منهج في الإنتماء المذهبي – صائب عبد الحميد
11 ساعة مضت
الاسلام والحياة
13 زيارة
وكذا فليس من الصواب الاندفاع تحت ذريعة هذه المسؤولية لتعميق الخلافات المذهبية، وإغذاء النزعة الطائفية البغيضة، فهذه أيضا مسؤولية شرعية ملقاة على عواتقنا بنفس الدرجة، نحن مسؤولون عنها غدا: ﴿منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون﴾ (1).
إن الوحدة بين المسلمين يجب أن تفهم أنها قضية رسالية أساسية.
فليست هي موضوعا طائفيا يجمع المسلمين أمام الأمم الأخرى، وحسب ولا هي دعوى فوقية يراد منها التزلف والتملق فيما بيننا.
ولم تكن في عرف التشريع السماوي المقدس هدفا دنيويا مصلحيا مؤقتا.
بل هي أكبر من ذلك كله، إنها مسؤولية رسالية بحجم هذه الرسالة، أريد لها أن تسود، كما أريد لها البقاء والخلود.
فما أحوجنا إلى أن ندرك واجباتنا في حفظ مجتمعنا الإسلامي النزيه، وتحقيق الانسجام والتآلف بين أفرادنا وفصائلنا، ومعالجة أسباب (هذه الفرقة، التي لم تؤذ السني في مواجهة الشيعي فقط، ولا الشيعي في مواجهة السني فقط، ولكنها كرست تفتيت السني إلى عدة مذاهب، وكرست تفتيت الشيعي إلى عدة مذاهب) (2).
– إن اتفاق المسلمين في قضاياهم المصيرية ليكونوا أمة واحدة، ويدا واحدة في مواجهة المسؤوليات، وفي البناء الحضاري الإسلامي، وفي حفظ هذا الدين العزيز، والوقوف بوجه المخاطر والتحديات، هي من الأمور التي يجب
(١) الروم: ٣١ – 32.
(2) من مقالة للدكتور فهمي الشناوي بعنوان (الفتنة الكبرى المعاصرة) نشرتها مجلة العالم في عددها 336 من عام 1990.
(٢٧)
حمايتها وإن اختلف المسلمون في انتماءاتهم المذهبية، أو تباينوا في وجهات النظر حول بعض القضايا، فليس هناك أي تناقض بين أن نكون أحرارا في تفكيرنا، وأن نكون متفقين في قضايانا المصيرية، ومعالمنا المشتركة.
وإذا كان هذا الهدف كبيرا وعظيما، فهو ليس مستحيلا ولا مستبعدا.
وحين تتوفر لدينا الرغبة الصادقة في بلوغ هذا الهدف نكون قادرين على تبني المشروع الوحدوي المتكامل الذي يستوعب جميع الخطوات الأساسية على هذا الطريق، والتي يمكن حصرها بما يلي: – أولا: إزاحة الحواجز النفسية المتراكمة فينا، والتي لم ترتكز على دليل علمي، ولا حجة منطقية، ولا أساس من الدين الذي أمرنا الشارع المقدس أن نتدين به.
ثانيا: تحقيق المستوى الكافي من الوعي بمسؤولياتنا تجاه الإسلام، والأمة المسلمة.
ثالثا: التوجه نحو المبادئ المشتركة فيما بيننا – والتي تشكل لوحدها كل العناصر الأساسية اللازمة لتحقيق أفضل مستوى من الاتحاد بين المسلمين -:
كوحدة العقيدة بأركانها، ومصادر التشريع الأساس، وفروع الدين، وما لا يحصى من الأحكام التفصيلية الأخرى، هذا مع إيماننا جميعا بوحدة المصير.
إذ إن وحدة المصير – لوحدها – لو أخذناها مأخذ الجد، لأزاحت الكثير والكثير جدا من العقبات التي تحول دون تفاهمنا.
إن خطوات كتلك ستخلق التآلف الحقيقي، وهو التأليف بين القلوب كما يصفه الله تبارك وتعالى بقوله: ﴿وألف بين قلوبهم﴾ (1).
(١) الأنفال: ٦٣.
(٢٨)
هذا بدلا من أن نسود الصفحات العديدة بالنداءات الوحدوية:
والعبارات الخطابية الرنانة، والألفاظ الأدبية الساحرة، التي تصور درجة عظمى من الاتحاد والتماسك، ولكن قد لا تجد لها مصداقا في القلوب.
وفي أبسط لغة، ومع الحد الأدنى من البرهان، نقول: إن كلا منا يشهد للآخرين بأنهم مسلمون..
وبهذه الشهادة وحدها يترتب عليه أن يحفظ تجاههم كل حقوق المسلم على أخيه المسلم، والتي بينها الشارع المقدس في عشرات، بل مئات النصوص من قرآن وسنة:
فدمه، وعرضه، وماله حرام، واغتيابه حرام، وبهتانه من الكبائر، وسبابه فسوق، وقتاله كفر، والغش له والغدر به جفاء مع الدين كله، بل عليه أن يعيش معه كأعضاء الجسد الواحد، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها، ولا يقبل فيه أقوال الوشاة والساعين في بث الفرقة والخلاف.
كل هذا، وكثير غيره، يعد من أوليات الأخلاق الإسلامية، ومما يتعلمه المسلم في أول حياته، وابتداء من أبسط الحقوق: كإفشاء السلام، وعيادة المريض، وانتهاء بأكبرها: كالايثار بالنفس.
فما بالنا ننسى كل هذا، بمجرد أن نختلف في مواردنا الفقهية؟!
ثم نجعل نقطة الخلاف هذه، قبلتنا التي إليها نتوجه في أفكارنا، واهتماماتنا، وأحاديثنا في جلسات سمرنا، لتصبح فيما بعد مواقف سياسية وعقائدية تفصل بيننا؟
ولماذا لا ندرك أن كل ما حصل في هذه الأمة من انقسامات وتشعب في الموارد، إنما هو وليد الخلاف السياسي الذي ظهر مرة، ثم تهيأ له أن ينمو بعدما ظهر، وهو لأجل أن ينمو ويستمر، لا بد أن يعتمد أساسا ” شرعيا ” وعليه فلا بد أن يشق له مورده الفقهي المناسب، ولو تدريجيا، وعن غير قصد، ولكنه
(٢٩)
سينمو بالنتيجة، ليكون موردا مستقلا له خصائصه، وقواعده، ودعائمه التي يقوم بها، وتميزه عن غيره، وكلما مضى في تعزيز بنيته، فقد تغلغل في البعد عن منبعه الأول!
وهكذا قل مع كل مورد أدخلت فيه السياسية أصابعها، حتى تحصل في الواقع اتجاهات متعددة، تتوغل في البعد عن بعضها كلما أرادت تدعيم حججها وإظهار معالمها.
والحقيقة هي هكذا لو تبصرنا فيها.
ولولا خشية الخروج عن منهجنا، لفصلنا القول في إيضاح ذلك، ولكنا اكتفينا بما يشير إليه ضمن فصول هذا الكتاب، تاركين التطبيق للقارئ الكريم لأن تكلف التطبيق سيخرج بنا عن منهجنا في هذا البحث، أولا، وسيرغمنا – ثانيا – على الإطالة، التي سعينا جاهدين لتجنبها.
وأمام تلك الحقائق، فلا مفر من كوننا جميعا، على قدم سواء في المسؤولية، مسؤولية البحث، والتحري، والاستكشاف، ثم انتخاب الموقف الواعي، القويم، غير المنحاز، وغير المتطرف.
وكلنا متساوون في الحاجة إلى مراجعة مواقفنا، ثم إعادة بنائها على أساس سليم. وإلى هذا كان سعينا، وفق خطوات نعرضها مرتبة في فصول هذا الكتاب.
والله من وراء القصد ﴿والذين جهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ (1):
(١) العنكبوت: ٦٩.
(٣٠)
رابط الدعوة ايتا :الولاية الاخبارية
سايت اخباري متنوع يختص بأخبار المسلمين حول العالم .
https://eitaa.com/wilayah
2025-01-14