الأذان بين الأصالة والتحريف / الصفحات: ٣٦١ – ٣٨٠
الله(١)… |
ولتأكيد وجود الخلاف الفقهي العقائدي في تلك البرهة من التاريخ إليك كلام المقريزي في (المواعظ والاعتبار) عند ذكره مذاهب أهل مصر ونِحَلِهم، قال:
قال أبو عمر الكندي في كتاب (أمراء مصر): ولم يَزَل أهل مصر على الجهر بالبسملة في الجامع العتيق إلى سنة ثلاث وخمسين ومائتين (٢٥٣ هـ)، قال: ومنع أرجون صاحب شرطة مزاحم بن خاقان أمير مصر من الجهر بالبسملة في الصلوات بالمسجد الجامع، وأمر الحسين بن الربيع إمام المسجد الجامع بتركها وذلك في رجب سنة ثلاث وستّين ومائتين (٢٦٣ هـ)، ولم يَزَل أهل مصر على الجهر بها في المسجد الجامع منذ الإسلام إلى أن منع منها أرجون.
إلى أن يقول:… إلى أن قدم القائد جوهر من بلاد إفريقية في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة (٣٥٨ هـ) بجيوش مولاه المعز لدين الله أبي تميم معدّ وبنى مدينة القاهرة، فمن حينئذ فشا بديار مصر مذهب الشيعة، وعمل به في القضاء وأنكر ما خالفه، ولم يبقَ مذهب سواه، وقد كان التشيّع بأرض مصر معروفاً قبل ذلك. قال أبو عمر الكندي في كتاب الموالي، عن عبدالله بن لهيعة أنه قال: قال يزيد بن أبي حبيب: نشأت بمصر وهي |
اذاً يمكن تلمس النهج السني في تصرف الدولتين الاموية والعباسية، ثمّ بعدهم السلجوقيّة والنوريّة والصلاحيّة والعثمانيّة، وهذه الدول كانت تسعى لتطبيق ما شُرّع على عهد الخلفاء وما دوّن لهم في عهد عمر بن عبدالعزيز ـ لقول الزهري: (كنّا نكره تدوين الحديث حتّى أكرهنا السلطان على ذلك، فكتبناه وخفنا أن لا نكتبها للناس) ـ وأخذوا بالمذاهب الأربعة فقط، اعتقاداً منهم بأنّ أقوال أربابها هي الدين الحق، غافلين عن دور الحكّام في تأصيل أصول تلك الأحكام الشرعية، كتدوين الحديث، وحصر المذاهب بالأربعة وسوى ذلك.
وفي المقابل نرى النهج العلوي بأمرائه وجماهيره وعلمائه وفقهائه يسعون ـ عند وصولهم إلى الحكم ـ لتطبيق ما عرفوه من سنة رسول الله ونهج الإمام عليّ، فيصرّون على الإتيان بالحيعلة الثالثة مثلاً ويأبَون بِدعيتها، وهكذا الأمر في غيرها من المسائل المختلف فيها.
وهذا التخالف بين الجناحين يومئ إلى أنّ الخلاف بين الحكومات العلويّة الشيعيّة والحكومات السنيّة على مرّ التاريخ كان يدور في محاور عقائديّة فكرية استراتيجيّة، مضافاً لما بينهما من خلاف حول الخلافة، لأنّ كلّ واحد من الطرفين يستدل على صحّة عمله بأقوال وأفعال من يعتقد به من الصحابة أو أهل البيت.
وعليه فلا يجوز أن نتغافل عن جذور الحيعلة الثالثة وأشباهها في كتب الفقه والحديث والتاريخ، بل بذكرنا خلافيات الفريقين يمكن الوقوف على جواب سؤالنا السابق، وأن هذه الأمور هي تشريعات ذات أبعاد سياسية عقائدية.
ولا يمكننا أن ننكر أنّ الشيعة قد كانوا يَمَسّون الصحابة في بعض الأحيان ; لما
إنّ كلامنا هذا يرمي إلى بيان البُنَى التحتية للفريقين، دون الخوض في أصل شرعية حكم الفاطميين أو عدم شرعية حكم العباسيين أو العكس وإلى البحث عن مدى صحّة ما روي عنه (صلى الله عليه وآله): اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، أو أن حكم البسملة هو الجهر أم الإخفات، وهل يجوز المسح على الخفين أم لا؟ إذ أن شرعية هذه الأحكام وعدمها سبقت هذه المرحلة، وإن ديمومية هذا الخلاف من قبل الفريقين ينبئ عن وجود أصل مختلف فيه بينهما، لا كما يصورونه من عدم وجود أصل فيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو عن حكومات غير المتعبّدين.
الأندلس “ما بعد سنة ٣٠٠ هـ”
ذكر ابن حزم الاندلسي في (نَقْط العروس في تواريخ الخلفاء) تحت عنوان: مَن خَطَب لبني العبّاس أو لبني عليّ بالأندلس، فقال:
عمر بن حفصون خطب في أعماله بريَّةَ(١) لإبراهيم بن قاسم بن إدريس بن
حلب / مصر (سنة ٣٤٧ هـ)
قال المقريزي في (المواعظ والاعتبار): “… وأوّل مَن قال في الأذان بالليل: ” محمّد وعليّ خير البشر “(٢) الحسين المعروف ” بأمير ابن شكنبة “، ويقال اشكنبة، وهو اسم اعجميّ معناه: الكرش، وهو: عليّ بن محمّد بن عليّ بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، وكان أوّل تأذينه بذلك في أيّام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، قاله الشريف محمّد بن أسعد الجوباني النسّابة.
ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه ” حيَّ على خير العمل، ومحمّد وعليّ خير البشر ” إلى أيّام نور الدين محمود، فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن عليّ بن الحسن بن محمّد البلخي الحنفي إليها، فجاء ومعه جماعة من الفقهاء، وألقى بها الدروس، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم: مُرُوهم يؤذّنوا الأذان المشروع(٣)، ومن امتنع كُبّوه على رأسه، فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به، واستمر الأمر على ذلك.
وأمّا مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم [ يعني الشيعة الفاطميين ] إلى أن استبدّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوّب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة
٣- يعني به الذي ليس فيه ” حيّ على خير العمل، المفسر بمحمد وعلي خير البشر “!
روى ابن ظافر في أحداث سنة أربع وخمسين وثلاثمائة أن سيف الدولة صاهر أخاه ناصر الدولة، فزّوج ابنيه أبا المكارم وأبا المعالي بابنتَي ناصر الدولة، وزوج أبا تغلب بابنته ” ستّ الناس ” وضرب دنانير كبيرة، في كلّ دينار منها ثلاثون ديناراً وعشرون وعشرة عليها مكتوب: ” لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله. أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. فاطمة الزهراء. الحسن. الحسين. جبريل: “. وعلى الجانب الآخر ” أمير المؤمنين المطيع لله. الأميران الفاضلان: ناصر الدولة، سيف الدولة. الأميران أبو تغلب وأبو المكارم “(٢).
وواضح ممّا تقدم أنّ الشيعة كانوا يعلنون عن معتقداتهم بكل رصانة وهدوء
وفي ثامن عشر ذي الحجّة من سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة (٣٥٢ هـ) عُمل عيد غدير خُمّ وضُربت الدبادب، وأصبح الناس إلى مقابر قر يش للصلاة هناك، وإلى مشهد الشيعة(٢).
القاهرة (سنة ٣٥٦ هـ)
جاء في كتاب (المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار) للمقريزي: “… وفي شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة أُخذ رجل يعرف بابن أبي الليث يُنسَب إلى التشيع فضُرب مائتي سوط ودَرّة.
ثمّ ضرب في شوّال خمسمائة سوط ودَرّة، وجُعل في عنقه غِلّ وحُبِس، وكان يُتفقَّد في كلّ يوم لئلا يُخفّف عنه، ويُبصَق في وجهه، فمات في محبسه، فحُمل ليلاً ودفن.
ولما دخل جوهر القائد بعساكر المعزّ لدين الله إلى مصر وبنى القاهرة أظهر مذهب الشيعة، وأذّن في جميع المساجد الجامعة وغيرها ” حيّ على خير العمل ” وأعلن بتفضيل عليّ بن أبي طالب على غيره، وجهر بالصلاة عليه وعلى الحسن والحسين وفاطمة الزهراء رضوان الله عليهم…
وفي ربيع الأوّل سنة اثنين وستّين عَزّر سليمانُ بن عروة المحتسب جماعة من الصيارفة، فشغبوا وصاحوا: معاوية خال عليّ بن أبي طالب، فهمّ جوهر أن يحرق رحبة الصيارفة لكن خشي على الجامع، وأمر الإمام بجامع مصر أن يجهر بالبسملة في الصلاة، وكانوا لا يفعلون ذلك، وزِيدَ في صلاة الجمعة القنوت في الركعة الثانية، وأمر في المواريث بالردّ على ذوي الأرحام، وأن لا يرث مع البنت أخ ولا أخت ولا عمّ ولا جدّ، ولا ابن أخ ولا ابن عم، ولا يرث مع الولد الذكر أو الأنثى إلاّ الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة، ولا يرث مع الأمِّ إلاّ من يرث مع الولد أو الأنثى إلاّ الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة، ولا يرث مع الأم إلاّ من يرث مع الولد.
وخاطب أبو الطاهر محمّد بن أحمد ـ قاضي مصـر ـ القائـدَ جوهـراً في بنت
القاهرة (سنة ٣٥٨ هـ)
قال ابن خلّكان في وفيات الأعيان: أقيمت الدعوة للمعزّ في الجامع العتيق، وسار جوهر إلى جامع ابن طولون، وأمر بأن يؤذّن فيه بـ ” حيّ على خير العمل ” وهو أوّل ما أذّن، ثمّ أذّن بعده بالجامع العتيق، وجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم(٢).
وقال بعده: وفي يوم الجمعة الثامن من ذي القعدة أمر جوهر بالزيادة عقيب الخطبة: اللّهم صلّ على محمّد المصطفى، وعلى عليّ المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطَي الرسول، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، اللّهمّ صلّ على الأئمّة الطاهرين آباء أمير المؤمنين(٣).
وجاء في (المنتظم) في حوادث سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة:.. ودخل جوهر إلى مصر يوم الثلاثاء لثلاث عشر ليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وخمسين، وخطب لبني عبيد في الجامعين بفسطاط مصر وسائر أعمالها يوم الجمعة لعشر ليال بقين من شعبان هذه السنة، وكان الخاطب في هذا اليوم عبدالسميع بن عمر العباسي.
وقد أشار محقق الكتاب في الهامش إلى نصّ كتاب جوهر لأهل مصر نقتطف
٣- وفيات الأعيان، لابن خلكان ١: ٣٧٩.
وفي (مآثر الإنافة) للقلقشندي قال:… دخل جوهر قائد المعزّ الفاطمي إلى مصر سنة ٣٥٨ واستولى عليها وأذّن بـ ” حيّ على خير العمل ” وقطع الخطبة للعباسيين(٣).
وفي (تاريخ الخلفاء) للسيوطي قال:… لمّا مات كافور الاخشيدي صاحب مصر اختلّ النظام وقلّت الأموال على الجند، فكتب جماعة إلى المعزّ [ الفاطمي ]يطلبون منه عسكراً ليسلّموا إليه مصر، فأرسل مولاه جوهراً القائد في مائة ألف فارس فملكها… وقطع خطبة بني العبّاس ولبس السواد وألبس الخطباء البياض، وأمر أن يقال في الخطبة: ” اللّهم صلّ على محمّد المصطفى، وعلى عليّ المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول، وصلّ
٣- مآثر الانافة للقلقشندي ١: ٣٠٧.
قال الذهبي: ظهر في هذا الوقت الرفض وأبدى صفحته وشمخ بأنفه في مصر والحجاز والشام والمغرب بالدولة العبيديّة، وبالعراق والجزيرة والعجم ببني بويه، وكان الخليفة المطيع ضعيف الدست والرتبة مع بني بويه، وأعلن الأذان بالشام ومصر بـ ” حيّ على خير العمل “.
وفي (البداية والنهاية) لابن كثير… دخل أبو الحسين جوهر القائد الرومي في جيش كثيف من جهة المعزّ الفاطمي إلى ديار مصر يوم الثلاثاء لثلاث عشر بقيت من شعبان، فلمّا كان يوم الجمعة خطبوا للمعزّ الفاطمي على منابر الديار المصريّة وسائر أعمالها، وأمر جوهر المؤذنين بالجوامع أن يؤذنوا بـ ” حيّ على خير العمل ” وان يجهر الأئمّة بالتسليمة الأولى(٤).
جامع ابن طولون / مصر (سنة ٣٥٩ هـ)
قال النويري في (نهاية الاَرب في فنون الأدب):… وفي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة في يوم الجمعة لثمان خَلَون من شهر ربيع الآخر، صلّى القائد جوهر في
٣- نهاية الارب في فنون الادب / الفن ٥ / القسم ٥ / الباب ١٢ اخبار الملوك العبيديون.
٤- البداية والنهاية ١١: ٢٨٤.
وقال ابن الأثير في الكامل:… وفي جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين وثلاثمائة سار جوهر إلى جامع ابن طولون وأمر المؤذن فأذن بـ ” حيّ على خير العمل ” وهو أوّل ما أذن بمصر، ثمّ أذن بعده في الجامع العتيق وجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم(٣).
وفي (شذرات الذهب) لابن العماد الحنبلي:… في ثامن عشر من ربيع الآخر سنة ٣٥٩ صلّى القائد جوهر في جامع ابن طولون بعسكر كثير، وخطب عبدالسميع بن عمر العباسي الخطيب وذكر أهل البيت وفضائلهم رضي الله عنهم، ودعا للقائد جوهر، وجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحيم، وقرأ سورة الجمعة والمنافقين في الصلاة، وأذن بـ ” حيّ على خير العمل ” وهو أوّل ما أُذّن به بمصر… وقنت الخطيب في صلاة الجمعة، وفي جمادى الأولى من السنة المذكورة أذنوا في جامع مصر العتيق بـ ” حيّ على خير العمل “(٤).
وقال المقريزي في (المواعظ والاعتبار):… وكان الأذان أولاً بمصر كأذان أهل المدينة وهو الله أكبر، الله أكبر وباقيه كما هو اليوم، فلم يزل الأمر بمصر على
٣- الكامل في التاريخ ٧: ٣١.
٤- شذرات الذهب ٣: ١٠٠.
وأنكر جوهر على عبدالسميع أنه لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في كلّ سورة، ولا قرأها في الخطبة، فأنكره جوهر ومنعه من ذلك.
ولأربع بقين من جمادى الأولى المذكور أذّن في الجامع العتيق بـ ” حيّ على خير العمل “، وجهروا في الجامع بالبسملة في الصلاة، فلم يزل الأمر على ذلك طول مدة الخلفاء الفاطميين ; إلاّ أنّ الحاكم بأمر الله في سنة أربعمائة أمر بجمع مؤذّني القصر، وسائر الجوامع وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي، وقرأ أبو عليّ العباسي سجلاًّ فيه الأمر بترك ” حيّ على خير العمل ” في الأذان، وأن يقال في صلاة الصبح: الصلاة خير من النوم، وأن يكون ذلك من مؤذّني القصر عند قولهم: ” السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله “(٢).
وفي تاريخ الخلفاء: في ربيع الآخر سنة ٣٥٩ أذّنوا بمصر بـ ” حيّ على خير العمل “(٣).
دمشق (سنة ٣٦٠ هـ)
قال الذهبي في تاريخ الإسلام:… وفي صفر أعلن المؤذّنون بدمشق ” حيّ على خير العمل ” بأمر جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ بالله، ولم يجسر أحد على مخالفته، وفي جمادى الآخرة أمرهم بذلك في الإقامة فتألم الناس لذلك فهلك لِعامِهِ والله أعلم(٤).
٣- تاريخ الخلفاء: ٤٠٢.
٤- تاريخ الإسلام: ٤٨ حوادث ٣٥١ ـ ٣٨٠ هـ.
وقال ابن كثير في (البداية والنهاية):… استقرّت يد الفاطميين على دمشق في سنة ٣٦٠، وأذّن فيها وفي نواحيها بـ ” حيّ على خير العمل ” أكثر من مائة سنة، وكتب لعنة الشيخين على أبواب الجوامع بها وأبواب المساجد.
وفي مصر خطب جوهر لمولاه وقطع خطبة بني العبّاس، وذكر في خطبته الأئمّة الاثني عشر وأمر فأذّن بـ ” حيّ على خير العمل “(٢).
وقال بعد ذلك: وفيها أذن بدمشق وسائر الشام بـ ” حيّ على خير العمل “، قال ابن عساكر في ترجمة جعفر بن فلاح نائب دمشق: وهو أوّل من تأمّر بها عن الفاطميين:
أخبرنا أبو محمّد الأكفاني، قال: قال أبو بكر أحمد بن محمّد بن شرام: وفي يوم الخميس لخمس خَلَونَ من صفر من سنة ٣٦٠ أعلن المؤذّنون في الجامع بدمشق وسائر مآذن البلد وسائر المساجد بحيّ على خير العمل بعد حيّ على الفلاح، أمرهم بذلك جعفر بن فلاح ولم يقدروا على مخالفته، ولا وجدوا من المسارعة إلى طاعته بُدّاً.
وفي يوم الجمعة الثامن من جمادى الآخرة أُمر المؤذّنون أن يُثنّوا الأذان
وفي صفر أعلن المؤذّنون بـ ” حيّ على خير العمل ” بأمر القائد جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ الفاطمي، ولم يجسر أحد على مخالفته، ثمّ في جمادى الآخرة أمرهم ابن فلاح المذكور بذلك في الإقامة فتألم الناس(٢).
وقال أيضاً:… وفيها (أي سنة ٣٦٠) قتل جعفر بن فلاح وهو أوّل أمير ولي دمشق لبني عبيد المغربي، والعجب أن القرمطي أبا محمّد الحسن بن أحمد لمّا قتله بكى عليه ورثاه لأنهما يجمع بينهما التشيّع(٣).
وقد كتب المقريزي عن المعزّ لدين الله: أنه لمّا دخل مصر أمر في رمضان سنة اثنين وستّين وثلاثمائة فكتب على سائر الأماكن بمدينة مصر: ” خير الناس بعد رسول الله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) “(٤).
٣- النجوم الزاهرة ٤: ٥٧.
٤- المواعظ والاعتبار ٢: ٣٤٠ ـ ٣٤١.
حلب (سنة ٣٦٧ هـ)
جاء في زبدة الحلب من تاريخ حلب لابن أبي جرادة الشهير بابن العديم المتوفّى سنة ٦٦٠:… وانهزم (بكجور) إلى القلعة فاستعصى بها وذلك في رجب سنة خمس وستّين وثلاثمائة، ثمّ أقام سعد الدولة يحاصر القلعة مدة حتّى نفذ ما فيها من القوت، فسلمها (بكجور) في شهر ربيع الآخر من سنة سبع وستين وثلاثمائة.
وولى سعدُ الدولة بكجورَ حمص وجندها، وكان تقرير أمر بكجور بين سعد الدولة وبينه على يد أبي الحسن عليّ بن الحسين بن المغربي الكاتب والد الوزير أبي القاسم.
واستقرّ أمر سعد الدولة بحلب، وجدّد الحلبيّون عمارة المسجد الجامع بحلب، وزادوا في عمارة الأسوار في سنة سبع وستين. وغيَّر سعدٌ الأذانَ بحلب وزاد فيه: ” حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر “، وقيل: أنه فعل ذلك في سنة تسع وستين وثلاثمائة، وقيل: سنة ثمان وخمسين. وسير سعد الدولة في سنة سبع وستين وثلاثمائة الشريف أبا الحسن إسماعيل بن الناصر الحسني يهنّئ عضد الدولة بدخوله مدينة السلام(١).
وقال أبو الفداء في (اليواقيت والضرب في تاريخ حلب):… وأقام سعد الدولة يحاصر القلعة مدّة حتّى نفذ ما فيها من القوت، فسلّمها بكجور إليه في شهر ربيع الآخر سنة ٣٦٧، وولى سعد الدولة بكجور حمص وجندها. وكان تقرير أمر
ملتان ـ الهند (قبل سنة ٣٨٠ هـ)
قال المقدسي المتوفّى (٣٨٠هـ) في كتابه (أحسن التقاسيم في معرفة الاقاليم) ضمن حديثه عن إقليم السند:
الملتان تكون مثل المنصورة غير أنّها أعمرة ليست بكثيرة الثمار غير أنّها رخيصة الأسعار، الخبز ثلاثون منّاً بدرهم، والفانيد ثلاثة أمنان بدرهم، حسنة تُشاكل دور سيراف من خشب الساج طبقات، ليس عندهم زنا ولا شرب خمر، ومن ظفروا به يفعل ذلك قتلوه، أو حدّوه، ولا يكذبون في بيع، ولا يبخسون في كيل، ولا يخسرون في وزن، يحبّون الغرباء، وأكثرهم عرب، شربهم من نهر غزير، والخير بها كثير، والتجارات حسنه، والنعم ظاهرة، والسلاطين عادلة، لا ترى في الأسواق متجملة، ولا أحد يحدّثها علانية… إلى ان يقول:
وأهل الملتان شيعة يحيعلون في الأذان ويُثنّون في الإقامة، ولا تخلو القصبات من فقهاء على مذهب أبي حنيفة وليس به مالكية ولا معتزلة، ولا عمل للحنابلة، إنّهم على طريقة مستقيمة، ومذاهب محمودة، وصلاح وعفّة، قد أراحهم
مصر (سنة ٣٩٣ هـ)
شرح ابن خلدون حال الحاكم بأمر الله العبيدي الذي ولي الخلافة (٣٨٦ ـ ٤١١) فقال:… وأمّا مذهبه في الرافضة فمعروف، ولقد كان مضطرباً فيه مع ذلك، فكان يأذن في صلاة التراويح ثمّ ينهى عنها، وكان يرى بعلم النجوم ويُؤثِره. ويُنقل عنه أنه منع النساء من التصرف في الأسواق، ومنع من أكل الملوخيا، ورفع إليه أن جماعة من الروافض تعرّضوا لأهل السنّة في التراويح بالرجم، وفي الجنائز، فكتب في ذلك سجلاً قُرئ على المنبر بمصر كان فيه: أمّا بعد، فإنّ أمير المؤمنين يتلو عليكم من كتاب الله المبين {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}…
إلى أن يقول: يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون، صلاة الخمس للدين بها جاءهم فيها يصلون، وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها، ولا هم عنها يُدَفعون، يخمّس في التكبير على الجنائز المخمّسون، ولا يمنع من التكبير عليها المربّعون، يؤذن بـ ” حيّ على خير العمل ” المؤذّنون، ولا يؤذى من بها لا يؤذنون… ولا يؤذن من بها لا يؤذنون… والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كتب في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة(٢).
وقال ابن الأثير في الكامل عن سبب قتله “… وقيل كان سبب قتله أنّ أهل مصر كانوا يكرهونه لما يظهر منه من سوء أفعاله، فكانوا يكتبون إليه الرِّقاع فيها
وبنى الجامع براشدة، وأخرج إلى الجوامع والمساجد من الآلات والمصاحف، والستور والحصر ما لم ير الناس مثله، وحمل أهل الذمة على الإسلام، أو المسير إلى مأمنهم، أو لبس الغيار، فأسلم الكثير منهم، ثمّ كان الرجل منهم بعد ذلك يلقاه فيقول له: إني أريد العود إلى ديني، فيأذن له، ومنع النساء من الخروج من بيوتهن…(١)
وممّا يجب التنويه به هنا هو أن الحكام ـ بوصفهم حكّاماً ـ قد يتخذون بعض المواقف لمصلحة، وقد تتدخل السياسة في بعض تصرفاتهم، ولا أستثني الفاطميين من العباسيين أو العكس، فهم بشر كغيرهم لهم ميولاتهم ونزعاتهم، ولا يمكن النجاة من ذلك إلاّ بالإمام المعصوم.
بل الذي ذكرناه أو نذكره ما هو إلاّ بيان لامتداد النهجين، وإن استُغلّ من قبل الحكام في بعض الحالات.
اليمامة (سنة ٣٩٤ هـ)
ذكر ناصر خسرو المروزي الملقّب بحجّة المتوفّى سنة ٤٥٠ هـ في رحلته