واقع التجزئة – الشيخ حسن الصفار
كل ذلك الزخم الوحدوي، الذي يختزنه وجدان الأمة، وضميرها وتاريخها، يصطدم ويتناقض مع واقع التجزئة الأليم الذي تعيشه الأمة، ولعل ضغط واقع التجزئة، هو من أهم دوافع التطلع للوحدة عند جماهير الأمة. فكما يضغط المرض على صاحبه لكي يبحث عن العلاج، ويضطر الداء المبتلى به للتفتيش عن الدواء، كذلك فإن مآسي التجزئة، وآلام الصراعات والخلافات، تستثير مشاعر الغيورين من أبناء الأمة، وتستنهض هممهم للبحث عن آفاق الوحدة، واستكشاف سبل تحقيقها.
لقد عانت الأمة الأمريّن، وذاقت الوبال، وفقدت عزتها وقوتها، من جراء حالة التفكك والتجزئة، وما أنتجته من حروب وصراعات ونزاعات، وخاصة في هذه العصور الأخيرة.
وقد تمظهرت التجزئة وتجسدت حالة التفكك والتشرذم، عبر عناويين ومبررات وواجهات عديدة، سياسية وقومية وطائفية وحزبية وقبلية وفكرية وغيرها.
التجزئة السياسية
كانت الأمة الإسلامية تعيش ضمن كيان سياسي واحد، على سعة الرقعة التي كان يسيطر عليها المسلمون، ومع تعدد وتنوع الشعوب والقوميات والقبائل “وقد بلغت حدود هذه المملكة من الشمال: إلى أعالي تركستان في آسيا، وجبال البيرينيه في شمالي أسبانيا. ومن الجنوب: إلى بحر العرب، والاوقيانوس الهندي المحيط الهندي، وصحراء أفريقيا. ومن الشرق: إلى بلاد السند والبنجاب من بلاد الهند. ومن الغرب: الاوقيانوس الاتلانتيكي المحيط الأطلنطي. وتزيد مساحتها على ضعفي مساحة أوروبا”.
هذا الكيان الواحد كان تجلياً لوحدة الأمة، وتأكيداً على تماسكها، وكان يحقق للأمة هيبتها أمام الآخرين، ويلهم أبناءها أعمق معاني العزة والكرامة، و يمنحهم المعنويات الرفيعة.
كما يفسح المجال للتكامل الاقتصادي والعلمي والبشري، بين شعوب الأمة ومناطقها، حيث كان الوطن الإسلامي الكبير الواسع الأرجاء، ساحة مفتوحة أمام أبناء الأمة، يمارس كل واحد منهم ما يشاء من النشاط الاقتصادي والعلمي، دون أي عوائق أو حدود.
كان هذا في الماضي، وإلى ما قبل ثلثي قرن من الزمان، حيث ألغيت الخلافة في 27رجب 1342هـ، الموافق 3مارس 1924م على يد كمال أتاتورك في تركيا.
أما الآن فقد تمزق ذلك الكيان الواحد، وتحوّل إلى ما يقارب الخمسين كياناً، هو مجموع الدول الإسلامية في العالم اليوم !!، ولكل دولة حكومتها وقانونها وعلمها وعملتها وحدودها وسياستها الخاصة!!
ومما يضاعف المشكلة ويزيد من آثارها السلبية، عدم وجود إطار جاد، أو خطة صادقة للتعاون والتكامل بين هذه الدول الإسلامية، أُسوة بما وصلت إليه مجاميع أخرى من الدول، كدول أوروبا والتي تتجه نحو التوحد بخطى وطيدة.
بل الأسوأ من ذلك اندلاع الصراعات، والحروب والمعارك، فيما بين هذه الدول الإسلامية، وآخر أمثلة هذه الصراعات الأليمة: الحرب العراقية الإيرانية، والغزو العراقي للكويت