الرئيسية / القرآن الكريم / الوجيز في علوم القرآن

الوجيز في علوم القرآن

الدرس الثامن: الردّ على أدلّة تحريف القرآن الكريم

أهداف الدرس:
1- أنْ يذكر الطالب بعض أدلّة تحريف القرآن الكريم.
2- أنْ يردّ على عددٍ من أدلّة تحريف القرآن.
3- أنْ يُعدِّد اثنين من العلماء القدماء والمحدثين ممن يقول بسلامة القرآن من التحريف.

تمهيد
بعد أن تعرّضنا في الدرس السابق إلى معنى التحريف، وإلى أنواعه، بقي الحديث عن أن من ذهب إلى القول بتحريف القرآن الكريم قد ادّعى عدداً من الأدلة على ذلك، فلم يذهب إلى هذا الرأي جزافاً، وفي المقابل إن من اختار القول بعدم تحريف القرآن كما هو الصحيح عليه أن يتعرّض لكل أدلّة المنكرين والردّ عليها، كي لا يكون ادعاء في مقابل ادعاء، ونحن في هذا الدرس نتعرّض لأهم أدلّة القائلين بالتحريف والردّ عليها.

أدلّة وقوع التّحريف:
الأول: ما ورد من روايات تدلّ على أن ما وقع في الأمم السابقة يقع في هذه الأمة أيضاً، ومن المعلوم أن الأمم السابقة حرّفت التوراة والإنجيل، فلا بد أن هذه الأمة كذلك.

ويجاب بأن هذه الروايات عامية المنشأ في الغالب، ومع ذلك فهي ناظرة إلى الحوادث الاجتماعية والسنن التاريخية، ولا يلزم أن يتكرّر كل حدث صغير أو كبير بتفاصيله فلا يصح الاستدلال بها هنا.

الثاني: الروايات التي تظهر كيفية جمع القرآن بحسب ما ورد في كتب القوم، إذ يلزم منها عدم الاطمئنان إلى سلامة الكتاب، كالجمع بالشاهد والشاهدين وأمثال ذلك.

ولكن تقدّم أنّ القرآن كان مدوّناً بكامله عند عدد كبير من المسلمين على زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والتواتر متوفّر في كل الطبقات.

الثالث: اختلاف القراءات في مصاحف الصحابة على ما نقله المفسّرون من أهل السنّة، وهو أحد أنواع التحريف, لأن القرآن نزل على حرف واحد.

والجواب: عن هذا أنه تقدّم أن عدم تواتر القراءات شي‏ء وتواتر القرآن شي‏ء آخر، فاختلاف القراءات لا يضرّ بالمادة الأصلية للقرآن.

الرابع: ما ورد من أن أبيّ بن كعب كان أقرأ الأمة، وما ورد في أن آيات مصحفه أكثر مما هو موجود الآن، ويستنتج من ذلك طروء النّقص على القرآن.

والجواب: عن هذا أن هذه الروايات أيضاً ضعيفة وعامية وشاذة، لذلك لا يصح الوقوف عندها في مقابل التواتر الفعلي للقرآن. ونضيف إلى ذلك أن الاختلاف بعدد الآيات لا يدل على الزيادة والنقص, لأنهم ربما اختلفوا على أماكن الوقف والفواصل فأدّى ذلك إلى الاختلاف بعدد الآيات وهذا لا يؤثر.

الخامس: أن ما فعله عثمان من حمل الناس على قراءة واحدة وإحراق باقي المصاحف يجعل القرآن الكريم في معرض التشكيك وعدم الاطمئنان إلى سلامته، وإذا أضيف إليه مخالفة ابن مسعود لعثمان ينتج عنه وجود تحريفات كانت سبباً لمخالفة ابن مسعود.

الجواب: أنّ عمل عثمان كان بموافقة صريحة من أمير المؤمنين عليه السلام، وأنها وحّدت القراءات، وأن مخالفة ابن مسعود لا تدلّ على شي‏ء مما ذكر، لأنه رفض تسليم مصحفه للإحراق، حيث كان يعتزّ به لأنه كتبه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يدلّ على أن المصحف الجديد كان مغايراً لمصحفه، نعم ربما كان ابن مسعود قد خالف في الترتيب أو دوّن بعض التفسير والتأويل فيه، فكان رفضه لذلك أيضاً، وهو ليس من التحريف كما هو واضح.

السادس: الروايات التي تصرّح بوقوع التحريف في القرآن.
والجواب: أن هذه الروايات أكثرها مروي عن السياري (الغالي) وغيره من الضعفاء، بالإضافة إلى أن المقصود فيها غالباً هو التحريف المعنوي لا اللفظي، وقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام بأنهم أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده وهي صريحة في التحريف المعنوي.

السابع: وجود ألف رواية أغلبها شيعي تتضمّن اختلاف القراءة عمّا هو في المصحف الحاضر، وهذه الروايات الألف فيها ما يلي:
1- إن أكثر من 230 رواية منها ترجع إلى السياري الغالي الملعون على لسان الإمام الصادق عليه السلام، ولا يقبله أحد من علماء الرجال عندنا.

2- أكثر من 600 رواية مكرّرة، ذكرها لتعدّد الطرق أو تعدّد المصدر.

3- وبعد إسقاط روايات السياري والمكرّرة فلا يبقى إلا حدود 80 رواية هي عبارة عن روايات اختلاف القراءات أكثرها أخذت من مجمع البيان. والطبرسي في المجمع يروي عن بعض رواة أهل السنّة مثل الكسائي وابن مسعود والجحدري والسلمي والضحّاك وقتادة وابن عمر وابن حجّار ومجاهد وعكرمة وعائشة وابن الزبير وحمزة وابن يعمر الشعبي وغيرهم.

مع أنَّ الكثير من هذه الروايات ناظر إلى التفسير وشأن نزول الآيات، وقد اختلط التفسير بمتن الآيات فيها بسبب عدم استعمال العلامات المميزة للمتن عن التفسير كما هو المتعارف اليوم.

تصريحات كبار علماء الشيعة:
صرح علماء الشيعة عبر القرون بسلامة القرآن من التحريف، ومع ذلك فإن البعض ممن ينسب إلى الشيعة تهمة القول بالتحريف يهمل هذه التصريحات عمداً

ويتمسّك بما ذكره بعض المحدثين لأغراض خبيثة، أو يحمل تلك التصريحات على التقية لإتمام بهتانه. وهذه نماذج ممن صرّح بسلامة القرآن من الشيعة:

1- الشيخ الطوسي (ت 164هـ) في التبيان ج1 ص3.

2- الشيخ الصدوق (ت 183هـ) في كتاب الاعتقادات ص92 و93.

3- الشيخ المفيد (ت 314هـ) في كتابه أوائل المقالات ص55 و 56.

4- السيد المرتضى (ت 634هـ) في جواب المسائل الطرابلسيات حكاه عنه الطبرسي في مجمع البيان ج1 ص51.

5- الشيخ الطبرسي (ت 845هـ) في مجمع البيان ج1 ص51.

6- الشيخ الحر العاملي (ت 1104هـ) له رسالة في إثبات عدم التحريف نقل منها رحمة الله الهندي في إظهار الحق ص 129.

وفي القرن العشرين:
1- السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة ج1 ص64.

2- السيد عبد الحسين شرف الدّين في أجوبة مسائل جار الله والفصول المهمة ص165 و 166.

3- السيد البروجردي نقله عنه الشيخ لطف الله الصافي في كتاب مع الخطيب في خطوطه العريضة ص49.

4- السيد محسن الحكيم نقل نص عبارته السيد مرتضى الرضوي في كتابه البرهان على عدم تحريف القرآن ص252.

5- السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان ج 12 من ص104 إلى 107، وكتاب القرآن في الإسلام ص71.

6- الإمام السيد روح الله الخميني في كتابه تهذيب الأصول ج 2 ص561.

7- السيد أبو القاسم الخوئي في كتابه البيان في تفسير القرآن ص952.

وغيرهم كثير.

بل هناك ما يشير إلى أن روايات التحريف لم تكن معروفة عند الشيعة في القرن الثالث الهجري، فهذا الفضل بن شاذان (المتوفي سنة 62 هـ) والذي كان من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام، يطعن في كتابه الإيضاح على أهل السنّة روايتهم لروايات التحريف، وهذا يكشف عن أن ذلك لم يكن معروفاً حتى عند المحدثين من الشيعة ذلك الوقت وإلا لما صحّ أن يطعن عليهم بذلك.

ونختم بما ورد في رسالة الإمام الهادي عليه السلام في الردّ على أهل الجبر والتفويض أنه قال: “.. وقد اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق، وفي حال اجتماعهم مقرّون بتصديق الكتاب وتحقيقه، مصيبون، مهتدون…” .

أسئلة حول الدرس

أجب عن الأسئلة التالية؟
1- يزعم البعض وقوع التحريف في القرآن كما وقع في التوراة والإنجيل وذلك بمقتضى ما ورد من أن ما وقع في الأمم السابقة يقع في هذه الأمة أيضاً، كيف تردّ على هذا الكلام؟
2- اشتبه المحدّث النوري في موضوع تحريف القرآن، فما هو منشأ الشبهة التي وردت على ذهنه؟
3- ما هو رأي علماء الشِّيعة عبر القرون في موضوع تحريف القرآن؟
4- اذكر دليلين من أدلّة التحريف؟
5- هل كان القول بالتحريف من المسائل المشهورة عند علماء الشيعة؟ اذكر عدداً من العلماء القائلين بعدم التحريف؟

كيف تردّ على أدلة التحريف التالية:
– الدليل الأول: اختلاف القراءات في مصاحف الصحابة على ما نقله المفسّرون من أهل السنّة، وهو أحد أنواع التحريف, فالقرآن نزل على حرف واحد.

– الدليل الثاني: ما ورد من أن أبيّ بن كعب كان أقرأ الأمة، وما ورد في أن آيات مصحفه أكثر مما هو موجود الآن، ويستنتج من ذلك طروء النقص على القرآن.

املأ الفراغ بالكلمة المناسبة:
الزيادة والنقيصة – تحريف – بأوصاف خاصة – كالإعجاز – ذكر محفوظ

قد تبين مما فصّلناه أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ووصفه بأنه………………………………………. على ما أنزل مصون بصيانة إلهية عن………………………………………. والتغيير كما وعد الله نبيه فيه.

وخلاصة الحجة أن القرآن أنزله الله على نبيه ووصفه في آيات كثيرة………………………………………. لو كان تغيُّر في شيء من هذه الأوصاف بزيادة أو نقيصة أو تغيير في لفظ أو ترتيب مؤثّر فقد آثار تلك الصفة قطعاً لكنا نجد القرآن الذي بأيدينا واجداً لآثار تلك الصفات المعدودة على أتمّ ما يمكن وأحسن ما يكون فلم يقع فيه………………………………………. يسلبه شيئاً من صفاته فالذي بأيدينا منه هو القرآن المنزل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعينه فلو فرض سقوط شيء منه أو تغير في إعرابٍ أو حرفٍ أو ترتيبٍ وجب أن يكون في أمر لا يؤثّر في شيء من أوصافه……………………………………….وارتفاع الاختلاف والهداية والنورية والذكرية والهيمنة على سائر الكتب السماوية إلى غير ذلك وذلك كآية مكرّرة ساقطة أو اختلاف في نقطة أو إعراب ونحوها”.

السيد محمد حسين الطباطبائي قدس سره
تفسير الميزان، ج12، ص107.

شاهد أيضاً

تحولات أمريكية تضع نتنياهو في مأزق

تحوّل غير مسبوق في موقف إدارة ترامب من حماس تحولات أمريكية تضع نتنياهو في مأزق ...