الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير الميزان : السيد الطباطبائي

تفسير الميزان : السيد الطباطبائي

(1 – سورة الحمد وهي سبع آيات)

بسم الله الرحمن الرحيم

– 1. الحمد لله رب العالمين – 2. الرحمن الرحيم – 3. مالك يوم الدين – 4. إياك نعبد وإياك نستعين – 5.

(بيان) قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم الناس ربما يعملون عملا أو يبتدئون في عمل ويقرنونه باسم عزيز من أعزتهم أو كبير من كبرائهم، ليكون عملهم ذاك مباركا بذلك متشرفا، أو ليكون ذكرى يذكرهم به، ومثل ذلك موجود أيضا في باب التسمية فربما يسمون المولود الجديد من الانسان، أو شيئا مما صنعوه أو عملوه كدار بنوها أو مؤسسة أسسوها باسم من يحبونه أو يعظمونه، ليبقى لاسم ببقاء المسمى الجديد، ويبقى المسمى الأول نوع بقاء ببقاء الاسم كمن يسمى ولده باسم والده ليحيى بذلك ذكره فلا يزول ولا ينسى.
وقد جرى كلامه تعالى هذا المجرى، فابتدأ الكلام باسمه عز اسمه، ليكون ما، يتضمنه من المعنى معلما باسمه مرتبطا به، وليكون أدبا يؤدب به العباد في الأعمال والافعال والأقوال، فيبتدئوا باسمه ويعملوا به، فيكون ما يعملونه معلما باسمه منعوتا بنعته تعالى مقصودا لأجله سبحانه فلا يكون العمل هالكا باطلا مبترا، لأنه باسم الله الذي لا سبيل للهلاك والبطلان إليه.
وذلك أن الله سبحانه يبين في مواضع من كلامه: أن ما ليس لوجهه الكريم هالك باطل، وأنه: سيقدم إلى كل عمل عملوه مما ليس لوجهه الكريم، فيجعله هباءا منثورا، ويحبط ما صنعوا ويبطل ما كانوا يعملون، وانه لا بقاء لشئ إلا وجهه الكريم فما عمل لوجهه الكريم وصنع باسمه هو الذي يبقى ولا يفنى، وكل أمر من الأمور انما نصيبه من البقاء بقدر ما لله فيه نصيب، وهذا هو الذي يفيده ما رواه الفريقان عن

(١٥)

النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه قال: [كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر الحديث].
والابتر هو المنقطع الآخر، فالأنسب ان متعلق الباء في البسملة ابتدئ بالمعنى الذي ذكرناه فقد ابتدء بها الكلام بما انه فعل من الافعال، فلا محالة له وحدة، ووحدة الكلام بوحدة مدلوله ومعناه، فلا محالة له معنى ذا وحدة، وهو المعنى المقصود افهامه من إلقاء الكلام، والغرض المحصل منه.
وقد ذكر الله سبحانه الغرض المحصل من كلامه الذي هو جملة القرآن إذ قال تعالى:
(قد جائكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله الآية) المائدة – 16. إلى غير ذلك من الآيات التي أفاد فيها: ان الغاية من كتابه وكلام هداية العباد، فالهداية جملة هي المبتدئة باسم الله الرحمن الرحيم، فهو الله الذي إليه مرجع العباد، وهو الرحمن يبين لعباده سبيل رحمته العامة للمؤمن والكافر، مما فيه خيرهم في وجودهم وحياتهم، وهو الرحيم يبين لهم سبيل رحمته الخاصة بالمؤمنين وهو سعادة آخرتهم ولقاء ربهم وقد قال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون). الأعراف – 156. فهذا بالنسبة إلى جملة القرآن.
ثم إنه سبحانه كرر ذكر السورة في كلامه كثيرا كقوله تعالى: (فأتوا بسورة مثله) يونس – 38. وقوله: (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) هود – 13. وقوله تعالى: (إذا أنزلت سورة) التوبة – 86. وقوله: (سورة أنزلناها وفرضناها) النور – 1. فبان لنا من ذلك: أن لكل طائفة من هذه الطوائف من كلامه (التي فصلها قطعا قطعا، وسمى كل قطعة سورة) نوعا من وحدة التأليف والتمام، لا يوجد بين أبعاض من سورة ولا بين سورة وسورة، ومن هنا نعلم: أن الأغراض والمقاصد المحصلة من السور مختلفة، وأن كل واحدة منها مسوقة لبيان معنى خاص ولغرض محصل لا تتم السورة إلا بتمامه، وعلي هذا فالبسملة في مبتدأ كل سورة راجعة إلى الغرض الخاص من تلك السورة.
فالبسملة في سورة الحمد راجعة إلى غرض السورة و المعنى المحصل منه، والغرض الذي يدل عليه سرد الكلام في هذه السورة هو حمد الله باظهار العبودية له سبحانه بالافصاح

(١٦)

عن العبادة والاستعانة وسؤال الهداية، فهو كلام يتكلم به الله سبحانه نيابة عن العبد، ليكون متأدبا في مقام اظهار العبودية بما أدبه الله به.
وإظهار العبودية من العبد هو العمل الذي يتلبس به العبد، والامر ذو البال الذي يقدم عليه، فالابتداء باسم الله سبحانه الرحمن الرحيم راجع إليه، فالمعنى باسمك أظهر لك العبودية.
فمتعلق الباء في بسملة الحمد الابتداء ويراد به تتميم الاخلاص في مقام العبودية بالتخاطب. وربما يقال انه الاستعانة ولا بأس به ولكن الابتداء انسب لاشتمال السورة على الاستعانة صريحا في قوله تعالى: (وإياك نستعين).
وأما الاسم، فهو اللفظ الدال على المسمى مشتق من السمة بمعنى العلامة أو من السمو بمعنى الرفعة وكيف كان فالذي يعرفه منه اللغة والعرف هو اللفظ الدال ويستلزم ذلك، أن يكون غير المسمى، وأما الاسلام بمعنى الذات مأخوذا بوصف من أوصافه فهو من الأعيان لامن الألفاظ وهو مسمى الاسم بالمعنى الأول كما أن لفظ العالم (من أسماء الله تعالى) اسم يدل على مسماه وهو الذات مأخوذة بوصف العلم وهو بعينه اسم بالنسبة إلى الذات الذي لا خبر عنه الا بوصف من أوصافه ونعت من نعوته والسبب في ذلك أنهم وجدوا لفظ الاسم موضوعا للدال على المسمى من الألفاظ، ثم وجدوا أن الأوصاف المأخوذة على وجه تحكي عن الذات وتدل عليه حالها حال اللفظ المسمى بالاسم في أنها تدل على ذوات خارجية، فسموا هذه الأوصاف الدالة على الذوات أيضا أسماء فأنتج ذلك أن الاسم كما يكون أمرا لفظيا كذلك يكون أمرا عينيا، ثم وجدوا ان الدال على الذات القريب منه هو الاسم بالمعنى الثاني المأخوذ بالتحليل، وان الاسم بالمعنى الأول إنما يدل على الذات بواسطته، ولذلك سموا الذي بالمعنى الثاني اسما، والذي بالمعنى الأول اسم الاسم، هذا ولكن هذا كله أمر أدى إليه التحليل النظري ولا ينبغي أن يحمل على اللغة، فالاسم بحسب اللغة ما ذكرناه.
وقد شاع النزاع بين المتكلمين في الصدر الأول من الاسلام في أن الاسم عين المسمى أو غيره وطالت المشاجرات فيه، ولكن هذا النوع من المسائل قد اتضحت اليوم اتضاحا يبلغ إلى حد الضرورة ولا يجوز الاشتغال بها بذكر ما قيل وما يقال فيها

(١٧)

والعناية بابطال ما هو الباطل وإحقاق ما هو الحق فيها، فالصفح عن ذلك أولى.
وأما لفظ الجلالة فالله أصله الاله، حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، وإله من أله الرجل يأله بمعني عبد، أو من اله الرجل أو وله الرجل أي تحير، فهو فعال بكسر الفاء بمعنى المفعول ككتاب بمعنى المكتوب سمي إلها لأنه معبود أو لأنه مما تحيرت في ذاته العقول، والظاهر أنه علم بالغلبة، وقد كان مستعملا دائرا في الألسن قبل نزول القرآن يعرفه العرب الجاهلي كما يشعر به قوله تعالى: (ولئن سئلتهم من خلقهم ليقولن الله) الزخرف – 87، وقوله تعالى: (فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا) الانعام – 136.
ومما يدل على كونه علما انه يوصف بجميع الأسماء الحسنى وسائر أفعاله المأخوذة من تلك الأسماء من غير عكس، فيقال: الله الرحمن الرحيم ويقال: رحم الله وعلم الله، ورزق الله، ولا يقع لفظ الجلالة صفة لشئ منها ولا يؤخذ منه ما يوصف به شئ منها.
ولما كان وجوده سبحانه، وهو آله كل شئ يهدي إلى اتصافه بجميع الصفات الكمالية كانت الجميع مدلولا عليها به بالالتزام، وصح ما قيل إن لفظ الجلالة اسم للذات الواجب الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال وإلا فهو علم بالغلبة لم تعمل فيه عناية غير ما يدل عليه مادة إله.
واما الوصفان: الرحمن الرحيم، فهما من الرحمة، وهي وصف انفعالي وتأثر خاص يلم بالقلب عند مشاهدة من يفقد أو يحتاج إلى ما يتم به أمره فيبعث الانسان إلى تتميم نقصه ورفع حاجته، إلا ان هذا المعنى يرجع بحسب التحليل إلى الاعطاء والإفاضة لرفع الحاجة وبهذا المعنى يتصف سبحانه بالرحمة.
والرحمن، فعلان صيغة مبالغة تدل على الكثرة، والرحيم فعيل صفة مشبهة تدل على الثبات والبقاء ولذلك ناسب الرحمن ان يدل علي الرحمة الكثيرة المفاضة على المؤمن والكافر وهو الرحمة العامة، وعلى هذا المعنى يستعمل كثيرا في القرآن، قال تعالى:
(الرحمن على العرش استوى) طه – 5. وقال (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) مريم – 75. إلى غير ذلك، ولذلك أيضا ناسب الرحيم ان يدل على النعمة الدائمة والرحمة الثابتة الباقية التي تقاض على المؤمن كما قال تعالى: (وكان

(١٨)

بالمؤمنين رحيم) الأحزاب – 43. وقال تعالى: (إنه بهم رؤوف رحيم) التوبة – 117. إلى غير ذلك، ولذلك قيل: ان الرحمن عام للمؤمن والكافر والرحيم خاص بالمؤمن.
وقوله تعالى: الحمد لله، الحمد على ما قيل: هو الثناء على الجميل الاختياري والمدح أعم منه، يقال: حمدت فلانا أو مدحته لكرمه، ويقال: مدحت اللؤلؤ علي صفائه ولا يقال: حمدته على صفائه، واللام فيه للجنس أو الاستغراق والمال هيهنا واحد.
وذلك أن الله سبحانه يقول: (ذلكم الله ربكم خالق كل شئ) غافر – 62. فأفاد أن كل ما هو شئ فهو مخلوق لله سبحانه، وقال: (الذي أحسن كل شئ خلقه) السجدة – 7 فأثبت الحسن لكل شئ مخلوق من جهة أنه مخلوق له منسوب إليه، فالحسن يدور مدار الخلق وبالعكس، فلا خلق إلا وهو حسن جميل باحسانه ولا حسن إلا وهو مخلوق له منسوب إليه، وقد قال تعالى: (هو الله الواحد القهار) الزمر – 4. وقال: (وعنت الوجوه للحي القيوم) طه – 111. فانباء انه لم يخلق ما خلق بقهر قاهر ولا يفعل ما فعل باجبار من مجبر بل خلقه عن علم واختيار فما من شئ إلا وهو فعل جميل اختياري له فهذا من جهة الفعل، وأما من جهة الاسم فقد قال تعالى: (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) طه – 8. وقال تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) الأعراف – 180. فهو تعالى جميل في أسمائه وجميل في أفعاله، وكل جميل منه.
فقد بان انه تعالى محمود على جميل أسمائه ومحمود على جميل أفعاله، وأنه ما من حمد يحمده حامد لأمر محمود إلا كان لله سبحانه حقيقة لان الجميل الذي يتعلق به الحمد منه سبحانه، فلله سبحانه جنس الحمد وله سبحانه كل حمد.
ثم إن الظاهر من السياق وبقرينة الالتفات الذي في قوله: (إياك نعبد لآية) إن السورة من كلام العبد، وانه سبحانه في هذه السورة يلقن عبده حمد نفسه وما ينبغي ان يتأدب به العبد عند نصب نفسه في مقام العبودية، وهو الذي يؤيده قوله:
(الحمد لله)

(١٩)

وذلك إن الحمد توصيف، وقد نزه سبحانه نفسه عن وصف الواصفين من عباده حيث قال: (سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين) الصافات – 160. والكلام مطلق غير مقيد ولم يرد في كلامه تعالى ما يؤذن بحكاية الحمد عن غيره إلا ما حكاه عن عدة من أنبيائه المخلصين، قال تعالى في خطابه لنوح عليه السلام فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين) المؤمنون – 28. وقال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام:
(الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق) إبراهيم – 39. وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بضعة مواضع من كلامه: (وقل الحمد لله) النمل – 93. وقال تعالى حكاية عن داود وسليمان عليه السلام (وقالا الحمد لله) النمل – 15. وإلا ما حكاه عن أهل الجنة وهم المطهرون من غل الصدور ولغو القول والتأثيم كقوله: (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) يونس – 10.
وأما غير هذه الموارد فهو تعالى وان حكى الحمد عن كثير من خلقه بل عن جميعهم، كقوله تعالى: (والملائكة يسبحون بحمد ربهم) الشورى – 5. وقوله (ويسبح الرعد بحمده) الرعد – 13. وقوله (وإن من شئ إلا يسبح بحمده) الاسراء – 44.
إلا أنه سبحانه شفع الحمد في جميعها بالتسبيح بل جعل التسبيح هو الأصل في الحكاية وجعل الحمد معه، وذلك أن غيره تعالى لا يحيط بجمال أفعاله وكمالها كما لا يحيطون بجمال صفاته وأسمائه التي منها جمال الافعال، قال تعالى: (ولا يحيطون به علما) طه – 110 فما وصفوه به فقد أحاطوا به وصار محدودا بحدودهم مقدرا بقدر نيلهم منه، فلا يستقيم ما أثنوا به من ثناء إلا من بعد أن ينزهوه ويسبحوه عن ما حدوه وقدروه بافهامهم، قال تعالى: (ان الله يعلم وأنتم لا تعلمون) النحل – 74، وأما المخلصون من عباده تعالى فقد جعل حمدهم حمده ووصفهم وصفه حيث جعلهم مخلصين له، فقد بان ان الذي يقتضيه أدب العبودية ان يحمد العبد ربه بما حمد به نفسه ولا يتعدى عنه، كما في الحديث الذي رواه الفريقان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك الحديث) فقوله في أول هذه السورة: الحمد لله، تأديب بأدب عبودي، ما كان للعبد

(٢٠)

شاهد أيضاً

آداب عصر الغيبة – الشيخ حسين كوراني

المهدي المنتظر… * ملامح عامة (١٦) يا يحيى…. خذ الكتاب بقوة.. وآتيناه الحكم صبيا مريم ...