زاد المبلغ في عاشوراء الجزء الأول
19 ساعة مضت
طرائف الحكم
11 زيارة
10
الموعظة الثلاثون: مِن آداب التَوْبة
وحتّى لا يَستبدّ المرض الخطير، وهو اليأس مِن رَحمة الله بِالعباد، فلا بُدّ مِن بابٍ يَلجأ منه الإنسان إلى كنف مَغفرة الله -هَرَبًا مِن سَطوات جَبروته وقاهريّته-، بابٍ يُفضي إلى دار أمْنِه وأمانه مِن خَوف عِقابه وانتقامه، فكان الباب هو التوبة التي اقتَضَتْها رَحمته -تعالى-؛ فبالتوبة يَلجأ العبدُ إلى رحمة الله، لِيُعالِج أمراض الذنوب، ولِيَتحوّل مِن مَبغوضه إلى محبوبه -تعالى-.
آداب التوبة ومُقدّماتها
كما أنّ للتوبة أركانها -وهي الندم والعزم على تَرْكِ الذنوب-، وشرائط لِقَبولها -وهي جُبران التقصير في حقّه -تعالى- والخروج مِن مَظالم العباد بِرَدِّها وطلَب المسامحة منهم-، فإنّ لها كذلك آدابًا ذَكَرَتْها الأدعية المنقولة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) -ولا سيّما الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في دعائه الموسوم بدعاء التوبة-، مِنها:
1. الإقرار بالذنوب بين يديْه -تعالى-
يُعلِّمنا هذا الأدبَ، قائلًا: «هذا مَقام مَن تَداوَلَتْه أيْدي الذنوب، وقادَتْه أَزِمّة الخطايا، واستَحْوَذ عليه الشيطان، فقَصَّرَ عمّا أمَرْتَ به تفريطًا، وتَعاطى ما نَهَيْتَ عنه تَعزيرًا، كالجاهل بِقُدْرَتِك عليه، أو كالمُنْكِر فضلَ إحسانِك إليه»[1].
[1] الإمام السجّاد (عليه السلام)، الصحيفة السجّادّية، ص140.
194
181
الموعظة الثلاثون: مِن آداب التَوْبة
ومضمون الإقرار والاعتراف بالذنوب أنْ يَقِفَ موقف الذليل، كاسِرًا كبرياء نفْسه التي بها أقدَمَ على ذنْبه؛ فكما أقدَم على الذنْب باعتزازٍ، أو بِلا مبالاة -كما تفيد عبارة «كالجاهل بِقُدرتِك عليه»-، أو بِنُكران الجميل -كما تشير عبارة «أو كالمُنكِر فضل إحسانك إليه»-، فإنّ عليه أن يتأدّب بين يدَيْه -تعالى-، ويُؤدّب نفْسه بِإيقافِها هذا الموقِف؛ أي بإقدامه على الإقرار ذليلًا مُنكسِرًا. ولا بُدّ مِن الإشارة إلى أنّ الإقرار والاعتراف مِن تَرَشُّحات الندم القلبيّ على اللسان، فلْيتأمّل قليلًا -بالاعتراف- في أنّه عندما انساقَ إلى الحرام، كان قائده إلى ذلك شَهوته وهَواه ورغباته، فأسقَطَه ذلك في قَبْضة الشيطان، كأنّه أصبح مُهَيْمنًا عليه.
2. الاستيقاظ مِن الغَفْلة
هي مُقدِّمة لِسُلوك الطريق الموصلة إلى التوبة، إذ كيف يتوب الإنسان بِلا يَقَظةٍ وانتباهٍ جَدِّيَّيْن؟ لذا، عَدّها عُلماء السلوك أُولى خُطوات السالكين إلى الله، وعنها قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): «حتّى إذا انْفَتَح له بَصَرُ الهُدى، وتَقَشَّعَتْ عنه سَحائِبُ العَمى…». لكنّ هذه اليقظة مُقدّمتها الاعتراف والإقرار، اللذانِ يُشكّلان مُحفِّزًا لِليقظة، كَوَخْزِ الإِبَر لِلنائم. ولكي تنفع اليَقظة، فلا يعود المُذنب إلى غَفْلَته وسُباته في قَبضة الشيطان، لا بُدّ مِن أن تَتْبعها خُطواتٌ هي مِحَكّ جِدّيّة التوبة ومُؤثّريّة اليَقظة، وهي:
أ. إحصاء الذنوب
وفيه قال (عليه السلام): «أحصى ما ظَلَمَ به نفْسه»؛ لأنّ مَن يريد إصلاح
195
182
الموعظة الثلاثون: مِن آداب التَوْبة
ما أفْسَد، عليه أنْ يُحصي أخطاءَه، لِيَخرج منها جميعًا، فالتوبة يجب أن تكون شاملة للذنوب كلّها، وإلّا فإنّها لَيْسَت جِدّيّة تَمام الجِدّيّة.
ب. التفكّر في الحال التي هو عليها، والذنوب التي اقترَفَها
إحصاء الذنوب ليس عَدّها، بل إنّ المقصود أنْ يَعرِف الإنسان -أوّلًا- سوءَ الحال التي هُوَ عليها، تمامًا كما يَحصُل لِمَن قَضى لَيْلَه سكرانَ؛ فإنّه بعد إفاقته مِن سُكْرِه، سَيَرى ما فَعَله بِنَفْسه وبِمَن وما حَوله، وبالتالي، فإنّ النتيجة المَرْجُوّة مِن التفكُّر ستكون انْكِشاف سوءِ حالِه وقُبْح واقعه؛ «فَرَأى كَبيرَ عِصيانه كبيرًا، وجَليل مُخالَفَتِه جَليلًا».
3. اللجوء إلى الله -تعالى-
فَبَعد اليَقَظة وانْكِشافِ الواقع المُزري، لا بُدّ مِن البحث تِلقائيًّا عن المَأمَن مِن العواقب، والمُعين على الخلاص، والمُساعد في الإصلاح. ولأنّه -بالتفكُّر- يَعرف أنَ جُرْحَه وخَطَأَه مُخالفةٌ لله، ومُجانبةٌ لِشَرْعِه، وخُروجٌ عن طاعته، ولأنّه الله الواحد الأحد الذي كَتَب على نفسه الرحمة، فلا بُدّ مِن اللُجوء إليه؛ «فأقْبَلَ نَحوَك». لكنْ لَمّا كان على هذه الحال المبغوضة لله -تعالى-، فإنّ هذا اللجوء لا بُدّ مِن أن يكون مصحوبًا بِجُملةٍ مِن الأمور والآداب، مِنها:
أ. الحياء؛ «مُستَحْيِيًا مِنك»، وهو أَحَد موانع الذنوب، فاستِحْضارُه هُنا استِجلابًا لِعَطفِه -تعالى-.
ب. الرغبة والثقة به -تعالى-؛ «ووَجَّهَ رغبته إليك، ثِقةً بك».
ج. الخوف والرجاء؛ «فأَمَّكَ بِطَمَعه يقينًا، وقَصَدك بِخَوفه إخلاصًا».
196
183
الموعظة الثلاثون: مِن آداب التَوْبة
وفي هذا إشارة إلى توحيده -تعالى- في الخوف والرجاء. وعلى هذا النوع مِن التوحيد أكّد بِقوله (عليه السلام): «قد خَلا طَمَعه مِن كلّ مَطموع فيه غيرك، وأفرَخَ رَوْعه مِن كلِّ مَحذور مِنه سِواك».
4. الدعاء
يُشير إليه قوله (عليه السلام): «فَمَثَل بَيْن يَدَيْكَ مُتضرّعًا». ولِدعاء طالبِ التوبة مِن الله آدابٌ، مِنها:
أ. أن يَعكِس الداعي بِظاهر جَسَده حالةَ الحَياء والمَذلّة؛ لأنّه يتوجّه مِن ذُلِّ مَسكنته -كَمُذْنبٍ- إلى رحمة الباري، فلا بُدّ مِن أن يكون على هَيْئةٍ يَستعطِفه فيها؛ «وغَمَّض بَصَرَه إلى الأرض مُتخشّعًا، وطَأْطَأَ رأسَه لِعِزّتِك مُتذلِّلًا».
ب. تضمين الدعاء جُملةً مِن الأمور:
– الإفصاح عن الذنوب وتَعدادها سرًّا وعلانيةً؛ ورَدَ في الدعاء: «وأبثّك مِن سِرّه ما أنت أَعلم بِه منه خضوعًا، وعدّد مِن ذنوبه ما أنت أَحصى لها خُشوعًا»، تمامًا كالمريض الذي يَصِفُ لِطَبيبه المُداوي عِلَلَه وعوارضها، لِيَترفَّقَ به، ويتَحنّن عليه بالمداواة وتخفيف الآلام، بل إزالتها.
– الاستقامة، فَعلى الداعي ألّا يكتفي بِتَعداد الذنوب، بل إنّ عليه أنْ يَطلب الغَوث، مُسترحِمًا ومُستعطِفًا مَن بِيَدِه الإنجاء مِن التَبِعات والعواقب، وفي ذلك قوله (عليه السلام): «واستَغاث بك مِن عَظيم ما وَقَع به في عِلمِك، وقبيح ما فَضَحَه في حُكْمك، مِن ذنوبٍ أدبَرَتْ لَذّاتها فَذَهَبَتْ، وأقامَتْ تَبِعاتها فَلَزِمَت».
197
184
الموعظة الثلاثون: مِن آداب التَوْبة
– اليقين بِإجابته -تعالى- بَعد عَدم استِعْظام عَدْله إنْ عاقَب، ورَحْمَتِه إنْ عَفا؛ لأنّ مِن صِفاته الكريم؛ «لأنّك الربّ الكريم الذي لا يتعاظمه غُفران الذنْب العظيم».
له الفضْل في التوبة والتوفيق إليها
هذا نَزَرٌ يسير مِن آداب التوبة ومُقدّماتها التي لَفَتَ إليها دعاء التوبة للإمام زين العابدين (عليه السلام)، وقد بَقِيَتْ مَضامين كثيرة، مِنها إسناد الفضْل إليه في اللجوء إلى التوبة، والذي يُشير إليه قوله (عليه السلام): «فها أنا ذا قد جِئْتُك مُطيعًا لِأَمْرك في ما أمَرْتَ به مِن الدعاء، مُتنجّزًا وعْدَك في ما وَعَدْتَ به مِن الإجابة، إذ تقول: ﴿ٱدعُونِي أَستَجِب لَكُم﴾[1]».
ولا بُدّ مِن تأكيد العَزم على التوبة، وهذا ما لَفَتَ إليه (عليه السلام) بِقوله: «اللهمّ إنّي أتوب إليك… تَوبةَ مَن لا يُحدِّث نفْسه بِمعصية، ولا يُضمِرُ أن يعود في خطيئة…».
[1] سورة غافر، الآية 60.
198
185
الموعظة الحادية والثلاثون: قَسْوةُ القُلوب
الموعظة الحادية والثلاثون: قَسْوةُ القُلوب
بيان خُطورة قَسْوة القلب وأسبابها وطُرق علاجها.
محاور الموعظة
مُحرّم، ومَطرُ الرحمة لِلقلوب
معنى قسوة القلوب
أسباب قسوة القلوب
علاج قسوة القلب
تصدير الموعظة
وَرَد في الحديث القُدسيّ: «يا موسى، لا تُطَوِّل في الدنيا أَمَلك فَيَقسو قلبُك، والقاسي القلب مِنّي بعيد»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص329.
199
186
الموعظة الحادية والثلاثون: قَسْوةُ القُلوب
الموعظة الحادية والثلاثون: قَسْوةُ القُلوب
بيان خُطورة قَسْوة القلب وأسبابها وطُرق علاجها.
محاور الموعظة
مُحرّم، ومَطرُ الرحمة لِلقلوب
معنى قسوة القلوب
أسباب قسوة القلوب
علاج قسوة القلب
تصدير الموعظة
وَرَد في الحديث القُدسيّ: «يا موسى، لا تُطَوِّل في الدنيا أَمَلك فَيَقسو قلبُك، والقاسي القلب مِنّي بعيد»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص329.
199
187
الموعظة الحادية والثلاثون: قَسْوةُ القُلوب
مُحرّم، ومَطرُ الرحمة لِلقلوب
إنّ الله -تعالى- قد أَوْدَعَ في الإنسان جَوهرةً جَعَلَها بيته الحقيقيّ؛ «لا يَسَعني أرضي ولا سمائي، ولكن يَسَعني قلب عَبدي المؤمن»[1]، وأَمَرَنا بِعمارة هذا البيت، وتطهيره مِن رِجْس الشيطان، لِيَكون لائقًا بِصاحبه وسَيِّده؛ عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «ألا وإنّ لله أواني في أرضه، وهي القلوب. وأَحَبّ الأواني إلى الله أَصفاها وأصلَبها وأرَقّها…»[2].
وثمّة صِفات أرشَدَنا إليها دليلُ الخير النبيُّ (صلى الله عليه وآله)، لِيَكون القلب مَحبوبًا لله، وهي: الصافية مِن الذنوب، والصَلبة في الدين، والرقيقة على الإخوان.
فالرِقّة -وهي مُقابل الغِلظة والقَسوة- تَجعل القلب مَحلّ عناية خالقِه، لِصَيرورته بِها مَحبوبًا عنده -تعالى-؛ عن باقر العلوم (عليه السلام): «إنّ لله عقوبات في القلوب والأبدان: ضَنْك في المعيشة، وَوَهن في العبادة، وما ضُرِبَ عبدٌ بِعُقوبةٍ أعظم مِن قَسوةِ القلب»[3]. ولأنّ الله لطيف بِعباده، ومِن موقع رُبوبيّته للنُفوس والقلوب، مُتدارِكًا ما يوجب قسوَتَها والمعبّر عنه بطول الأمد: ﴿فَطَالَ عَلَيهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَت قُلُوبُهُم﴾[4]؛ إذ إنّ انقطاع القلوب عن مصدر الرحمة يُؤدّي إلى قَسوتها وجفافها، تلطف بحسن التدبير، وجَعَلَ مواسم لِمَطر الرحمة الإلهيّة
[1] ابن أبي جمهور الإحسائيّ، عوالي اللئاليّ، ج4، ص7.
[2] الفيض الكاشانيّ، المحجّة البيضاء، ج3، ص322.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص176.
[4] سورة الحديد، الآية 16.
200
188
الموعظة الحادية والثلاثون: قَسْوةُ القُلوب
ينزلها على القلوب لتلين وتهتزّ وتنبت وتزهر وتثمر. ومُحرّم -كما أشهر النور- موسم ينبغي اغتنامه في التعرّض لِهذه الرحمة والنِعمة الإلهيّة العُظمى.
معنى قسوة القلوب
قبل الحديث عن أسباب قَسوة القلوب لا بُدّ مِن القول إنّ معنى كَوْن قلب الإنسان قاسيًا هو كَوْنه صلبًا لا يتفاعل مع ما يوجب الرقّة واللين، فلا يخشع بين يَدَي الله -تعالى-، ولا يَعطف على أصحاب الآلام، ولا يَحِنّ على الفقراء، ولا يرأف بِأحوال الضُعَفاء، ولا يَرِقّ لِمُصاب ذوي المصائب؛ فالقاسي مِن القلوب هو ما لا يخشع لِحَقٍّ ولا يتأثّر بِرحمة، ومِن أبرز ذلك -ونحن في عاشوراء الحسين (عليه السلام)- عدم تفاعُله وتأثّره بِمصائب أهل بيت النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله).
ولنا أن نُعبِّر بطريقة أخرى؛ فالقلب كالأرض، كلّما قلّ الماء فيها وجَفّ، ولم تَتَلَقَّ مَطر السماء، صَلبَتْ وقَسَتْ. والماء الذي يُليِّن القلوب، ويجعلها قابلةً للإنبات والصلاح لِلزرع، هو الرحمة. فالقلب القاسي هو القلب الذي جَفَّتْ فيه ونَضبَتْ ينابيع الرحمة، ولمْ يَتَلَقَّ مَطر الرحمة النازل مِن الله -تعالى- في مواسم الرحمة ومجالسها ومواطنها -ومنها مجالس عاشوراء-؛ وَرَد في الحديث القدسيّ: «القاسي القلب مِنّي بعيد»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص329.
201
189
الموعظة الحادية والثلاثون: قَسْوةُ القُلوب
أسباب قسوة القلوب
ثمّة أسباب كثيرة لِقَسوة القلب، وقد ذُكِرَت في القرآن الكريم وأحاديث النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، ومِنها:
1. تَرْك العبادة
إنّ مُراودة العبادة مراودةٌ لِباب الرحمن الرحيم، ومِن جُملة آثارها أن يُكسى الإنسان مِن حلَل الله -تعالى-. فالعبادة بابٌ لِتَلَقّي العناية الإلهيّة. وكما أنّ زائر العطّار يعود مِن عنده برائحة عَطِرة يَجِدها هو ومَن يمرّ به، فإنّ المُقبِل على الله بِالعبادة كذلك، لا بُدّ مِن أن يعود مِن عنده -وهو الرحمن الرحيم- بِشيء مِن الرحمة.
مُضافًا إلى أنّ مِن آثار العبادة التواضع؛ لأنّها تَذَلُّلٌ بين يَدَي الله -تعالى-، والتذلّل يُفضي إلى إيقاظ الرحمة في القلب. وفي أثر تَرْك العبادة على القلب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «تَرْك العبادة يُقسّي القلب، وتَرْك الذِكر يُميت النفْس»[1].
2. طول الأمل ونسيان الآخرة
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن يأمل أن يعيش غَدًا فإنّه يأمل أن يعيش أبدًا، ومَن يأمل أن يعيش أبدًا يَقسو قلبه، ويَرغب في الدنيا، ويزهد في الذي وَعَدَه ربّه -تبارك وتعالى-»[2].
[1] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2612.
[2] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ص156.
202
190
الموعظة الحادية والثلاثون: قَسْوةُ القُلوب
ويمكن أن يستفاد، مُضافًا إلى طول الأمل، أنّ نسيان الإنسان الموتَ والقبرَ والآخرةَ مِن موجبات قَسوة القلب.
3. كَثرة الذنوب
عن الإمام عليّ (عليه السلام): «ما جَفَّت الدموع إلّا لِقَسوة القلوب، وما قَسَت القلوب إلّا لِكَثرة الذنوب»[1].
وآثار الذنوب التي ذُكِرَت بِأنّها تَترك على صفحة القلب آثارًا سَمّاها القرآن الرَيْن؛ ﴿كَلَّا بَل رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكسِبُونَ﴾[2]. فإذا تَراكَم الرَيْن نتيجة الإكثار مِن الذنوب وعَدَم مُعالجته بالتوبة والاستغفار، أدّى إلى قَسوة القلوب. ومِن أهمّ ما يؤدّي إلى قَسوة القلب مِن الذنوب استماع الغناء والموسيقى المحرّمة.
4. الثرثرة وكثرة الكلام بِغير ذِكر الله
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تُكثِروا الكلام بِغير ذِكر الله، فإنّ كثرة الكلام بِغير ذِكر الله قَسوة القلب. إنّ أبعد النّاس مِن الله القلب القاسي»[3].
فقد ذَكَرت بعض الروايات خريطةً عجيبة تُؤدّي إلى الهلاك الأبديّ، وأوّلها كَثرة الكلام. فإنّها توصل إلى محطّة الهاوية في الطريق بِكَثرة الخطأ، التي -بِدَورها- توصل إلى قَسوة القلب، وقسوة القلب تُؤدّي
[1] الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج16، ص25.
[2] سورة المطفّفين، الآية 14.
[3] الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج8، ص536.
203
191
الموعظة الحادية والثلاثون: قَسْوةُ القُلوب
ويمكن أن يستفاد، مُضافًا إلى طول الأمل، أنّ نسيان الإنسان الموتَ والقبرَ والآخرةَ مِن موجبات قَسوة القلب.
3. كَثرة الذنوب
عن الإمام عليّ (عليه السلام): «ما جَفَّت الدموع إلّا لِقَسوة القلوب، وما قَسَت القلوب إلّا لِكَثرة الذنوب»[1].
وآثار الذنوب التي ذُكِرَت بِأنّها تَترك على صفحة القلب آثارًا سَمّاها القرآن الرَيْن؛ ﴿كَلَّا بَل رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكسِبُونَ﴾[2]. فإذا تَراكَم الرَيْن نتيجة الإكثار مِن الذنوب وعَدَم مُعالجته بالتوبة والاستغفار، أدّى إلى قَسوة القلوب. ومِن أهمّ ما يؤدّي إلى قَسوة القلب مِن الذنوب استماع الغناء والموسيقى المحرّمة.
4. الثرثرة وكثرة الكلام بِغير ذِكر الله
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تُكثِروا الكلام بِغير ذِكر الله، فإنّ كثرة الكلام بِغير ذِكر الله قَسوة القلب. إنّ أبعد النّاس مِن الله القلب القاسي»[3].
فقد ذَكَرت بعض الروايات خريطةً عجيبة تُؤدّي إلى الهلاك الأبديّ، وأوّلها كَثرة الكلام. فإنّها توصل إلى محطّة الهاوية في الطريق بِكَثرة الخطأ، التي -بِدَورها- توصل إلى قَسوة القلب، وقسوة القلب تُؤدّي
[1] الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج16، ص25.
[2] سورة المطفّفين، الآية 14.
[3] الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج8، ص536.
203
191
الموعظة الحادية والثلاثون: قَسْوةُ القُلوب
إلى الهلاك الأعظم، وهو مَوت القلب؛ لأنّ الثرثار يَصِل إلى درجة اللامبالاة بما يقول وما يمكن أن يؤدّي إليه قوله، فلا يعبأ بِعرضٍ ولا بِكلام. ومِن حصائد إبليس -في هذا الزمن- ومصاديق الثرثرة ما يحصل على وسائل الاتّصال الحديثة. فَحَذار ثمّ حَذار!
5. أكْل المال الحرام
إنّ لِأَكْل المال الحرام آثارًا خطيرة جدًّا في الدنيا والآخرة، فيكون هذا المال نفسه النار التي محلّها بطن الإنسان. وقد قال -تعالى- عن أكْلِ مال اليتامى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأكُلُونَ أَموَٰلَ ٱليَتَٰمَىٰ ظُلمًا إِنَّمَا يَأكُلُونَ فِي بُطُونِهِم نَارٗا وَسَيَصلَونَ سَعِيرٗا﴾[1].
ومِن مصاديق المال الحرام في زماننا ما يُؤكل بالرِبا والتجارة المحرّمة والاحتيال والتجارة بالمحرّمات.
أمّا في الدنيا، فإنّ أكل المال الحرام كان سببًا لِقَسوة قلوب جُنود ابن زياد وابن سعد، إلى درجة أنّهم ارتكبوا أفظع ما ارتُكب مِن جرائم في تاريخ البشريّة. ولِشِدّة قَسوة هذه القلوب، لم تتأثّر بِخطابات وليّ الله المعصوم الإمام الحسين (عليه السلام) حين قال لهم: «كلّكم عاصٍ لِأمري، غير مُستَمِع قولي، فقد مُلِئَتْ بُطونكم مِن الحرام، وطُبِع على قلوبكم. وَيْلكم! ألا تُنصِتون؟ ألا تَسمعون؟»[2].
[1] سورة النساء، الآية 10.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج54، ص8.
204
192
الموعظة الحادية والثلاثون: قَسْوةُ القُلوب
علاج قسوة القلب
ذَكَرت الروايات مجموعة مِن علاجات قسوة القلب، مِنها:
1. ذِكر الله في الخَلَوات
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «تَعَرَّضْ لِرِقّة القلب بِكَثرة الذِكر في الخَلَوات»[1].
2. التفكُّر والبكاء مِن خشية الله
عن الرسول (صلى الله عليه وآله): «عَوِّدوا قلوبكم الرِقّة، وأكثِروا مِن التفكُّر والبكاء مِن خشية الله»[2].
3. الرِقّة الإنسانيّة
عن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) -لَمّا شكا إليه رجل قَساوة قلبه-: «إذا أردْتَ أن يَلين قلبك، فَأَطْعِم المسكين، وامسَحْ رأس اليتيم»[3].
الْجَأ إلى طبيب القلوب
وَرَد في دعاء الجوشن الكبير: «يا مُقلِّب القلوب، يا طبيب القلوب، يا مُنوِّر القلوب، يا أنيس القلوب…»[4].
فالله هو طبيب القلوب، وعليك أن تَلجأ إلى طبيبك الذي بِيَدِه طِبُّك وشفاؤك، ومِن ثمّ عليك أن تشكو إليه آلامك -كما علَّمَنا الإمام
[1] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2615.
[2] المصدر نفسه.
[3] المصدر نفسه.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج91، ص385.
205
193
الموعظة الحادية والثلاثون: قَسْوةُ القُلوب
السجّاد (عليه السلام) في مناجاة الشاكين: «إلهي، إليك أشكو قلبًا قاسيًا، مع الوسواس مُتقلّبًا، وبالرَيْن والطَبْع مُتلبّسًا، وعينًا عن البكاء مِن خوفك جامدة، وإلى ما يَسرّها طامحة»[1].
ووَرد في مناجاة التائبين: «إلهي، ألبَسَتْني الخطايا ثوبَ مَذلّتي، وجَلّلني التباعُد مِنك لباسَ مسكنتي، وأماتَ قلبي عظيمُ جِنايتي، فأَحْيِه بِتوبة مِنك يا أملي وبُغيتي، ويا سُؤلي ومُنيتي. فوَعِزّتك، لا أجِدُ لِذنوبي سِواك غافرًا، ولا أرى لِكَسري غيرك جابرًا…»[2].
[1] الإمام زين العابدين(عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة (تحقيق الأبطحي)، مناجاة الشاكين، ص403.
[2] المصدر نفسه، مناجاة التائبين، ص401.
206
194
الموعظة الثانية والثلاثون: محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين
الموعظة الثانية والثلاثون: محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين
تعرُّف عظمةِ نبيّ الإسلام محمّد (صلى الله عليه وآله)، وقبسٍ من سلوكه الشخصيّ؛ للاقتداء به.
محاور الموعظة
ولادته وتسميته (صلى الله عليه وآله)
طهارة النسب
الله -تعالى- يصف النبيَّ محمّدًا ونبوّتَه (صلى الله عليه وآله)
قبسٌ من سلوكه وصفاته الشخصيّة
تصدير الموعظة
الإمام الصادق (عليه السلام): «لَمَّا عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله)، انْتَهَى بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى مَكَانٍ، فَخَلَّى عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا جَبْرَئِيلُ، تُخَلِّينِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ؟! فَقَالَ: امْضِهْ، فَوَاللَّهِ، لَقَدْ وَطِئْتَ مَكَانًا مَا وَطِئَهُ بَشَرٌ، وَمَا مَشَى فِيهِ بَشَرٌ قَبْلَك»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص442.
207
195
الموعظة الثانية والثلاثون: محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين
ولادته وتسميته (صلى الله عليه وآله)
تتحدّث جملة من المصادر التاريخيّة والحديثيّة عن وقوع حوادث عجيبة يوم ولادته (صلى الله عليه وآله)، مثل: انطفاء نار فارس، وزلزال أصاب الناس حتّى تهدّمت الكنائس والبيَع، وزال كلُّ شيء يُعبَد من دون الله -عزَّ وجلّ- عن موضعه، وتساقُط الأصنام المنصوبة في الكعبة على وجوهها، حتّى عُمِّيَت على السحَرَة والكهّان أُمورُهم، وطلوع نجوم لم تُرَ من قبل هذا. وقد وُلِد (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: «اللهُ أَكْبَرُ، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا»[1]. وأمّا عن يوم ميلاده (صلى الله عليه وآله)، فقد حدّده أهل بيته (عليهم السلام) -وهم أدرى بما في البيت- فقالوا: «هو يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأوّل، بعد طلوع الفجر، كما هو المشهور بين الإماميّة، وعند غيرهم أنّه وُلِد في يوم الاثنين الثاني عشر من الشهر نفسه».
واشتهر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بـاسمين: «محمّد» و«أحمد»، وقد ذكرهما القرآن الكريم، وروى المؤرّخون أنّ جدّه عبد المطلب قد سمّاه محمّدًا، وأجاب مَن سأله عن سبب التسمية قائلًا: «أردْتُ أنْ يُحْمَدَ فِي السمَاءِ وَالأرضِ»[2]. كما أنّ أُمّه آمنة سمّته قبل جدّه بـ: أحمد. وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنِي وَعَلِيًّا مِنْ نُورٍ وَاحِدٍ، وَشَقَّ لَنَا اسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَائِهِ؛ فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَأَنَا مُحَمَّدٌ، وَاللَّهُ الْأَعْلَى وَهَذَا عَلِيٌّ»[3].
[1] اليعقوبيّ، تاريخ اليعقوبيّ، ج2، ص8.
[2] الحلبيّ، السيرة الحلبيّة، ج1، ص128.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج16، ص97.
208
196
الموعظة الثانية والثلاثون: محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين
طهارة النسب
قال الطبرسيّ في تفسير قوله -تعالى-: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّٰجِدِينَ﴾[1]: ومعناه: وتقلبّك في أصلاب الموحّدين من نبيٍّ إلى نبيٍّ، حتّى أَخرَجَك نبيًّا… وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، قالا: «في أصلاب النبيّين، نبيٍّ بعد نبيٍّ، حتّى أَخرجَه من صلب أبيه، من نكاحٍ غير سفاح من لدن آدم (عليه السلام)»[2].
الله -تعالى- يصف النبيَّ محمّدًا ونبوّتَه (صلى الله عليه وآله)
يمكن الإشارة إلى بعض ما ورد في القرآن الكريم حول شخصيّة رسول الله، وعظمة نبوّته ورسالته، وموقع النبيّ محمّد في السماء والأرض:
هدف بعثتِه ورسالتِه
الرحمة بالبشر، والتزكية والتربية لهم، قال -تعالى-: ﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّنَ رَسُولٗا مِّنهُم يَتلُواْ عَلَيهِم ءَايَٰتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلكِتَٰبَ وَٱلحِكمَةَ﴾[3]، وقال -تعالى-: ﴿وَمَا أَرسَلنَٰكَ إِلَّا رَحمَةٗ لِّلعَٰلَمِينَ﴾[4].
الأسوة الحسنة وصاحب الخُلُق العظيم
قال الله -تعالى-: ﴿لَّقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٞ﴾[5]، ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾[6].
[1] سورة الشعراء، الآية 219.
[2] الشيخ الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج19، ص189.
[3] سورة الجمعة، الآية 2.
[4] سورة الأنبياء، الآية 107.
[5] سورة الأحزاب، الآية 21.
[6] سورة القلم، الآية 4.
209
197
الموعظة الثانية والثلاثون: محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين
سيّد الرسل وأعظمهم وخاتمهم
قال -تعالى-: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُم وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّۧنَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٗا﴾[1]، وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعليٍّ (عليه السلام): «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»[2].
تخصيصه بالإسراء والمعراج
﴿سُبحَٰنَ ٱلَّذِي أَسرَىٰ بِعَبدِهِۦ لَيلٗا مِّنَ ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ إِلَى ٱلمَسجِدِ ٱلأَقصَا﴾[3].
الأمر الإلهيّ بوجوب طاعته واحترامه
قال -تعالى-: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفشَلُواْ وَتَذهَبَ رِيحُكُم﴾[4].
بشارات الأنبياء برسالة محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)
لقد نصّ القرآن الكريم على بشارة إبراهيم الخليل (عليه السلام) برسالة خاتم النبيّين (صلى الله عليه وآله)، بأسلوب الدعاء، قائلًا -بعد الكلام عن بيت الله الحرام في مكّة المكرّمة، ورفع القواعد من البيت، والدعاء بقبول عمله وعمل إسماعيل (عليه السلام): ﴿رَبَّنَا وَٱبعَث فِيهِم رَسُولٗا مِّنهُم يَتلُواْ عَلَيهِم ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلكِتَٰبَ وَٱلحِكمَةَ وَيُزَكِّيهِم إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ﴾[5].
[1] سورة الأحزاب، الآية 40.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص107.
[3] سورة الإسراء، الآية 1.
[4] سورة الأنفال، الآية 46.
[5] سورة البقرة، الآية 129.
210
198
الموعظة الثانية والثلاثون: محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين
وصرّح القرآن الكريم بأنّ البشارة بنبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) الأمّيّ كانت موجودة في العهدَين القديم (التوراة) والجديد (الإنجيل)، قال -تعالى-: ﴿ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوبًا عِندَهُم فِي ٱلتَّورَىٰةِ وَٱلإِنجِيلِ يَأمُرُهُم بِٱلمَعرُوفِ وَيَنهَىٰهُم عَنِ ٱلمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ ٱلخَبَٰئِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَٱلأَغلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَت عَلَيهِم﴾[1].
وقد بشّر به الإنجيل على لسان عيسى (عليه السلام) -كما أخبر القرآن الكريم بذلك، وصدّقه علماء أهل الكتاب- وقد حكاه قوله -تعالى-: ﴿وَمُبَشِّرَا بِرَسُولٖ يَأتِي مِن بَعدِي ٱسمُهُ أَحمَدُ﴾[2]. ولا مانع من أن يُعرَف الشخص باسمَين ولقبَين وكنيتَين في عُرفِ الجزيرة العربيّة وغيرها.
قبسٌ من سلوكه وصفاته الشخصيّة
محمّد (صلى الله عليه وآله) العبد الذي يخاف ربّه
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُومُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿طه ١ مَا أَنزَلنَا عَلَيكَ ٱلقُرءَانَ لِتَشقَىٰ﴾[3]»[4].
[1] سورة الأعراف، الآية 157.
[2] سورة الصف، الآية 6.
[3] سورة طه، الآيات 1 – 2.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص95.
211
199
الموعظة الثانية والثلاثون: محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين
وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «مَا كَانَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) مِنْ أَنْ يَظَلَّ جَائِعًا خَائِفًا فِي اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-»[1]. وقد تجلَّت عبوديّتُه في قولِه وسلوكِه، حتّى قال: «قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»[2].
وكان ينتظر وقت الصلاة، ويشتدُّ شوقُه للوقوف بين يدَي الله -تعالى-.
وكان كثير الدعاء، حتّى قال: «الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ»[3]. وعن أبي جعفر (عليه السلام): «كَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) عِنْدَ عَائِشَة لَيْلَتَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تُتْعِبْ نَفْسَكَ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَة، أَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟»[4].
وفي الخبر عنه (عليه السلام): «وَلَقَدْ قُبِضَ (صلى الله عليه وآله) وَإِنَّ دِرْعَهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ بِعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، اِسْتَلَفَهَا [اسْتَسْلَفَهَا] نَفَقَةً لِأَهْلِه»[5].
جلوسُه وأكلُه
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَأْكُلُ أَكْلَ الْعَبْدِ، وَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدٌ»[6].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص129.
[2] المصدر نفسه، ج5، ص321.
[3] الرواندي، الدعوات (سلوة الحزين)، ص18.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص95.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج16، ص219.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج6، ص271.
212
200
2025-11-05