أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ١٠١ – ١٢٠
شهادة المقداد بن عمر:
قال المقداد بن عمر: (واعجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم وفيهم أول المؤمنين، وابن عم الرسول، وأفقههم في دين الله، وأعظمهم عناء في الإسلام…
والله لقد زووها عن الهادي المهتدي، الطاهر المتقي، والله ما أرادوا إصلاحا للأمة، ولا صوابا في المذاهب، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة فبعدا وسحقا للقوم الظالمين) (١).
شهادة الأنصار:
في سقيفة بني ساعدة وفي غياب الإمام علي وفي حضور ذلك النفر من المهاجرين الذين اتفقوا على إهمال الترتيبات الإلهية التي أعلنها النبي والمتعلقة بمن يخلفه (قالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا عليا) (٢).
مظهر إكمال الدين وإتمام النعمة
المظهر الأول
حل مشكلة القيادة
بتنصيب رسول الله أثناء حياته للإمام علي وليا وإماما للأمة من بعده، وبتحديده للأئمة الأحد عشر الذين سيتعاقبون على قيادة الأمة بعد وفاة الإمام علي، وببيانه لطريقة انتقال الإمامة من إمام إلى آخر (كل بعهد ممن سبقه) وبتأهيل رسول الله للأئمة وإعدادهم وتوريثهم علمي النبوة والكتاب، يكون رسول الله قد حل مشكلة القيادة حلا جذريا، وأغلق أبواب الخلاف والاختلاف من بعده فيها، وقطع دابر الطمع والتنازع فيها وعليها، وأضفى على منصب الإمامة طابع الاستقرار والمؤسسية، وأوجد الطريقة المثلى لتربية الأمة سياسيا، فعندما ينتقل منصب الإمامة من إمام لآخر اثني عشرة مرة بطريقة سلمية، وعندما يتعود الناس على حكم الأفضل والأعلم والأفهم لن يتمكن الظالمون الطامعون من الاستيلاء على منصب القيادة بالقوة والتغلب لأنهم سيجدون يوما أمة كاملة تقف في وجوههم وتبطل كيدهم.
المظهر الثاني
حل مشكلة القانون
كلما كانت تنزل آية أو كوكبة من الآيات على رسول الله، كان
الفصل الأول
الصراع الدائم بين الأقلية والأكثرية
لبث رسول الله في مكة قبل الهجرة ١٣ أو ١٥ سنة وهو يدعو أهل مكة ومن حولها إلى الإسلام، ومع هذا فإن الذين اتبعوه من أهل مكة وما حولها كانوا أقلية لا يتجاوزون المائتين، أما الأكثرية الساحقة من أهل مكة وما حولها والتي كانت تعد بعشرات الألوف، فقد كانت ضد النبي وضد دعوته، فقد وجدت في مكة قبل الهجرة أكثرية مشركة، وأقلية مسلمة، كانت الأكثرية المشركة التي تقف ضد النبي في مكة منظمة ولها قيادة، ولها نفوذ، ولديها خطط وإمكانيات لتنفيذ هذه الخطط، بل وعندها الإمكانيات لتجييش الجيوش عند اللزوم.
لما هاجر الرسول من مكة إلى المدينة أمر الذين أتبعوه من أهل مكة بالهجرة إلى المدينة، فهاجرت أكثريتهم بالفعل ونشأ في المدينة المجتمع الإسلامي المكون من المهاجرين من أهل مكة ومن الأنصار من أهل المدينة وما حولها ومع هذا فإن المسلمين كانوا أقلية لا تتجاوز ال ٥٠٠ مسلم وسط أكثرية ساحقة من المشركين واليهود تعد بعشرات الآلاف، فبعد مضي أكثر من سنتين على الهجرة قال رسول الله: (اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس، قال حذيفة فكتبنا له ألفا وخمسمائة)،… وعن الأعمش أنه قال: فوجدناهم خمسمائة، قال أبو معاوية (ما بين الستمائة.
عندما استسلمت الأكثرية المشركة وتظاهرت بالإسلام، صارت تشكل أكثرية المجتمع الإسلامي
زعامة بطون قريش هي التي قادت الأكثرية الساحقة من العرب والموالي واليهود أثناء مقاومتهم للنبي قبل الهجرة، وهي التي جيشت الجيوش من هذه الأكثرية وقادت الحرب ضد النبي بعد الهجرة، وهي التي حشدت كل إمكانيات الأكثرية لمقاومة النبي وحربه، وكانت زعامة بطون قريش عازمة على الاستمرار في حرب النبي حتى النهاية لأنها زعامة حاقدة، وموتورة وحاسدة، وقاصرة النظر فكلما لوح الرسول لها بمبادرة سلمية ردت عليه بالعنف والحرب وتعميق الخصام، وبعد بضعة وعشرين عاما من مقاومتها وحربها للنبي قبلت بهدنة مؤقتة بينها وبينه ثم نقضتها، فاغتنم النبي الفرصة فجسد كل إمكانات الأقلية المؤمنة، واستنفر المتظاهرين بالولاء له، والطامعين بالمغانم، وتفاجأت زعامة الأكثرية بجيش النبي وهو يحيط بعاصمة الشرك، والمقر العام لقيادته من كل الجهات، وألقى الله الرعب في قلوب تلك الزعامة، فاستسلمت وألقت سلاحها بعد أن هزمت سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وعندما وجدت كل الأبواب مغلقة أمامها إلا باب الإسلام تلفظت بالشهادتين، وأقرت بأن الإسلام هو الدين الرسمي لكل بلاد العرب، وباستسلام الزعامة الفاسدة استسلمت الأكثرية المشركة وتلفظت بالشهادتين أيضا اقتداء بزعامتها!! فصاروا رسميا من المسلمين.
١ – وهكذا تكون المجتمع الإسلامي الجديد من الفئة القليلة المؤمنة التي
وأخفت زعامة تلك الأكثرية مشاعرها بالإحباط والهزيمة، وحقدها على الذين قتلوا أبناءها، وتاريخا طويلا من الصراع المرير، وحاولت العيش في ظل هذه العقيدة الجديدة!! والتربص وانتظار الفرص!!! وما تأتي به الأيام!!!
أما الفئة القليلة المؤمنة، التي بنت الدولة وقادت الدعوة وتحملت أعباء المواجهة، فقد صارت أقلية في المجتمع الإسلامي الجديد!! فأبو سفيان قائد جبهة الشرك، وأحد أئمة الكفر سابقا صار مسلما، وعمار بن ياسر مسلم أيضا!!!! وبوقت يطول أو يقصر ستختفي الفوارق بين الاثنين، وسترجح كفة أبي سفيان على كفة عمار، لأن الأكثرية تعتقد أن أبا سفيان أولى بالتقدم والاحترام من عمار وأمثاله!!!
فعمر بن الخطاب من المهاجرين، ونال شرف مصاهرة النبي، وأصبح الخليفة الثاني في ما بعد، ومع هذا كان يقول عن معاوية: (إنه فتى قريش وابن سيدها) (١)!!! لقد نسي الخليفة أو تناسى التاريخ الأسود لمعاوية ولأبيه، ومع أنه كان خليفة للمسلمين إلا أنه كان ينظر لمعاوية ولأبيه بالنظرة نفسها التي كان ينظرها إليهم في الجاهلية وهو يرعى الغنم، فأبو سفيان في الجاهلية كان سيده وسيد قريش وابن السيد سيدا مثله، لقد انتقلت الثقافة الجاهلية مع زعامة البطون ومع الأكثرية التي استسلمت باستسلام الزعامة، وتلفظت بالشهادتين تبعا لتلفظ زعامتها!!
مكمن الخطر الماحق
يكمن وجود الخطر الماحق في وجود الأكثرية بجيشها ورعاياها وزعامتها وإعادة تنظيم العلاقة بين الأكثرية وزعامتها السابقة، ويكمن هذا الخطر في طمع زعامة الأكثرية بملك النبوة، وفي طبيعة نوايا تلك الأكثرية وأساليبها بالوصول إلى أهدافها.
لقد تيقنت الأكثرية وزعامتها بأن محمدا قد استطاع أن يبني ملكا عظيما بالفعل على حد تعبير أبي سفيان، وأيقنت الأكثرية وزعامتها بأنه ليس بإمكان الأقلية المؤمنة أن تحمي هذا الملك العظيم، أو أن توسعه دون الاستعانة بالأكثرية، لقد تيقنت الأكثرية وزعامتها أن بإمكانها أن تستولي على ملك النبوة ذات يوم، وأن تنتقم لقتلاها وهزائمها، لذلك رأت أن من مصلحتها أن تعترف بالنبوة، لا قناعة ولكن طمعا بالاستيلاء على الملك الذي تمخضت عنه النبوة، فأخذت تعمل لتحقيق هذه الأهداف تحت مظلة الإسلام وخيمته!!!
العوائق التي كانت تعترض الأكثرية وزعامتها
أول عائق كان يحول بين الأكثرية وبين تحقيق أهدافها، وجود الرسول والتفاف القلة المؤمنة حول قيادته، فقد كان من المستحيل على الأكثرية وزعامتها التمكن من الاستيلاء على ملك النبوة أثناء حياة النبي، لذلك خططت هذه الأكثرية لقتل النبي أثناء عودته من غزوة تبوك، لقد خرجت زعامة الأكثرية مع الرسول في غزوة تبوك تحت شعار الجهاد في سبيل الله، ولكن الغاية الأصلية من خروجها مع النبي هي محاولة اغتنام الفرصة لقتل النبي!! لما فشلت محاولة قتلها للنبي قررت أن تنتظر بفارغ الصبر موته!!
وثاني عائق كان يحول بين زعامة الأكثرية وبين تحقيق أهدافها السنة النبوية المتعلقة بمن يخلف النبي من بعده، فقد ركز النبي بأمر من ربه.
كان عمر بن الخطاب مثلا من المهاجرين ومن المعارضين لجمع الهاشميين بين النبوة والملك (١) وكان من المتعصبين لقريش، ومن الطامعين بمرضاة زعامتها الجاهلية وما يدلنا على تعصبه لقريش قوله لرسول الله في
(٣) راجع كنز العمال ج ٢ ص ٣٥٣، وتدوين القرآن ص ٤١٣.
(٤) أسباب النزول للسيوطي ج ١ ص ٢١، وتدوين القرآن ص ٤١٤.
الفصل الثاني
الرسول الأعظم يحذر من الخطر الماحق، ويكشف قادة التآمر
أطلع الله رسوله على أهداف المتآمرين ومخططاتهم، وكشف له قادتهم، ورسم له صورة يقينية لحركة الأحداث المستقبلية، لكن حكومة العدل الإلهي لا تعاقب على النوايا والأهداف ما لم تخرج إلى حيز الواقع وتترجم إلى أفعال مادية، والمتآمرون كانوا ينتظرون بفارغ الصبر موت النبي، لينفذوا تلك الأهداف، ويترجموا تلك النوايا الفاسدة.
لذلك لم يبق أمام الرسول سوى تحذير الأمة – وخاصة الفئة القليلة المؤمنة من الخطر الماحق المحدق بها، ومن كشف قادة التآمر وكشف أهدافهم ونواياهم، وكشف أوليائهم ووسمهم بمياسم يعرفون بها.
فقد سمى رسول الله الذين أسلموا خلال فتح مكة (بالطلقاء) ليميزهم عن غيرهم من المسلمين، وعندما تلفظ أئمة الكفر الذين قادوا جبهة الشرك بالإسلام سماهم رسول الله بالمؤلفة قلوبهم، فكان رسول الله يعطي الواحد منهم مبلغا من المال ليؤلف قلبه، وحتى لا ينقلب عليه لأن أئمة الكفر لا أيمان لهم. كانت الفئة المؤمنة تعرف الطلقاء، وتعرف المؤلفة قلوبهم، وتعرف تاريخهم الأسود، وأن إسلامهم مهزوز، وهذه إشارات كافية لو
وأكد ابن مسعود وجود هذا المعيار بقوله: (كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ببغضهم لعلي بن أبي طالب) (٤).
وأكد جابر بن عبد الله الأنصاري استعمال المؤمنين لهذا المعيار بقوله: (ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب) (٥).
هذا المعيار الذي وضعه الله ورسوله لمعرفة المؤمنين من المنافقين كاف لو أطيعا، فلو أحبت الفئة المؤمنة الإمام عليا وإطاعته، لأفشل مؤامرات المتآمرين!!!
(٣) المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٢٩ وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وكنز العمال ج ٦ ص ٣٩، والرياض النضرة للطبري ج ٢ ص ٢١٤.
(٤) تاريخ بغداد ج ٣ ص ١٥٣، وكتابنا (الهاشميون في الشريعة) ص ٢٢٥ وما فوق.
(٥) الاستيعاب لابن عبد البر ج ٢ ص ٤٦٤، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٣ وقال رواه الطبراني في الأوسط ورواه البزار.
(٣) رواه أحمد في الفتح الرباني ج ٢١ ص ٢٠٢.
(٤) رواه أبو داود في عون المعبود حديث رقم ٤٢٢٢ – ٤٢٤٣.
(٥) رواه البخاري كتاب بدء الخلق باب علامات النبوة ج ٢ ص ٢٨٠.
(٦) رواه البخاري أيضا في كتاب بدء الخلق باب علامات النبوة ج ٢ ص ٢٨٠، ومسلم في صحيحه كتاب الفتن ج ١٨ ص ٤١.
(٧) مجمع الزوائد ج ٧ ص ٢٣٦ وقال رواه الطبري.
(٨) المستدرك على الصحيحين للحاكم وحلية الأولياء لأبي نعيم، وكنز العمال ج ١١ ص ١٦٩.
وأشار الرسول إلى ذات الشخص بقوله: (إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة رسوله وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء وبعضكم يومئذ شيعته) (٤).
وبعد أن كشف الرسول خطورة الرجل وحقيقة أولاده (لعنه رسول الله ولعن أولاده) (٥) قال عبد الرحمن بن أبي بكر لمروان: (إن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه) (٦) وقال الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب لمروان: (لقد لعنك الله على لسان رسوله وأنت في صلب أبيك) (٧).
وحتى يكون الأمر معلوما للجميع، والخطر مكشوفا أمام الجميع أمر رسول الله بنفي الحكم بن العاص، فنفاه بالفعل، وأعلن بأنه عدو لله ولرسوله، وبقي منفيا طوال عهد الرسول، وطوال عهدي أبي بكر وعمر،
(٣) رواه ابن عساكر راجع كنز العمال ج ١١ ص ١٦٧.
(٤) رواه الدارقطني راجع كنز العمال ج ١١ ص ١٦٧، وابن عساكر ج ١١ ص ٣٦٠، والطبراني ج ١١ ص ١٦٧.
(٥) مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٤١ وقال رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط.
(٦) مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٤١ وقال رواه البزار.
(٧) مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٤٠، وابن سعد وابن عساكر راجع كنز العمال ج ١١ ص ٣٥٧، وابن كثير ج ٨ ص ٢٨٠.
قال الحلبي في رواية عن رسول الله، صار رسول الله يقول: (اللهم العن فلانا وفلانا) (٢) وأخرج البخاري قال: حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول:
(اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده وقال السيوطي:
وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: قال رسول الله يوم أحد: (اللهم العن أبا سفيان، والعن الحرث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية).
قال السيوطي وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قال (كان الرسول يدعو على أربعة نفر وكان يقول في صلاة الصبح (اللهم العن فلانا وفلانا…) (٣) وأخرج نصر بن مزاحم المنقري
(٣) الدر المنثور للسيوطي ج ٥ ص ٧١.