أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام
1 أغسطس,2024
الشعر والادب
131 زيارة
الشيخ عبد الحسين الحلّي
المتوفى ١٣٧٤ ه
يا ليالي بأعلى الكرخ عودي
عله يخضر في عودك عودي
ان أيامي كانت خدمي
فيه لما كنت من بعض عبيدي
فزت فيه بجنان جمعت
بين قضبان غصون وقدود
كلما هبت صبا قلت لها
يا غصون اعتنقي عطفا وميدي
بيد الناهد من رمانها
واليد الاخرى برمان النهود
أحسب الطلع نضيدا مثلما
طلع اللؤلؤ في الثغر النضيد
انشق التفاح فيها خجلا
لم لا أرشف تفاح الخدود
وأخد الروض أبغي ورده
أفلا تغني خدود عن ورود
كلما في الكون فيه لذة
لك ان متعت بالعيش الرغيد
وأقم ان شئت في كوخ بلا
كدر أو شئت في قصر مشيد
وادرع طمرا اذا كنت به
وادعا تستغن عن وشي البرود
الى أن يقول :
بهدى آل الهدى استمسك فقد
جمعوا الفائت للفضل العتيد
عترة الوحي الذين ابتهجت
لهم الدنيا بأنوار الوجود
قد كفاهم انهم من نوره
خلقوا والناس طرا من صعيد
وكفى عن مدح الناس لهم
مدحهم في محكم الذكر المجيد
فقضوا بين سميم وقتيل
ومضوا بين شريد وطريد
٩٥
يا بني الزهراء انتم عدتي
وبكم يكثر ان قل عديدي
بيتكم قصدي ومدحي لكم
هو في نظم الثنا بيت قصيدي
انتم المحور من دائرة
أكملت قوسي نزولي وصعودي
انتم حبل اعتصامي ان تكن
بلغت نفسي الى حبل الوريد
ليس لي الا ولاكم عمل
آمن الهول به يوم الوعيد
ما لنقصي جابر غيركم
يوم تدعو سقر هل من مزيد
لكم مني الهنا ممتزجا
بالاسى في مولد السبط الشهيد
هزه في مهده الروح ومن
هزه الروح به خير وليد
فرحت اهل السماوات به
وغدت تزهر جنات الخلود
وبه الله عفا عن فطرس
فأميطت عنه اغلال القيود
واصل الله به البشرى وما
تنفع البشرى بمقطوع الوريد
قتلوه ظامئا دون الروى
ثم ساقوا أهله سوق العبيد
تتراماها النواحي في الفلا
حسرا لابن زياد ويزيد
أزعجت من خدرها حاسرة
كالقطا روع من بعد هجود
فقدت كل عماد فدعت
من بني عمرو العلى كل عميد
لبدور بدماها شرقت
وبها اشرق مغبر الصعيد
قد تواروا بقنا الخط أهل
قصد الخطي غاب للاسود
يا أبا الصيد الميامين وهل
ينجب الاصيد ولدا غير صيد
أنت لي ركن شديد يوم لا
يلتجى الا الى ركن شديد
هذه مني يد مدت فخذ
بيدي منك الى ظل مديد
أنا في حشري عليكم وافد
طالبا حق ولائي ووفودي
لا أكن بين عداكم ضائعا
في غد ضيعة عيسى في اليهود
الشيخ عبد الحسين الحلي علم الاعلام له المكانة المرموقة في الكمال والتضلع في العلوم وقد هجر الحلة مهبط رأسه ومحل أسرته وهو في الثالث عشر من سنه وقصد النجف حيث العلم والمعارف ، وحيث الدرس والتدريس فقرأ ما شاء أن يقرأ من العلوم العربية والمنطق والفقه وأصوله والكلام والحكمة والتفسير والحديث وغير ذلك وأصبح استاذا يشار اليه بالبنان وحصلت له ملكة نحت الشعر وقرضه عندما كان في أيام شبابه يتردد على الحلقات الادبية والنوادي الشعرية ، ولا ابالغ اذا قلت ان العلامة الحلي قليل النظير
٩٦
في النجف من الوجهتين العلمية والادبية فهو الاستاذ الذي تحضر لديه جملة من طلاب العلم ورواده ، وهو الاديب الذي تتبارى أمامه الشعراء والحكم الذي تذعن لحكمه الادباء ، خفيف الروح حسن المعشر لا يظهر بمظاهر العظمة والرفعة ومن هنا يأنس به كل واحد ، تعرض عليه شعرك فيعيرك أذنا صاغية أما اذا اراد أن ينبهك على خطأ من بيت غير موزون أو قافية لا تلائم اخواتها تزداد ابتساماته ويلتفت اليك قائلاً : أيقال هكذا وللشيخ الحلي مؤلفات كثيرة في مواضيع شتى منها ( نصرة المظلوم ونقد التنزيه ، ترجمة الشريف الرضي ) دراسة قيمة كانت مقدمة لكتاب حقائق التأويل في متشابه التنزيل للسيد الرضي الى غير ذلك.
ولد في الحلة عام ١٣٠١ ه ولما ابتدأ بدراسة العلوم العربية هاجر للنجف كما تقدم يقول صاحب الحصون : كانت هجرة الشيخ عبد الحسين عام ١٣١٤ وعند وصوله النجف ارتجل هذه الابيات في مدح الامام أمير المؤمنين عليهالسلام :
يا علي الفخار فيك هدانا
الله بعد العمى سواء السبيل
كن مقيلي من العثار فإني
جاعل في ثرى حماك مقيلي
لا أبالي وقد تخذتك كهفا
عاصما لي من كل خطب جليل
أنت من لاعج الحميم مجيري
والى نافح النعيم دليلي
أنت من خير معشر وقبيل
بحماهم يحمى ذمار النزيل
والمترجم له قد درس على الشيخ محمود ذهب الفقه والاصول ولازم شيخ الشريعة ملازمة الظل فأخذ عنه كثيرا من العلوم منها علمي الدراية والرجال وكثيرا من الحديث والحكمة والكلام والهيئة والحساب وقد أجازه في الاجتهاد ولكن الظروف القاسية اضطرته الى قبول القضاء في البحرين كمميز لاحكام المحاكم الشرعية فاستفاد منه الخليج. هذا ولم يفتر عن نشراته وبحوثه في المجلات فقد واصل في نشر موضوع الشعوبية والشعوبيين وبين فترة واخرى يتحف الادب والادباء برائعة من روائعه امثال رائعته التي اولها.
لولا هوى وطني وحسن وفائي
ما كان فيه ولا يكون ثوائي
٩٧
حب له ما انفك حشو حشاشتي
أبدا وتلك سجية الامناء
حلت به ايدي الشباب تمائمي
وعلى الكمال عقدت فيه ردائي
وقوله في الغزل قصيدته التي مطلعها :
أطلع لي قده وخده
فخلت غصنا عليه ورده
وفي قصيدته اسرار الهوى يقول :
ما للظبا نظرات من هوى فيها
لكن لعينيك تمثيلا وتشبيها
ولست الثم ثغر الكاس عن شغف
لكن لريقة ثغر منك تحكيها
وارقب الشمس في الآفاق أرمقها
لان من خدك الاسنى تلاليها
يا ويح نفسي من نفس معذبة
منها عليها غدا في الحب واشيها
يا من جلت لي معنى البدر طلعته
ممثلا وهوبعض من معانيها
كم لي بها نظر جلت مظاهره
من بعده فكر دقت معانيها
اني لاصبو الى اغصان مائسة
لما غدا عنك مرويا تثنيها
وأعشق الوردة الحمراء احسبها
خدا فألثمه افكا وتمويها
* * *
يجلو السلافة لي في خده رشأ
تحكيه في رقة المعنى ويحكيها
وردية لم أخلها في زجاجتها
ـ استغفر الله ـ الا خد ساقيها
حمراء في فلك الاقداح مطلعها
وفي العقول اذا سارت مجاريها
رقت فلم أدر في كاساتها جليت
ام كاسها لصفاء او دعت فيها
عذراء باتت وبات القس يحرسها
والصلب من حولها في الدير تحميها
ما زوجت بسوى ابن المزن والدها
حكم المجوس بها القسيس يفتيها
شعت فقامت لها الحرباء ترمقها
كأنها الشمس في أبهى تجليها
شمس تفوق شموس الافق ان بها
كمثل ايامها ضوءا لياليها
كان الشيخ عبد الحسين رحمها لله زميلا لوالدي وبينهما صداقة ومودة وتبادل الزيارة والمذاكرات العلمية متصلة فلا يمر اسبوع الا
٩٨
وارى والدي في دار الشيخ الحلي وارى الحلي في دارنا أيضا وكان الوالد يقول لي : اعرض ما يعسر عليك فهمه على الشيخ عبد الحسين فكنت اثناء ذلك اسمع منه النكتة المستملحة والنادرة الادبية ولعهدي بجماعات من المشغولين بالتأليف والمعنيين بالبحوث التاريخية والادبية ومرجعهم الشيخ بكل ما يكتبون ولعهدي بشاعر من المتدرجين على نظم الشعر كان يقرأ على الشيخ شعره وشعوره وكثيرا ما كان الشيخ يداعبه فتستحيل الجلسة الى فكاهة ومرح اذ أن الشيخ يقرض ذلك الشعر بقطعة تكون على الوزن والقافية وحسبك ان تقرأ جريدة الهاتف النجفية ومجلة الاعتدال لتقف على منثور المترجم له ومنظومه انه يقول في رائعته ( عالم الغد ).
أيصدقني يومي الاحاديث في غد
فيغدو على برحاء قلبي مسعدي
سقاني على التبريح كاسا مريرة
أهل بعدها يصفو ويعذب موردي
وروت لنا جريدة الهاتف من شعره تحت عنوان ( البلبل السجين ) :
أيها البلبل حيتك الغوادي والروائح وتعطرت من الزهر بأصناف الروائح مرة غنيت في دهري فردتني الصوائح وتغني أنت دوما ثم لا تزجر مرة ما الذي مازك لولا أن تغريدك فطره ومن بدائعه المرتجلة ان زار فضيلة الشيخ عبد الحسين شرع الاسلام عند رجوعه من السفر وكان في المجلس طبقة من علماء النجف فطالبوا زميلهم بهدية منه بمناسبة زيارته للامام الرضا عليهالسلام بخراسان فقام الشيخ وجاء بجملة من الخواتيم الفيروزجية وقال ليختر كل واحد خاتما ، فارتجل الشيخ الحلي.
ألقى الخواتيم لنا فانتثرت
حتى تزاحمنا عليها معه
فلا تسل عنا فكل واحد
أدخل في خاتمة اصبعه
لقد كانت حياة الشيخ الحلي مدرسة وكان امة في فرد لذلك عز
٩٩
نعيه وتهافتت الوفود على ولده الدكتور علي تعزيه والحق انها هي الثكلى ثم اقيمت له حفلة تأبين في منتدى النشر والقى ولده كلمة ملتهبة لوعة وحسرة وانا لله وانا اليه راجعون. ومما هو جدير بالذكر ان سبط الشيخ المغفور له وهو صديقنا الاستاذ مجيد حميد ناجي قد اتحفنا بجملة من أشعار جده وروائع من منظومه احتفظنا بها في مخطوطاتنا من الاطالة.
2024-08-01