الرئيسية / مستحبات الايام ولياليها / إقبال الأعمال – السيد ابن طاووس

إقبال الأعمال – السيد ابن طاووس

الباب الأول فيما نذكره من فوائد شهر رمضان وفيه فصول:

فصل (1) في تعظيم شهر رمضان

 [من الروايات (1) في تعظيم شهر رمضان ما رواه شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في أماليه، قال:
حدثنا أبو الطيب الحسين بن محمد التمار، قال: حدثنا جعفر بن أحمد الشاهد، قال:
حدثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أبي مسلم، قال: حدثنا أحمد بن خليس الرازي، قال:
حدثنا القاسم بن الحكم العرني، قال: حدثنا هشام بن الوليد، عن حماد بن سليمان السدوسي، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد السيرافي، قال: حدثنا الضحاك بن مزاحم، عن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول:


1 – لم يوجد في النسخ الموجودة من الاقبال خطبة المؤلف في أوله – كما هي دأبه في تصانيفه – وكما لم يوجد في النسخ ما ذكرناه في العنوان من الباب الأول والفصل الأول، وأيضا سقط من النسخ هذا الحديث، والموجود منه آخر الحديث، (الملائكة وتستبشر وتهنئ – الخ)، وبما ان هذا الحديث هو ما ذكره المؤلف ذكرناه في المتن، وحفظا لكلام المؤلف جعلناه في المعقوفتين.

(٢٣)

إن الجنة لتنجد (1) وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كان أول ليلة منه هبت ريح من تحت العرش يقال لها: المثيرة، تصفق ورق أشجار الجنان وحلق المصاريع (2)، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه، وتبرزن (3) الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة، فينادين: هل من خاطب إلى الله عز وجل فيزوجه؟ ثم يقلن: يا رضوان ما هذه الليلة؟ فيجيبهن بالتلبية، ثم يقول: يا خيرات حسان! هذه أول ليلة من شهر رمضان، قد فتحت أبواب الجنان للصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وآله.

قال: ويقول له عز وجل: يا رضوان! إفتح أبواب الجنان، يا مالك! أغلق أبواب الجحيم عن الصائمين من أمة محمد، يا جبرائيل! أهبط إلى الأرض فصفد مردة الشياطين، وعلقهم بأغلال، ثم اقذف بهم في لجج البحار حتى لا يفسدوا على أمة حبيبي صيامهم.

قال: ويقول الله تبارك وتعالى في كل ليلة من شهر رمضان ثلاث مرات: هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ من يقرض الملئ (4) غير المعدم والوفي غير الظالم؟

قال: وان لله تعالى في آخر كل يوم من شهر رمضان عن الافطار ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة، أعتق في كل ساعة منهما ألف ألف عتيق من النار، وكلهم قد استوجبوا العذاب، فإذا كان في آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما أعتق من أول الشهر إلى آخره.

فإذا كانت ليلة القدر أمر الله عز وجل جبرئيل عليه السلام، فهبط في كتيبة من الملائكة إلى الأرض، ومعه لواء أخضر، فيركز اللواء على ظهر الكعبة، وله ستمأة جناح، منها جناحان لا ينشرهما إلا في ليلة القدر، فينشرهما تلك الليلة، فيتجاوزان المشرق والمغرب، ويبث جبرئيل الملائكة في هذه الليلة، فيسلمون على كل قائم وقاعد، ومصل


1 – نجد البيت: زينه، تنجد الشئ: ارتفع.
2 – المصاريع جمع مصراع، والمراد مصراع الباب.
3 – كذا في النسخ، والقياس: تبرز.
4 – الملئ: الغني والمقتدر، يعني من يقرض الغني الوفي الذي لا يظلم الناس مثقال ذرة الأرض ولا في السماء.

(٢٤)

وذاكر، ويصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر.
فإذا طلع الفجر نادى جبرئيل عليه السلام: يا معشر الملائكة! الرحيل الرحيل، فيقولون: يا جبرائيل! فماذا صنع الله تعالى في حوائج المؤمنين من أمة محمد؟ فيقول: ان الله تعالى نظر إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهم إلا أربعة.

قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وهؤلاء الأربعة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والقاطع الرحم، والمشاحن (1).

فإذا كانت ليلة الفطر، وهي تسمى ليلة الجوائز، أعطى الله العاملين أجرهم بغير حساب، فإذا كانت غداة يوم الفطر بعث الله الملائكة في كل البلاد، فيهبطون إلى الأرض ويقفون على أفواه السكك، فيقولون: يا أمة محمد أخرجوا إلى رب كريم، يعطي الجزيل ويغفر العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم قال الله عز وجل للملائكة: ملائكتي!

ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قال: فتقول الملائكة: الهنا وسيدنا جزاؤه أن توفي أجره.
قال: فيقول الله عز وجل: فاني أشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم عن صيامهم شهر رمضان وقيامهم فيه رضاي ومغفرتي، ويقول: يا عبادي! سلوني فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم في جمعكم لآخرتكم ودنياكم إلا أعطيتكم، وعزتي لأسترن عليكم عوراتكم ما راقبتموني، وعزتي لآجرتكم (2) ولا أفضحكم بين يدي أصحاب الخلود، انصرفوا مغفورا لكم، قد أرضيتموني ورضيت عنكم.

قال: فتفرح] (3) الملائكة وتستبشر ويهنئ بعضها بعضا بما يعطي الله هذه الأمة إذا أفطروا (4).
ومن ذلك ما رواه محمد بن أبي القاسم الطبري في كتاب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى باسناده إلى الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن


١ – المشاحن: المباغض الممتلئ عداوة.
٢ – أجاره الله من العذاب: أنقذه.
٣ – الموجود من الحديث في النسخ من هنا إلى آخر الحديث.
٤ – رواه المفيد في أماليه: ٢٢٩، عنه المستدرك ٧: ٤٢٩، أورده الصدوق بسند آخر في فضائل الأشهر الثلاثة: ١٢٥ مع اختلاف، عنه البحار 96: 339.

(٢٥)

الحسين، عن أبيه السيد الشهيد الحسين بن علي، عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خطبنا ذات يوم فقال:

أيها الناس! انه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، وهو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة، ان يوفقكم الله لصيامه وتلاوة كتابه، فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.

اذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه ابصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات، ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده، ويجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه.

أيها الناس! ان أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخففوا عنها (1) بطول سجودكم، واعلموا ان الله عز وجل ذكره أقسم بعزته ان لا يعذب المصلين والساجدين، ان لا يروعهم بالنار، يوم يقوم الناس لرب العالمين.

أيها الناس! من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه، فقيل: يا رسول الله وليس كلنا نقدر على ذلك؟ فقال عليه السلام: اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء.

أيها الناس! من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفف منكم في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيما أكرمه .


1 – فخففوها (خ ل).

(٢٦)

الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، من أكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل اجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.

أيها الناس! ان أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم ان لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا ربكم ان لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم الا يسلطها عليكم.

قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: فقمت وقلت: يا رسول الله! ما أفضل في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن! أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل، ثم بكى، فقلت: يا رسول الله! ما يبكيك؟ فقال: يا علي! لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعثت أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فيضربك ضربة على قرنك (1) تخضب منها (2) لحيتك.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله! وذلك في سلامة من ديني؟ فقال عليه السلام: في سلامة من دينك، ثم قال:

يا علي! من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبك فقد سبني، لأنك مني كنفسي، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، ان الله عز وجل خلقني وإياك، واصطفاني وإياك، اختاروني للنبوة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي.

يا علي أنت وصيي وأبو ولدي وزوج ابنتي وخليفتي على أمتي في حياتك وبعد موتي، امرك أمري ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية انك حجة الله على خلقه وأمينه على سره وخليفته في عباده (3).


١ – القرن: الزيادة العظيمة التي تنبت في رؤوس بعض الحيوانات، وفي الانسان موضعه من رأسه.
٢ – بها (خ ل).
٣ – بشارة المصطفى:…، رواه الصدوق في أماليه: ٨٤، فضائل الأشهر الثلاثة: ٧٧، عيون الأخبار 1: 295، عنهم

(٢٧)

شاهد أيضاً

المكتب السياسي لانصار الله: اليمن مستمر في معركة الاسناد لغزة حتى وقف العدوان ورفع الحصار

وأفادت وكالة مهر للأنباء، ان المكتب السياسي لحركة “أنصار الله” توجه بمناسبة حلول الذكرى الثانية لمعركة ...