العقائد عند الشيعة وعند أهل السنة والجماعة مما زاد قناعتي بأن الشيعة الإمامية هي الفرقة الناجية هو أن عقائدهم سمحة وسهلة القبول لكل ذي عقل حكيم وذوق سليم، ونجد عندهم لكل مسألة من المسائل ولكل عقيدة من العقائد تفسيرا شافيا كافيا لأحد أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، قد لا نجد لها حلا عند أهل السنة وعند الفرق الأخرى.
وسأتتبع في هذا الفصل بعض العقائد وأهمها عند الفريقين، وأحاول إبراز ما اقتنعت به، وأترك للقارئ حرية الفكر والاختيار والنقد والتجريح.
وألفت النظر إلى أن العقيدة الأساسية هي بالنسبة للمسلمين كافة عقيدة واحدة، وهي الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، لا يفرقون بين أحد من رسله كما يتفقون في أن النار حق والجنة حق وأن الله يبعث من في القبور ويحشرهم جميعا ليوم الحساب.
كما أنهم يتفقون على القرآن ويؤمنون بأن نبيهم محمد رسول الله، وقبلتهم واحدة ولكن وقع الاختلاف في مفهوم هذه العقائد فأصبحت مسرحا للمدارس الكلامية يرون فيها شتى الآراء والمذاهب.
(٢٤)
العقيدة في الله تعالى (عند الطرفين) وأهم ما يذكر في هذا الموضوع هي رؤية الله تعالى فقد أثبتها أهل السنة والجماعة لكل المؤمنين في الآخرة وعندما نقرأ صحاح السنة والجماعة كالبخاري ومسلم مثلا نجد روايات تؤكد الرؤية حقيقة لا مجازا (1). بل نجد فيها تشبيها لله سبحانه، وأنه يضحك (2) ويأتي ويمشي وينزل إلى سماء الدنيا (3) بل ويكشف عن ساقة التي بها علامة يعرف بها (4). ويضع رجله في جهنم فتمتلئ وتقول قط قط إلى غير ذلك من الأشياء والأوصاف التي يتنزه الله جل وعلا عن أمثالها (5).
وأذكر أنني مررت بمدينة لآمو في كينيا بشرق إفريقيا ووجدت إماما من الوهابية يحاضر المصلين داخل المسجد ويقول لهم بأن لله يدين ورجلين وعينين ووجها، ولما استنكرت عليه قام يستدل بآيات من القرآن قائلا * (وقالت
(١) صحيح البخاري ج ٢ ص ٤٧ ج ٥ ص ١٧٩ و ج ٦ ص ٣٣.
(٢) صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٢٦ و ج ٥ ص ٤٧ – ٤٨ صحيح مسلم ج ١ ص ١١٤ – ١٢٢.
(٣) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٩٧.
(٤) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٨٢.
(٥) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٨٧ وفي صفحة 202 يثبت أن لله يد وأصابع.
(٢٥)
قلت: يا أخي، كل هذه الآيات التي أدليت بها وغيرها إنما هي مجاز وليست حقيقة!
أجاب قائلا: كل القرآن حقيقة وليس فيه مجازا، قلت: إذن ما هو تفسيركم للآية التي تقول: * (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى…) * (4)، فهل تحملون هذه الآية على المعنى الحقيقي؟
فكل أعمى في الدنيا يكون أعمى في الآخرة؟ أجاب الشيخ نحن نتكلم عن يد الله وعين الله ووجه الله، ولا دخل لنا في العميان!
قلت: دعنا من العميان فما هو تفسيركم في الآية التي ذكرتها: * (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك…) * التفت إلى الحاضرين وقال لهم: هل فيكم من لم يفهم هذه الآية؟ إنها واضحة جلية كقوله سبحانه * (كل شئ هالك إلا وجهه) * (5). قلت: أنت زدت الطين بلة! يا أخي نحن إنما اختلفنا في القرآن، ادعيت أنت بأن القرآن ليس فيه مجاز وكله حقيقة! وادعيت أنا بأن في القرآن مجازا وبالخصوص الآيات التي فيها تجسيم لله تعالى أو تشبيه، وإذا أصررت على رأيك فيلزمك أن تقول، بأن كل شئ هالك لولا وجهه معناه يداه ورجلاه وكل جسمه يفنى ويهلك ولا يبقى منه إلا الوجه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا! ثم التفت إلى الحاضرين قائلا: فهل ترضون بهذا التفسير، سكت
(2) سورة هود آية 37.
(3) سورة الرحمن آية 27.
(4) سورة الإسراء آية 72.
(5) سورة القصص آية 88.