تعدّد الزوجات
قد جعل الإسلام للرجل جواز تعدد زوجاته دون المرأة ، وقد يعبّر البعض بأنّ الإسلام قد حدّد تعدّد الزوجات الذي كان سابقاً بدون حدّ ، فهل هذا الحكم ـ سواء كان تجويزاً لتعدّد الزوجات أو تحديداً لتعدّد الزوجات الذي كان موجوداً ; لأنّه لا فرق بين تشريع شيء جديد أو تحديد لما كان جائزاً ـ يخالف الوجدان ويكون ظلماً للمرأة؟ أي هل يحكم العقل العملي بقبح صدور هذا العمل من قبل الزوج؟
الجواب : إنّ الإسلام لم ير أيّ ظلم في مسألة تعدّد الزوجات ، والسرّ في ذلك : هو أنّ ما يمكن أن يفترض أن يكون تعدّد الزوجات ظلماً هو أحد أُمور ثلاثة :
الأمر الأول : حالة الغيرة (غيرة الرجال على النساء والعرض والناموس) فكما أنّ الرجل يغار على امرأته حينما يُنظر اليها وتُلاعَب من قبل غيره ، فكذا هذه الغيرة موجودة في المرأة ، فإنّها تغار حينما تجد امرأة اُخرى تتعامل مع زوجها بالملاطفة والملاعبة.
ولكن يمكن القول بأنّ عامل الغيرة ليس عاملاً أصيلاً وتكوينياً في البشر ، وإنّما هو عامل تربوي ، فحينما يتربّى الرجل في مجتمع على خلاف الغيرة فهو لا يغار. والإسلام له تربيته الخاصّة ، وقد رأى أن يربي الرجال على الغيرة دون النساء.
وقد رأينا أنّ السيدة خديجة سلام الله عليها عندما طلب منها رسول الله صلىاللهعليهوآله بأنّها إذا دخلت الجنة فلتقرأ السلام على ضرائرها (زوجات رسول الله صلىاللهعليهوآله في الجنة) وهنّ : مريم بنت عمران ، وكلثم اُخت موسى ، وآسية بنت مزاحم (امرأة فرعون) ، فأجابت النبي صلىاللهعليهوآله فقالت : بالرفاء يا رسول الله (١).
وقد وردت روايات كثيرة تدلّ على أنّ النساء ليس من حقهنّ الغيرة ، منها صحيحة جميل بن دراج عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «لا غيرة في الحلال» بعد قول رسول الله صلىاللهعليهوآله : «لا تحدثا شيئاً حتى أرجع اليكما» (خطاب إلى زوجاته) فلمّا أتاهما أدخل رجليه بينهما في الفراش (٢).
الثاني : حالة الحسد ، فإنّ هذه الحالة أصيلة في طبيعة الإنسان ، والزوجة تحسد الزوجة الاُخرى وتتوهم أنّها تزاحمها ويجب أن تحصر زوجها في نفسها.
ولكن الحسد وإن كان أمراً أصيلاً في طبيعة الإنسان ، إلاّ أنّ هناك شيئاً آخر أيضاً هو أصيل في الإنسان ، وهو العقل والوجدان الذي يحكم بأنّ الحسد قبيح.
والإسلام أخذ بجانب العقل العملي وحارب هذه الحالة الموجودة في الإنسان وربّاه ضدّ الحسد ، وأكدّ على عدم تطبيق الحسد والجري العملي عليه وترتيب أثره على الأقل إن لم يتمكّن من القضاء عليه في قرارة نفسه. اذن لا يكون الزواج الثاني قبيحاً من هذه الناحية ، بل الحسد هو القبيح بعد حصول التعدّد.
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ١ : ١٣٦ ، والرواية هي : دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله على خديجة وهي لما بها ، فقال لها : «بالرغم منّا ما نرى بك يا خديجة ، فإذا قدمت على ضرائرك فاقرئيهن السلام» فقالت : من هنّ يا رسول الله؟ فقال صلىاللهعليهوآله : «مريم بنت عمران ، وكلثم اُخت موسى ، وآسية امرأة فرعون» فقالت : بالرفاء يا رسول الله.
(٢) وسائل الشيعة ١٤ : باب ١٣٥ من مقدّمات النكاح ، الحديث الوحيد في هذا الباب.
الثالث : إنّ الحبّ والود والوئام المنشود من الزواج ، قد لاحظه الإسلام وشرّع الحياة الزوجية لملاكات ، من أهمها إشباع الجانب الروحي المتعطش إلى المودة ، وتعدّد الزوجات ينافي ذلك ; لأنّ القلب لا يتقسم ، والعواطف بين الزوجين لا يمكن تقسيمها على زوجات متعدّدة. فيكون تعدّد الزوجات منافياً للوّد والحبّ المنشود من الزواج ، فيكون تشريعه مخالفاً لهذا الملاك المهم من تشريع الزواج ، فيكون مخالفاً للوجدان وقبيحاً.
والجواب : إنّنا لانعترف بأنّ الحبّ والود والعواطف القلبية وما إليها تتنافى مع تعدّد الزوجات ، فإنّ الروح الإنسانية تتسع لحب أكثر من زوجة ، وذلك لمشاهدتنا بكلّ وضوح أنّ الأب قد يكون له عشرة أولاد أو أكثر ، ومع ذلك فهو يحبّ كلّ واحد منهم حباً مفرطاً إلى درجة التفاني ، فليكن الأمر كذلك بالنسبة للزوج مع زوجاته.
نعم ، إنّنا نرى أحياناً أنّ تعدّد الزوجات يولّد نقصاً في الحبّ المتبادل بين الزوجين ، ولكنّ هذا إنّما يحصل لأجل عوامل اُخرى كعامل الغيرة والحسد أو عدم تحقيق العدالة وما شابهها ممّا حاربه الإسلام ونهى عنه.
إذن ، بعد ردّ كلّ ما يمكن أن يجعل تعدّد الزوجات مخالفاً للوجدان ، لم نجد أيّ مشكلة في تعدّد الزوجات.
نعم ، الشيء الوحيد الذي قد ينتج من تعدّد الزوجات عبارة عن عدم تحقّق العدالة والمساواة العملية بين الزوجات ، وقد حسب الإسلام لهذه المشكلة حساباً ، فأمر أمراً إلزامياً بدرجة من العدالة ، وهي التي قد نهى عن تركها وقال : (فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) ، وأمّا سائر الدرجات من العدالة فقد جعلها مستحبة بعد إعطاء كلّ زوجة حقّها.
وعلى هذا فسيكون الزواج الثاني مكروهاً عند الخوف من عدم العدالة بدرجة ملحوظة عند العرف ، وتوضيح ذلك : قال الله تعالى في كتابه الكريم : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) (١).
وقال تعالى : (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) (٢).
والمستفاد من الآيتين هو :
١ ـ النهي عن ترك العدالة بحيث تجعل المرأة كالمعلّقة ، فلا هي بلا زوج حتى تتمكن أن تتزوّج ، ولا هي عندها زوج كبقية الأزواج ، فالزوج موجود ولكنّه تارك لها وظالم لها لا تتمكن من الزواج وهي تحتاج إلى زوج ، وهذا مستفاد من ذيل الآية الثانية (فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ).
٢ ـ كراهة تعدّد الزوجات عند الخوف من عدم العدالة بدرجة عرفية ، وهذا مستفاد من ذيل الآية الاُولى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) أمّا صدر الآية الثانية القائلة : (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ …) فإنّها تشير إلى العدالة الحقيقية في الحبّ وما يتفرّع عليه من أعمال فإنّها غير ممكنة للزوج ، ولكن إذا أعطى كلّ زوجة حقّها ، وكان خائفاً من الميل إلى إحداهن والعمل لها أكثر من حقّها ، بحيث يكون عند العرف غير عادل ، ففي هذه الصورة يكون الزواج مكروهاً.
٣ ـ جواز تعدّد الزوجات : وهو مستفاد من صدر الآية (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء) وإنّما قلنا بالجواز لا بالاستحباب من باب أنّ تعليق الحكم على رغبة المكلّف يعطيها ظهوراً في الإباحة.
__________________
(١) النساء : ٣.
(٢) النساء : ١٢٩.
إذن ، الخوف الوحيد من تعدّد الزوجات هو عدم تحقيق العدالة والمساواة العملية بين الزوجات ، وقد حلّه الإسلام بما تقدّم.
ولكن قد توجد ملاكات لتعدّد الزوجات ، مثل احتياج النساء للزواج عند زيادتهن على الرجال ، فلأجل أن لا تبقى امرأة بلا زوج شرّع تعدّد الزوجات.
ومثل عدم شبع الرجل بزوجة واحدة ، أو الاشتياق إلى الأولاد وحبّهم ، كلّ هذا أدّى إلى تشريع تعدّد الزوجات مع الكراهة ، حيث لا يمكن إعطاء مقياس مفهوم لدى الناس من أجل إعمال مصالح الزواج ومفاسده ، فجعل الشارع الزواج الثاني جائزاً مع كراهته عند خوف عدم العدالة ، وهذه الكراهة لا تمنع من التعدّد للزوجات عند وجود ملاك آخر للتعدّد ، حيث إن الاحكام الكراهتية حيثية.
إذن ، يمكن القول بأنّ الإسلام إنّما سمح بتعدّد الزوجات لأمرين :
الأمر الأول : لم يجد ما يمنع من تعدّد الزوجات كما تقدّم ذلك.
الأمر الثاني : وحتى لو كان هناك ما يمنع من تعدّد الزوجات للرجل ، إلاّ أنّه توجد عوامل عديدة توجب تعدّد الزوجات وتحكم بضرورته من قبيل حاجة الرجل الجنسية أحياناً إلى زوجات عديدة ، ومن قبيل حبّه للأولاد ، ومن قبيل غلبة النساء المفتقرات إلى الزواج على الرجال المفتقرين إليه من الناحية الكمية (١).
لماذا لم يشرّع تعدّد الأزواج للزوجة الواحدة؟
وهذا السؤال كثيراً ما يذكره بعض من يدافع عن المرأة وحقوقها فيقول : كما أجاز الإسلام تعدّد الزوجات للزوج الواحد ، فلماذا لم يجز للمرأة تعدّد الأزواج ، فإنّها أيضاً قد تحتاج إلى أكثر من زوج إذا كان زوجها الأول ضعيفاً من الناحية الجنسية ، أو كان غائباً عنها ، أو معانداً لها مضاراً بحالها؟!
__________________
(١) راجع الملحق رقم (٢).
والجواب على ذلك : إنّ الإسلام اهتم بأمرين نتج منهما جواز تعدّد الزوجات ، وعدم جواز تعدّد الأزواج ، وإليك هذان الأمران :
الأمر الأول : إنّ الإسلام اهتمّ بموضوع تمييز النسل وتشخيص الأب والاُم ، ولا يقرّ اختلاط المياه إطلاقاً. ويتفرّع على هذا الاهتمام لابديّة أن يحقّق ضماناً لتحقيقه ، وكان يكفي كضمان لتمييز النسل أن يمنع عن تعدّد الأزواج للمرأة الواحدة ، فلايسمح لها بالزواج مع رجلين أو أكثر في عرض واحد ، دون الحاجة إلى المنع من تعدد الزوجات للرجل الواحد ، وذلك لأنّ الزوج إذا كان واحداً وتعدّدت زوجاته فسوف يتميز النسل ويتعين الأبوان ، أمّا إذا تعدّد الزوج واتحدت الزوجة فإنّ الأب سوف يضلّ مجهولاً.
الأمر الثاني : أنّ الإسلام اهتمّ بتكوين الحياة الزوجية في المجتمع ، ولا يرضى بمجتمع ليس فيه حياة زوجية ، ويتفرّع على هذا الاهتمام لابديّة أن يقدّم ضماناً لتحقيقها ، وكان يكفي كضمان لإيجاد الحياة الزوجية هو الدعوة إلى الزواج ، والزواج المبكّر وجعله ثواباً ، وهذه الحياة الزوجية تحصل إذا تعدّدت الزوجات واتّحد الزوج ; لأنّ القائم على هذه الزوجات والمدير لشؤونها هو شخص واحد. على العكس مما إذا تعدّد الأزواج على زوجة وعائلة واحدة ، فإنّ القائم عليها والمدير لشؤونها يكون متعدّداً ، فتفسد الحياة الزوجية والعائلية بذلك.
والملفت للنظر في هذا المجال هو أنّ الله تبارك وتعالى تفضّل على النساء تكويناً ، فجعلها أقدر على الرجال على الصبر عن العمل الجنسي ، فصبر المرأة على زوج واحد أكثر من صبر الرجل على زوجة واحدة.
ولاية الأب والجد للأب في زواج البنت الباكر
فنقول :
١ ـ إنّ الإسلام منح المرأة حريتها وشخصيتها واستقلالها الفكري والاقتصادي ،
واعترف بحقوقها الطبيعية إذا كانت بالغة عاقلة رشيدة ، وكذا بالنسبة للذكر البالغ العاقل الرشيد ، لا يوجد هناك لأحد حقّ للإشراف عليهما أو التدخل في شؤونهما من هذه النواحي المتقدّمة.
٢ ـ إنّ الفتى إذا بلغ وكان عاقلاً رشيداً ، فإنّه يملك أمره في الزواج ، فلا يحق لأحد أن يفرض عليه شيئاً في موضوع زواجه.
٣ ـ أمّا الفتاة فإن كانت ثيّباً ، فهي أيضاً تملك أمرها في الزواج واختيار الزوج المناسب لها ، كما في الفتى البالغ العاقل الرشيد.
٤ ـ وأمّا الفتاة البالغة العاقلة الرشيدة البكر إذا كانت مالكة لأمرها ومستقلّة في شؤون حياتها ، فيجوز لها أن تتزوّج بدون إذن الأب والجد للأب على رأي بعض العلماء ; لوجود رواية صحيحة تدلّ على ذلك ، وكأنّ استقلالها في شؤون حياتها يدلّ على أنّها ناضجة من الناحية الاجتماعية بحيث أعطاها الأب إجازة في تصرّفاتها كلّها ومنها اختيار الزوج.
٥ ـ أمّا الفتاة البالغة العاقلة الرشيدة الباكر إذا لم تكن مالكة لأمرها ومستقلّة في شؤون حياتها ، ولكن تعذّرت استجازة الأب والجد للأب في أمر زواجها ; لغيبتهما أو حبسهما ونحو ذلك ، وكانت البنت بحاجة إلى الزواج وأرادت الزواج بفرد معيّن ، ففي هذه الصورة تسقط الاستجازة من الأب أو الجد للأب في أمر زواجها.
٦ ـ أمّا الفتاة البالغة العاقلة الرشيدة الباكر إن لم تكن مالكة لأمرها وليست مستقلّة في شؤون حياتها ، وكان الأب أو الجدّ للأب موجوداً معها ، فلايجوز للأب والجد للأب تزويجها من دونه رضاها. ومعنى ذلك عدم وجود سلطة مطلقة لهما عليها ، ولكن هل يجوز لها أن تتزوج بدون إذن الأب والجد للأب؟
هنا يذهب جمله من الفقهاء (١) إلى عدم صحة زواجها من دون رضاها ورضى أحد الأبوين (الأب أو الجد للأب) ، ومعنى ذلك أنّ هذا المورد تكون فيه للأب أو للجد للأب نوع ولاية على البنت الباكر ، فلايصح زواجها من دون موافقة أحد الأبوين.
فهل هذا الأمر يكون من باب أنّ الفتاة قاصرة ، أو أقلّ من الرجل في النضج الاجتماعي؟
والجواب :
١ ـ ليس الأمر كذلك وإلاّ لما كان هناك فرق بين الثيب والبكر ; لتكون الثيب البالغة من العمر خمسة عشر عاماً مستغنية عن موافقة الأب والجد للأب ، بينما تحتاج البكر البالغة ثمانية عشر عاماً إلى الموافقة.
٢ ـ وإذا كان الإسلام يعتبر قصوراً في الفتاة في إدارة اُمورها ، فلماذا أعطى البنت البالغة الرشيدة استقلالها الاقتصادي وصحح معاملاتها المالية حتى لو كانت خطيرة ، دون الحاجة إلى موافقة الأب أو الجد للأب أو الاخ؟
إذن هناك سبب آخر هو الذي جعل الإسلام زواجها بحاجة إلى رضاها ورضى أحد الأبوين ، فما هو ذلك السبب؟
أقول : إنّ هذا السبب لا يرتبط بقصور المرأة وعدم نضجها العقلي ، إذ تقدّم منّا مراراً أنّ النساء البالغات العاقلات كاملات من كلّ النواحي ، ولعلّ نضجها العقلي يكون أسرع من نضج الذكر ، ولذا فقد كلّفت بالعبادات قبل تكليف الذكر ، وهذا واضح.
__________________
(١) وهناك جملة كبيرة من الفقهاء ولعلّ مشهور المتقدّمين يقول بعدم الحاجة إلى إجازة الأب والجد في أمر زواجها.
ولكن لعلّ ما قاله علماء النفس : من أنّ سرعة اطمئنان المرأة بالرجل الذي يظهر لها المحبة والإخلاص ، يجعلها أسيرة كلمات المحبة والإخلاص التي تسمعها من فم الرجل ، هي الباعثة على جعل إجازة أحد الأبوين ضماناً للأمان من وقوعها في أسر المحبة بدون تثبّت ومن دون مراعاة للاُمور التي يجب أن تتوفّر في الزوج اللائق لها المناسب لشأنها ، فجعل الإسلام إجازة أحد الأبوين لأجل أن لا تقع المرأة في مكان غير مناسب لشأنها ; لمجرّد إظهار المودة والمحبة الزائفة ، وهذا كما ترى احتياط لها ودليل ينير لها الطريق لئلا تقع في هوّة سحيقة لا تتمكن أن تخرج منها نتيجة فعلها المنفرد ، أمّا إذا كان الزواج نتيجة عمل مشترك من رضاها ورضا الأب أو الجد للأب ، ونتيجة تدبّر يحصل من الأب عادة ، فسوف يقل احتمال وقوع البنت في مكان غير مناسب لشأنها ومضرّ لها.
ولهذا كان الفقهاء يذكرون : أنّ الأب الذي لا يأذن في زواج بنته الباكر ولم يكن له سبب معقول لذلك ، بل يظهر من فعله التحكّم والتسلّط ، فإنّ ولايته على البنت تسقط ، ويحقّ للبنت الباكر أن تختار الزوج المناسب لها بانفرادها.
إذن من كلّ ما تقدّم نفهم : أنّ القانون الإسلامي لم يحتقر المرأة الباكر بجعل وليّ لها في الزواج يشترك معها فيه ، بل هذا الحكم يكون حماية للبنت الباكر واحتراماً لها وليس احتقاراً.