بحوث قرآنية في التوحيد والشرك / الصفحات: ١٤١ – ١٦٠
وهذا هو(صلى الله عليه وآله وسلم) ينعي جعفراً، وزيد بن حارثة، وعبد اللّهبن رواحة، وعيناه تذرفان.(٣)
وهذا هو(صلى الله عليه وآله وسلم) زار قبر أُمّه وبكى عليها وأبكى من حوله.(٤)
وهذا هو(صلى الله عليه وآله وسلم) يقبّل عثمان بن مظعون وهو ميّت ودموعه تسيل على خدّه.(٥)
وهذا هو(صلى الله عليه وآله وسلم) يبكي على ابن لبعض
٣ ـ صحيح البخاري: كتاب المناقب في علامات النبوّة في الاِسلام؛ سنن البيهقي:٤/٧٠.
٤ ـ سنن البيهقي: ٤/٧٠؛ تاريخ الخطيب البغدادي: ٧/٢٨٩.
٥ ـ سنن أبي داود:٢/٦٣؛ سنن ابن ماجة:١/٤٤٥.
وهذه صفيّة بنت عبد المطّلب تبكي عليه وترثيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول:
أفاطمُ بكّي ولا تسأمي | بصحبك ما طلع الكوكبُ |
هو المرء يُبكى وحقّ البكاء | هو الماجد السيّد الطيِّب |
وتقول:
أعينيّ ! جودا بدمع سجْم | يبادر غرباً بما منُهدمْ |
أعينيّ ! فاسحنفرا وأسكبا | بوجدٍ وحزنٍ شديد الاَلمْ |
وهذه هند بنت الحارث بن عبد المطّلب تبكي عليه وترثيه وتقول:
يا عين جودي بدمع منك وابتدري | كما تنزّل ماء الغيث فانثعبا |
وهذه هند بنت أثاثة ترثيه وتقول:
ألا يا عين ! بكّي لا تملّي | فقد بكر النعيُّ بمن هويتُ |
وهذه عاتكة بنت زيد ترثيه وتقول:
وأمست مراكبه أوحشت | وقد كان يركبها زينها |
وأمست تُبكّي على سيِّد | تردَّد عبرتها عينها |
وهذه أُمّ أيمن ترثيه(صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول:
عين جودي فإنّ بذلك للدمـ | ـع شفاء فاكثري من بكاء |
بدموع غزيرة منك حتّى | يقضي الله فيك خير القضاء |
وهذه عمّة جابر بن عبد اللّه جاءت يوم أُحُد تبكي على أخيها عبد اللّه بن عمر، وقال جابر: فجعلتُ أبكي وجعل القوم ينهوني ورسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينهاني، فقال رسول اللّه ص: أبكوه ولا تبكوه فواللّه ما زالت الملائكة تظلّله بأجنحتها حتى دفنتموه.(١)نعم روي عن عمر بن الخطّاب وعبد اللّه بن عمر أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنّ الميّت يعذَّب ببكاء أهله».(٢)
أقول: إنّ ظاهر هذا الحديث يخالف فعل الخليفة في مواطن كثيرة أثبتها التاريخ.
منها: أنّه بكى على النعمان بن مقرن المزني لَمّا جاءه نعيه فخرج ونعاه إلى الناس على المنبر ووضع يده على رأسه يبكي.(٣)
ومنها:بكاوَه على خالد بن الوليد عند ما مات وامتنعت النساء
٣ ـ العقد الفريد لابن عبد ربّه الاَندلسي:٣/٢٣٥.
نعم من الواضح انّه ليس لاَحد بذاته حقّ على اللّه تعالى، حتى لو عبد اللّه قروناً طويلة، لاَنّ كلّما للعبد من حول و قوة، ونعمة فهو للّه تعالى فلم يُبذل العبد شيئاً من نفسه في سبيل اللّهحتى يستحق بذاته الثواب.
فإذاً فما معنى الحقّ؟
والجواب: انّالمقصود من الحقّ في هذه الاَدعية أو الاَحاديث هو المنزلة التي يمنحها اللّه لعباده مقابل طاعتهم وانقيادهم، لكن بتفضّل وعناية منه، لا بإستحقاق من العبد، فالحقّ الذي يُقسَم به على اللّه حق، جعله اللّه على ذمته لا انّالعبد استحق حقاً على اللّه، ونظير هذا استقراضه سبحانه من عبده، يقوله: (مَنْ ذَا الَّذي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً) .(٣)
إنّهذا التعبير نابع من لطفه سبحانه وعنايته الفائقة بعباده الصالحين حتى يعتبر ذاته المقدسة مديوناً لعباده، وعبادَه دُيّاناً أصحاب الحق، ففي هذا الاَمر من الترغيب والتشجيع إلى طاعة اللّه ما لا يخفى.
٣ ـ البقرة/٢٤٥.
فلو كان الحلف بغير اللّه شركاً وأمراً قبيحاً، فكيف يصدر منه سبحانه وقد وصف الشرك بالفحشاء، وقال: (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) .(٣)
والقبيح قبيح مطلقاً دون فرق بين ارتكابه من قِبل الخالق أو المخلوق، وهذا يُعرب عن أنّ الحلف بغير اللّه سبحانه إذا كان لغاية عقلائية أمر لا محذور فيه.
ثمّ إنّ الغاية ـ غالباًـ من حلفه سبحانه بالاَُمور الكونية هي الاِشارة إلى الاَسرار المكنونة فيها ودعوة الناس إلى الامعان فيها وكشف رموزها، ولكن الغاية في حلف الاِنسان بالذوات القدسية ـ وراء الاشارة إلى قدسيّتهم ـ هي امّا الترغيب أو الترهيب أو كسب ثقة المقابل.
وإذا عطفنا النظر إلى السنة النبوية نجد انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يحلف
٣ ـ الاَعراف/٢٨.