الرئيسية / الاسلام والحياة / الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وبما ان الانسان يحمل في جوانحه الاستعدادات المختلفة للخير والشر وللفضيلة والفجور، ويتأثر بالعوامل الخارجية كالمغريات والمثيرات المتنوعة، إضافة إلى دور الشيطان في الوسوسة والاغراء، فهو بحاجة إلى من يهديه ويرشده ويقوم له تصوراته وعواطفه وممارساته العملية، لتكون موصولة بالعقيدة والشريعة الاسلامية، ولهذا شرع الاسلام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ليقوم به الانسان المسلم إيقاظا للقلوب البشرية الغافلة، وتحريكا للارادات الضعيفة لتستقيم على أساس المفاهيم والموازين الإلهية.
فأوجب سبحانه وتعالى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعله من التكاليف الأساسية، لأنه غاية الدين كما عبر عنه الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: غاية الدين الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود (1).
وقال عليه السلام: قوام الشريعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود (2).
1) تصنيف غرر الحكم: 332.
2) تصنيف غرر الحكم: 332.
(١٤)

أدلة الوجوب:
أولا: القرآن الكريم:
اعتمد أغلب الفقهاء على الآيات القرآنية في اثبات الوجوب دون ذكر تفاصيل الاستدلال (١)، اقرارا منهم بوضوح دلالتها حتى قيل: (إن وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورة دينية عند المسلمين يستدل بها، ولا يستدل عليها) (٢).
وفيما يلي نستعرض الآيات القرآنية الواقعة في مقام الاستدلال على الوجوب.
الآية الأولى: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾ (3).
المخاطب بهذه الآية القرآنية هم المؤمنون كافة، فهم مكلفون بأن (ينتخبوا منهم أمة تقوم بهذه الفريضة، وذلك بأن يكون لكل فرد منهم إرادة وعمل في ايجادها) (4).
وهي واضحة الدلالة على الوجوب، فإن قوله تعالى: (ولتكن) أمر، وظاهر الامر الايجاب هذا من جهة، ومن جهة أخرى حصرت الآية الفلاح بهذا العمل.
١) التبيان ٢: ٥٤٩. وكشف الغطاء: ٤١٩. وجواهر الكلام: ٤١٩. وروح المعاني ٤:
٢١.
٢) التفسير المبين: ٨٠.
٣) سورة آل عمران: ٣ / 104.
4) تفسير المراغي 2: 22
(١٥)

و (من) في (منكم) للتبعيض (١)، لذا استدل أغلب الفقهاء على أن الوجوب كفائي (٢) فإذا قام به البعض سقط عن الآخرين.
الآية الثانية: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾ (3).
قرنت الآية القرآنية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالايمان بالله تعالى، وقدمتهما عليه (لأنهما سياج الايمان وحفاظه) (4).
ومعنى الآية: (صرتم خير أمة خلقت، لامركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر وإيمانكم بالله، فتصير هذه الخصال على هذا القول شرطا في كونهم خيرا) (5).
وهذه الخيرية (لا يستحقها من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج البيت الحرام، والتزم الحلال، واجتنب الحرام مع الاخلاص الذي هو روح الاسلام، إلا بعد القيام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر…) (6).
واستدل الفقهاء بهذا الثناء الذي انحصر بهذه المزايا الثلاث على الوجوب (فمدحهم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما مدحهم
١) الكشاف ١: ٤٥٢.
٢) التبيان ٢: ٥٤٩. وفتح القدير ١: ٣٦٩. والكشاف ١: ٤٥٢.
٣) سورة آل عمران: ٣ \ ١١٠.
٤) تفسير المراغي ٤: ٣٠.
٥) مجمع البيان في تفسير القرآن 1: 486.
6) تفسير المنار 4: 58.
(١٦)

بالايمان بالله تعالى، وهذا يدل على وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) (١).
وقد اكتفى كثير من الفقهاء بذكر الآية دليلا دون تفصيل (٢)، لاقتران الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالايمان بالله تعالى، ووقوعهما في مستواه، وتخصيص الثناء والمدح بالخيرية بهذه الصفات الثلاث.
الآية الثالثة: ﴿ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين﴾ (3).
جعل الله تعالى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من علامات القيام بالواجبات، ومن علامات الصلاح، فلم يشهد الله تعالى لهم بالصلاح بمجرد الايمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (4).
ومفهوم الآية هو ان الذين لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر لا يعدون من الصالحين، ولولا الوجوب لما نفى صفة الصلاح عنهم.
الآية الرابعة: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله
١) المقنعة: ٨٠٨.
٢) كشف الغطاء: ٤١٩. وجواهر الكلام ٢١: ٣٥٢.
٣) سورة آل عمران: ٣ / 113 – 114.
4) المحجة البيضاء 4: 96
(١٧)

ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) (١).
جعل الله تعالى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأوصاف الخاصة بالمؤمنين، وهما من شؤون ولاية بعض المؤمنين على بعض.
وعلى هذا فالذي يهجر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون خارجا عن (هؤلاء المؤمنين المنعوتين في هذه الآية) (٢).
واخراج التاركين للامر بالمعروف والنهي عن المنكر من جماعة المؤمنين لا يصح ولا يستقيم إلا إذا كانا واجبين، وعليهما تترتب الرحمة.
ويؤيد ثبوت الوجوب ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وردا في سياق الواجبات كإقامة الصلاة وايتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فهما واجبان بدلالة وحدة السياق، وتكرر اقترانهما مع الواجبات يفيد الاطمئنان بوجوبهما .
الآية الخامسة: ﴿لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الاثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون﴾ (3).
ذم الله تعالى ووبخ بني إسرائيل لقولهم الاثم وأكلهم السحت، وذم علماءهم لعدم قيامهم بنهيهم، فذم (هؤلاء بمثل اللفظة التي ذم بها أولئك، وفي هذه الآية دلالة على أن تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه) (4).
١) سورة التوبة: ٩ / ٧١.
٢) المحجة البيضاء ٤: ٩٧.
٣) سورة المائدة: ٥ / ٦٣.
٤) مجمع البيان في تفسير القرآن 2: 218
(١٨)

فالتوبيخ شامل لمرتكب المنكر والساكت عن النهي عنه، فقد وبخ الله تعالى (الربانيين والأحبار في سكوتهم عنهم، وعدم نهيهم عن ارتكاب هذه الموبقات من الآثام والمعاصي، وهم عالمون بأنها معاص وذنوب) (١).
فقد بين الله تعالى ان الربانيين والأحبار أثموا بترك النهي عن المنكر والدلالة واضحة على وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو لم يكونا واجبين لما ترتب الاثم على تركهما، ولما وبخهم الله تعالى على سكوتهم، لان التوبيخ يستتبع العمل السيئ، وترك النهي عن المنكر هو أحد مصاديقه.
الآية السادسة: ﴿لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون﴾ (2).
لعن الله تعالى بني إسرائيل بعصيانهم واعتدائهم، ثم بين حالهم، فقال: ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) أي لم يكن ينهى بعضهم بعضا، ولا ينتهون أي لا يكفون عما نهوا عنه (3).
وقد علل الله تعالى استحقاقهم اللعنة (بتركهم النهي عن المنكر) (4).
فلو لم يكن النهي عن المنكر واجبا لما استحقوا اللعنة بتركهم إياه، لان


١) الميزان في تفسير القرآن ٦: ٣١.
٢) سورة المائدة: ٥ / ٧٨ – ٧٩.
٣) مجمع البيان في تفسير القرآن 2: 231.
4) المحجة البيضاء 4: 97.

(١٩)

شاهد أيضاً

الكبائر من الذنوب

عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا) (1). فقوله تعالى: عدوانا وظلما، ...