الرئيسية / من / طرائف الحكم / هويّة التشيّع للشيخ الوائلي رحمة الله عليه

هويّة التشيّع للشيخ الوائلي رحمة الله عليه

هوية التشيع / الصفحات: ١٤١ – ١٦٠

الصحابة لأنّ أبا ذر كان له رأي في البذخ في أموال المسلمين أيام عثمان، فلماذا هذا الحلم عن ابن سبأ، ولأنّ علياً وهو الخشن في ذات الله لماذا سكت عن ابن سبأ ولم يحرقه كغيره، لأنّ معاوية وهو الذي يقتل على التهمة والظنة كيف سكت عن ابن سبأ والحال هو الذي دفع بسر للغارة على خصومه وأدت الغارة إلى قتل ثلاثين ألفاً من الناس(١) إنّ كل هذه الاُمور تجعل حديث ابن سبأ حديث خرافة، وإنما اخترع لما ذكرنا سابقاً ليصنع منه مصدراً لعقائد الشيعة كلها كما جعله مصدراً لعقائد الشيعة كل من محيي الدين عبدالحميد في تعليقته على كتاب مقالات الإِسلاميين وعلى سامي النشار في كتابه نشأة الفكر الفلسفي(٢) وما كان كل من النشار ومحيي الدين عبد الحميد بالذي يجهل عقائد الشيعة أو لا يهتدي إلى مصادرها وبين أيديهما من المصادر ما ينهض بالمطلوب وأمام بصرهما من الممارسات العقائدية ما هو واضح في تجسيد عقائد الشيعة ومع ذلك كله كتبا عن الشيعة مالا يجتمع وأمانة التاريخ وروح الإِسلام ولا ينبغي أن يفت في عضد المصلحين أمثال هؤلاء ممن هم على أحسن الفروض أصداء بلهاء لغيرهم والا فعلامات الإِستفهام موجودة إزاء ماكتباه، في حين يؤكد الكتاب الموضوعين أن حديث ابن سبأ خرافة يقول احمد عباس الصالح: عبدالله بن سبأ رجل خرافي بغير شك فأنّى هو من هذه الأحداث جميعاً وساذج بغير شك الذي يتجه إلى خلق شخصية كهذا ليعطيها أثراً أي أثر فيما حدث من الأحداث إنّ كل ما حيك من قصوص حول عبدالله بن سبأ من وضع المتأخرين فلا دليل على وجوده في المراجع(٣). 

 

(١) مروج الذهب للمسعودي ٣/٣٠.(٢) نشأة الفكر الفلسفي ص٢٨.

(٣) مجلة الكاتب عدد أذار ١٩٦٥.

 

١٤١

الفصل الثالث
لماذا تنسب الشيعة لابن سبأ

 

في الإِجابة على هذه السؤال يكمن مركز الثقل في قصة عبدالله بن سبأ كلها، فإنّ الفكر الشيعي في الإِمامة وما يلحق بها والمواقف المتساجلة بين فرق المسلمين من الشيعة وغيرهم، إذا شدت إلى جذرها من أدلتها من الكتاب والسنة فقد يختل الميزان لأنّ فكرة الوصية، والعصمة، وغيرهما تبعد عن الحكم ـ في نظر الشيعة ـ من لا تتوفر فيه هذه الشروط وتلك هي الطامة الكبرى، وأي فكر أخطر من هذا الفكر، فلم لا يربط فكر الشيعة بجذر يهودي وتخترع له شخصية تكون كبش الفداء فيلقى اللوم عليها وعلى الذين أخذوا عنها ويشار إليهم بأنّهم مارقون الغموا تاريخ الاُمة ودسوا في عقائدها عقائد غريبة عن الإِسلام وهكذا صنع عبدالله بن سبأ ولو كان صنعه على حساب الحقيقة وعلى رغم أنف العقول والمقاييس.وبالإِضافة لما ذكرنا هناك سبب آخر دفع إلى خلق عبدالله بن سبأ أشار إليه الدكتور أحمد محمود صبحي وذلك بعد أن استعرض آراء الدكتور طه حسين في وهمية وجود عبدالله بن سبأ. قال الدكتور أحمد صبحي:

ويبدو أنّ مبالغة المؤرخين وكتاب الفرق في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ يرجع إلى سبب آخر غير ما ذكره الدكتور طه حسين، فلقد حدثت في الإِسلام أحداث سياسية ضخمة كمقتل عثمان ثم حرب الجمل وقد شارك فيها

١٤٢
كبار الصحابة وزوجة الرسول، وكلهم يتفرقون ويتحاربون وكل هذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي، أن يبتلي تاريخ الإِسلام هذه الإِبتلاءات ويشارك فيها كبار الصحابة الذين حاربوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وشاركوا في وضع اُسس الإِسلام، كان لا بد أن تلقى مسؤولية هذه الأحداث الجسام على كاهل أحد، ولم يكن من المعقول أن يتحمل وزر ذلك كله صحابة أجلاء اُبلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بلاءً حسناً، فكان لا بد أن يقع عبء ذلك كله على ابن سبأ فهو الذي أثار الفتنة التي أدت لقتل عثمان، وهو الذي حرض الجيشين يوم الجمل على الإِلتحام على حين غفلة من عليٍّ وطلحة والزبير، أما في التاريخ الفكري فعلى عاتقه يقع أكبر انشقاق عقائدي في الإِسلام بظهور الشيعة، هذا هو تفسير مبالغة كتّاب الفرق وأصحاب المذاهب لا سيما السلفيين والمؤخين: في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ. ولكن أليس عجيباً أيضاً أن يعبث دخيل في الإِسلام كل هذا العبث فيحرك تاريخ الإِسلام السياسي والعقائدي على النحو الذي تم عليه وكبار الصحابة شهود(١).وبعد هذه الإلمامة بملابسات موضوع عبدالله بن سبأ التي انتهينا منها إلى مسك طرف الخيط فيما نظن ألا وهو ربط عقائد الشيعة بعبدالله بن سبأ وما اسندوه إليه من عقائد الشيعة ولنتبين مصدرها الإِسلامي وبذلك نكتفي عن الإِصرار على وجود ابن سبأ أو عدم وجوده لأنّه قد ثبت أنّ هذه العقائد مصدرها الإِسلام فلا يبقى بعد ذلك قيمة لعدم وجود ابن سبأ أو لوجوده، لنبدأ من ذلك بموضوع الوصية.

 

١ ـ الإِمام عليّ وصيّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم:

قلنا فيما سبق أنّ من أحكام الإِسلام ضرورة أن يوصي الإِنسان قبل موته بما يريد التصرف به بعد موته فيها يملك من اُمور مادية، وذكرنا أنّ سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنّه كان لا يخرج من المدينة في سفرة ولو ليوم واحد حتى يستخلف على

 

(١) نظرية الإِمامة ص٣٩. 

١٤٣
المدينة، فكيف يترك أمر هذه الاُمة من بعده سدى ويعرضها إلى الفتن دون أن يوصي أو يرشح للأمر شخصاً من بعده، وبما أنّ هذه المسألة قد أشبعتها أقلام الباحثين من مختلف الفرق الإِسلامية فلا اُريد العودة إلى ما دار حولها، وكل ما يعنيني هنا أن اُبيّن أنّ مسألة الوصية مصدرها القرآن والسنة، أما القرآن فقد أشرك علياً بالولاية العامة وجعل إمامته امتداداً للنبوة حين تختم النبوة بموت الرسول فقال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنو الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وقد ذكرنا نزول هذه الآية في عليٍّ عليه السلام وما يترتب عليها من لوازم في مكان آخر من هذا الكتاب، وأما السنة الشريفة فإنّ الروايات المعتبرة متظافرة بأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم نص على عليٍّ بالوصية في أكثر من مورد، ومن تلك الموارد:ما نزل عليه قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) الشعراء/٢١٤، فجمع أقاربه وعددهم أربعون على فخذ شاة وطلب منهم أن يؤازروه على الدعوة فلم يقم إليه إلا عليّ فأخذ برقبته وقال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا(١). فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لا بنك وتطيع. هذا وقد ذكر ابن أبي الحديد في كتابه شرح نهج البلاغة فصلاً ممتعاً في موضوع وصاية الإِمام عليّ عليه السلام للنبي وأشبع الموضوع وبوسع القارئ الرجوع إليه، وها أنت قد سمعت أن الوصية جاءت على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لفظاً ومعنى ومع ذلك ترى هؤلاء يقولون إنّ موضوع الوصية اخترعه عبدالله بن سبأ وستسمع لو قلت لهم إنّ الوصية لها مصادرها من السنة: مَنْ يقول لك هذه أحاديث دسها الشيعة على لسان السنة.

 

٢ ـ العصمة:

موضوع العصمة موضوع مهم في الفكر الشيعي خاصة والإِسلامي عامة

 

(١) انظر تاريخ الطبري ٢/٢١٦، وتاريخ ابن الآثير ٢/٢٨، وتفسير الدر المنثور للسيوطي ٤٥/٩٧ طبعة أوفست. 

١٤٤
وسأضطر للإِطالة فيه لأنّه يرتبط باُمور هامة لا بد من التعرف عليها.فالعصمة لغة هي المنع ومنه قوله تعالى: (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) سورة هود/٤٣. أما في الإِصلاح الكلامي فالعصمة: لطف يفعله الله تعالى بالمكلف لا يكون معه داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك(١).

وواضح من هذا التعريف أنّ العصمة لا إلجاء فيها وإنما هي مجدد مدد من الله تعالى واستعداد من العبد، فهي أشبه شيءٍ باستاذ يقبل على تلميذه لأنّه وجد عند التلميذ استعداداً أكثر من غيره لتلقي العلم.

وقد أجمعت الاُمة الإِسلامية على عصمة الأنبياء عن تعمد الكذب فيها يبلغونه عن الله تعالى واختلفوا بعد ذلك في صدور ما ينافي العصمة منهم على سبيل السهو أو النسيان سواء كانت أدلتهم في ذلك سمعية أو عقلية، على صدور أو عدم صدور ما ينافي العصمة ذهب بعض أئمة السنة إلى جواز وقوع كل ذنب منهم صغيراً كان أو كبيراً حتى الكفر وبوسع القارئ الرجوع إلى آراء الباقلاني والرازي والغزالي مفصلاً في نظرية الإِمامة(٢) بينما البعض الآخر فصل في ذلك ولم يصل إلى هذا الحد في تجريدهم من العصمة.

أما الشيعة فقد ذهبوا إلى عصمة الأنبياء مطلقاً قبل البعثة وبعدها(٣) وقد ساقوا لذلك أدلة كثيرة. وقد تعرض الفخر الرازي في كتابه عصمة الأنبياء وكذلك الشيخ المجلسي في البحار مفصلاً لذلك والذي يهمني هنا عصمة الأئمة لأنّها موضع البحث، إنّ عصمة الأئمة أمر مفروغ عند الشيعة وقد أثبتها الشيعة للإِمام بأدلة من العقل والنقل أقتصر على ذكر بعضها وبوسع طالب المزيد ان يرجع إلى الكتب والبحوث المطولة في ذلك.

 

 

(١) توفيق التطبيق للكيلاني ص١٦.(٢) نظرية الإِمامة ص١١١ و١١٢.

(٣) معالم الفلسفة لمغنية ص١٩٣.

 

١٤٥

عصمة الأئمة وأدلتها العقلية

 

١ ـ الدليل الأول:

يقول العلامة الحلي في كتابه الألفين: الممكنات تحتاج في وجودها وعدمها إلى علة ليست من جنسها إذ لو كانت من جنسها لا حتاجت إلى علة اُخرى واجبة غير ممكنة، كذلك الخطأ من البشر ممكن فإذا أردنا رفع الخطأ الممكن يجب أن نرجع إلى المجرد من الخطأ وهو المعصوم، ولا يمكن افتراض عدم عصمته لأدائه إلى التسلسل أو الدور أما التسلسل فإنّ الإِمام إذا لم يكن معصوماً احتاج إلى إمام آخر لأنّ العلة المحوجة إلى نصبه هي جواز الخطأ على الرعية، فلو جاز عليه الخطأ لا حتاج إلى إمام آخر فإن كان معصوماً والالزم التسلسل، وأما الدور فلحاجة الإِمامة إذا لم يكن معصوماً للرعية لترده إلى الصواب مع حاجة الرعية للإِقتداء به(١).

 

٢ ـ الدليل الثاني:

يقول الشيعة إنّ مفهوم الإِمام يتضمن معنى العصمة لأنّ الإِمام لغة هو المؤتم به: كالرداء إسم لما يرتدى به، فلو جاز عليه الذنب فحال إقدامه على الذنب إما أن يقتدى به أو لا؛ فإن كان الأول كان الله تعالى قد أمر بالذنب وهذا محال، وإن كان الثاني ـ خرج الإِمام عن كونه إماماً فيستحيل رفع التناقض بين وجوب كونه مؤتماً به وبين وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بتصور أنّ العصمة متضمنة في مفهوم الإِمام ولازمة لوجوده(٢).

 

 

(١) الألفين للعلامة الحلي ص٥٤.(٢) الأربعين للرازي ص٤٣٤.

 

١٤٦

٣ ـ الدليل الثالث:

الإِمام حجة الله في تبليغ الشرع للعباد وهو لا يقرب العباد من الطاعة ويبعدهم عن المعصية من حيث كونه إنساناً، ولا من حيث سلطته فإنّ بعض الرؤساء الذين ادعود الإِمامة كانوا فجرة لا يصح الإِقتداء بهم فإذا أمروا بطاعة الله كانوا مصداق قوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) ٤٤/البقرة. وفي مثل هذه الحالات لا يثق المكلف بقولهم وله عذره، فثبت أنّ تقريب الناس من طاعة الله لا من حيث كون الإِمام إماماً، وإنّما من حيث كونه معصوماً حيث لا يكون للناس عرذ عصيانه تصديقاً لقوله تعالى: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) الآية/١٦٥ من سورة النساء، والأئمة حجج الله كالرسل سواء بسواء لأنّ الإِمام منصوب من قبل الله تعالى لهداية البشر(١).

هذه ثلاثة أدلة من كثير من الأدلة العقلية التي اعتمدوها في التدليل على العصمة.

 

الأدلة النقلية على عصمة الإِمام

 

أ ـ

قال الله تعالى في سورة البقرة: الآية/١٢٤ لنبيه إبراهيم: (إنّي جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) دلت هذه الاية على العصمة لانّ المذنب ظالم ولو لنفسه لقوله تعالى: (فمنهم ظالم لنفسه) ٣٢/فاطر.

 

ب ـ

قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم) الآية/٤٩ من سورة النساء، والدليل فيها: أنّ اُولي الأمر الواجب طاعتهم يجب أن تكون أوامرهم موافقة لأحكام الله تعالى لتجب لهم هذه الطاعة ولا يتسنى هذا إلا بعصمتهم إذ لو وقع الخطأ منهم لوجب الإِنكار عليهم وذلك ينافي أمر الله بالطاعة لهم(٢).

 

 

(١) نهاية الإِقدام للشهرستاني ص٨٥.(٢) كشف المراد للعلامة الحلي ص١٢٤.

 

١٤٧

ج ـ

ذهبت الآية الثانية والثلاثين من سورة الأحزاب إلى عصمة أهل البيت الذين نزلت فيهم وهي قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) فبعد إثبات نزولها في أهل البيت الذي نص عليه كل من الإِمام أحمد في مسنده، ومستدرك الصحيحين والدر المنثور، وكنز العمال وسنن الترمذي، وتفسير الطبري، وخصائص النسائي، وتاريخ بغداد، والإستيعاب لابن عبد البر، والرياض النضرة للمحب الطبري، ومسند أبي داوود وأسد الغابة، جميع هؤلاء قالوا إنّها نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وعليّ عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام(١).

ويتساءل العلماء عن معنى ذهاب الرجس لينتهوا إلى أنّه نفي كل ذنب وخطأ عنهم والإِرادة هنا تكوينية لا تشريعية لوضوح أنّ التشريعية مرادة لكل الناس. ولا يلزم منه الإِلجاء لما سبق أن ذكرناه من أنّ العصمة مدد من الله تعالى واستعداد من العبد. هذه بعض أدلة الشيعة في العصمة وهي كما ترى منتزعة من الكتاب والسنة والعقل، فما وجه نسبتها إلى عبدالله بن سبأ؟ وأين موضع الصدق من تلك النسبة، إنّ القارئ من حقه أن يسأل هؤلاء الكتّاب هل اطلعوا على مصادر الفكر الشيعي عندما كتبوا عن الشيعة أو لا، فإن كان الأول فما معنى هذا الخبط وهذا النسب الباطلة، وإن كان الثاني فما هو المبرر لهم للخوض في اُمور لم يطلعوا عليها أليس لهم رادع من مقاييس الأدب الإِسلامي الذي رسمه الله تعالى بقوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً) الإسراء/٣٦، وفي الوقت ذاته إنّ المنهج العلمي يأبى عليهم هذه التخرصات ونسبة الأشياء إلى غير مصادرها إذاً ففكرة العصمة حتى ولو كانت أدلتها غير ناهضة، فلا يجوز أن تنحى عن مصدرها وتنسب إلى شخصية وهمية خلقها الحقد وافتعلها الهوى.

 

 

(١) انظر فضائل الخمسة من الصحاح الستة ٥/٢١٩ فصاعداً. 

١٤٨

موقف السنة من العصمة

قبل الدخول بالموضوع اُلفت النظر إلى قصة تحكى ولها دلالتها في موضوعنا وهي: أنّ شخصاً مديناً جُلب إلى الحاكم فسأله الحاكم هل أنت مدين لهذا المدعي؟ قال: نعم، أنا مدين ولكنّي منكر للدَّين، إنّ هذه القصة تشبه تماماً موقف من ينكر علينا القول بالعصمة وفي الوقت ذاته يقول بها. على أننا إنما نشترط العصمة في الإِمام لضمان وصول أحكام وعقائد صحيحة، ولضمان اجتناب المفارقات التي قد تنشأ من كون الإِمام غير معصوم، ولا نريد من العصمة أن تكون وساماً نضعه على صدور الأئمة فإنّ لهم من فضائلهم ما يكفيهم كما أننا لا نسبح في بحر من الطوبائية لأننا نعيش دنيا الواقع بكل مفارقاتها، إننا من وراء القول بالعصمة نربأ بالإِمام أن يكون من سنخ من نراهم من الناس، لأنّه لو كان من نفس السنخ والسلوكية فما هي ميزته حتى يحكم الناس وفي الناس من هو أكثر منه استقامة ومؤهلات وقابلية، تلك هي الأمور التي نريدها من وراء العصمة لا أنّ المعصوم من نوع آخر غير نوع الإِنسان كما قد يتصور البعض. فالعصمة في نظرنا ضابط يؤدي إلى حفظ شريعة الله تعالى نظرناً وصيانتها من البعث تطبيقياً، وأساطين السنة يذهبون لمثل ذلك ولكنّهم في الوقت نفسه ينكرون علينا القول بها وإليك نماذج من أقوالهم لتعرف صحة ما نسبناه لهم:

 

١ ـ الرازي:

يذهب الرازي في معرض رده على عصمة الإِمام عند الشيعة: إلى أن لا حاجة إلى إمام معصوم، وذلك لأنّ الاُمة حال إجماعها تكون معصومة لا ستحالة اجتماع الأمة على خطأ، بمقتضى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لا تجتمع اُمتي على

١٤٩
ضلالة(١). ومع غض النظر عن صحة وعدم صحة هذا الحديث، نسأل هل مثل هذا الإِجماع ممكن بحيث يضم كل مسلم في شرق الأرض وغربها، قد يكون الجواب إنّ المسلمين يمثّلون في هذا الإِجماع بأهل الحل والعقد، وهنا نسأل: من هم وما عددهم؟ وهل هم محصورون في مكان معين؟ وما الدليل على ذلك؟ ثم نسأل: هل المجموع إلا ضمّ فرد إلى فرد فإذا جاز الخطأ على الأفراد جاز على المجموع المكون من الأفراد، إنّ الإِمام ابن تيمية يجيب على ذلك بأنّه لا يلزم أن يخطأ المجموع إذا أخطأ الأفراد لأنّ للجمع خاصية لا توجد في الأفراد، ومثلها مثل اللقمة الواحدة لا تشبع مجموع اللقم يشبع، والعصا الواحدة تكسر في حين مجموع العصيّ لا يكسر، إلى أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الشيطان مع الواحد وهو مع الإِثنين أبعد(٢) وما أدري ما هو وجه الشبه بين كون اللقم تشبع بعكس اللقمة الواحدة، وبين كون المجموع يعصم والأفراد لاتعصم، وذلك لأنّ اللقمة تحمل قابلية الإِشباع بنسبة معينة فإذا ضمت إلى مثلها اجتمعت هذه الأفراد من قابلية الإِشباع فكونت إشباعاً كاملاً، وكذلك العصا تحمل نسبة من القوة فإذا ضمت لمثها كونت قوة كافية، وأين هذا من الفرد المخطئ فإنّه لا يكوِّن نسبة من الصحة إذا ضمت لغيرها كونت مجموعاً صحيحاً، بل بالعكس فالفرد يمثل هنا نسبة من الخطأ إذا ضمت لمثلها تضاعف الخطأ وكوّن خطأً كبيراً، إنّ هذا القياس مع الفارق، هذا من ناحية، ومن ناحية اُخرى فإنّ ابن تيمية لم ينف فكرة العصمة وإنما نفى أن يكون لواحد ليس إلاّ فكأنّ العقدة أن تكون لواحد أما لو نسبت لجماعة فلا إشكال ومن ناحية ثالثة إنّه إنما اشترط العصمة للأمة من أجل الثقة وضمان سلامة الأحكام وهو عين الهدف الذي تذهب إليه الشيعة وأنا أنقل لك رأيه مفصلاً: 

 

(١) المستصفى مبحث أركان الإِجماع.(٢) نظرية الإِمامة: ١١٧.

 

١٥٠

رأي ابن تيمية في العصمة

قال ابن تيمية عند رده على الشيعة عند قولهم: إنّ وجود الإِمام المعصوم لابد منه بعد موت النبي وذلك لأنّ الأحكام تتجدد تبعاً للموضوعات، والأحوال تتغير وللقضاء على الإِختلاف في تفاسير القرآن وفي فهم الأحاديث وغير ذلك. ولو كانت عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكمال الدين كافيين لما حدث الإِختلاف، فثبت أنّه لابد من إمام معصوم يبين لنا معاني القرآن ويعين لنا مقاصد الشرع كما هو مراده إلى آخر ما ذكروه في المقام: فقال ابن تيمية: لا يسلّم أهل السنة أن يكون الإِمام حافظاً للشرع بعد انقطاع الوحي لأنّ ذلم حاصل للمجموع، والشرع إذا نقله أهل التواتر كان ذلك خيراً من نقل الواحد، فالقراء معصومون في حفظ القرآن وتبليغه، والمحدثون معصومون في حفظ الأحاديث وتبليغها، والفقهاء معصومون في الكلام والإِستدلال(١). ويختلف هنا ابن تيمية عن الرازي فإذا كانت العصمة عند الرازي لمجموع الأمة فهي عند ابن تيمية لجماعة من الناس كالقراء والفقهاء والمحدثين، وهنا يشترط ابن تيمية العصمة لضمان حفظ مضمون الشريعة كما هو الحال عند الآخرين من الشعية وغيرهم، فما الذي أجازها لمجموعة ومنعها عن فرد؟ إنّ عدد المعصومين عند الشيعة لا يتجاوز الأربعة عشر وهم مجموعة منتخبة خصها الله تعالى بكثير من الفضائل بإجماع فرق المسلمين فلماذا نستكثر عليهم العصمة ونجيزها لغيرهم مجرد سؤال؟

 

رأي جمهور السنة في العصمة

يمكن القول أنّ جمهور السنة يصححون الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» (١) ولازم هذا الحديث عصمة الصحابة كما سيرد به التصريح من بعضهم لأنّ صحة الإِقتداء

 

(١) نظرية الإِمامة ١٢٠.(٢) طبقات الفقهاء للشيرازي ص٣.

 

١٥١
بأي منهم ومتابعته في الظلم لو حصلت حال كونه مرتكباً للذنب وهو الحاصل من كونه غير معصوم فمعناه الأمر من الله تعالى باتباع العاصي والظالم ولو لنفسه وإذا لم يتابع ويعمل بما أراده النبي فإنّ معناه ترك أمر القرآن لأنّه قال: (ما أتاكم الرسول فخذوه)(١) والصحابي هنا ينقل أمر الرسول، فإن قلت إنّ الله تعالى أمرنا بأن نأخذ الحديث من العادل الثقة لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة) الآية ٦/الحجرات؛ التي دلت بمفهومها على حجية خبر العادل، ونحن لا نأخذ الأمر إلا من العادل منهم، قلت: إنّ ذلك يدل بالمفهوم على أنّ فيهم غير العادل حينئذ وهو المطلوب.وعلي العموم إنّ لازم الحديث المذكور عصمة الصحابة، وما سمعنا من ينكر على هؤلاء فلماذا إذا قال الشيعة بعصمة أئمتهم ينتقدون؟

 

التفتازاني والعصمة

يقول التفتازاني وهو من أجلاء علماء السنة في كتابه شرح المقاصد: احتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة: بالإِجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان (رض) مع الإِجماع على أنّهم لم تجب عصمتهم، وإن كانوا معصومين بمعنى أنّهم منذ آمنوا كان لهم ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها(٢) وفي هذا النص اُمور:

 

١ ـ

إنّ التفتازاني هنا يصرح بعصمة الخلفاء الثلاثة.

 

٢ ـ

يقول: إنّ عصمتهم غير واجبة بمعنى أنّهم لا يقسرون عليها وإلا فلا يتصور تعلق الأحكام بالاُمور التكوينية وإنما مجال الأحكام السلوك الإِختياري والإِستعداد لقبول العصمة أمر مخلوق فيهم.

 

٣ ـ

مفاد كلامه أنّ العصمة ملكة تمنع صاحبها من مقارفة الذنب لا على

 

(١) الآية ٧ من سورة الحشر.(٢) شرح المقاصد بتوسط الغدير للأميني ٩/٣٧٥.

 

١٥٢
نحو سلب الإِختيار وهذا عين ما يقوله الشيعة في أئمتهم وليرجع من شاء إلى بحث العصمة في كتب الكلام الشيعية، وعلى هذا فلماذا هذه الجعجعة يا مسلمون؟ 

شمس الدين الأصفهاني ونو محمد والعصمة

يذهب الحافظ نور محمد وشمس الدين الأصفهاني الأول في تاريخ مزار شريف، والثاني كما نقله عنه الغدير إلى أنّ الخليفة عثمان معصوم(١) وقد نقله عن كتابه مطالع الأنظار. والرجلان من علماء أهل السنة.

 

الإِيجي والعصمة

يذهب عبدالرحمن الإِيجي صاحل كتاب المواقف في نفس الكتاب إلى عصمة الخلفاء وعلى النحو الذي قال به التفتازاني فيما ذكرناه عنه أي أنّها ملكة فيهم لا توجب سلب الإِختيار(٢) وهو من علماء السنة وقد كشفت لنا هذه الجولة أنّ الشيعة لا ينفردون بالقول بالعصمة بل علماء السنة يذهبون لذلك، إذاً فما هو وجه نسبتها إلى عبدالله بن سبأ وما هو وجه نقد الشيعة على القول بها؟

أنا لا اُريد أن أحشد للقارئ نقد كتب السنة ومؤلفيهم حول موضوع العصمة فإنّ كتبهم طافحة بذلك، ولكن سأستعرض لك رأي كاتب يعيش في القرن العشرين وفي عصر الذرة بالذات وهو وأيم الحق من أكثر أهل السنة الذين قرأت لهم اعتدالاً في الكتابة عن الشيعة ولكن مع ذلك كله تبقى الرواسب في النفوس تعمل عملها. إنّي أعتقد أنّ هذا الرجل قد بحث في كتب الشيعة وغيرهم قبل أن يكتب كتابه وذلك لما رأيت له من كثرة المصادر مع افتراض أنّه اطلع على آراء أهل السنة في هذه المواضيع فلماذا الإِنكار على الشيعة دون الآخرين وإذا كان لم يطلع وهو ما أَستبعده، فلماذ يكتب؟

 

 

(١) الغدير نفس ٩/٣٧٥.(٢) الغدير لأميني ٧/١٤٠. المواقف ص٣٩٩.

 

١٥٣

الفصل الرابع
مُناقشة كتاب نشأة الآراء والمذاهب

 

يقول مؤلف الكتاب المذكور يحيى هاشم فرغل مستعرضاً فكرة عصمة الأئمة: إنّ عصمة الأئمة ظهرت عند غلاة الشيعة، ذكر أن زيد بن عليٍّ كان يستنكرها ثم استنتج أنّ السنة إنما بحثوا عصمة الأنبياء لأنّ الشيعة بحثوا عصمة الأئمة، وذكر أدلة الإِمامية على العصمة ومنها حديث الثقلين وقد رواه هكذا:إنّي تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما، ثم ذكر صوراً اُخرى للحديث ثم قال: إنّ هذا الحديث جعل العترة أهل البيت بمنزلة القرآن وعدلاً له، كما جعل لهم جميع ما كان للنبي من المناصب إلا النبوة ليكون كأنه موجود بنفسه ليقوم على رعاية الشريعة، وقد نزّل الحديث العترة منزلة القرآن فلا بد من أن يكون عندهم كل ما فيه من العلوم، فمن ثم يكون الإِمام عالماً بجميع تفاصيل القرآن والسنة لتؤخذ عنه علومهما كاملة. ثم أورد روايات للشيعة حو علم الإِمام ومنها ما ورد عن الإِمام عليٍّ عليه السلام: ما اُنزلت آية من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إلا وأقرأنيها وتلاها عليَّ فكتبتها بيدي وعلمني تفسيرها وتأويلها ومحكمها ومتشابهها وناسخهها ومنسوخها وخاصها وعامها ودعا الله تعالى أن يعطيني فهمها وحفظها ووضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علماً وحكمة، ثم أورد روايات هي في الواقع تجسيد لمنطوق هذا الحديث وهذه الرواية: كوجود كتاب الجفر والجامعة ومصحف فاطمة

١٥٤
عند أهل البيت وشرح آراء الشيعة في معنى وجود هذه الكتب عند أهل البيت وذكر أنّ الشيعة قالوا إنّها بإملاء النبي وخط عليٍّ وأنّه ليس فيها من القرآن شيء وإنما هي شروح وأخبار بالملاحم، ثم ذكر الروايات التي تدل على أنّ أهل البيت محدّثون وأنّهم يعضدون هذه الروايات بروايات سنية ومنها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم الذي اتفق عليه أهل السنة «إن فيكم محدثين» وقول بعض الصحابة: كنت اُحدث حتى اكتويت، ثم انتقل بعد ذلك إلى الروايات التي تدل على وحدة السنخية بين النبي والأئمة كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: إنّ الله خلقني وخلق علياً والحسن والحسين من نور واحد، وقال في نهاية هذا الفصل: وإذا فنحن في النهاية نصل إلى عقيدة فلسفية أو ميتافيزيقية في الإِمام تجعل من الأئمة ومن الرسول جوهراً نورانياً واحداً سابقاً على الوجود الأرضي وهنا نصل إلى نقطة هامة نسأل فيها عن ماهية درجة الإِمامة وهل هي بدرجة النبوة أم لا، واستطراداً من هنا أقول: إنّ المرء أمام هذه الآراء لا يتسغرب أن تنشأ في تربتها آراء الغلاة ودعاوى التنبؤ ويجد في هذه إظهاراً طبيعياً لمكونات تلك إنتهى كلام فرغل بتلخيص وتصرف في لفظ العبارة (١) مع حفط المضمون بمنتهى الضبط.إتضح من هذا الفصل الذي لخصناه أنّ فرغل يستنكر عدة اُمور ويعتبرها نوعاً من الغلو وهي العصمة، ثم وحدة الأصل والسنخية بين النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأهله عليه السلام ثم استنكر ما ينسب لأهل البيت من علوم واستنكر رابعاً أن تكون منزلة الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وخامساً نسب الشيعة للغلو.

 

تعقيب

وأنا أوجه للأستاذ فرغل سؤالاً هو: لو أنّ هذه الاُمور التي استنكرها عند الشيعة وجدت عند السنة فهل ينتقد السنة أم لا، وستعجب من هذا السؤال وتقول كيف لا ينتقدهم والموضوع واحد ولا فرق بين أن يقول به السنة أوالشيعة

 

(١) نشأة الآراء والمذاهب والفرق الكلامية ١/١٢٧٩ حتى١٤٢. 

١٥٥
وأنا اُجيبك أنّه لا ينتقدهم إذا كانوا غير شيعة وهو ما وقع بالفعل لأنّهم قالوا بهذه الاُمور التي نقد بها الشيعة وساُوقفك على قولهم فيما يلي: 

١ ـ فالأمر الأول:

الذي نقد به الشيعة القول بالعصمة ولا أحتاج أن اُكرر ما سبق أن ذكرته ودللت عليه من قول كثير من السنة بالعصمة إن لم يكن كلهم ومع ذلك لم يعرض له يحيى فرغل بالنقد، على أنّ يحيى فرغل أهون من غيره في هذا الباب، ذلك أنّ غيره كان أكثر منه عنفاً وتهجماً خذ مثلاً: الدكتور نبيه حجاب أستاذ الأدب ـ لو كان هناك أدب ـ في دار العلوم بالقاهرة، إنّ هذا الرجل يشتم الشيعة شتماً عجيباً ويعتبر عقيدتهم بالعصمة مظهراً من مظاهر الشعوبية فاسمعه يقول:

إنّ هذه العقيدة تسرّبت للشيعة عن الفرس الذي نشأوا على تقديس الحاكم لهذا أطلق عليها العرب النزعة الكسروية ـ ولا أعرف أحداً من العرب قال ذلك في حدود اطلاعي ـ ولعل غالبية الشيعة كانت ترمي من وراء هذه الفكرة إلى تنزيه عليٍّ عليه السلام عن الخطأ حتى يتضح للملأ عدوان بني اُمية في اغتصاب الخلافة هذا وفي اليهودية كثير من المذاهب التي تسربت إلى الشيعة(١) أسمعت هذه الانشودة التي يتناقلها الخلف عن السلف بصورة بلهاء وقد فندنا لك هذا الزعم فيما مضى من مبحث فارسية التشيع. لكنّ الذي اُريد السؤال عنه ما هو الخطأ في سلوك الإِمام عليٍّ عليه السلام في نظر نبيه حجاب هل هو الحروب التي قام بها من أجل مبادئ مما أدى إلى عدم الإِستقرار في الوقت الذي لم يستقر فيه وضع الامويين إلا على الجماجم وعلى كل حال لا يضر علياً أن يخطئه نبيه حجاب بعد أن قال فيه الرسول عليّ مع الحق والحق مع علي. ومن الطبيعي جداً أن يكون علي في جانب مع من هو من معدنه ونبيه حجاب ومن هم من معدنه في الجانب المقابل.

(١) مظاهر الشعوبية في الأدب العربي ص٤٩٢.

 

١٥٦

٢ ـ الأمر الثاني:

الذي استنكره فرغل هو كون النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته من نور واحد، ولا أدري ما هو وجه الإِستغراب بعد أن أثبت الشيعة ذلك من مصادره الصحيحة هل لأنّ ذلك لم يصادف هوى في نفوس من لا يوالون أهل ابيت أم ماذا؟ ثم لماذ إذا وجد مثل هذا عند السنة لا يكون داعياً للإِستغراب: هذا الذهبي يروي في ميزان الإعتدال حديثاً عن طريق أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: خلقني الله من نور وخلق أبا بكر من نوري وخلق عمر من نور أبي بكر وخلق عثمان من نور عمر وعمر سراج أهل الجنة(١) ولا أدري لماذا جاء النور إلى حد عثمان ولم يصل إلى عليٍّ مع أنّه على الأقل خليفة رابع، لك الله يا ابن أبي طالب، وما أدري ماذا يقول الأستاذ فرغل هل هذا غلو أم لا أفتونا يرحمكم الله، هذا مع أنّه من الطبيعي وحدة السنخية بين الإِنسان وأهله، وآل محمد عدل الكتاب وعيبة علم النبي فلماذا يستكثر عليهم الاستاذ فرغل ما لا يستكثره على غيرهم.

 

٣ ـ الأمر الثالث:

الذي استنكره الأستاذ فرغل هو علم أهل البيت بالشريعة والعلوم القرآنية وعلوم السنة الشريفة وأن يكونوا محدّثين، وهنا يقول إنّ علم أهل البيت أما أن يكون بالطرق العادية كالتلقي والمدارسة، أو يكون من قبيل الإِلهام وأنّهم محدَّثون، أما الطريق الأول فهو محقق لأهل البيت لأنّهم نشأوا في بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وتربوا في حجره وخذوا العلم من هذه البيئة وهذا الأمر لا غبار عليه، أما العلم بالطريقة الثانية وهو الإِلهام والتحديث كما تذهب إليه الروايات فالمسلمون كلهم يقرون بذلك وسأذكر جملة من نصوصهم في إمكان مثل هذا العلم:

يقول الآلوسي في تفسيره روح المعاني عند تفسيره الآية ٦٥ من سورة النحل: وهي قوله تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا

 

(١) ميزان الإعتدال ١/١٦٦. 

١٥٧
كتاب هويّة التشيّع للشيخ الوائلي (ص ١٥٨ – ص ١٨٦)

١٥٨
نظرية تلقي أهل البيت للعلم المقرم في فصل كبير(١). 

السنة وعلم الغيب

وبعد أن أشرت إلى أنّ الشيعة يرون أنّ الإِمام مستعد لأن يفيض عليه الله عز وجل من نوره وعلمه لأنّه وُجد القابل فلا بخل، في ساحة الله تعالى فعلم الغيب للذات عند الشيعة مختص بالله تعالى أما علم أهل البيت فأما إفاضة مباشرة من الله عن طريق الإِلهام أو التحديث، أو بتوسط النبي، على أنّه لا ينكر أنّ هناك من يغلو في أهل البيت ونحن من هؤلاء براء وسيمر علينا ذلك إلا أنّ الذي اُريد قوله: إنّ أهل السنة يثبتون علم الغيب لأئمتهم على نحو ما يفعل الشيعة ويرون أنّهم محدّثون: ومن ذلك ما رواه القرطبي في تفسير للآية ٥٢/من سورة الحج وهي قوله تعالى:

(وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي) إلى آخر الآية، فقال: جاء عن ابن عباس أنّه كان يقرأ الآية هكذا: وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث الخ ذكره مسلمة بن القاسم بن عبدالله ورواه سفيان عن عمر بن دينار عن ابن عباس قال مسلمة: فوجدنا المحدّثين معتصمين بالنبوة لأنّهم تكلموا باُمور عالية من أنباء الغيب خطرات، ونطقوا بالحكمة الباطنة فأصبوا فيما تكلموا وعصموا فيما نطقوا كعمر بن الخطاب في قصة سارية وما تكلم به من البراهين العالية هذا هو نص ما أورده القرطبي(٢) وكذلك روى السيوطي قراءة الآية المذكورة وتكلم عن الحدّثين في تفسيره الدر المنثور فراجعه(٣).

وقد روى البخاري في صحيحه باب مناقب عمر عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لقد كان فيما قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا

 

(١) مقتل الحسين للمقرم باب علم الإِمام ص٢٤ فصاعداً.(٢) انظر القرطبي تفسير سورة الحج من تفسيره.

(٣) انظر الدر المنثور ٤/٣٦٦.

 

١٥٩
أنبياء فإن يكن من اُمتي فيهم أحد فعمر، كما أخرج مسلم في صحيحه في باب فضائل عمر عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قد كان في الإِسلام قبلكم محدّثون فإن يكن في اُمتي منهم أحد فعمر بن الخطاب منهم(١).ولم يقف الأمر عند الخلفاء ولكنّه وصل إلى عمران بن الحصين، فعن مطرف قال: قال لي عمران بن الحصين: اُحدثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه، وإنّي كنت اُحدّث حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد وقد روى ذلك كل من الدارمي ومسلم في صحيحيهما(٢).

ولست أدري ما هي صله الكي بهروب المحدّث والعلم عند الحصين رحمه الله.

بل إنّ عمر بن عبدالعزيز الخليفة الاُموي كان الخضر يمشي معه ويحدثه كما رويّ ذلك ابن حجر في التهذيب(٣).

وبعد كل هذا الذي أوردناه فهل يشكل هذا مبرراً لأن يكون أهل البيت ممن يفاض عليهم العلم أم لا؟ أغلب الظن أنّ الإِشكال سيبقى قائماً وسيبقى الشيعة غلاة أومخرفين لأنّهم يقولون إنّ الأئمة يعلمون الغيب بأمر الله.

 

الأمر الرابع:

الذي استنكره الاستاذ فرغل أن تأتي منزلة أئمة أهل البيت بعد منزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مباشرة عند الشيعة، والمقصود الأئمة الإثنا عشر فقط لا غيرهم، والحقيقة أنّ الشيعة ليسوا هم الذين وضعوا الأئمة بهذا الموضع بل السماء هي التي وضعتهم والشيعة تعبدوا بأمر السماء يقول الله عالى: (إنما وليكم الله ورسوله

 

(١) صحيح البخاري وصحيح مسلم باب فضائل عمر.(٢) الغدير للأميني ٦/١٨٦.

(٣) التهذيب لابن حجر ٧/٤٧٧.

 

شاهد أيضاً

مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية

مصباح    26 إعلم، أيها الخليل الروحاني، وفقك الله لمرضاته وجعلك وإيانا من أصحاب شهود ...