الرئيسية / بحوث اسلامية / العقل والجهل في الكتاب والسنة – محمد الريشهري

العقل والجهل في الكتاب والسنة – محمد الريشهري

ويسمى ب‍ ” النفس الأمارة بالسوء ” من حيث دفعه إلى عمل القبيح، ويسمى ” شهوة ” (1) من حيث تزيينه لكل ما هو فاسد. وأما خصائصه فهي كالآتي:
أ – خلق بعد العقل تشير هذه الخاصية إلى أن وجود الجهل وجود ذيلي، وأنه أودع في كيان الانسان في أعقاب خلق العقل لحكمة وفلسفة خاصة به.
ب – خلق من الكدورة والظلمة وفي مقابل قوة العقل المخلوقة من النور خلق الجهل من الكدورة والظلمة.
وفي هذا المعنى إشارة إلى أن مقتضى قوة الجهل يستدعي التغاضي عن الحقائق، والنزوع إلى المعتقدات الوهمية، وفعل القبيح، أو بكلمة واحدة:
الضلالة والغي (2)، ولا يجنى من ورائه سوى المرارة والخيبة.
ج – النزوع إلى الباطل وخلافا لما ينزع إليه العقل تميل قوة الجهل إلى الاستسلام للباطل. وإذا كان الجهل جهلا تاما لا يخالطه شئ من العقل فإنه لا يتبع الحق إطلاقا.
” فقال له: أدبر، فأدبر. ثم قال له: أقبل، فلم يقبل ” (3).
3 – تركيب العقل والجهل أحد الجوانب التي تستلزم التأمل، فيما يخص خلق العقل والجهل هو تركيب هذين العنصرين في وجود الانسان. قال الإمام علي (عليه السلام) في بيانه لهذا التركيب:
” إن الله عز وجل ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل،
(1) راجع ص 32 ” خلق العقل والجهل ” ح 11.
(2) راجع ص 196 ” الزلة “.
(3) راجع ص 32 ” خلق العقل والجهل ” ح 12.
(٣٧)

وركب في بني آدم كليهما ” (1).
سمي عنصر الجهل في هذا الحديث ” شهوة “، فللملائكة عقل فحسب، وللبهائم عنصر الشهوة فحسب. فالملائكة عقل محض، والبهائم جهل محض.
في حين ينطوي كيان الانسان على مزيج مركب من العقل والجهل، أو العقل والشهوة، أو العقل والنفس الأمارة.
4 – الحكمة من تركيب العقل والجهل إن أهم قضية تتعلق بخلق العقل والجهل هي الحكمة الكامنة وراء مزج هذين العنصرين المتضادين، ولماذا أودع الله الحكيم في كيان الانسان النفس الأمارة؟
ولماذا خلق له شهوة تدفع به نحو حضيض الجاهلية؟ ولماذا لم يخلقه كالملائكة.
مجرد عقل بلا شهوة لكي لا يحوم حول الرذائل؟
الجواب على ذلك: هو أن الخالق الحكيم أراد أن يخلق كائنا له قدرة على الاختيار، فالحكمة والسر الكامن وراء هذا التركيب الممزوج من العقل والجهل في الانسان هو خلق موجود حر له قدرة على الاختيار.
فالملائكة بما أنهم مجردون من الشهوة يمتنع صدور القبيح منهم (2)، ولهذا لا يمكنهم اختيار طريق آخر غير ما يأمر به العقل.
وكذلك البهائم، فبما أنها مجردة من العقل فهي غير قادرة على اختيار طريق غير الطريق الذي تدعوها إليه شهوتها.
وأما الانسان، فنظرا لكونه مركبا من عقل وشهوة فهو حر ولديه القدرة على الاختيار، وهذا هو ما يوجب أفضلية الانسان على سائر الموجودات الأخرى،
(1) راجع ص 32 ” خلق العقل والجهل ” ح 11.
(2) * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * التحريم: 6.
(٣٨)

ولعله لأجل هذه الأفضلية أثنى (1) الباري تعالى على ذاته عند خلقه للإنسان.
وهذا هو مرد الرواية الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ” ما من شئ أكرم على الله من ابن آدم، فقيل: يا رسول الله، ولا الملائكة؟ قال: الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر ” (2).
ومن الطبيعي أن هذه الفضيلة الموجودة في كيان الانسان بالقوة لا تجد طريقها إلى حيز التطبيق إلا عندما يستثمر الانسان هذه الحرية من أجل تكامل اختياره. أما إذا أساء استغلالها واندحر العقل في مواجهته للشهوة فحينذاك تتحول نعمة الحرية إلى نقمة. ولهذا قال الإمام علي (عليه السلام) – ضمن حديثه الذي نقلناه في بيان تركيب العقل والجهل -: ” فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم ” (3).
(١) * (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين – إلى – فتبارك الله أحسن الخالقين) * المؤمنون: ١٢ – ١٤.
(٢) شعب الإيمان: ١ / ١٧٤ / ١٥٣، تاريخ بغداد: ٤ / ٤٥ / ١٦٥٢، الفردوس: ٤ / ١٠٥ / ٦٢٣١ وفيه ” مثل ” بدل ” بمنزلة ” كلها عن عبد الله بن عمرو [بن العاص]، كنز العمال: ١٢ / 192 / 34621.
(3) راجع ص 32 ” خلق العقل والجهل ” ح 11.
(٣٩)

شاهد أيضاً

الإمام الخامنئي: ثورة الإمام أسقطت مكانة أمريكا.. تخصيب اليورانيوم هو مفتاح القضية النووية

أكد قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، أن تخصيب اليورانيوم يمثل ...