الرئيسية / الاسلام والحياة / أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ١٠١ – ١٢٠

فإذا كان معاوية الطليق ابن الطليق الذي قاد وأبوه الشرك والمواجهة ضد النبي طوال ٢١ عاما والذي قتل الإمام علي أخاه وجده وخاله وابن خاله وسادات بني أمية يرى حق ابن أبي طالب لازما له، وفضله مبرزا عليه، فالأولى بغيره أن يرى هذا الحق ويعرف هذا الفضل!!مما يعني أن الترتيبات الإلهية التي أعلنها النبي والمتعلقة بالإمامة أو القيادة من بعد النبي، قد صارت قناعة عامة عند الناس، وقبلوا بها ولم تنزع هذه القناعة إلا بتدابير وجهود جبارة خاصة بذلها الكارهون لما رتب الله ورسوله.

 

شهادة المقداد بن عمر:

قال المقداد بن عمر: (واعجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم وفيهم أول المؤمنين، وابن عم الرسول، وأفقههم في دين الله، وأعظمهم عناء في الإسلام…

والله لقد زووها عن الهادي المهتدي، الطاهر المتقي، والله ما أرادوا إصلاحا للأمة، ولا صوابا في المذاهب، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة فبعدا وسحقا للقوم الظالمين) (١).

 

شهادة الأنصار:

في سقيفة بني ساعدة وفي غياب الإمام علي وفي حضور ذلك النفر من المهاجرين الذين اتفقوا على إهمال الترتيبات الإلهية التي أعلنها النبي والمتعلقة بمن يخلفه (قالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا عليا) (٢).

 

 

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٤٠.(٢) تاريخ الطبري ج ٣ ص ١٢٠ وط أوروبا ج ١ ص ١٨١٨، وابن الأثير ج ٢ ص ١٢٣ قال: (إن الأنصار قد قالت ذلك بعد أن بايع عمر لأبي بكر).

 

١٠١
وقال المنذر بن الأرقم مخاطبا ذلك النفر من المهاجرين: (ما ندفع فضل من ذكرت وإن فيهم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد – يعني علي بن أبي طالب -) (١). (وكان عامة المهاجرين والأنصار لا يشكون أن عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (٢). 

 

(١) رواه اليعقوبي في تاريخه ج ٢ ص ١٠٣ والزبير بن البكار في الموفقيات ص ٥٧٩.(٢) الموفقيات للزبير بن بكار ص ٥٨٠.

 

١٠٢

مظهر إكمال الدين وإتمام النعمة

 

المظهر الأول
حل مشكلة القيادة

بتنصيب رسول الله أثناء حياته للإمام علي وليا وإماما للأمة من بعده، وبتحديده للأئمة الأحد عشر الذين سيتعاقبون على قيادة الأمة بعد وفاة الإمام علي، وببيانه لطريقة انتقال الإمامة من إمام إلى آخر (كل بعهد ممن سبقه) وبتأهيل رسول الله للأئمة وإعدادهم وتوريثهم علمي النبوة والكتاب، يكون رسول الله قد حل مشكلة القيادة حلا جذريا، وأغلق أبواب الخلاف والاختلاف من بعده فيها، وقطع دابر الطمع والتنازع فيها وعليها، وأضفى على منصب الإمامة طابع الاستقرار والمؤسسية، وأوجد الطريقة المثلى لتربية الأمة سياسيا، فعندما ينتقل منصب الإمامة من إمام لآخر اثني عشرة مرة بطريقة سلمية، وعندما يتعود الناس على حكم الأفضل والأعلم والأفهم لن يتمكن الظالمون الطامعون من الاستيلاء على منصب القيادة بالقوة والتغلب لأنهم سيجدون يوما أمة كاملة تقف في وجوههم وتبطل كيدهم.

 

المظهر الثاني
حل مشكلة القانون

كلما كانت تنزل آية أو كوكبة من الآيات على رسول الله، كان

١٠٣
الرسول يبينها لمن حضر من المسلمين بيانا عاما، ثم ينفرد رسول الله بالإمام علي ويبينها له بيانا خاصا، ثم يملي رسول الله بيانها على الإمام علي، ويأمره بأن يكتبه بخط يده، فعندما اكتمل نزول القرآن، كان الإمام علي قد أكمل كتابة بيان الرسول لهذا القرآن، أي أكمل كتابة السنة المطهرة بفروعها الثلاثة، وعندما تم إنجاز ذلك أمر رسول الله الإمام عليا بأن يحتفظ بهذا الكنز، وأن يعلم ما فيه إلى الإمام الذي يأتي من بعده، وعندما يدركه الموت يسلم هذا الكنز إلى الإمام الذي يليه، ويتوارث الأئمة الاثنا عشر الذين اختارهم الله وبينهم رسوله هذا الكنز والعلم معا، فكان القرآن كله مكتوبا عند الإمام علي، وكانت السنة كلها القولية والفعلية والتقريرية مكتوبة كلها عند الإمام علي بإملاء رسول الله وخط الإمام علي، وانتقلت هذه الثروة من إمام إلى إمام وما زالت حتى يومنا هذا عند عميد أهل بيت النبوة الإمام الثاني عشر، وهكذا حل رسول الله مشكلة القانون.بهذه الحكمة الربانية أمكن ضمان خلود الشريعة الإلهية، بقرآنها وسنتها، وصيانتها من العبث والتحريف، وتقديمها كاملة للعالم، فلو حكم أئمة أهل بيت النبوة لما عدوا هذه المنظومة الحقوقية الإلهية، فما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة موجود فيها، وعندما تستفيق الأمة الإسلامية، فتلعن طغاتها وجلاديها ومغتصبي أمرها، وتعترف بحق أهل بيت النبوة بقيادة الأمة وقيادة العالم كله، عندئذ ستظهر هذه المنظومة مع إمام أهل البيت كأحد براهين صدقه فلولا أعداء الله المتسترين بالإسلام لشقت هذه المنظومة الإلهية طريقها إلى التطبيق، ولنعم العالم بعدل الشريعة الإلهية، وبحكم أئمة أهل بيت النبوة الأطهار.

 

١٠٤

١٠٥

الباب الثالث
مخططاتهم لنسف الإسلام وتدمير سنة الرسول بعد موته!!

 

١٠٦

١٠٧

الفصل الأول
الصراع الدائم بين الأقلية والأكثرية

لبث رسول الله في مكة قبل الهجرة ١٣ أو ١٥ سنة وهو يدعو أهل مكة ومن حولها إلى الإسلام، ومع هذا فإن الذين اتبعوه من أهل مكة وما حولها كانوا أقلية لا يتجاوزون المائتين، أما الأكثرية الساحقة من أهل مكة وما حولها والتي كانت تعد بعشرات الألوف، فقد كانت ضد النبي وضد دعوته، فقد وجدت في مكة قبل الهجرة أكثرية مشركة، وأقلية مسلمة، كانت الأكثرية المشركة التي تقف ضد النبي في مكة منظمة ولها قيادة، ولها نفوذ، ولديها خطط وإمكانيات لتنفيذ هذه الخطط، بل وعندها الإمكانيات لتجييش الجيوش عند اللزوم.

لما هاجر الرسول من مكة إلى المدينة أمر الذين أتبعوه من أهل مكة بالهجرة إلى المدينة، فهاجرت أكثريتهم بالفعل ونشأ في المدينة المجتمع الإسلامي المكون من المهاجرين من أهل مكة ومن الأنصار من أهل المدينة وما حولها ومع هذا فإن المسلمين كانوا أقلية لا تتجاوز ال‍ ٥٠٠ مسلم وسط أكثرية ساحقة من المشركين واليهود تعد بعشرات الآلاف، فبعد مضي أكثر من سنتين على الهجرة قال رسول الله: (اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس، قال حذيفة فكتبنا له ألفا وخمسمائة)،… وعن الأعمش أنه قال: فوجدناهم خمسمائة، قال أبو معاوية (ما بين الستمائة.

 

١٠٨
والسبعمائة) (١). فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن قسما كبيرا من هذا الرقم كانوا من المنافقين أدركت حجم الفارق العددي الهائل بين الأقلية المسلمة، والأكثرية الساحقة المشركة، صحيح أن الأكثرية المشركة كانت تتكون من كيانات متعددة، ولكنها كانت تتصرف كفريق واحد، وكانت لها القدرة على تكوين جبهة واحدة عند الضرورة، وغزوة الخندق أو الأحزاب دليل قاطع على ذلك، فقد شكل العرب واليهود جيشا موحدا ضد الرسول، وزحف ذلك الجيش بالفعل إلى المدينة ليجتث الإسلام من جذوره.فالهدف المحدد من وحدة الأكثرية المشركة ينصب بالدرجة الأولى والأخيرة على القضاء على النبي والأقلية المؤمنة التي اتبعته، وكان الصراع بين الأكثرية والأقلية يدوم، حتى يتم القضاء على النبي والأقلية التي اتبعته، أو حتى تتظاهر هذه الأقلية المؤمنة بأنها قد رجعت إلى دين الأكثرية، أو تتقي فتكتم إيمانها، أو حتى تتدخل العناية الإلهية لصالح الأقلية المؤمنة فتبطش بالأكثرية الفاسدة بطشة كبرى كما بطشت بفرعون وقومه، أو قوم نوح، أو قوم هود.. الخ عندئذ يحسم الصراع وينتهي إلى حين، ولم يكن ورادا بكل المقاييس العلمية والموضوعية بأن تتمكن الأقلية من حسم الصراع لصالحها بوسائلها الذاتية الخاصة لأنه لا يوجد تكافؤ بين الأكثرية والأقلية، ولا توازن فكفة القوة راجحة بالكامل لصالح الأكثرية، هذه هي انعكاسات القانون الذي حكم الصراع بين النبي أي نبي والأقلية التي اتبعته من جهة وبين الأكثرية الساحقة من أبناء مجتمع ذلك النبي. ولم يكن النبي محمد بدعا من الرسل، فما جرى على الأنبياء الذين سبقوه جرى معه، وكان من المفترض أن ينتهي الصراع بين الأقلية المؤمنة التي اتبعت النبي محمدا وبين الأكثرية المشركة التي وقفت ضده بنهاية تشبه إحدى نهايات الصراع التي تمت بين الأنبياء والسابقين ومجتمعاتهم.

 

 

(١) راجع صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٣، وتدوين القرآن للشيخ علي الكوراني ص ٢٣٢ – ٢٣٣. 

١٠٩
ولكن إرادة الله، وطبيعة رسالة النبي كآخر الرسالات الإلهية ونوعية قيادة النبي المقتدرة أنهت الصراع بين رسول الله محمد والأقلية المؤمنة التي اتبعته وبين المجتمعات العربية المشركة بنهاية غير مسبوقة تاريخيا، لقد تمكنت الأقلية المؤمنة بقيادة رسول الله المقتدرة من هزيمة الأكثرية المشركة عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وزهق دين هذه الأكثرية تبعا لذلك. 

عندما استسلمت الأكثرية المشركة وتظاهرت بالإسلام، صارت تشكل أكثرية المجتمع الإسلامي

زعامة بطون قريش هي التي قادت الأكثرية الساحقة من العرب والموالي واليهود أثناء مقاومتهم للنبي قبل الهجرة، وهي التي جيشت الجيوش من هذه الأكثرية وقادت الحرب ضد النبي بعد الهجرة، وهي التي حشدت كل إمكانيات الأكثرية لمقاومة النبي وحربه، وكانت زعامة بطون قريش عازمة على الاستمرار في حرب النبي حتى النهاية لأنها زعامة حاقدة، وموتورة وحاسدة، وقاصرة النظر فكلما لوح الرسول لها بمبادرة سلمية ردت عليه بالعنف والحرب وتعميق الخصام، وبعد بضعة وعشرين عاما من مقاومتها وحربها للنبي قبلت بهدنة مؤقتة بينها وبينه ثم نقضتها، فاغتنم النبي الفرصة فجسد كل إمكانات الأقلية المؤمنة، واستنفر المتظاهرين بالولاء له، والطامعين بالمغانم، وتفاجأت زعامة الأكثرية بجيش النبي وهو يحيط بعاصمة الشرك، والمقر العام لقيادته من كل الجهات، وألقى الله الرعب في قلوب تلك الزعامة، فاستسلمت وألقت سلاحها بعد أن هزمت سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وعندما وجدت كل الأبواب مغلقة أمامها إلا باب الإسلام تلفظت بالشهادتين، وأقرت بأن الإسلام هو الدين الرسمي لكل بلاد العرب، وباستسلام الزعامة الفاسدة استسلمت الأكثرية المشركة وتلفظت بالشهادتين أيضا اقتداء بزعامتها!! فصاروا رسميا من المسلمين.

١ – وهكذا تكون المجتمع الإسلامي الجديد من الفئة القليلة المؤمنة التي

١١٠
بنت الدولة ورعت الدعوة، وتحملت أعباء مرحلتي التأسيس والمواجهة.٢ – من زعامة بطون قريش وجيشها ورعاياها الذين عادوا الله ورسوله بالأمس ثم استسلموا وتلفظوا بالشهادتين فصاروا أعضاء في المجتمع الإسلامي الجديد. فصارت الأكثرية المشركة بالأمس هي الأكثرية المسلمة في المجتمع الجديد!!!

وأخفت زعامة تلك الأكثرية مشاعرها بالإحباط والهزيمة، وحقدها على الذين قتلوا أبناءها، وتاريخا طويلا من الصراع المرير، وحاولت العيش في ظل هذه العقيدة الجديدة!! والتربص وانتظار الفرص!!! وما تأتي به الأيام!!!

أما الفئة القليلة المؤمنة، التي بنت الدولة وقادت الدعوة وتحملت أعباء المواجهة، فقد صارت أقلية في المجتمع الإسلامي الجديد!! فأبو سفيان قائد جبهة الشرك، وأحد أئمة الكفر سابقا صار مسلما، وعمار بن ياسر مسلم أيضا!!!! وبوقت يطول أو يقصر ستختفي الفوارق بين الاثنين، وسترجح كفة أبي سفيان على كفة عمار، لأن الأكثرية تعتقد أن أبا سفيان أولى بالتقدم والاحترام من عمار وأمثاله!!!

فعمر بن الخطاب من المهاجرين، ونال شرف مصاهرة النبي، وأصبح الخليفة الثاني في ما بعد، ومع هذا كان يقول عن معاوية: (إنه فتى قريش وابن سيدها) (١)!!! لقد نسي الخليفة أو تناسى التاريخ الأسود لمعاوية ولأبيه، ومع أنه كان خليفة للمسلمين إلا أنه كان ينظر لمعاوية ولأبيه بالنظرة نفسها التي كان ينظرها إليهم في الجاهلية وهو يرعى الغنم، فأبو سفيان في الجاهلية كان سيده وسيد قريش وابن السيد سيدا مثله، لقد انتقلت الثقافة الجاهلية مع زعامة البطون ومع الأكثرية التي استسلمت باستسلام الزعامة، وتلفظت بالشهادتين تبعا لتلفظ زعامتها!!

 

 

(١) البداية والنهاية لابن الأثير ج ٨ ص ١٢٥، والاستيعاب لابن عبد البر ج ٨ ص ٣٩٧. 

١١١

مكمن الخطر الماحق

يكمن وجود الخطر الماحق في وجود الأكثرية بجيشها ورعاياها وزعامتها وإعادة تنظيم العلاقة بين الأكثرية وزعامتها السابقة، ويكمن هذا الخطر في طمع زعامة الأكثرية بملك النبوة، وفي طبيعة نوايا تلك الأكثرية وأساليبها بالوصول إلى أهدافها.

لقد تيقنت الأكثرية وزعامتها بأن محمدا قد استطاع أن يبني ملكا عظيما بالفعل على حد تعبير أبي سفيان، وأيقنت الأكثرية وزعامتها بأنه ليس بإمكان الأقلية المؤمنة أن تحمي هذا الملك العظيم، أو أن توسعه دون الاستعانة بالأكثرية، لقد تيقنت الأكثرية وزعامتها أن بإمكانها أن تستولي على ملك النبوة ذات يوم، وأن تنتقم لقتلاها وهزائمها، لذلك رأت أن من مصلحتها أن تعترف بالنبوة، لا قناعة ولكن طمعا بالاستيلاء على الملك الذي تمخضت عنه النبوة، فأخذت تعمل لتحقيق هذه الأهداف تحت مظلة الإسلام وخيمته!!!

 

العوائق التي كانت تعترض الأكثرية وزعامتها

أول عائق كان يحول بين الأكثرية وبين تحقيق أهدافها، وجود الرسول والتفاف القلة المؤمنة حول قيادته، فقد كان من المستحيل على الأكثرية وزعامتها التمكن من الاستيلاء على ملك النبوة أثناء حياة النبي، لذلك خططت هذه الأكثرية لقتل النبي أثناء عودته من غزوة تبوك، لقد خرجت زعامة الأكثرية مع الرسول في غزوة تبوك تحت شعار الجهاد في سبيل الله، ولكن الغاية الأصلية من خروجها مع النبي هي محاولة اغتنام الفرصة لقتل النبي!! لما فشلت محاولة قتلها للنبي قررت أن تنتظر بفارغ الصبر موته!!

وثاني عائق كان يحول بين زعامة الأكثرية وبين تحقيق أهدافها السنة النبوية المتعلقة بمن يخلف النبي من بعده، فقد ركز النبي بأمر من ربه.

 

١١٢
تركيزا خاصا على مكانة أهل بيت النبوة فجعلهم مركز الدائرة الإسلامية، وركز النبي تركيزا خاصا على الإمام علي بن أبي طالب، فقدمه بأمر ربه ليكون أول إمام يخلف النبي بعد موته، وعلى أحد عشر إماما من ذريته، لقد كانت السنة النبوية من الوضوح، بحيث لا يمكن تأويلها، وكانت من الحسم بحيث لا يمكن إعادة النظر فيها ولم تجد زعامة الأكثرية وسيلة لإبطال مفاعيل هذه السنة النبوية سوى التشكيك بالنبي نفسه ومقاومة كتابة وتدوين ما يقوله النبي، وبالتالي تصوير السنة النبوية المتعلقة بنظام الحكم والخلافة من بعد النبي بصورة الآراء الشخصية لمحمد بن عبد الله غير الملزمة!!!وثالث هذه العوائق التي كانت تحول بين زعامة الأكثرية وبين تحقيق أهدافها وحدة الأقلية المؤمنة، فما دامت الأقلية المؤمنة متحدة، فلن تتمكن زعامة الأكثرية من تحقيق أهدافها، لذلك ركزت هذه الزعامة على اختراق الأقلية المؤمنة، وتدمير وحدتها. كان من المهاجرين من يتعصب لقريش، ومن يكره الترتيبات التي أعلنها النبي لخلافته، ومن يعارض جمع الهاشميين للنبوة والخلافة، وكان من المهاجرين من يحقد على علي بن أبي طالب خاصة، وعلى الهاشميين عامة لأنهم وتروهم بالأبناء أو الإخوة أو الآباء أو القرابة القريبة، ولم تكن لهذا النفر المعارض القدرة على الجهر بما يضمر، وعندما انضمت الأكثرية إلى المجتمع الإسلامي قوي هذا النفر بها، ووجدتها زعامة الأكثرية الفرصة التاريخية لاختراق الفئة المؤمنة.

كان عمر بن الخطاب مثلا من المهاجرين ومن المعارضين لجمع الهاشميين بين النبوة والملك (١) وكان من المتعصبين لقريش، ومن الطامعين بمرضاة زعامتها الجاهلية وما يدلنا على تعصبه لقريش قوله لرسول الله في

 

(١) راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٣ ص ٢٤ آخر سيرة عمر من حوادث سنة ٢٣، وشرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٠٧ وص ٩٧ وقد نقلها عن تاريخ بغداد. 

١١٣
بدر يوم بلغ الرسول أن قريشا قد أقبلت حيث استشار الرسول أصحابه فوقف عمر وقال: (إنها والله قريش وعزها، ما ذلت منذ عزت والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبدا ولتقاتلنك، فاتهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته..) (١) فالرجل يثبط همة الرسول، ويمتدح خصمه أمام الأنصار، لقد أدرك بعض أولياء دولة الخلافة خطورة ما قاله عمر! فقال ابن هشام في سيرته: (فقام أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن.. ثم قام المقداد…) (٢) فكتما ما قاله عمر وأبو بكر خشية أن يكتشف المسلمون ما قالاه فتهتز مكانتهما المقدسة! وما يعنينا في هذا المقام أن عمر وأمثاله كانوا من الكارهين لرئاسة آل محمد ومن المعارضين لجمعهم النبوة والخلافة معا، ومن المتعصبين لقريش ولزعامتها الجاهلية، ولم يكن عمر الوحيد الذي يحمل هذه القناعات، فقد شاركه في حملها الكثير من المهاجرين، لكن عمر لعب دور المنسق والمنظر والقوة المحركة لأنه لم يصدف أن قتل عمر أو أسر أو سلب أحدا من المشركين، ولأن عمر كان يمدح قريشا وزعامتها، ولأن مشاكساته ومزاوداته على الرسول قد انتشرت، فأحبه المشركون وأحبه المنافقون، لأنهم قد تصوروا أنه عدو لرسول الله بل وقد أحبه اليهود لأنه كان يتردد عليهم ويحضر دروسهم. قال عمر بن الخطاب نفسه: إني كنت أغشى اليهود يوم دراستهم فقالوا لي: (ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا…) (٣) وفي أسباب النزول للسيوطي قال: (إن عمر كان يأتي اليهود فيسمع منهم التوراة…) (٤). ثم إن عمر بن الخطاب كانت له علاقة وطيدة مع المرتزقة من الأعراب، روى 

(١) مغازي الواقدي – ط أكسفورد ج ١ ص ٤٨ – ٤٩، وامتناع الأسماع للمقريزي.(٢) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٥٣، وصحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب غزوة بدر ج ٣ ص ١٤٠٣.

(٣) راجع كنز العمال ج ٢ ص ٣٥٣، وتدوين القرآن ص ٤١٣.

(٤) أسباب النزول للسيوطي ج ١ ص ٢١، وتدوين القرآن ص ٤١٤.

 

١١٤
كتاب أين سنة الرسول ؟!! للمحامي أحمد حسين يعقوب (ص ١١٥ – ص ١٣٩)

١١٥

الفصل الثاني
الرسول الأعظم يحذر من الخطر الماحق، ويكشف قادة التآمر

أطلع الله رسوله على أهداف المتآمرين ومخططاتهم، وكشف له قادتهم، ورسم له صورة يقينية لحركة الأحداث المستقبلية، لكن حكومة العدل الإلهي لا تعاقب على النوايا والأهداف ما لم تخرج إلى حيز الواقع وتترجم إلى أفعال مادية، والمتآمرون كانوا ينتظرون بفارغ الصبر موت النبي، لينفذوا تلك الأهداف، ويترجموا تلك النوايا الفاسدة.

لذلك لم يبق أمام الرسول سوى تحذير الأمة – وخاصة الفئة القليلة المؤمنة من الخطر الماحق المحدق بها، ومن كشف قادة التآمر وكشف أهدافهم ونواياهم، وكشف أوليائهم ووسمهم بمياسم يعرفون بها.

فقد سمى رسول الله الذين أسلموا خلال فتح مكة (بالطلقاء) ليميزهم عن غيرهم من المسلمين، وعندما تلفظ أئمة الكفر الذين قادوا جبهة الشرك بالإسلام سماهم رسول الله بالمؤلفة قلوبهم، فكان رسول الله يعطي الواحد منهم مبلغا من المال ليؤلف قلبه، وحتى لا ينقلب عليه لأن أئمة الكفر لا أيمان لهم. كانت الفئة المؤمنة تعرف الطلقاء، وتعرف المؤلفة قلوبهم، وتعرف تاريخهم الأسود، وأن إسلامهم مهزوز، وهذه إشارات كافية لو

١١٦
أطيع الله ورسوله، ثم إن الفئة القليلة المؤمنة كانت تعرف المنافقين، بل إن الرسول الأعظم قد وضع معيارا علميا مجردا لتمييز المؤمن من المنافق، فكشف الرسول بأمر من ربه هذه المعيار قائلا: (لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق) (١) قال أبو سعيد الخدري: (كنا نعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب) (٢).وأكد أبو ذر الغفاري وجود هذا المعيار واستعماله فقال: (ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم لله ورسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب) (٣).

وأكد ابن مسعود وجود هذا المعيار بقوله: (كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ببغضهم لعلي بن أبي طالب) (٤).

وأكد جابر بن عبد الله الأنصاري استعمال المؤمنين لهذا المعيار بقوله: (ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب) (٥).

هذا المعيار الذي وضعه الله ورسوله لمعرفة المؤمنين من المنافقين كاف لو أطيعا، فلو أحبت الفئة المؤمنة الإمام عليا وإطاعته، لأفشل مؤامرات المتآمرين!!!

 

 

(١) صحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠، وصحيح النسائي ج ٢ ص ٢٧، وخصائص النسائي ص ٢٧، وصحيح ابن ماجة ص ١٢، ومسند أحمد بن حنبل ج ١ ص ٨٤ و ٩٥ و ١٢٨، وتاريخ بغداد ج ٢ ص ٢٥٥، وحلية الأولياء ج ٤ ص ١٨٥ وقال هذا حديث صحيح، وكنز العمال ج ٦ ص ٣٩٤.(٢) صحيح الترمذي ص ٢٩٩، ومسند أحمد ج ٦ ص ٢٩٢.

(٣) المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٢٩ وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وكنز العمال ج ٦ ص ٣٩، والرياض النضرة للطبري ج ٢ ص ٢١٤.

(٤) تاريخ بغداد ج ٣ ص ١٥٣، وكتابنا (الهاشميون في الشريعة) ص ٢٢٥ وما فوق.

(٥) الاستيعاب لابن عبد البر ج ٢ ص ٤٦٤، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٣ وقال رواه الطبراني في الأوسط ورواه البزار.

 

١١٧
ولم يكتف الرسول بذلك بل صرح علنا بوجود قيادة تخريبية، فقال أمام أصحابه يوما: (إن في أصحابي اثني عشر منافقا، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل من سم الخياط) (١) قال الرواي عن رسول الله حذيفة: (أشهد أن الاثني عشر حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) (٢) وروى عمار بن ياسر مثل ذلك (٣) ومن الطبيعي أن يسمي رسول الله قادة التخريب، لأن رسول الله ما ترك قائد فتنة إلا وقد سماه للناس باسمه واسم أبيه واسم قبيلته (٤).واقترب الرسول من نقطة الخطر، فأعلن أمام أصحابه محذرا وكاشفا المتآمرين بقوله: (هلاك أمتي على يد غلمة من قريش) (٥) ووضح النبي الصورة فقال: (يهلك أمتي هذا الحي من قريش) (٦) وتوسع النبي في هذه الناحية فقال لأصحابه: (لتحملنكم قريش على سنة فارس والروم، ولتؤمنن عليكم اليهود والنصارى والمجوس) (٧) ويقصد الرسول من قريش (الغلمة)، الذي أشار إليهم، (والحي) الذي وضحه. بعد هذا التعميم أخذ رسول الله يوضح الصورة بالتخصيص لتكون مفهومة للجميع فوقف النبي طويلا عند بني أمية، وحذر الأمة منهم، وكشف حقيقة مشاعرهم فقال: (إن أكثر بطون قريش بغضا لمحمد ولآل محمد هم بنو أمية وبنو مخزوم…) (٨) وتحدث الرسول عن الشجرة الملعونة، وعد رؤياه لنزو الأمويين على منبره نزو

 

(١) رواه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه راجع كنز العمال ج ١ ص ١٦٤، ومعالم الفتن ج ١ ص ٦٧.(٢) رواه مسلم في صحيحه ج ١٧ ص ١٢٥.

(٣) رواه أحمد في الفتح الرباني ج ٢١ ص ٢٠٢.

(٤) رواه أبو داود في عون المعبود حديث رقم ٤٢٢٢ – ٤٢٤٣.

(٥) رواه البخاري كتاب بدء الخلق باب علامات النبوة ج ٢ ص ٢٨٠.

(٦) رواه البخاري أيضا في كتاب بدء الخلق باب علامات النبوة ج ٢ ص ٢٨٠، ومسلم في صحيحه كتاب الفتن ج ١٨ ص ٤١.

(٧) مجمع الزوائد ج ٧ ص ٢٣٦ وقال رواه الطبري.

(٨) المستدرك على الصحيحين للحاكم وحلية الأولياء لأبي نعيم، وكنز العمال ج ١١ ص ١٦٩.

 

١١٨
القرود، وتيقن المسلمون من استياء الرسول البالغ من تلك الرؤيا (١).ثم وقف الرسول طويلا عند الحكم بن العاص والد مروان بن الحكم وجد خلفاء بني أمية فقال الرسول لأصحابه: (ويل لأمتي من هذا وولد هذا) (٢) وقال يوما لأصحابه مشيرا إلى الحكم: (ويل لأمتي مما في صلب هذا) (٣).

وأشار الرسول إلى ذات الشخص بقوله: (إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة رسوله وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء وبعضكم يومئذ شيعته) (٤).

وبعد أن كشف الرسول خطورة الرجل وحقيقة أولاده (لعنه رسول الله ولعن أولاده) (٥) قال عبد الرحمن بن أبي بكر لمروان: (إن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه) (٦) وقال الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب لمروان: (لقد لعنك الله على لسان رسوله وأنت في صلب أبيك) (٧).

وحتى يكون الأمر معلوما للجميع، والخطر مكشوفا أمام الجميع أمر رسول الله بنفي الحكم بن العاص، فنفاه بالفعل، وأعلن بأنه عدو لله ولرسوله، وبقي منفيا طوال عهد الرسول، وطوال عهدي أبي بكر وعمر،

 

(١) رواه الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٧٤ وأقره الذهبي وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج ٦ ص ٢٤٣ رواه الترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي.(٢) راجع كنز العمال ج ١١ ص ١٦٧، والإصابة لابن حجر ج ٢ ص ٢٩.

(٣) رواه ابن عساكر راجع كنز العمال ج ١١ ص ١٦٧.

(٤) رواه الدارقطني راجع كنز العمال ج ١١ ص ١٦٧، وابن عساكر ج ١١ ص ٣٦٠، والطبراني ج ١١ ص ١٦٧.

(٥) مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٤١ وقال رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط.

(٦) مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٤١ وقال رواه البزار.

(٧) مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٤٠، وابن سعد وابن عساكر راجع كنز العمال ج ١١ ص ٣٥٧، وابن كثير ج ٨ ص ٢٨٠.

 

١١٩
ولما آلت الخلافة إلى عثمان أعاده معززا مكرما، واتخذ ابنه مروان رئيسا لوزرائه وحاملا لأختامه وناطقا باسمه، ولما مات الحكم أقام عثمان على قبره فسطاطا تعبيرا عن حزنه كما كان يفعل أهل الجاهلية (١).وتوقف الرسول عند أبي سفيان وأولاده يزيد ومعاوية قليلا لأن الناس جميعا كانوا على يقين بأن أبا سفيان وأولاده كانوا هم قادة جبهة الشرك، ورموز أئمة الكفر، فهم ألد أعداء الله ورسوله، وكان الناس كلهم يعرفون، بأن آل أبي سفيان موتورون، وحاقدون على رسول الله وآله ومن المحال أن تشفى قلوبهم من هذا الحقد، فمن غير المعقول أن ينسى الذين آمنوا أصحاب هذا التاريخ الأسود، ومع هذا فإن رسول الله قد توقف عندهم وحذر منهم ولعنهم.

قال الحلبي في رواية عن رسول الله، صار رسول الله يقول: (اللهم العن فلانا وفلانا) (٢) وأخرج البخاري قال: حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول:

(اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده وقال السيوطي:

وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: قال رسول الله يوم أحد: (اللهم العن أبا سفيان، والعن الحرث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية).

قال السيوطي وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قال (كان الرسول يدعو على أربعة نفر وكان يقول في صلاة الصبح (اللهم العن فلانا وفلانا…) (٣) وأخرج نصر بن مزاحم المنقري

 

(١) الإصابة لابن حجر ج ٢ ص ٢٩.(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٣٤.

(٣) الدر المنثور للسيوطي ج ٥ ص ٧١.

 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...