إنَّ أُبيَّ بن كعب رآه في النوم.
٣- انظر: علل الشرائع ٣١٢/١، وعنه في بحار الأنوار ٨: ٣٥٤.
٤- وسائل الشيعة ٥: ٣٧٠/٦٨١٦.
فقال أبو عبد (عليه السلام): “إنَّ الله عزّوجلّ لمّا عَرَج بنبيّه (صلى الله عليه وآله) إلى سماواته السبع، أمّا أُولاهُنَّ فبارَك عليه، والثانية علّمه فرضه فأنزل الله محملاً من نور فيه أربعون نوعاً من أنواع النور كانت مُحدِقة بعرش الله تغشي أبصار الناظرين…(١)
قال: ثمّ زادني ربّي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه الأنوار الأُولى ثمّ عرج بي إلى السماء الثالثة، فنَفَرت الملائكة وخَرَّتْ سُجَّداً، وقالت: سبُّوح قدُّوس ربُّ الملائكة والرُّوح، ما هذا النور الذي يشبه نور ربّنا؟!
فقال جبرائيل (عليه السلام): أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله.
فاجتمعت الملائكة وقالت: مرحباً بالأوّل، ومرحباً بالآخِر، ومرحباً بالحاشر، ومرحباً بالناشر، محمّد خير النبيّين وعليّ خير الوصيّين.
قال النبيُّ (صلى الله عليه وآله): ثمّ سَلَّموا علَيَّ وسألوني عن أخي، قلتُ: هو في الأرض، أفتعرفونه؟
قالوا: وكيف لا نعرفه وقد نَحجّ البيت المعمور كلَّ سنة وعليه رَقّ أبيض فيه اسم محمّد واسم عليّ والحسن والحسين [والأئمة]: وشيعتهم إلى يوم القيامة، وإنّا لَنُبارِك عليهم كلّ يوم وليلة خمساً ـ يعنون في وقت كلّ صلاة ـ…
قال: ثمّ زادني ربّي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه تلك الأنوار الأُولى، ثمّ عرج بي حتّى انتهيت إلى السماء الرابعة، فلم تَقُل الملائكة شيئاً، وسمعت دَويّاً كأنّه في الصدور، فاجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء وخرجت إليَّ شبه المعانيق، فقال جبرئيل (عليه السلام): حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة ; حيّ على الفلاح،
فقال جبرئيل (عليه السلام): قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة…
ثمّ أوحى الله إليَّ: يا محمّد! ادنُ من صاد فاغسل مساجدك وطهّرها وصلِّ لربِّك.
فدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) من صاد(١)، وهو ماءٌ يسيل من ساق العرش الأيمن، فتلقّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الماء بيده اليمنى، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين.
ثمّ أوحى الله عزّ وجل إليه أن: اغسل وجهك(٢)…
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ “سورة بني اسرائيل” عن أبيه، عن محمّد ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق (عليه السلام) ـ في خبر طويل جدّاً ـ قال فيه: “فإذا مَلَكٌ يُؤَذِّن لم يُرَ في السماء قبل تلك الليلة، فقال: الله أكبر، الله أكبر ; فقال الله: صدق عبدي أنا أكبر.
فقال: أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن لا إله إلاَّ الله ; فقال الله تعالى: صدق عبدي، أنا الله لا إله غيري.
فقال: أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ; فقال الله: صدق عبدي، إنَّ محمّداً عبدي ورسولي أنا بعثته وانتجبته.
فقال: حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة ; فقال: صدق عبدي، دعا إلى فريضـتي، فَمَن مشـى إليها راغباً فيها محتسباً كانت كفّارة لِما مضى من ذنوبه.
فقال: حيّ على الفلاح [حيّ على الفلاح] ; فقال الله: هي الصلاح والنجاح
وقد أخرج الحافظ العلوي في كتابه (الأذان بحيّ على خير العمل) بقوله: حدّثنا الحسين بن محمّد بن الحسن، حدّثنا عليّ بن الحسين بن يعقوب، أخبرنا أحمد بن عيسى العجلي، حدّثنا جعفر بن عنبسة اليشكري، حدّثنا أحمد بن عمر البجلي، حدّثنا سلام بن عبدالله الهاشمي، عن سفيان بن السمط، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه قال: أوّل مَن أذّن في السماء جبريل (عليه السلام) حين أُسري بالنبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: الله أكبر، الله أكبر ; فقالت الملائكة: الله أكبر من خلقه.
فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، فقالت الملائكة: ونحن نشهد أن لا إله إلاّ الله.
فقال، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، فقالت الملائكة: عبد بُعِث.
فقال جبريل: حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة ; فقالت الملائكة: أُمِر القوم بالصلاة، فقال: حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح ; فقالت الملائكة: أفلح القوم.
فقال: حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل ; فقالت الملائكة: أُمِر القوم بخير العمل. وأقام الصلاة، فقال النبيّ: يا جبريل، تَقدّمْ صلِّ بنا، فقال جبريل: يا محمّد، إنّ الله عزّوجلّ أمرنا أن نسجد لأبيك آدم، فلسنا نتقدّم ولدَه، فتقدّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصلّى بالملائكة(٢).
الإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام) (ت ٢٠٤ هـ):
أخرج الصدوق في (عيون أخبار الرضا) و(علل الشرائع) بسنده إلى الرضا (عليه السلام) عن آبائه:، قال: “قال رسول الله: لمّا عُرِج بي إلى السماء أذَّن جبرئيل مَثْنى مَثْنى وأقام مَثْنى مَثْنى”(٢).
وجاء في الاعتصام بحبل الله عن صحيفة عليّ بن موسى الرضا:… حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد ابن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أبي الحسين ابن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنّه لمّا بُدئ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتعليم الأَذان، أتى جبريل (عليه السلام) بالبُراق فاستصعب عليه، فأتاني بدابّة يقال لها برقة ـ من حديث طويل ـ فقال لها جبريل: اسكُني برقة ـ من حديث طويل فيه ـ: فخرج مَلَك من وراء الحجاب فقال: الله أكبر الله أكبر. قال: فقلت: يا جبريل، من هذا المَلَك؟ قال: والذي أكرمك بالنبوّة، ما رأيت هذا المَلَك قبل ساعتي هذه، فقال المَلَك: الله أكبر ألله أكبر.. فنُودِي من وراء الحجاب: صدق عبدي، أنا أكبر أنا أكبر.
ولذلك حاول القسطلانيّ الشافعي في (إرشاد الساري) التخلّص من إشكال التشريع بالرؤيا، فأدّعى أنّ المشرِّع للأذان هو النصّ الذي أَقَرَّ المنامَ لا نفس المنام، فقال: قوله تبارك وتعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواًوَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ} معانيَ عبادة الله وشرائعه، واستدلّ على مشروعيّة الأذان بالنصّ لا بالمنام وحده(٣) لكنك تعلم أنّ الإشكال باق بحاله، إذ لا معنى للمنام في هذه الحالة.
وقال السرخسيّ ـ مِن أعلام الحنفيّة ـ في (المبسوط):… وروي أنَّ سبعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين رأوا تلك الرؤيا في ليلة واحدة، وكان أبو حفص محمّد بن عليّ ينكر هذا ويقول: تعمدون إلى ما هو من معالم الدين فتقولون: ثَبَت بالرؤيا! كلاَّ ولكنّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) حين أُسري به إلى المسجد الأقصى وجُمِع له النبيّون، أذَّنَ مَلَكٌ وأقام، فصلَّى بهم رسول الله. وقيل: نزل به جبرئيل عليه الصلاة والسلام، حتَّى قال كثير بن مرة: أذَّن جبرئيل في السماء فسمعه عمر(٤).
٣- إرشاد الساري ٢: ٢ كتاب الأذان. عمدة القارئ ٥: ٧ و١٠٢.
٤- المبسوط للسرخسيّ ١: ١٢٨ كتاب الصلاة باب بدء الأذان.
وقفة مع أحاديث الرؤيا
اتّضح بجلاء ـ من خلال ما مرّ بنا من أحاديث وأقوال وغيرها ـ أنّ القول بتشريع الأذان في الإسراء والمعراج، ممّا لم ينفرد به الإماميّة الاثنا عشريّة، وإنّما قالت به الشيعة الزيدية والإسماعيلية أيضاً، إضافةً إلى أعلام من أهل السنّة، وهذا يعني أنّ تشريع الأذان ـ بوصفه فعلاً تعبّدياً ـ كان سماوياً وعُلْوياً وليس مناماً وأرضياً، وهذا القول ينسجم تماماً مع التشريعات السماوية الإلهية، ومع الاعتقاد بالنبوّة والوحي، التي هي واسطة في التشريع بين الله تعالى وبين خلقه.
أمّا القول بأنّه كان عبر منام رآه رجل وأخبر به النبيَّ (صلى الله عليه وآله) فإنّه من منفردات بعض أهل السنّة، والذي أمسى قولاً مشهوراً لديهم فيما بعد.
وإزاء اشتهار هذا القول عندهم، تبرز طائفة من التساؤلات الملَحّة التي تصدر من الرؤية الإسلاميّة لحقائق الاشياء وعمق التشريع الإلهي.
ومن هذه التساؤلات: هل يسوغ لهذا القول ـ الذي يُسنِد تشريع الأذان إلى رؤيا أحد الناس ـ أن يتلاءم وأصول الشريعة القائمة على تلقّي النبيّ (صلى الله عليه وآله) من الله سبحانه؟
وهل يسوغ ـ في منطق الإسلام والوحي ـ أن تؤخذ الشريعة من الأحلام والمنامات والأقاصيص، أو حتّى من المشاورة كما جاء في بعض أحاديث الأذان؟
وقال: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌّ مُبِينٌ} (٢).
وقال أيضاً: {قُل إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَايُوحَى إِلَيَّ مِن رَبِّي هذَا بَصَائِرُ مِن رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْم يُؤْمِنُونَ} (٣).
وقال: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (٤).
وقال في ملائكته: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (٥).
إنّ هذه الآيات الشريفة صريحة في أنّه ليس لرسول الله ولا لملائكته أن يسبقوه بالقول أو أن يُشرِّعوا من قِبَل أنفسهم، إذ ليس لهم إلاّ الاستماع إلى الوحي
٣- الأعراف: ٢٠٣.
٤- النجم: ٣ ـ ٥.
٥- الأنبياء: ٢٦ ـ ٢٧.