الشيعة وفلسطين
عبد الستار الجابري
الحلقة السادسة عشر– الموقف الشيعي الرسمي من طوفان الاقصى2
الصراع الصفوي – العثماني
ظهرت الدولة العثمانية في بلاد الاناضول وامتدت الى شرق اوربا وبعد عجزها عن احتلال النمسا توجهت الى حوض البحر المتوسط فاحتلت الشام ومصر وشمال افريقيا، وفي تلك الفترة من عمر الدولة العثمانية ظهرت الدولة الصفوية في شرق العالم الاسلامي في المنطقة التي لم تكن الدولة العثمانية تفكر بالتوجه اليها فمنطقة القوقاز كانت منطقة فاصلة بين الروس والعثمانيين لم يفكر العثمانيون يوماً بضمها الى سلطانهم حتى قام الروس باحتلالها قبل الحرب العالمية الاولى، فظهر الصفويون في منطقة بعيدة عن تفكير الغزو العثماني التوسعي فبدأوا زحفهم من اردبيل حتى وصولوا اصفهان التي كانت تعتبر عاصمة المنطقة مضافاً الى شيراز عاصمة الامبراطوريات الفارسية، وزحفوا شرقاً حتى قاربوا حدود الصين وضموا الى ملكهم اوزبكستان وطاجكستان وافغانستان وشمال الهند الذي يشمل اليوم باكستان وبنكلادش وزحفوا شمالاً فضموا اذربيجان ونخجوان وايروان وغيرها من البلدان، ولم يكن العراق من الناحية الاقتصادية والسياسية يحظى بأهمية كبيرة في تفكير الحكام الصفويين الا ان وجود مراقد ائمة اهل البيت (عليهم السلام) فيه كان يدعوهم لضم العراق الى مناطق نفوذهم اعتزازاً بمراقد الائمة (عليهم السلام)، فتحركت قواتهم لضم العراق اليهم فثارت ثائرة العثمانيين الذين لم يفكروا اصلاً بالعراق ولم يولوه أي اهمية في تفكيرهم حتى بعد احتلالهم له، فجردوا الحملات تلو الحملات لاخراج الصفويين من العراق ثم للتآمر ضد الصفويين مع حواضنهم في الداخل الايراني خاصة مع الفقهاء منهم في اصفهان والاستعانة بالكازاخستانيين الذين انضموا اليهم لأسباب طائفية، وكادت الدولة الصفوية ان تسقط بسبب الهجوم العثماني الا ان بسالة المقاتلين افشلت المخطط الذي قادته الدولة العثمانية وحشدت له الطابور الخامس من الحاضنة الطائفية والدول الطائفية المجاورة مضافاً الى احد الخونة من البلاط الصفوي، الا ان بسالة الشاه اسماعيل الصفوي في المعركة انهت الحرب الدموية لصالح الصفويين، ولتتمكن بذلك الدولة الصفوية من اقامة مجدها على ارض امبراطورية واسعة، خدمت فيه العلم والعلماء والفكر والمفكرين على مدى ما قرون من الزمن واوجدت تغيراً جذرياً في واقع الحياة السياسية والثقافية حيث اصبح للشيعة دولة تحكم على ضوء الفقه الامامي ولها حضورها الكبير في السياسية الدولية والاقليمية في ذلك الوقت، وهذا الحدث لم يكن الاول في التاريخ السياسي الشيعي، اذ مثل ظهور الدولة الادريسية الحدث الاول ثم تبعه ظهور الامارات الشيعية ذات الحكم الذاتي في ايام العباسيين كامارة بني اسد في الحلة التي امتدت من جنوب الموصل وحتى هجر – الاحساء والقطيف اليوم – وامارة بني حمدان التي حكمت الموصل وبلاد الشام وامارة عمران بن شاهين في البطائح وامارة ال عليان الطائية وامارتي طي وربيعة في جزائر البصرة منذ القرن الثالث الهجري، مضافاً الى الدولة الفاطمية التي حكمت على اساس المذهب الاسماعيلي، فظهور الدولة الصفوية بثوبها الشيعي الامامي لم يمكن صدفة او حدث لم يسبق له التحقق في الواقع السياسي في مجتمع المسلمين، سعى الصفويون كثيراً لرأب الصدع والتقارب سياسياً مع العثمانيين الا ان العثمانيين كانوا يرون ان الحكم والسلطة يجب ان يكون لهم بمفردهم تحركهم في ذلك النوازع الطائفية والرغبة في الحكم المطلق الامر الذي كان يثير النزاعات بين الصفويين والعثمانيين والتي ادت الى اضعاف كلا الدولتين، ولم يأل العثمانيون جهداً في سبيل القضاء على الدولة الصفوية وشاركوا في التآمر عليها بشكل دائم حتى سقطت دولتهم على يد البدو الافغان، حيث زحف الافغان شرقاً والعثمانيون غرباً لتقاسم اراضي الدولة الصفوية وبعد القضاء على الصفويين اصطفت عساكر العثمانيين لحرب عساكر الافغان الذي لم يكونوا يرغبون بدخول حرب مع العثمانيين لانها ستكون مكلفة لهم، فانتهت الحرب بهدنة بينهم بعد تقاسم اراضي الدولة الصفوية، ولم يدم الامر طويلاً اذ ظهر القائد العسكري نادر شاه الذي قام بطرد الافغان والعثمانيين من الارض الايرانية واعاد الجيوش العثمانية والافغانية الى الاراضي التي انطلقوا منها، ثم توالت الحكومات ذات البعد المحلي على الارض الايرانية كالزندية وغيرهم حتى ظهرت الدولة القاجارية ليؤسس في عهدها ايران الحديثة بحدودها الحالية، ثم تم القضاء على القاجاريين على يد الضابط في الجيش القاجاري رضا بهلوي الذي كان ولده محمد آخر ملك لايران حيث انهار الحكم الملكي عام 1979 ليحل محله النظام الجمهوري على يد مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الفقيه الكبير والمرجع الديني العظيم السيد روح الله الموسوي الخميني نور الله مرقده. انتهت الحروب بين الايرانيين والعثمانيين بتوقيع معاهدة وترسيم الحدود بين الدولتين في العهد القاجاري، لتتزعم بعد ذلك الدولة العثمانية العالم السني حتى سقوط الامبراطورية على يد الحلفاء في الحرب العالمية الاولى ثم اعلن العسكر فيها قيام الجمهورية التركية، فيما تعاقبت على ايران العديد من الدول بعد انهيار الدولة الصفوية الا ان الآثار السياسية والثقافية والفكرية التي رافقت الدولة الصفوية بقيت الى يومنا هذا لتشكل واقعاً سياسياً وثقافياً وفكرياً ممتداً مع الزمن وتاركاً لبصمات مهمة في الواقع الاقليمي والدولي وفي لب الصراع بين القوى الدولية والاقليمية والتي كانت قضية فلسطين احدى مفرداتها منذ اعلان قيام الكيان الصهيوني فيها برعاية بريطانية فرنسية والاعتراف بها كدولة في عصبة الامم عام 1948.
إقرأ المزيد ,,
مشهد مصور عن حقائق من الميدان في غزة _ طوفان الاقصى
إقرأ المزيد ,,
الإمام الخامنئي: طوفان الأقصى تمكنت من تعطيل السياسات الأميركية في المنطقة
لنصرة غزة قاطق المنتجات الاسرائيلية
فلسطيني رقص على الدبكة خلال الاشتباكات يُذكر بـ “رقصة الحرية” للهنود الحمر
.