الرئيسية / زاد الاخرة / كتاب معرفة الله – السيّد محمّد حسين‌ الحسيني الطهراني قدّس سرّه

كتاب معرفة الله – السيّد محمّد حسين‌ الحسيني الطهراني قدّس سرّه

تفسير «الميزان‌» لآية‌: مَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ اللَهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَهِ لاَتٍ
تفسير أيات‌ أوائل‌ سورة‌ العنكبوت‌ في‌ امتحان‌ المؤمنين‌ ورجاء لقاء الله‌
قال‌ جناب‌ أُسـتاذنا الاعظـم‌ المفسّـر الاكبر: العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ تربته‌ المنيفة‌ في‌تفسير هذه‌ الآيات‌:

« يلوح‌ من‌ سياق‌ آيات‌ السورة‌ وخاصّة‌ ما في‌ صدرها من‌ الآيات‌ أنّ بعضاً ممّن‌ آمن‌ بالنبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بمكّة‌ قبل‌ الهجرة‌ رجع‌ عنه‌ خوفاً من‌ فتنة‌ كانت‌ تهدّده‌ من‌ قِبَل‌ المشركين‌، فإنّ المشركين‌ كانوا يدعونهم‌ إلی العود إلی ملّتهم‌ ويضمنون‌ لهم‌ أن‌ يحملوا خطاياهم‌ إن‌ اتّبعوا سبيلهم‌ فإن‌ أبوا فتنوهم‌ وعذّبوهم‌ ليعيدوهم‌ إلی ملّتهم‌.

يشير إلی ذلك‌ قوله‌ تعالي‌: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَـ’يَـ’كُمْ ـ الآية‌. [28]

وقوله‌: وَمِنَ النَّاسِ مَن‌ يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي‌ اللَهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَهِ ـ الآية‌. [29]

وكأنّ في‌ هؤلاء الراجعين‌ عن‌ إيمانهم‌ من‌ كان‌ رجوعه‌ بمجاهدة‌ من‌ والديه‌ علی أن‌ يرجع‌ وإلحاح‌ منهما عليه‌ في‌ الارتداد كبعض‌ أبناء المشركين‌ علی ما يستشمّ من‌ قوله‌ تعالي‌: وَوَصَّيْنَا الإنسَـ’نَ بِوَ لِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن‌ جَـ’هَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي‌ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا الآية‌ [30]، وقد نزلت‌ السورة‌ في‌ شأن‌ هؤلاء.

فغرض‌ السورة‌ علی ما يستفاد من‌ بدئها وختامها والسياق‌ الجاري‌ فيها أنّ الذي‌ يريده‌ الله‌ سبحانه‌ من‌ الإيمان‌ ليس‌ هو مجرّد قولهم‌: ءَامَنَّا بِاللَهِ، بل‌ هو حقيقة‌ الإيمان‌ التي‌ لا تحرّكها عواصف‌ الفتن‌ ولا تغيّرها غِيَر الزمن‌، وهي‌ إنما تتثبّت‌ وتستقرّ بتوارد الفتن‌ وتراكم‌ المحن‌.

فالناس‌ غير متروكين‌ بمجرّد أن‌ يقولوا: ءَامَنَّا بِاللَهِ دون‌ أن‌ يُفتنوا ويمتحنوا فيظهر ما في‌ نفوسهم‌ من‌ حقيقة‌ الإيمان‌ أو وصمة‌ الكفر فليعلمنّ الله‌ الذين‌ صدقوا ويعلم‌ الكاذبين‌.

فالفتنة‌ والمحنة‌ سُنّة‌ إلهيّة‌ لا معدّل‌ عنها تجري‌ في‌ الناس‌ الحاضرين‌ كما جرت‌ في‌ الاُمم‌ الماضين‌ كقوم‌ نوح‌ وعاد وثمود وقوم‌ إبراهيم‌ ولوط‌ وشعيب‌ وموسي‌ فاستقام‌ منهم‌ من‌ استقام‌ وهلك‌ من‌ هلك‌. وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَهُ وَلَـ’كِن‌ كَانُو´ا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.[31]

فعلي‌ من‌ يقول‌: ءَامَنْتُ بِاللَهِ أن‌ يصبر علی ايمانه‌ ويعبد الله‌ وحده‌ فإن‌ تعذّر عليه‌ القيام‌ بوظائف‌ الدين‌ فليهاجر إلی أرض‌ يستطيع‌ فيها ذلك‌ فأرض‌ الله‌ واسعة‌ ولا يَخَفْ عسر المعاش‌ فإنّ الرزق‌ علی الله‌.

وَكَأَيِّن‌ مِّن‌ دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ. [32]

وأمّا المشركون‌ الذين‌ يفتنون‌ المؤمنين‌ من‌ غير جرم‌ أجرموه‌ إلاّ أن‌ يقولوا: رَبُّنَا اللَهُ فلا يحسبوا أ نّهم‌ يُعجزون‌ الله‌ ويسبقونه‌، فأمّا فتنتهم‌ للمؤمنين‌ وإيذاؤهم‌ وتعذيبهم‌ فإنّما هي‌ فتنة‌ لهم‌ وللمؤمنين‌ غير خارجة‌ عن‌ علم‌ الله‌ وتقديره‌، فهي‌ فتنة‌ وهي‌ محفوظة‌ عليهم‌ إن‌ شاء أخذهم‌ بوبالها في‌ الدنيا وإن‌ شاء أخّرهم‌ إلی يوم‌ يُرجعون‌ فيه‌ إليه‌، وما لهم‌ من‌ محيص‌.

وأمّا ما لفّقوه‌ من‌ الحجّة‌ وركنوا إليه‌ من‌ باطل‌ القول‌ فهو داحض‌ مردود إليهم‌ والحجّة‌ قائمة‌ تامّة‌ عليهم‌.

ثمّ يصل‌ سماحة‌ الاُستاذ إلی تفسير الآية‌ الثانية‌ فيقول‌:

قوله‌ تعالي‌: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَـ’ذِبِينَ.

اللامان‌ للقسم‌، وقوله‌: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ حال‌ من‌ الناس‌ في‌ قوله‌: أَحَسِبَ النَّاسُ، أو من‌ ضمير الجمع‌ في‌ قوله‌: لاَ يُفْتَنُونُ. وعلي‌ الاوّل‌ فالإنكار والتوبيخ‌ متوجّه‌ إلی ظنّهم‌ أ نّهم‌ لا يفتنون‌ مع‌ جريان‌ السنّة‌ الإلهيّة‌ علی الفتنة‌ والامتحان‌، وعلي‌ الثاني‌ إلی ظنّهم‌ الاختلاف‌ في‌ فعله‌ تعالي‌ حيث‌ يفتن‌ قوماً ولا يفتن‌ آخرين‌، ولعلّ الوجه‌ الاوّل‌ أوفق‌ للسياق‌.

فالظاهر أنّ المراد بقوله‌: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ أنّ الفتنة‌ والامتحان‌ سنّة‌ جارية‌ لنا وقد جرت‌ في‌ الذين‌ من‌ قبلهم‌ وهي‌ جارية‌ وَلَن‌ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَهِ تَبْدِيلاً. [33]

وقوله‌: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَهُ الَّذِينَ صَدَقُوا إلی آخر الآية‌، تعليل‌ لما قبله‌، والمراد بعلمه‌ تعالي‌ بالذين‌ صدقوا ] و [ بالكاذبين‌ ظهور آثار صدقهم‌ وكذبهم‌ في‌ مقام‌ العمل‌ بسبب‌ الفتنة‌ والامتحان‌ الملازم‌ لثبوت‌ الإيمان‌ في‌ قلوبهم‌ حقيقة‌ وعدم‌ ثبوته‌ فيها حقيقة‌ فإنّ السعادة‌ التي‌ تترتّب‌ الإيمان‌ المدعو إليه‌ وكذا الثواب‌ إنما تترتّب‌ علی حقيقة‌ الإيمان‌ الذي‌ له‌ آثار ظاهرة‌ من‌ الصبر عند المكاره‌ والصبر علی طاعة‌ الله‌ والصبر عن‌ معصية‌ الله‌ لا علی دعوي‌ الإيمان‌ المجرّدة‌.

ويمكن‌ أن‌ يكون‌ المراد بالعلم‌ علمه‌ تعالي‌ الفعلي‌ّ الذي‌ هو نفس‌ الامر الخارجي‌ّ، فإنّ الاُمور الخارجيّة‌ بنفسها من‌ مراتب‌ علمه‌ تعالي‌، وأمّا علمه‌ تعالي‌ الذاتي‌ّ فلا يتوقّف‌ علی الامتحان‌ البتّة‌.

والمعني‌: أحَسِبُوا أن‌ يتركوا ولا يُفتنوا بمجرّد دعوي‌ الإيمان‌ وإظهاره‌، والحال‌ أنّ الفتنة‌ سنّتنا وقد جرت‌ في‌ الذين‌ من‌ قبلهم‌، فمن‌ الواجب‌ أن‌ يتميّز الصادقون‌ من‌ الكاذبين‌ بظهور آثار صدق‌ هؤلاء وآثار كذب‌ أُولئك‌، الملازم‌ لاستقرار الإيمان‌ في‌ قلوب‌ هؤلاء وزوال‌ صورته‌ الكاذبة‌ عن‌ قلوب‌ أُولئك‌.

والالتفات‌ في‌ قوله‌ «فليعلمنّ الله‌» إلی اسم‌ الجلالة‌ قيل‌: للتهويل‌ وتربية‌ المهابة‌، والظاهر أ نّه‌ في‌ أمثال‌ المقام‌ لإفادة‌ نوعٍ من‌ التعليل‌.

وذلك‌ أنّ الدعوة‌ إلی الإيمان‌ والهداية‌ إليه‌ والثواب‌ عليه‌ لمّا كانت‌ راجعة‌ إلی المسمّي‌ بالله‌ الذي‌ (مِنْهُ يَبْدَأُ كُلُّ شَي‌ءٍ، وَبِهِ يَقومُ كُلُّ شَي‌ءٍ، وَإلَيْهِ يَنْتَهي‌ كُلُّ شَي‌ءٍ بِحَقيقَتِهِ.) فمن‌ الواجب‌ أن‌ يتميّز عنده‌ حقيقة‌ الإيمان‌ من‌ دعواه‌ الخالية‌، ويخرج‌ عن‌ حال‌ الإبهام‌ إلی حال‌ الصراحة‌، ولذلك‌ عدل‌ عن‌ مثل‌ قولنا: فَلَنَعْلَمَنَّ، إلی قوله‌: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَهُ.

شاهد أيضاً

لماذا اعترفت إسرائيل بإقليم أرض الصومال الانفصالي الآن؟

متظاهرون في العاصمة الصومالية مقديشو يحتجون على اعتراف إسرائيل بسيادة إقليم أرض الصومال الانفصالي في ...