حياته، فكيف لا ينسي حدثا مضى عليه أكثر من أربعين سنة حول موضوع ليس من إهتماماته – على حد قوله كما أشرنا إليه في العديد من المناسبات.
4 – ونجده يقول في مورد آخر:
” بدأنا نصدر مجلة خطية باسم (الأدب). وكنا نحررها في سن العاشرة، أو الحادية عشرة في ذلك الوقت، وكنا نكتب عددا كلما زاد مشترك ” (1).
ثم هو يقول:
” في ذلك الوقت أصدرنا مجلة مكتوبة اسمها (الأدب) وكتبت فيها موضوعين، واستكتبنا بعض الأشخاص، وكنا نحاول لدى كل مشترك جديد أن نكتب، ونصدر نسخة جديدة.
وكان المرحوم السيد مهدي يحسن الكتابة جيدا.
أصدرنا خمسة أعداد من هذه المجلة ما بين أعوام 1949 و 1950. ” (2).
ومقتضى هذا النص الأخير: أن عمره كان حين إصدار المجلة هو 13 – 14 سنة بناء على أن ولادته كانت سنة 1936 م.
(1) مجلة المرشد: العددان 3 – 4 ص 57، وكتاب تحدي الممنوع: ص 289.
(2) مجلة المرشد: العددان 3 – 4 ص 20 عن كتاب أسئلة وردود من القلب.
أما لو كانت ولادته سنة 1935 م. أو سنة 1934 م. – كما علم مما تقدم متنا وهامشا – فإن عمره سيزيد سنة أو سنتين ليصبح 14 – 15 سنة أو 15 – 16 سنة.
وعلى جميع التقادير، فإن قوله: إن عمره كان حين إصدار تلك المجلة في سن العاشرة أو الحادية عشرة – ليس دقيقا.
وإذا كان مرد ذلك كله هو – كما قال هو نفسه – أن ذلك أصبح إلى حد ما تاريخا سحيقا فمن الطبيعي أن لا يتذكر الإنسان كل ملامحه التفصيلية.
فليكن ما ذكره عن الإمام السيد شرف الدين، هو الآخر بعض هذا الماضي السحيق الذي يصعب تذكر تفاصيله بدقة، تغير في تغيير حقائق التاريخ، من وجهة نظر السيد شرف الدين على الأقل.
الفرق بين الهجري والميلادي:
والملفت هنا: أن بعضهم قد اتهمنا بسوء الفهم، لأجل عدم تمييزنا – بزعمه – بين التاريخ الهجري الذي قصده البعض في مدة عمره حين سمع من السيد شرف الدين، وبين التاريخ الميلادي الذي قصده البعض في كلامه في تحديد سنة اللقاء في مسألة السيد شرف الدين نفسها.
ونقول:
إن من الواضح: أن كل ثلاثة وثلاثين سنة ميلادية تزيد السنة الهجرية عليها سنة واحدة فقط.
فهذه النظرية التي ابتدعها هذا القائل، لا تستطيع أن تحل الإشكال في هذه المفردات التي أشرنا إليها لكون الفارق كبيرا، ولكون عدد السنوات فيما بين الحدين كثيرا. وقد حددت بالكلمات والحروف لا بالأرقام.
كل الفكر الإسلامي (فكر بشري) ما عدا البديهيات:
وفي حديث لنا مع بعض المسؤولين في المركز الإسلامي الثقافي، نجده يعترض علينا، فيقول ما مفاده:
إن الحقيقة ليست ملكا لأحد، فلا يستطيع أحد حتى المجتهد أن يدعي أنه يملك الحقيقة كل الحقيقة. والإسلام باستثناء البديهيات عبارة عن اجتهادات بشرية في فهم النصوص، فكل التراث الفقهي فكر بشري وليس إلهيا.
وعليه فلا معنى لإصدار أحكام قاسية – كما هو الحال في كتاب مأساة الزهراء (ع) – ضد من يخالف في الرأي، فالحقيقة ليست ملكا لأحد.
بل يقول البعض أيضا: إن الحقيقة نسبية!!
ولم نكن نريد التعرض إلى هذا الاعتراض لولا أننا وجدنا أخيرا هذا البعض قد سجل ذلك بصورة أكثر وضوحا في بعض مؤلفاته..
فإنه بعد أن ذكر: أنه ليس من شك في أن القرآن كتاب الله، ولكن كلمات القرآن تبقى خاضعة لاجتهاد المفسرين والعلماء.
بعد أن ذكر ذلك في جملة كلام له، قال:
” ونحن نعتقد، من خلال ذلك، أن كل ما جاءنا من تراث فقهي، وكلامي، وفلسفي، هو نتاج المجتهدين والفقهاء والفلاسفة والمفكرين، من خلال معطياتهم الفكرية. ولا يمثل الحقيقة إلا بمقدار ما نقتنع به من تجسيده للحقيقة، على أساس ما نملكه من مقاييس الحقيقة، وبهذا فإننا نعتبر أن كل الفكر الإسلامي – ما عدا الحقائق الإسلامية البديهية – هو فكر بشري، وليس فكرا إلهيا، قد يخطئ فيه البشر في ما يفهمونه من كلام الله وكلام رسول الله (ص)، وقد يصيبون.
وعلى هذا الأساس فإننا نعتقد أنه من الضروري جدا أن ننظر إلى التراث المنطلق من اجتهادات المفكرين – أينما كانت مواقع تفكيرهم – نظرة بعيدة عن القداسة في حياتهم ومؤهلاتهم الروحية والعملية في حياة الناس الآخرين فيمن قد يكونون على مستوى المراجع أو الأولياء في تقواهم لله سبحانه وتعالى، لأن ذلك شئ ومسألة الفكر شئ آخر. ولذلك فإننا ندعو إلى دراسة
التراث دراسة ناقدة، نعيش فيها شخصيتنا الفكرية، ونعيش فيها انفتاحنا الفكري الذي عاشه الأقدمون في ما مارسوه من تجربتهم الفكرية ” (1).
ونقول:
إن هذا الاعتراض – وإن كان ظاهر البطلان – ولكنه مع ذلك يعتبر على درجة عالية من الخطورة، وذلك يجعله أكثر الاعتراضات أهمية وحساسية.. ونحن نذكر هنا بعض المآخذ.
على أن تستكمل هذه المؤاخذات في فرصة أخرى، يمكن معها التوسع في البيان والمعاني.
فنقول:
1 – إذا كان كل ذلك بشريا، – باستثناء بديهيات محدودة منه – عبر عنها البعض البعض بالثابت – كالتوحيد، والنبوة، والمعاد، ومسلمات الشريعة، مثل: وجوب الصلاة، والصوم، والجهاد، والحج، والزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحريم الزنا والسرقة، والخمر، والميسر، والنميمة، واللواط، والغيبة وقتل النفس المحرمة، ونحوها مما لا يخرج عن دائرة العناوين العامة جدا، دون تفاصيلها، فإن التفاصيل تدخل في نطاق الاجتهادات الشخصية البشرية، غير الإلهية وهو ما عبر عنه
(1) راجع: حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع: ص 480. عن مجلة الموسم: عدد 8 سنة 1990 م.
البعض بالمتحول (1).
إذا كان كذلك، فلماذا ندعو غير المسلمين للدخول في الإسلام، فهل ندعوهم لخصوص هذه البديهيات في عناوينها العامة والغائمة، واليسيرة جدا؟ أم ندعوهم إلى وجهات نظر أشخاص، هم بشر مثلهم؟!.
وحين يقال: إن علينا أن نقدم الإسلام للآخرين باعتباره دينا، وفكرا، وقانونا قادرا على حل جميع المشكلات، وهو النموذج الأمثل للبشر جميعا، وفي كل مجال، فأي إسلام نقدم؟
هل نقدم خصوص البديهيات؟ أم نقدم الفكر البشري، ونقول لهم: هذا الفكر البشري هو الإسلام الذي أنزله الله تعالى لعباده؟!
وأي فكر من أفكار هؤلاء البشر نقدم للناس؟
2 – إن كان المقصود بالبديهي هو الذي لم يناقش أحد فيه، فإن ذلك لا يصح، وذلك لأن وجود النقاش في أمر من الأمور لا يعني صيرورته فكرا بشريا، وقد ناقش الكثيرون في وجود الله، بل أنكروه، ويناقش غير المسلمين في نبوة النبي (ص)، ولا يعني ذلك صيرورتهما فكرا بشريا، وتناقش طوائف كثيرة في فكرة الإمامة، ولا يعني ذلك صيرورتها فكرا بشريا، ويناقش كثيرون في حقائق دينية وأحكام شرعية، ولا يعني ذلك أن تصبح تلك الأحكام أو الحقائق فكرا بشريا.
(1) راجع مقالة الأصالة والتجديد في مجلة المنهاج: العدد الثاني: ص 60.
(تقديم ٤٨)