الأذان بين الأصالة والتحريف / الصفحات: ٤٠١ – ٤٢٠
وقال اليافعي في (مرآة الجنان وعبرة اليقظان):… وأهمل ناموس الخلافة العبيدية ; لأنّه كان سنياً كأبيه، لكنّه أظهر التمسّك بالإمام المنتظر وأبطل من الأذان ” حيّ على خير العمل ” وغيّر قواعد القوم، فأبغضه الدعاة والقوّاد وعملوا عليه، فركب للعب الكرة في المحرم فوثبوا عليه وطعنه مملوك الحافظ بحربة..(٢).
حلب (سنة ٥٤٣ هـ)
جاء في (زبدة الحلب من تاريخ حلب):… وشرع نور الدين(٣) في تجديد المدارس والرباطات بحلب، وجلب أهل العلم والفقهاء إليها، فجدّد المدرسة المعروفة بالحلاويين في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، واستدعى برهان الدين عليّ بن الحسن البلخي الحنفي وولاّه تدريسها، فغيّر الأذان بحلب، ومنع
٣- هو نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر، المولود سنة ٥١١ هـ، وكان حنفي المذهب داعية إلى مذهبه، وهو مؤسس الدولة النورية في الشام.
وكان المقدسي قد نوه عن إبطال الأذان بـ ” حيّ على خير العمل “، بقوله: ورد الخبر من ناحية حلب بأنّ صاحبها نور الدين بن أتابك أمر بإبطال ” حيّ على خير العمل ” في أواخر تأذين الغداة والتظاهر بسب الصحابة وأنكر ذلك إنكاراً شديداً، وساعده على ذلك جماعة من السنة بحلب، وعظم هذا الأمر على الإسماعيلية وأهل التَّشَيُّع..(٣)
وفي (العبر في خبر من غبر)، قال: أبو الحسن البلخي عليّ بن الحسن الحنفي… وكان يلقّب برهان الدين… وهو الذي قام في إبطال ” حيّ على خير العمل ” من حلب(٤).
وجاء في (البداية والنهاية) لابن كثير: افتتح نور الدين أبو القاسم التركي السلجوقي وكان حنفي المذهب.. وأظهر السنّة وأمات البدعة، وأمر بالتأذين بـ ” حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح “، ولم يكن يؤذن بهما في دولتي أبيه وجدّه
٣- الروضتين في أخبار الدولتين ١:٢٠٢.
٤- العبر في خبر من غبر ٤: ٦٣١، الدارس في تاريخ المدارس ١: ٣٦٨.
حلب (سنة ٥٥٢ هـ)
اشتد المرض في شهر رمضان بنور الدين وخاف على نفسه، فاستدعى أخاه نصرة الدين أمير أميران، وأسد الدين شيركوه، وأعيان الأمراء والمقدمين، وأوصى إليهم وقرر أن يكون أخوه نصرة الدين القائم في منصبه من بعده ويكون مقيماً في حلب، ويكون أسد الدين في دمشق في نيابة نصرة الدين… واتّفق وصول نصرة الدين إلى حلب فأغلق والي القلعة مجد الدين في وجهه الأبواب وعصى عليه، فثارت أحداث حلب…، ودخل نصرة الدين في أصحابه وحصل في البلد، وقامت الأحداث على والي القلعة باللوم والإنكار والوعيد، واقترحوا
٣- الروضتين في اخبار الدولتين ١: ٢٠١ ـ ٢٠٢.
٤- خطط الشام لمحد كرد علي ٢: ٢١.
مصر (سنة ٥٦٥ هـ)
جاء في (نهاية الأرب في فنون الأدب):… قال المورخ: ولعشر مضين من ذي الحجة سنة خمس وستين وخمسمائة أمر الملك الناصر [ أي صلاح الدين الأيوبي ] أن يسقط من الأذان قولهم ” حيّ على خير العمل، محمّد وعليّ خير البشر ” وكانت أول وصمة دخلت على الشيعة والدولة العبيدية، ويئسوا بعدها من خير يصل إليهم من الملك الناصر، ثمّ أمر أن يذكر في الخطبة بكلام مجمل، ليلبس على الشيعة والعامة: اللّهم أصلح العاضد لدينك…(٣)
ونقل أبو شامه عن ابن أبي طي فيما جرى في مصر سنة ٥٦٦ هـ قوله: في هذه السنة شرع السلطان ـ يعني صلاح الدين ـ في عمارة سور القاهرة لأنه كان قد
٣- نهاية الارب في فنون الادب الفن ٥/القسم ٥/الباب ١٢ أخبار الملوك العبيديون.
وقال ابن الاثير: كان السبب في ذلك أن صلاح الدين يوسف بن أيوب لما ثبت قدمه بمصر وأزال المخالفين له وضعف أمر العاضد وهو الخليفة بها.. كتب إليه الملك العادل نور الدين محمود يأمره بقطع الخطبة العاضدية وإقامة الخطبة العباسية، فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك لميلهم إلى العلويين، فلم يصغ نور الدين إلى قوله وأرسل إليه يلزمه إلزاماً لا فسحة له فيه(٣).
مصر (سنة ٥٦٧ هـ)
جاء في (نهاية الأرب في فنون الأدب):… كان انقراض هذه الدولة عند خلع العاضد لدين الله، وذلك في يوم الجمعة لسبع مضين من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة، وكان سبب ذلك أنّ صلاح الدين يوسف لمّا ثبتت قدمه في صلب الديار المصرية واستمال الناس بالأموال، قتل مؤتمن الخلافة جوهراً… ونصب مكانه قراقوس الأسدي الخصي خادم عمّه، ثمّ كانت وقعة السودان فأفناهم بالقتل… ثمّ أسقط من الأذان قولهم ” حيّ على خير العمل “، وأبطل مجلس الدعوة، وضعف أمر العاضد معه إلى الغاية، فعند ذلك كتب الملك العادل نور الدين
٣- انظر الكامل ٩: ١١١ وعنه في الروضتين في اخبار الدولتين ٢: ١٩٠.
حلب (سنة ٥٧٠ هـ)
وفي هذه السنة عزم صلاح الدين الأيوبي الدخول إلى الشام [ وذلك بعد موت نور الدين ]، فلما استقرّت له دمشق نهض إلى حلب ونزل على أنف جبل جوشن، وكان على حلب آنذاك ابن نور الدين، والأخير جمع أهل حلب وقال لهم: يا أهل حلب، أنا ربيبكم ونزيلكم، واللاجئ إليكم، كبيركم عندي بمنزلة الأب، وشابّكم عندي بمنزلة الأخ، وصغيركم عندي يحلّ محلّ الولد، قال: وخنقته العبرة، وسبقته الدمعة، وعلا نشيجه، فافتتن النَّاس وصاحوا صيحةً واحدة، ورمَوْا بعمائمهم، وضجُّوا بالبكاء والعويل، وقالوا: نحن عبيدك وعبيد أبيك، نقاتل بين يديك، ونبذل أموالنا وأنفسنا لك. وأقبلوا على الدُّعاء له، والترحُّم على أبيه.
وكانوا قد اشترطوا على الملك الصَّالح أنه يُعيد إليهم شرقية الجامع يُصَلُّون فيها على قاعدتهم القديمة، وأن يُجهر بـ ” حيّ على خير العمل ” في الأذان،
مكّة (سنة ٥٧٩ هـ)
قال ابن جبير: وللحرم المكي أربعة أئمّة سنية وإمام خامس لفرقة تسمى الزيدية، وأشراف أهل هذه البلدة على مذهبهم، وهم يزيدون في الأذان ” حيّ على خير العمل ” إثر قول المؤذن ” حيّ على الفلاح “، وهم روافض سبّابون والله من وراء حسابهم وجزائهم، ولا يجمعون مع الناس إنّما يصلون ظهراً أربعاً، ويصلّون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها، فأوّل الأئمّة السنية الشافعي، وإنّما قدمنا ذكره لأنّه المقدم من الإمام العباسي وهو أوّل من يصلي وصلاته خلف مقام إبراهيم إلاّ صلاة المغرب فإن الأربعة الأئمّة يصلونها في وقت واحد مجتمعين
مكّة (سنة ٥٨٢ هـ)
وفيها دخل سيف الإسلام أخو صلاح الدين إلى مكّة وضرب الدنانير فيها باسم أخيه، ومنع من قولهم ” حيّ على خير العمل “(٢).
مكّة (سنة ٦١٧ هـ)
وفيها توفي الشريف أبو عزيز قتاده بن إدريس الزيدي الحسني المكّي أمير مكّة.
كان شيخاً عارفاً مصنفاً، نقمةً على عبيد مكّة المفسدين، وكان الحاج في أيامه في أمان على أموالهم ونفوسهم، وكان يؤذّن في الحرم بـ ” حيّ على خير العمل ” على قاعدة الرافضة، وما كان يلتفتُ إلى أحد من خلق الله تعالى، ولا وطئ بساط الخليفة ولا غيره، وكان يحمل إليه من بغداد في كلّ سنة الذهب والخلع وهو بداره في مكّة، وهو يقول: أنا أحق بالخلافة من الناصر لدين الله، ولم
مكّة (سنة ٧٠٢ هـ)
جاء في (الدرر الكامنة) قوله: أبطل [ بزلغى التتري حينما كان على الحج ]الأذان بـ ” حيّ على خير العمل ” وجمع الزيدية ومنعهم من الإمامة بالمسجد الحرام(٢).
إيران (سنة ٧٠٧ هـ تقريباً)
كان مذهب أهل السنة والجماعة هو الغالب على إيران إلاّ في مناطق معينة كطبرستان، والريّ، وقم، وأقسام من خراسان، وقد ذكر المؤرخون عللاً وأسباباً في تشيع إيران(٣)، إلاّ أنّ الثابت هو حدوثه في عهد العلاّمة الحلّي ” الحسن بن يوسف ” المتوفى ٧٢٦ هـ الذي كان السبب في تشيع السلطان الجايتو محمّد المغولي الملقّب بشاه خدابنده المتوفى ٧١٧ أو ٧١٩ هـ.
فلما تشيع السلطان أمر في تمام ممالكه بتغيير الخطبة وإسقاط أسامي الثلاثة عنها، وبذكر أسامي أمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر الأئمّة: على المنابر، وبذكر ” حيّ على خير العمل ” في الأذان، وبتغيير السّكّة ونقش الأسامي المباركة عليها(٤).
٣- طبع موخراً المؤرخ الحجة الشيخ رسول جعفريان رسالة الجايتو والتي ألفها باللغة الفارسية موضحاً فيها أسباب تشيعه فليراجع.
٤- روضة المتقين للعلاّمة المجلسي ٩: ٣٠ احقاق الحق ١: ١١، أعيان الشيعة ٥: ٣٩٦، مجالس المؤمنين ٢: ٣٥٦. وانظر: خاتمة مستدرك الوسائل للنوري وغيرها.
المدينة [القرن الثامن]
نقل السمهودي في (وفاء الوفاء):… عن ابن فرحون المتوفى سنة ٧٩٩هـ قوله: وقد تساهل من كان قبلنا فزادوا على الحجرة الشريفة مقصورة كبيرة… وكانت بدعة وضلالة يصلي فيها الشيعة… ولقد كنت أسمع بعضهم يقف على بابها ويؤذّن بأعلى صوته ” حيّ على خير العمل ” وكانت مواطن تدريسهم وخلوة علمائهم(١).
وذكر صاحب التحفة اللطيفة في ترجمة عزاز، أحد الاشراف: كان يقف على باب المقصورة المحيطة بالحجرة النبوية ويؤذّن بأعلى صوته من غير خوف ولا فزع قائلاً ” حيّ على خير العمل ” ; قاله ابن فرحون في تاريخه(٢).
القطيف (سنة ٧٢٩ هـ)
ذكر ابن بطوطة في رحلته سفره إلى القطيف، فقال: ثمّ سافرنا إلى مدينة القُطَيف ـ وضبط اسمها بضم القاف كأنّه تصغير قَطِيف ـ وهي مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير، يسكنها طوائف العرب، وهم رافضية غلاة، يظهرون الرفض جهاراً لا يتّقون أحداً، ويقول مؤذنهم في أذانه بعد الشهادتين: “أشهد أنّ عليّاً وليّ الله”، ويزيد بعد الحيعلتين ” حيّ على خير العمل ” ويز يد بعد التكبير الأخير: ” محمّد وعليّ خير البشر من خالفها فقد كفر “(٣).
٣- رحلة ابن بطوطه: ١٨٦ / بعد ذكره لمدينة (البحر ين).
مكّة (سنة ٧٩٣ هـ)
جاء في صبح الاعشى:… وولي ابنه صلاح [ بن عليّ بن محمّد ] وتابعه الزيدية، وكان بعضهم ينكر إمامته لعدم استكمال الشروط فيه، فيقول: “أنا لكم ما شئتم إمام أو سلطان”، ثمّ مات سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وقام بعده ابنه نجاح فامتنع الزيدية من بيعته… إلى أن يقول: قال في مسالك الأبصار: ولشيعة هذا الإمام فيه حُسْنُ الاعتقاد، حتّى أنّهم يستشفون بدعائه، ويُمرُّون يده على مرضاهم، ويستسقون به المطر إذا اجدبوا، ويبالغون في ذلك كلّ المبالغة، ثمّ قال: ولا يَكْبُرُ لإمام هذه سيرته ـ في التواضع لله، وحسن المعاملة لخلقه، وهو من ذلك الأصل الطاهر والعنصر الطيب ـ أن يجاب دعاؤه ويتقبل منه، قال: وزيُّ هذا الإمام وأتباعه زيّ العرب في لباسهم والعمامة والحنك، وينادى عندهم بالأذان ” حيّ على خير العمل “(١).
صنعاء (سنة ٩٠٠هـ تقريباً)
ذكر صاحب البدر الطالع في ترجمة محمّد بن الحسن بن مرغم الزيدي اليماني (المولود ٨٣٦ والمتوفى ٩٣١) ما نصّه: لما افتتح السلطان عامر بن عبدالوهاب صنعاء ومايليها من البلاد [ كان ] يجلّه ويقبل شفاعته لأجل اتصاله بالإمام الناصر الحسن بن عزالدين بن الحسن.
ولما صلّى السلطان عامرٌ بجامع صنعاء أوّلَ جمعة فأراد المؤذن أن يسقط من الأذان ” حيّ على خير العمل ” فمنعه محمّد بن الحسن الزيدي، فالتفـت إلـيه جمـيع من في المسجد من جند السلطان وهم ألوف مؤلّفـة، وعُدَّ ذلك من تصلّـبه
حضرموت (سنة ١٠٧٠ هـ)
جاء في كتاب (سمط النجوم العوالي في أنباء الاوائل والتوالي) للعاصمي: قوله:
وفي سنة ١٠٦٥ جهز الإمام إسماعيل(٢) ابنَ أخيه الإمام أحمدَ بن الحسن على حضرموت ونواحيها لكونهم لم يخطبوا له [ بعد أن سيطر على أغلب اليمن ]فالتقى هو والأمير حسين الرصاص، لكون بلده أقرب البلدان إلى دولة الإمام إسماعيل، وحصل منهم قتال، فلما عجز الإمام أحمد بن الحسن اُرسل إلى قبيلة يافع ـ وهم قبائل كثيرون ـ بالأموال خفية، وطلبوا منه أن يكونوا معه على الرصاص… فتجهزوا على الرصاص وأتوه على غرة… حتّى قتل… واستولى الزيدية على غالب حضرموت.
ثمّ في سنة ١٠٧٠ استولى على حضرموت كلها، وأمرهم أن يزيدوا في الأذان ” حيّ على خير العمل ” وترك الترضي عن الشيخين… ثمّ لم يزل الإمام إسماعيل قائماً بأعباء الإمامـة الكـبرى إلى أن توفّـاه الله تعالـى إلى رحمـته سـنة ١٠٨٧ هـ(٣).
٣- سمط النجوم العوالي ٤: ١٩٨ ـ ٢٠٠.
نجد (سنة ١٢٢٤ هـ)
قال عبدالحي بن فخر الدين الحسيني (المتوفى ١٣٤١ هـ) في (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر):… الزيدية بعد ما خالف الشريف حمود بن محمّد على أهل نجد سنة أربع وعشرين ومائتين وألف أن يزيد أهلها قول ” حيّ على خير العمل ” في ندائهم للصلوات ويَدَعُوا ما توارثوه من السلف في أذان الفجر من قولهم ” الصلاة خير من النوم ” فإنه كان يراها بدعة إنّما أحدثها عمر رضي الله عنه في إمرته(١).
وأختم حديثي بما نقله القلقشندي في صبح الأعشى عن الزيدية فقال:… وهم يقولون: إن نَصَّ الأذَانِ بَدَل الحَيْعَلَتينِ(٢): ” حَيّ على خَـيْر العَـمَلِ ” يقـولـونهـا فـي أَذانِهم مرّتين بدل الحَيْعلَتَيْن، وربَّما قالوا قبل ذلك: ” محمـدٌ وعَلِـيٌّ خَـير البَشَـر، وعِتْرتُهـما خير العِـتَر ” ومن رأَى أنّ هـذا بِـدعـةٌ فقـد حـاد عـن الجَـادَّة.
وهم يسوقون الإِمامة في أوْلاد عَلِيّ كَرَّم الله وَجْهَه من فاطمة(عليها السلام)، ولا يُجوِّزونَ ثُبوتَ الإِمامة في غير بنيهما ; إلاّ أنَّهم جَوَّزُوا أن يكونَ كلُّ فاطميِّ عالِم زَاهِد شُجاع خَرج لطَلَب الإِمامة إماماً مَعْصُوماً واجِبَ الطاعة، سواء كان من ولد الحَسَنِ أو الحُسَينِ(عليهما السلام)، ومَن خلع طاعتَه فقد ضَلَّ. وهم يَرَوْن أن الإِمام المَهْدِيَّ المُنْتَظَر من ولَد الحُسَين دون ولد الحسَن رضي الله عنهما، ومن خالف في ذلك فقد أخْطَأ. ومن قال: إِنَّ الشيخين أبا بَكْر وعُمَر أفضلُ من عَلِيٍّ وبَنِيه فقد أخْطأَ
وكذا يُفهم من كلام الشيخ الصدوق (ت ٣٨١ هـ) أن الذين كانوا يأتون بهذه الصيغ الثلاث أو الأربع! كانوا يأتون بها على أنّها صادرة عن أئمّة أهل البيت ; لقوله رحمه الله: ” وفي بعض رواياتهم… ومنهم من روى بدل ذلك… “(٣).
فاختلاف الصيغ عند المؤذنين، وإتيانها في بعض الأحيان بعد الحيعلة الثالثة وأخرى بعد الشهادة الثانية تشير إلى عدم جزئيتها وكونها تفسيرية.
إذاً عمل الشيعة وتفسيرهم هذا لم يكن عن هوى ورأي، بل لما عرفوه ووقفوا عليه في مرويات ائمتهم الموجودة عندهم، وهذا لو جمع إلى سيرة المتشرعة من الشيعة في كل الازمان والاصقاع في ” حيّ على خير العمل ” وأنّ المعنيَّ به عندهم الولاية لوقفت على حقيقة أخرى لم تنكشف لك من ذي قبل(٤). وممّا يستأنس به لذلك أذان الشيعة بحلب سنة ٣٦٧ هـ حيث إنّهم كانوا يقولون في أذانهم ” حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر “، وكذلك في أذانهم باليمامة سنة ٣٩٤ هـ، ففيه ” يقولون في الإقامة: محمّد وعليّ خير البشر وحيّ على خير العمل “.
ومن هذا الباب ما ذُكر من أنّ الحسين بن عليّ بن محمّد… بن علي بن أبي
٣- من لا يحضره الفقيه ١: ١٨٨ باب الأذان والإقامة وثواب المؤذنين ح ٣٥.
٤- سنفصل هذا الأمر بإذن الله تعالى في الباب الثالث من هذه الدراسة ” أشهد أن عليّاً ولي الله بين الشرعية والابتداع “.
وبهذا فقد تبيّن لنا من كلّ ما سبق أنّ لـ ” حيّ على خير العمل ” أصلاً شرعيّاً ثابتاً، لكنَّ الظروف السياسيّة العصيبة ونهي عمر بن الخطّاب، لعبا دوراً كبيراً في طرح شرعيّتها جانباً ـ وقد مرّت عليك بعض الروايات التي صُرّح فيها بحذف الحيعلة الثالثة للتقية من الرواة الذين كانوا يخافون على أرواحهم عند اشتداد سطوة الظالمين ـ ومع كلّ ذلك العسف ترى الصمود الشيعي في جانب آخر، لذلك راح أتباع الحَذْفِ بعد أن لمسوا شدّة المتمسّكين بها يدّعون بأنّها منسوخة، وعلى الرغم من شراسة الحملة الموجّهة ضدّ هذا الأصل الشرعيّ وعنف وقسوة
أبداً، فكثير من الصحابة وكل أهل البيت وعدّة من التابعين أصرّوا إصراراً شديداً على التمسّك بالإتيان بـ ” حيّ على خير العمل ” في أذانهم والتأكيد الحازم الجازم على شرعيّة الإتيان بها، وأن ليس من عامل شرعيّ قطعيّ دعا إلى طرحها وإسقاطها.. وقد مرّت في مطاوي البحوث شواهد كثيرة تؤيِّد صحّة ذلك بموضوعية، وقد كان هذا الفصل هو الموضّح لكيفية ” تحوّل هذا الأصل الشرعيّ ” إلى شعار يميّز الشيعة عن غيرهم، وقد اتّضحت بين ثناياه الدوافع التي دعت أهل السنّة لأن يتّخذوا من (الصلاة خير من النوم) شعاراً لهم، حيث كانت لهذه الجملة أبعادٌ متصلة باجتهاد الخليفة عمر! لا سنة رسول الله.
لقد تجسدت شعاريّة هذا الموضوع بوضوح في العصور المتأخِّرة، ويمكن القول بأنّها تجلّت واضحة في العصر العبّاسيّ الأوّل(١)، وعلى الخصوص في زمن أبي جعفر المنصور الدوانيقيّ، كما وتجسّدت معالم شعاريّة ” حيّ على خير العمل ” بوضوح أيضاً بعد وفاة المنصور بعد أن صار جلياً وجود تيّارين متباينين، أحدهما يصرّ بإلحاح جادّ على الإتيان بـ ” حيّ على خير العمل “، بينما يحاول الآخر منع ذلك بشتى الطرق ولا يرضى بالإتيان بها.
وأ مّا فيما يخصّ ذِكر أذان الإمام زين العابدين (عليه السلام) الثابت للجميع وليس ثمّة منكر له، فله ميزة خاصّة، وذلك لمكانته بين المسلمين عموماً، فالإماميّة والزيديّة، بل مختلف فرق الشيعة ـ باستثناء الكيسانية المنقرضة ـ تذعن له وتستسلم لأوامره ونواهيه الشرعيّة، ويقرّون له (عليه السلام) بأنّه إمام للمسلمين وحجّة لله على خلقه، وبالنسبة لباقي الفرق فهم يتعاملون معه كأحد علماء المدينة على أقل ما يقال.. فإتيان الإمام زين العابدين (عليه السلام) بـ ” حيّ على خير العمل ” يمثِّل ـ بلا ريب ـ شرعيّتها وامتداد جذورها إلى عصر الرسالة الأوّل، وخصوصاً بعد وقوفنا على قوله (عليه السلام) ” إنّه الأذان الأول ” والذي يوضّح بأنّ الأذان شرّع في الإسراء والمعراج، وأن ” حيّ على خير العمل “، إشارة إلى ولاية الإمام عليّ وولده، والذي كتب على ساق العرش.
وكذا الحال بالنسبة إلى فعل ابن عمر، فإنّ إتيانه بها في أذانه ـ وهو فقيه أهل السنة والجماعة ـ ليؤكد شرعيتها، ونحن لو أضفنا هذين الموردين إلى ما أورده
ونحن لو دققنا النظر في مسألة نهي عمر بن الخطاب عن متعة الحج ومتعة النساء وحيّ على خير العمل ـ على ما أورده القوشجي في ” شرح التجريد ” ـ لانكشف لنا الترابط فيما بين هذه المسائل الثلاث، وأنّ مسألة ” حيّ على خير العمل ” تعني ارتباطها بمسألة هامة ترتبط بصميم الخلافة والإمامة، وهذا ما أثبتناه بالأرقام في الصفحات السابقة(١)، وقد عرفت كيف تحوّلت الحيعلة الثالثة إلى شعار للطالبيين ولشيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ومحبّي الزهراء البتول (عليها السلام) عبر القرون، وأنّ ثبات الشيعة عليها وتمسّكهم بها يمثّل بحثا استراتيجيّاً بين الفريقين وحدّاً فاصلاً بينهما، ولعلّ ما روي عن الإمام أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) عن تبيان علّتي النهي الظاهرة والخفية ـ التي مرّ ذكرها ـ جاء للكشف