الأذان بين الأصالة والتحريف / الصفحات: ٣٢١ – ٣٤٠
ومروراً بحجة الوداع التي خطب فيها رسول الله خمس مرات، وختماً بالكتاب الذي منعوه من كتابته في آخر حياته الشر يفة.
قال الحلبي في سيرته: ” خطب النبيّ خمس خطب: الأولى يوم السابع من ذي الحجة بمكة، والثانية يوم عرفة، والثالثة يوم النحر، والرابعة يوم القرّ بمنى، والخامسة يوم النَّفر الأوّل بمنى “(٢).
وقد روى مسلم وأحمد وغيرهما ـ خطبته (صلى الله عليه وآله) عند مرجعه من حجة الوداع إلى المدينة ـ عن زيد بن أرقم، قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً خطيباً بماء يُدعى خُمّاً بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر، ثمّ قال: ألا أيّها الناس، إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله منه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: وأهل بيتي، أذكّركم في أهل بيتي، أذكّركم في أهل بيتي، أذكّركم في أهل بيتي.
قال: ومن هم؟
قال: هم آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
قال: كلّ هؤلاء حرم الصدقة؟
قال: نعم(١).
وعن أبي هريرة: من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خُمّ لمّا أخذ النبيّ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: ألستُ وليَّ المؤمنين؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: من كنتُ مولاه فعليّ مولاه.
فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم! فأنزل الله عزّوجلّ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً} (٢).
عَود على بدء
كانت هذه مقدمة أتينا بها كي نوضّح وجه أفضلية الولاية على العبادات الأربع الأخرى، إذ الصلاة تتركها الحائض، والصوم يتركه المريض، والزكاة والحج ساقطان عن الفقير، أمّا الولاية فهي واجبة على الصحيح والمر يض والغني
٢ ـ الصيانة من الانحراف، وهو دور الأئمة المفترضي الطاعة، وهو ما كان يؤكّد عليه الرسول للأمة، يحذّرها من الابتعاد عنهم لأنّ ذلك سيؤدّي بهم إلى الضلال.
وقد كان النهج الحاكم في تعارض مع هذه الصفوة الطاهرة، فما من الصفوة إلاّ مقتول أو مسموم، وقد ثبت في علم السياسة والاجتماع أنّ جميع الثورات الفكر ية، إذا مات زعماؤها، وتولّى إدارتها غير الأكفاء انحرفت عن مسارها الذي اختطّه لها صاحبها، أمّا إذا واصل المسيرة الأكفاء الذين يختارهم صاحب الثورة والتغيير، فإنها تبقى حيّة نابضة، ولا تنحرف عن منهاجها الأصلي. هذا عن القسم الأوّل من السؤال.
أ مّا ارتباط برّ فاطمة وولدها بالأذان والصلاة ـ كما في بعض الروايات ـ(٢)فهو معنى تفسيري للجملة، ومن قبيل بيان المعاني المشكلة والمتشابهة أو الخفية والمجملة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، فالإمام قد يكون أراد بتوضيحه ذلك بيان ما هو المقصود في العلم الالهي، وبيان ما حدث بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من
ما وراء حذف الحيعلة الثالثة
نصَّ التفتازاني والقوشجي وغيرهما على دافع الخليفة عمر بن الخطّاب إلى حذف هذا الفصل من الأذان، واتّفق الزيديّة والإسماعيليّة والإماميّة على ثبوت هذا الحذف عنه، في حين جرى التعتيم على هذه النقطة في أغلب كتب أهل السنّة، على الرغم من تأكيد كثير من النصوص التار يخيّة والحديثية المتناثرة في المصادر على حذف عمر لحيّ على خير العمل للدافع الذي أعلنه.
إنّ ما ذكر من تعليل لحذف الحيعلة الثالثة قد يكون وجيهاً عند عمر بن الخطّاب ; لانسجامه مع نفسيته ومنهجه في فهم النصوص، وللظروف التي كان يعيشها من غزوات وحروب وتوسيع لرقعة الدولة، وهو ممّا يستوجب بالطبع
أوّلها: إنّ الغزوات والحروب كانت أعظم وأكثر على عهد رسول الله، وكانت ظروف انبثاق الدولة الإسلاميّة الفتيّة وبداية انطلاقها لنشر دين الله أدعى إلى حذف هذه الحيعلة من قِبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ لو صحّ هذا التعليل ـ من الظروف التالية التي عاشها الخليفة بعد استقرار أمور الدولة بشكلها الذي كانت عليه. فلماذا لم يحذف رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) هذا الفصل وحذفها عمر(١)؟!
إنّ هذا لَيثير تساؤلاً حول صحّة هذا التعليل الذي فسّر به عمر حذفه هذا، أو يومئ إلى وجود سبب آخر غير معلن في هذا السياق.
ثانيها: لو قبلنا التعليل السابق تنزّلاً لصحَّت مشروعية الحذف لفترة معينة، لا أنّه يكون تشر يعاً لكلّ الأزمان، ذلك أن سريان المنع إلى يومنا هذا ربّما يشير إلى أمر آخر.
ثالثها: إنّ هذا التعليل من قبل الخليفة لا يتّفق مع ما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قوله: ” اعلموا أنّ خير أعمالكم الصلاة ” وهو لا يتّفق أيضاً مع قوله (صلى الله عليه وآله) عن الصلاة: ” إنّها عمود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدَّت رُدّ ما سواها “، فلو
وبذلك تحزّب أبناء السنّة والجماعة لمذهب عمر بن الخطاب وحكمّوا رأيه في مقابل موقف الإمام عليّ وأولاده الذين خالفوا هذا المنع وأصرّوا على الحيعلة الثالثة رغم كلّ الظروف والمشاكل، كما ستقف عليها لاحقاً.
خامساً: إنّ المطّلع على مجريات الأحداث في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمّ مَن بعده يقف على حقيقة جلية، هي أنّ قر يشاً لم تكن ترضى باجتماع النبوة والخلافة في بني هاشم، وكانت تطمع في الخلافة من بعده (صلى الله عليه وآله)، فكانوا يشترطون على رسول الله أن يبايعوه بشرط أن يجعل لهم نصيباً في الخلافة من بعده، لكنّه (صلى الله عليه وآله) كان يقول: ” إن الأمر لله يجعله حيث يشاء “(١) وليس الأمر بيدي.
وجاء عن ابن عباس: إن عمر بن الخطاب قال له في أوائل عهده بالخلافة: يا
قال: أيزعم أن رسول الله نصَّ عليه؟
قلت: نعم. وأزيدك: سألتُ أبي عمّا يدّعيه، فقال: صَدَق.
قال عمر: لقد كان من رسول الله في أمره ذَرْوٌ من قول لا يثبت حجّة ولا يقطع عذراً، وكان يَرْبَعُ في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعتُ من ذلك إشفاقاً وحيطةً على الإسلام… فعلم رسول الله أنّي علمت ما في نفسه فأمسك(١).
وقال العيني في عمدة القاري: واختلف العلماء في الكتاب الذي هم بكتابته فقال الخطابي: يحتمل وجهين، احدهما انه اراد أن ينص على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن العظيمة كحرب الجمل وصفين(٢).
ولو جمعنا ما جاء عن ابن عباس، مع ما قاله عمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عند مرضه ـ حينما قال (صلى الله عليه وآله): ائتوني بدواة وقلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً، فقال عمر: إنّ الرجل لَيَهجُر(٣) ـ مع ما قاله رسول الله لعمر لمّا أتاه بجوامع من التوراة: والذي نفسُ محمّد بيده لو بدا لكم موسى فاتّبعتموه وتركتموني لَضللتُم(٤)، مع
٣- وفي نص البخاري ” إنّ الرجل قد غلب عليه الوجع “، وكلاهما إساءة للرسول المصطفى.
٤- سنن الدارمي ١: ١١٥ باب ما يتقي من تفسير حديث النبي (صلى الله عليه وآله)، مسند أحمد ٤: ٢٦٦، المصنف لعبد الرزاق ٦: ١١٣ باب مسألة أهل الكتاب، أسد الغابة ٣: ١٢٧.
كلّ هذه النصوص توكّد أنّ المراد الأساسي من ” خير العمل ” هو بر فاطمة وولدها، والولاية والإمامة التي بها قوام الصلاة والصوم والزكاة والحجّ وسواها… لا شيء آخر، فصار الخليفة ـ حسب كلام الإمام المعصوم، والاستقراء التاريخي ـ لا يرضى أن يقع (دعاء إليها وتحر يض عليها)، لأن ذلك يعني التشكيك بشرعيّة خلافته وخلافة مَن قبله، وهو المعنيّ من كلامه (عليه السلام) (ما نودي بشيء كالولاية).
وجاء في الغَيبة للنعماني عن عبدالله بن سنان أنّه (عليه السلام) قال في معرض كلامه عن علامات ظهور القائم من آل محمّد عجل الله تعالى فرجه الشر يف: وأنّه سيكون في السماء نداء ” ألا إنّ الحقّ في عليّ وشيعته “.
قال (عليه السلام) فـ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} على الحق وهو النداء الأوّل(١)، ويرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض، والمرضُ واللهِ عداوتُنا(٢).
وعن الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى {إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه} قال: الكلم الطيب هو قول المؤمن: ” لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ ولي الله وخليفة محمّد رسول الله حقاً حقا وخلفاؤه خلفاء الله “، والعمل الصالح يرفعه، فهو دليله، وعمله اعتقاده الذي في قلبه بأنّ هذا الكلام صحيحٌ كما قلته بلساني(٢).
وعن فاطمة الزهراء بنت محمّد، قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لمّا عرج بي إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْأَدْنَى} فأبصرته بقلبي ولم أره بعيني، فسمعت أذاناً مثنى مثنى، واقامة وتراً وتراً، فسمعت منادياً ينادي: يا ملائكتي وسكان سماواتي وارضي وحملة عرشي اشهدوا اني لا إله إلاّ انا وحدي لا شريك لي، قالوا: شهدنا وأقررنا، قال: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وارضي وحملة عرشي بأن محمّداً عبدى ورسولي، قالوا: شهدنا واقررنا، قال: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وارضي وحملة عرشي بأن عليّاً وليي وولي
ولذلك كان الإمام عليّ (عليه السلام) في أيّام خلافته يلمح ويشير إلى أنّ حذف ” حيّ على خير العمل ” كان جوراً عليه وعلى الإسلام، فكان إذا سمع مؤذّنه يقول ” حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل ” قال: مرحباً بالقائلين عدلاً(٢)، معرّضاً بمن رفعها، لأنّ عليّاً هو خير العمل وهو العدل الذي يدور مع القرآن حيثما دار ويدور معه القرآن أيضاً.
والذين ظنوا أنّ الصلاة تقتصر على شكلها الظاهري دون المحتوى الذي هو الطاعة(٣) سعوا إلى ترسيخ فكرة أن هل البيت ومودتهم ليست خير العمل، فكان لحذفها من الأذان مغزى عرفه أهل البيت فأنكروا حذفها، كما عرفه مخالفوهم فأصروا على حذفها.
٣- أي طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة وليّه، والأخيران منتزعان من الأولى، وقد مرّ عليك قوله (صلى الله عليه وآله): من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصى علياً فقد عصاني، وقوله (صلى الله عليه وآله): فاطمة بضعة مني… فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله جلّ وعلا.
وقد سئل الشريف المرتضى: “هل يجب في الأذان بعد قول «حيّ على خير العمل» “محمّد وعلي خير البشر”؟ فأجاب قائلا: “إن قال: محمّد وعلي خير البشر ـ على أنّ |
وإن قوله تعالى {وإذا مَرِضتُ فهو يشفين} لا يعارض ما جاء من الشفاء بالقرآن في قوله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شِفاء} وبالعسل {فيه شفاء للناس}.
وكذا قوله: {قل لا يَعْلمُ من في السماوات والأرض الغيبَ إلاّ الله} فإنه لا يعارض قوله {وما كان الله ليُطلعكم على الغيب ولكنّ الله يجتبي من رُسُلِه مَن يَشاء} وإلى غيرها من عشرات الآيات.
فلا تخالُفَ إذاً بين نسبة الافعال إلى الله جل جلاله ونسبتها في الوقت نفسه إلى غيره، فلا يخالف قوله: {أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} مع قوله: {وارزقوهم فيها واكْسُوهُم} وكلاهما من كلام الباري. ومن هنا تأتي مسألة التوحيد، فتوحيد الطاعة هو يعني لزوم إطاعة من أمر الله بطاعته، ومن لا يطيع الرسول وأولي الأمر المفروض طاعتهم فانه لم يطع الله لقوله تعالى: {وما ارسلنا من رسول إلاّ ليطاع بإذن الله} وهذا لا يخالف قوله: {وما أُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين} فطاعة من أمر الله بطاعته هي طاعة لله، ومن لم يطع الله ورسوله ومَن أَمر الله بطاعته لم يوحّد الله تعالى حق توحيده.
وعليه فطاعة أحدهما جاء على وجه الاستقلال، والآخر على أنّه مظهر أمره سبحانه، وليس هذا بشرك أو مغالاة كما يدّعون، بل هو عين الإيمان وكمال الدين.
ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان ـ جاز”(١). |
وهذا يعني أنّ هذا التفسير لحي على خير العمل كان سائداً في لسان المتشرعة منذ زمن أهل البيت وحتّى يومنا هذا.
وقد أفتى القاضي ابن البرّاج باستحباب ذكر هذا التفسير، فقال: ويستحب لمن أذّن أو أقام أن يقول في نفسه عند «حيّ على خير العمل»: “آل محمّد خير البرية”، مرتين(٢).
|
وكون عليّ (عليه السلام) هو المراد من «حيّ على خير العمل»، والنبيّ من “حيّ على الفلاح”، وطاعة الرب وعبادته من “حيّ على الصلاة”، فيه من وجوه البلاغة ما لا يخفى، إذ فيه من انواع البديع ما يسمّى بالتلميح، وهو أن يشار في الكلام إلى آية من القرآن أو حديث مشهور أو شعر مشهور أو مثل سائر أو قصة أو معنى معروف، من غير ذكر شيء من ذلك صريحاً. وأحسنه وأبلغه ما حصل به زيادة في المعنى المقصود.
قال الطيبي في التبيان: ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} قال جارالله الزمخشري: قوله: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} فيه دلالة على تفضيل محمّد (صلى الله عليه وآله) وهو خاتم الأنبياء، وأنّ أمته خير الأمم، لأنّ ذلك مكتوب في الزبور، قال تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}، |
قال: وهو محمّد (صلى الله عليه وآله) وأمته(١). |
فهنا ألمح الله سبحانه وتعالى لعباده بأن الصلاة له لا لغيره، وأنّ الفلاح الذي قامت به الصلاة هو اتباع رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله)، لا الاجتهاد مقابل النص، وان خير العمل هو الإيمان بالإمامة والولاية لعلي (عليه السلام) التي هي امتداد للنبوة والتوحيد، وبها قوام العبادات التي عمودها الصلاة.
وهناك عشرات إن لم تكن مئات الأدلّة على أنّ خير العمل ولاية عليّ، وان ضربته يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين، وأنّ الاعمال لا تُقبل إلاّ بولايته، ومعان أخرى متّصلة بهذا الموضوع. وقولنا في الأذان «حيّ على خير العمل» فيه تلميح لكل تلك المعاني التي صدع بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حق عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه.
والواقع أن كون أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب هو خير البشر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّما هو معنىً قرآني نطقت به آية من سورة “البيّنة” المباركة، وصرّح به النبيّ (صلى الله عليه وآله) في تفسير الآية، وتداولته المصادر السنيّة، وكان هذا المعنى ممّا آمن به كبار من الصحابة المعروفين، حتّى صار في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) جزءً من الثقافة الإيمانيّة القرآنية السائدة.
فقد روى الطبري بإسناده عن محمّد بن عليّ الباقر لما نزل قوله تعالى {أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيِّةِ} قال النبيّ: أنت يا عليّ وشيعتك(٢).
وبعد كلّ هذا تعلم أنّ قول “محمّد وآل محمّد خير البرية” أو “محمّد وعليّ خير البشر” عند الحيعلة الثالثة أو بعدها إنّما هو توضيح لمعناها الذي حاول الحكام كتمه، وأن هذا التوضيح والتفسير ما هو إلاّ استلهام من نصوص القرآن والسنّة، وسيرٌ على الخطوات الصحيحة التي رسمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمته.
وستعلم بما لا مزيد عليه ـ في الباب الثالث من هذه الدراسة “اشهد أن عليّاً ولي الله بين الشرعية والابتداع” ـ أن إتيان الأئمّة: وأتباعهم بهذه العبارات ما هو إلاّ تفسير لمعنى الحيعلة الثالثة، وهو من قبيل الإتيان بتفسـير بعض الآيات تفسـيراً مرتبطاً بنصّ الآية ونسقها، وهذا النوع من التفسير ممّا تحفل به كتب الفريقين بلا أدنى ريـب(٢)، وهو التفسير المقبول الذي اصطلح على تسميته البعض بـ “التفسير السِّياقي”.
وحديث عائشة موجود في صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وسنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب وقت صلاة العصر، وسنن الترمذي، كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة، وسنن النسائي، كتاب الصلاة، باب المحافظة على صلاة العصر، وموطأ مالك، كتاب الصلاة، باب صلاة الوسطى، وتفسير الآية في الدر المنثور ١: ٣٠٢ و٣٠٣، وفي فتح الباري ٩: ٢٦٥، ومسند أحمد ٦: ٧٣ و٨٧٨ منه.
أما حديث حفصة فانظر فيه: موطأ مالك كتاب الصلاة، باب الصلاة الوسطى، ومصنف عبدالرزاق، كتاب الطهارة، باب صلاة الوسطى ح ٢٢٠٢، وتفسير الطبري ٢: ٣٤٣، والدر المنثور ١: ٣٠٢، والمصاحف لابن أبي داود: ٨٥ ـ ٨٦.
أما حديث أُم سلمة، فانظر فيه: الدر المنثور ١: ٣٠٣، والمصاحف لابن أبي داود: ٨٧.
وقد قرأ ابن عباس وابن مسعود وأبيّ بن كعب وعلي بن أبي طالب قوله تعالى {فما استمتعتم به منهنّ فاتوهنّ أجورهنّ إلى أجل مسمى}.
وانظر: قراءة ابن عباس في المعجم الكبير ١٠: ٣٢٠، والسنن الكبرى ٧: ٢٠٥، والمستدرك للحاكم ٢: ٣٠٥، والجامع لاحكام القرآن للقرطبي ٥: ١٣٠، والكشاف ١: ٥١٩.
وفي قراءة ابن مسعود. انظر نيل الأوطار ٦: ٢٧٤، وشرح النووي على صحيح مسلم ٦: ١١٨.
وفي قراءة أبي بن كعب. انظر جامع البيان للطبري ٥: ١٩، والدر المنثور ٢: ١٣٩. وهي قراءة علي كذلك.
بل إن تصر يح الإمام الباقر والإمام زيد وغيرهما بأن عمر بن الخطاب كان وراء رفع «حيّ على خير العمل» إنّما ينم عن الظروف القاسية العصيبة التي جعلت المعاجم الحديثية السنية تكاد تخلو من أمثال هذه الأحاديث رغم ثبوتها على عهد رسول الله ; فرأينا أنّه لا محيص من الرجوع إلى التاريخ، للوقوف على