الروض الفسيح في بيان الفوارق بين المهديّ و المسيح
7 نوفمبر,2024
بحوث اسلامية
134 زيارة
الفصل الثاني
في الكلام على أصل الحديث وبيان درجته
إعلم ـ هدانا الله وإيّاك إلى صراطه المستقيم ومنهجه القويمِ ـ أنّ الجهابذة النقّاد من أئمّة الحديث لم يعتمدوا على هذا الحديث المنحول إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقيموا له وزناً، بل أجمعوا على ضعفه، وأطبقوا على تركه ـ وإنْ تأوّله بعضهم بما لا ينجع ـ فذِكره مُغنٍ عن بيان رتبته وحاله، لكن لا بأس بإيراد طرفٍ من كلامهم فيه.
قال أبو بكر بن زياد: هذا الحديث غريب.
وقال القرطبي في التذكرة وكذا الطيبي ـ كما في المرقاة ـ: الاَحاديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في التنصيص على خروج المهديّ من عترته من وُلْد فاطمة، ثابتةٌ أصحّ من هذا الحديث، فالحكم لها دونه(1). انتهى.
وقال العلاّمة الحافظ شمس الدين الذهبي بترجمة محمّـد بن خالد الجَنَديّ من ميزان الاعتدال: في حديثه «لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم» وهو خـبر منكـر أخرجـه ابـن ماجـة، ووقع لنا موافقةً من حديث يونس بن عبـد الاَعلى ـ وهو ثقة ـ تفرّد به عن الشافعي، فقال في روايتنا: «عن» هكذا بلفظ «عن الشافعي»(2).
وقال في جزءٍ عتيق بمرّة عندي من حديث يونس بن عبد الاَعلى
____________
ه(1) التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة 2|617، مرقاة المفاتيح ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1|475 ـ: 5|186.
ه(2) ميزان الاعتدال 3|535.
[13]
قال: «حُدِّثْتُ عن الشافعي» فهو على هذا منقطع.
على أنّ جماعة رووه عن يونس، قال: «حدّثنا الشافعيّ» والصحيح أنّه لم يسمعه منه.
قال: وأبان بن صالح صدوق وما علمت به بأساً، لكن قيل: إنّه لم يسمع من الحسن، ذكره ابن الصلاح في أماليه.
وذكر الشيخ تقيّ الدين ابن تيّميّة في منهاج السُنّة: أنّ هذا الحديث ضعيف(1)4.
قال: وقد اعتمد أبو محمّـد ابن الوليد البغدادي وغيره عليه، وليس ممّا يُعتَمد عليه، ورواه ابن ماجة، عن يونس، عن الشافعي، والشافعي رواه عن رجلٍ من أهل اليمن يقال له محمّـد بن خالد الجَنَديّ، وهو ممّن لا يُحتجّ به، وليس في مسند الشافعي، وقد قيل: إنّ الشافعي لم يسمعه من الجَنَديّ، وإنّ يونس لم يسمعه من الشافعي. انتهى.
وقال ابن قيّم الجوزيّة في كتابه المنار المنيف في الصحيح والضعيف: قد اختلف الناس في المهديّ على أربعة أقوال:
أحدها: أنّه المسيح بن مريم، وهو المهديّ على الحقيقة، واحتجّ أصحاب هذا بحديث محمّـد بن خالد الجَنَدي المتقدّم، وقد بيّنّا حاله وأنّه لا يصحّ(2).
وقال الاِمام الصغاني: موضوع، كما في الفوائد المجموعة
____________
ه(1) منهاج السُنّة 4|211.
ه(2) المـنار المـنيف في الصـحيح والضـعيف ـ المطـبوع ضمن موسـوعة الاِمام المهدي 7 عند أهل السُنّة 1|289 ـ 148.
[14]
للشوكانيّ(1).
وقال القاري في مرقاة المفاتيح: إعلم أنّ حديث «لا مهديّ إلاّ عيسى ابن مريم» ضعيف باتّفاق المحدِّثين كما صرَّح به الجزريّ(2).
هذا، وجزم الاِمام المحدِّث العلاّمة أبو الفيض شهاب الدين أحمد بن الصدّيق الحسنيّ الغُماريّ المغربيّ في كتابه القيّم الموسوم بـ: إبراز الوهم المكنون بأنّ الحديث باطل موضوع، مختلَق مصنوع، لا أصل له من كلام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا من كلام أنس، ولا من كلام الحسن البصري(3).
ثمّ خاض في تبيين ذلك وإيضاحه من ثمانية وجوهٍ، استوفى فيها الكلام على هذا الحديث بأطرافه، بما لم يتكلّم فيه أحد بمثله، ولا تجده في كـتاب كـما صرّح هو بذلك، وحقٌّ ما قال وقد مرّ بيان بعضها، فلنذكر ما بقي منها، وهو وجهان:
الاَوّل: أنّ ممّا يدلّ على بطلان هذا الخبر معارضته للمتواتر المفيد للقطع، فقد قرّر علماء الاَُصول أنّ من شرط قبول الخبر عدم مخالفته للنصّ القطعيّ على وجهٍ لا يمكن الجمع بينهما بحالٍ.
وقد ذكروا للجمع بين هذا الخبر وبين أحاديث المهديّ أوجهاً ذكر بعضَها الطاعنُ [يعني ابن خلدون] وبعضَها غيرهُ كالقرطبيّ في التذكرة(4)
____________
ه(1) الفوائد المجموعة: 510 ـ 511.
ه(2) مرقاة المفاتيح ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1|457 ـ 5|186.
ه(3) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمـام المهدي 7 عند أهل السُنّة 2|376 ـ: 584.
ه(4) التذكرة: 617.
[15]
والآبيّ في شرح مسلم، وابن حجر الهيتميّ في الصواعق المحرقة(1) وصاحب ينابيع المودّة وغيرهم، وكلّها بعيدة لا حاجة تلجئ إليها مع بطلان الخبر، إذ لا تعارض بين متواتر وباطل(2). انتهى.
قلت:
وقد عقدنا الفصل الثالث لذِكر تلك الوجوه والجواب عنها تحذيراً للقاصر من الاغترار بها والركون إليها، كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى.
الثاني: أنّ ممّا يوجب القطع ببطلانه أيضاً كون ذكر المهديّ وخبره لم يرد إلاّ من جهة الشارع، فكيف يخبر بأمر أنّه سيقع ـ وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ـ ثمّ ينفيه؟!
والاَخبار لا يتصوّر وقوعها على خلاف ما أخبر به الصادق، ونفي المهديّ يلزم منه وقوع الخبر على خلاف ما أخبر به أوّلاً من وجوده، واللازم باطل، وهذا ممّا قرّروا به أنّ النسخ لا يدخل الاَخبار التي هي من هذا القبيل، وهذا متّفق عليه بين علماء الاَُصول.
قال الزركشي: إنْ كان مدلول الخبر ممّا لا يمكن تغيّره، بأن لا يقع إلاّ على وجه واحد كصفات الله تعالى وخبر ما كان من الاَنبياء والاَُمم وما يكون من الساعة وآياتها كخـروج الدجّـال، فلا يـجوز نسـخه بالاتّفاق كما قاله أبو إسحاق المروزي وابن برهان في الاَوسط؛ لاَنّه يفضي إلى الكذب.
____________
ه(1) الصواعق المحرقة: 251.
ه(2) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطـبوع ضمن موسـوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|380 ـ: 558.
[16]
قال ابن الصدّيق: والعجب ممّن أورد هذا الحديث من العلماء وأجاب عنه بأنواعٍ من طرق الجمع بين مختلف الآثار، كيف خفي عليه بطلانه من جهة ما قرّرناه إن خفي عليه ذلك من جهة الاِسناد وما فيه من العلل الظاهرة والخفيّة؟! فإنّ العقل قاطع ببطلانه كما عرفت ممّا قرّرناه لك(1).
وإذا أمعن المنصف في كلام هذا الاِمام البحر العلم، لَعَلِم أنّه نطق بالحقّ وآثر الصدق، كيف لا؟! وهو الخبير الخرّيت في هذا العلم الشريف (ولا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبير)(2).
وقد حذا شيخ الاَزهر الشيخ محمّـد الخضر حسين المغـربي حذو هذا الاِمام فقال(3): هذا حديث موضوع؛ ثمّ أورد كلام الحاكم وابن عبد البرّ والاَزدي في الجَنَدي المذكور وقال: آخُذُ في مثل هذا بقول ابن حزم: إذا كان في سند الحديث رجل مجروح بكذب أو غفلة أو مجهول الحال لا يحلّ عندنا القول به، ولا تصديقه، ولا الاَخذ بشيءٍ منه.
* * *
____________
ه(1) انظر: إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهديّ عليه السلام عند أهل السُنّة 2|380 ـ 381 ـ: 588 ـ 589.
ه(2) سورة فاطر 35: 14.
ه(3) في مقال تحت عنوان «نظرة في أحاديث المهدي»، مجلّة الهداية الاِسلاميّة (المحرّم سنة 1369) ومجلّة التمدّن الاَسلامي ـ المطبوعة ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|213 ـ: الجزء 35 ـ 36 من المجلّد 16.
2024-11-07