الرئيسية / الاسلام والحياة / لا بديل عن الدين – من محاضرة للشهيد مطهّري

لا بديل عن الدين – من محاضرة للشهيد مطهّري

هل يزول الدِّين؟‏

إن كان كلّ شي‏ء في هذا العالم في تحوّل دائم, حيث يبدأ الإنسان طفلاً حتّى يبلغ أشدّه ثمّ يهرم وينحدر نحو النهاية ثمّ يكون الزوال والفناء، وهكذا كلّ شي‏ء، أفلا يحقّ لنا أن نسأل عن الدِّين متى ينتهي ويزول؟

أو أنّ الدِّين من الثوابت في الحياة الّتي مهما تغيّرت الظروف والأحوال المحيطة بها وواجهت التحدّيات تبقى راسخة وثابتة؟

وما هي هذه الثوابت في الحياة والقوانين الطبيعيّة1 الّتي لا يعتريها الفناء وكيف نميّزها عن الأمور الفانية؟

________________________________________
1- لا تتناول هذه الدراسة أكثر من الظواهر الاجتماعيّة والطبيعيّة.

معيار الخلود

إنّ الظاهرة الاجتماعيّة موجودة بين الناس وهي تعايشهم ما داموا متعلّقين بها، وإذا رغبوا عنها زالت وانتهت، ومن هنا نعرف السبب في خلود بعض الظواهر وموت بعضها الآخر، فالخالد منها ما كان يلبّي الرغبات الإنسانيّة وحاجاته أو هو وسيلة لإشباع تلك الرغبات الفطريّة والغريزيّة2 ..

ومن هنا قسّموا رغبات الإنسان إلى قسمين:

1- الرغبات الطبيعيّة

كحبّ الاطلاع والمعرفة، حبّ الجمال والشهرة، حبّ الكمال والقوّة، حبّ النسل والأسرة، وأمور كثيرة من هذا القبيل يسعى الإنسان إلى تحقيقها والوصول إليها رغم التعب والعناء الّذي قد ينتابه جرّاء ذلك، وهذه الأمور موجودة في الطبيعة البشريّة وعند كلّ الناس، مجبولة مع طبيعة الإنسان، ولذلك نرى البشر يسعون إلى تحقيق

________________________________________
2- لا فرق بين الفطرة والغريزة إلّا أنّ الفطرة اصطلاح قرآني والغريزة اصطلاح عصري ورد في الكتب الغربيّة (المحرّر).

هذه الرغبات ولا يمكن التخلّي عنها ولا التخلّص منها، وتعتبر من الرغبات الأوّليّة الّتي يحتاج إليها في مسيرتهم الحياتيّة.

2- الرغبات غير الطبيعيّة (العادات)

وهي الحاجات الّتي اعتادوا على تحقيقها والاستفادة منها، كالإدمان على شرب الشاي والسجاير والخمر والمخدّرات وغيرها من الأمور الّتي لم تُخلق مع الإنسان في طبيعته، ولكنّه لأجل العادة أصبح يطالب بها بشدّة كما يطالب برغباته الطبيعيّة، وصارت هذه الأمور طبيعة ثانويّة للإنسان، لكن مع هذا كلّه يمكن التخلّص منها وتركها نهائيّاً وتربية نش‏ْء جديد لا يفكّر بكثير من هذه العادات، وهذا هو الفارق الأساس عن الرغبات الطبيعيّة, فإنّها لا يمكن التخلّص منها البتّة، وأوضح مثال على ذلك:

الاشتراكيّة وإبادة النظام العائليّ‏

فقد سعى الحكم الشيوعيّ لتطبيق فكرتين:

أ- الاشتراكيّة, لكنّه لم يستطع تحقيقها، لأنّ الدافع

لتشكيل الأسرة دافع فطريّ طبيعيّ، وكلّ إنسان يرغب من أعماق فطرته أن يكون عنده زوجة خاصّة به حتّى يكون الولد الّذي تنجبه منه خاصّاً به، لأنّ الولد امتداد لوجوده ولولاه سيشعر الإنسان بالزوال.

ب- إبادة النظام العائليّ الاختصاصيّ, وهذه الفكرة لم يستطع تحقيقها أيضاً، لأنّ كلّ إنسان بدافع الرغبة الفطريّة يحبّ أن يعرف من هو أبوه وأمّه، ويعتبر ذلك جزءاً من سعادته في الحياة، ويحبّ معرفة أولاده من هم وكيف يكون مستقبلهم لأنّهم امتداد لوجوده.

ومن هنا نلاحظ أنّ أيّ ظاهرة تكون على خلاف الفطرة الطبيعيّة مصيرها إلى الزوال، وقد عبّر عن ذلك الفلاسفة بقاعدة فلسفيّة وهي “القسر لا يكون دائماً ولا غالباً”، بمعنى أنّ التيّار غير الطبيعيّ والّذي يمشي عكس كلّ التيّارات الطبيعيّة لا يمكن له أن يستمرّ، بينما يبقى في التيّارات الطبيعيّة قابليّة للاستمرار والبقاء

.

تطبيق المعيار على الدِّين‏

وإذا أردنا أن نعرف أنّ الدِّين من الثوابت أو من المتغيّرات، علينا أن نطبّق عليه معيار الخلود، لنرى هل الدِّين بنفسه رغبة طبيعيِّة أو هو أفضل وسيلة لإشباع الرغبات والحاجات الطبيعيّة أو لا؟ وأمّا إضافة كلمة أفضل، فلأنّ طبيعة الإنسان ترغب بتحقيق حاجاتها بأفضل وسيلة، فلو وجدت وسيلة أفضل من الدِّين في تحقيق الحاجات الّتي يحقّقها الدِّين لاستغنت عنه والتجأ الإنسان إلى تلك الوسيلة، وأبرز مثال على ذلك هو استغناؤه عن استعمال المصباح الزيتيّ بمجرّد اختراع الكهرباء، حيث إنّ النور الّذي هو الغاية منهما يتحقّق من الكهرباء بشكل أفضل وأكمل.

وأمّا الدِّين فهو يمتلك كلا الأمرين، فهو بنفسه رغبة فطريّة، وهو أيضاً الوسيلة الوحيدة والمثلى لإشباع الرغبات الفطريّة، وهذا ما سنثبته عبر هذه الصفحات.

الدِّين رغبة فطريّة

لقد خلق الله سبحانه الإنسان مفطوراً على الدِّين، فالدِّين أمرٌ فطريّ كما يصرّح بذلك القرآن الكريم:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾3.

وعندما يتحدّث أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة عن الأنبياء عليهم السلام، يقول إنّهم بعثوا لأجل أن يذكّروا الناس بذلك الميثاق الّذي أخذوه على أنفسهم في بدء الخلقة، فهو ميثاق مجبول مع طينة الإنسان:

“فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسيّ نعمته”4.

فالإسلام أوّل من كشف اللثام عن هذه الفكرة وأنّ الدِّين أمر فطريّ، ثمّ ظهرت الكثير من النظريّات حولها في القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر الميلادي ، وجاء في العصر الحديث من ينادي بها ويدعو إليها.
________________________________________
3- سورة الروم، الآية: 30.
4- نهج البلاغة من خطبه عليه السلام في صفة خلق آدم عليه السلام، ص 23، تحقيق الشيخ محمّد عبدو.

النظريّات المطروحة حول نشأت الدِّين‏

1- الدِّين وليد الخوف:
هذه النظريّة قد التزم بها بعض في هذا العصر مدّعياً أنّها نظريّة حديثة، علماً أنّ الحكيم اليوناني (لوكريتوس) قال إنّ أوّل آباء الآلهة هو إله الخوف، وهذه النظريّة تقول إنّ الإنسان نتيجة الخوف الّذي يشعر به من رعد وبرق وزلازل وبراكين ومخاوف كثيرة تُحدق به من كلّ جانب في الطبيعة، كلّ ذلك جعله يلتزم بالدِّين كمنقذ من هذه المخاوف كلّها.

2- الدِّين وليد الجهل:
إنّ الطبيعة البشريّة عندما تنظر إلى الظواهر الطبيعيّة والكونيّة تحاول تفسيرها والوصول إلى الأسباب والعلل الحاكمة عليها، وبما أنّ الإنسان لا سيّما في العصور الماضية لم يصل إلى أسبابها وعللها آمن بالدِّين ونسب كلّ الأمور الّتي يجهل أسبابها إلى ما وراء الطبيعة..

وعلى سبيل المثال عندما لم يكن يعرف أسباب نزول

المطر وتكوّن الرياح والسحاب والرعد والبرق، نسب ذلك إلى ما وراء الطبيعة وقال: إنّ هناك إله للمطر فآمن به وقدّم له القرابين.

3- الدِّين وليد رغبة العدالة:
عندما لاحظ الإنسان ما يجري حوله من ظلم واضطهاد آمن بفكرة أنّ الدِّين تسكين للآلام النفسيّة الّتي يشعر بها، فإنّ الطبيعة البشريّة مفطورة على حبّ العدل والنظام وتتألمّ من الظلم والاضطهاد، والدِّين يعتبر مهدئاً ومسكّناً لكلّ ما يحصل للإنسان من ألم ناتج ممّا هو خلاف طبيعته.

وهناك مسألة واحدة تتّفق عليها هذه النظريّات الثلاث، وهي أنّ الدِّين حاجة مؤقّتة يمكن أن تزول مع تقدّم العلم وتطوّره وأمّا العالم فلا يكون متديّناً، ولذلك تدعو هذه النظريّات إلى تطوير العلم وتنميته فيكون العلم بديلاً عن الدِّين.

4- الدِّين وليد الطبقيّة (النظريّة الماركسيّة):

تعتقد الماركسيّة أنّ الدِّين فكرة جاءت بها الطبقة

الحاكمة شراكاً لتحتفظ بمكانتها وسلطتها بين الشعوب، ولولا الدِّين لثارت الطبقة المحرومة المحكومة مطالبة بحقوقها المشروعة..

فالدِّين أفيون الشعوب المحرومة, مخدّر لها عن القيام على الطبقة الحاكمة، وما دامت الطبقيّة موجودة فالدِّين موجود، ولكن إذا ما ساد المذهب الاشتراكيّ وزالت الطبقيّة زال الدِّين تلقائيّاً، تماماً كما كان في المرحلة الشيوعيّة البدائيّة، وعليه فالمساواة التامّة بين أفراد المجتمع شرط ضروريّ للقضاء على الدِّين.

والملاحظ أنّ هذه النظريّة لم تلتزم بقيام العلم مقام الدّين كسائر النظريّات بل رأت في العلم تطوّراً وتقدّماً لا يتنافى ووجود الدّين، بل لاحظوا، بأنّ كبار العلماء هم من العلماء الملتزمين دينيّاً كپاستور وغيره.

لذلك اعتمدت الماركسيّة على الطبقيّة, فأكّدت بأنّه ما دام للطبقات الاجتماعيّة وجود فإنّ الدّين لا يزول إلّا بزوالها.

الاعتراض على هذه النظريّة

إنّ دعوى أنّه في مرحلة الشيوعيّة البدائيّة لم يكن هناك وجود للدِّين، وأنَّ الدِّين قد أوجدته الطبقة الحاكمة “كشِراك” غير صحيحة، لأنّ التاريخ أكبر شاهد على أنّ الدِّين ولد بين الطبقات المحرومة والمستضعفة.

فالنبيّان موسى وهارون عليهما السلام كانا من الطبقة المحرومة المضطهدة، قاما على فرعون وأعوانه من الطبقة الحاكمة ودعوهما للدِّين بينما كانت الطبقة الحاكمة مناهضة للدِّين والتديّن.

وكذلك نبيّ الإسلام محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم بُعث لنشر الدِّين، وأعلن ثورته هو والّذين آمنوا معه من الطبقة المستضعفة على الطبقة الحاكمة المستبدّة الثريّة أمثال أبي سفيان وأبي جهل والوليد بن المغيرة.

5- الدِّين وليد كبت الغريزة الجنسيّة (نظريّة فرويد):

لقد فسّر فرويد الدِّين كما فسّر بقيّة الظواهر

الاجتماعيّة5 وفقاً للغريزة الجنسيّة، فالحرمان الجنسيّ والكبت للغريزة الجنسيّة الناتج عن القيود الاجتماعيّة يولّد بنظر فرويد أمراضاً عصبيّة ومظاهر مختلفة، والدِّين واحد من تلك المظاهر، والحريّة الجنسيّة هي الّتي تزيل الأمراض وبزوال الحرمان الجنسيّ يزول الدِّين تلقائيّاً.

لكنّ تلاميذ فرويد أنكروا عليه هذا الرأي، ولم يتقبّلوا منه ذلك ثمّ هو نفسه تراجع عن هذا الرأي.

ماذا يقول المفكّرون حول فطريّة الدِّين؟

1- عالم النفس الشهير يونغ:
يقول يونغ تعليقاً على كلام أستاذه فرويد: لقد أصاب فرويد عندما اكتشف اللاشعور (الباطن)، لكنّه أخطأ عندما اعتبر أنّ جميع ما في اللاشعور هو ممّا يطرده الشعور الإنساني (الظاهر)، وأنّه من الميول الجنسيّة الناتجة عن الكبت الحاصل في الشعور، والصحيح أنّ للإنسان وجوداً لاشعوريّاً فطريّاً، ونفساً باطنيّة طبيعيّة
________________________________________
5- يعتقد فرويد أنّ الجذور الأولى لنشوء العلم والأخلاق وغير ذلك من الظواهر الاجتماعيّة هي جذور جنسيّة، ويرى أنّه لا يزول الدِّين إلّا عندما ترتفع القيود المؤدّية للكبت الجنسيّ.

كما قال، ولكنّ محتويات هذا الباطن غير منحصرة بما ينعكس عليه من الشعور الظاهر، بل له محتويات خاصّة به غير منعكسة من الشعور الظاهريّ، والدِّين واحد من تلك المحتويات الفطريّة.

2- الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس:
وإن صحّ القول بأنّ المنشأ للكثير من الرغبات والميول الباطنيّة هي الأمور الطبيعيّة والعالم الماديّ، لكن في نفس الوقت هناك ميول ورغبات باطنيّة كثيرة منشؤها العالم المعنويّ، فالحبّ والوفاء والإيثار والإخلاص وأمور نفسيّة دينيّة كثيرة لا نراها تتوافق مع الحسابات الماديّة، إذا هناك غرائز ماديّة تربطنا بعالم مادّي وهناك غرائز معنويّة تربطنا بعالم آخر.

3- ألكسيس كارليل:
يقول في كتابه (الدعاء): الدعاء أسمى حالة دينيّة مقدّسة، حيث تحلّق روح الإنسان لله.. ويوجد في الوجدان الإنسانيّ شعلة تعرّف الإنسان على خطاياه وانحرافاته

أحياناً، وهي الّتي تصدّه عن الوقوع فيها.. وفي بعض حالات الإنسان الروحيّة يشعر بعظمة المغفرة وجلالها.

4- أنشتاين:
إنّ العوامل الّتي جعلت الإنسان يلتزم بالدِّين وأنواع الآلهة هي:

أ- عقيدة عند الإنسان البدائيّ بإله الخوف وهي أنّ خوفه من الموت والجوع والحيوانات الكاسرة والمرض جعلته يؤمن بالدِّين، ثمّ تقوم ذهنيّة هذا الإنسان المحدودة بخلق بعض الأشكال, يصنعها بيده ويسعى للتخلّص من غضبها ولكسب رضاها، وهذا ليس ديناً حقيقيّاً ولا إلهاً حقيقيّاً وإنّما هو دين الخوف، وإله صنم ووثن.

ب- إله المسيحيّة واليهوديّة وهي عقيدة عند الإنسان بوجود الهادي والمخلّص والموجّه، حيث إنّ الإنسان بطبيعته يحبّ الاجتماع بينما يجد الموت يأخذ منه الأعزّاء, الأهل والأولاد والأقارب والزعماء، فيشعر بالوحدة واليأس، وتصبو نفسه لذلك الإله المخلّص

والهادي ليعتمد ويتّكل عليه وهذا عامل مساعد على نشأة الدِّين أيض, وهذا الإله بنظر أنشتاين ليس حقيقيّاً وإن كان أكثر تقدّماً من دين الخوف وذلك لأنّ الصفات المفروضة له بشريّة لا تتعدّى أفق الإنسان.

ج- الإله الحقيقيّ وهو ما يعتقد به قلّة قليلة حيث توصّلت للاعتقاد بإله فوق كلّ هذه الأوهام والخيالات، يحمل الخصائص المتعالية والصفات الّتي تجعله أهلاً للعبادة والقداسة, فيقول أنشتاين: “وهناك دين وعقيدة ثالثة متواجدة في الأذهان كلّها دون استثناء، وإن كنت لا تجد تصوراً واحداً لها، ولا صورة خاصّة بها عند الجميع، وأنا أطلق على هذه العقيدة (الإحساس الدينيّ للوجود) ويصعب عليّ توضيح هذا الإحساس لمن يفتقده… إنّ هذه العقيدة تعرّف الإنسان على ضآلة الآمال والأهداف البشريّة، وعظمة ما وراء الموجودات الطبيعيّة، يشعر أنّ وجوده سجن ويطمح للتخلّص من سجن البدن ويحلّق عالياً، ليعثر على

الوجود كلّه مرّة واحدة وبحقيقته الواحدة”.

وممّا يستفاد من كلامه أنّ الناس جميعاً يمتلكون هذا الإحساس الدينيّ لا سيّما أولئك الأشخاص الّذين بلغوا مرحلةً من الرشد والتطوّر، فهم يريدون التخلّص من وجودهم المحدود والوصول إلى قلب الوجود، وهذا الإحساس رغبة وغريزة في الإنسان لا تهدأ أبداً إلّا إذا اتصلت بمنبع الوجود وهو الله، وهذه الحقيقة هي ما يعبّر عنها القرآن الكريم:

﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾6 .

النتيجة: الدِّين رغبة فطريّة

ونستفيد من مجموع ما تقدّم أنّ المنكرين لفطريّة الدِّين ليس لهم رأي موحّد حول نشأة الدِّين، بينما في المقابل نقلنا آراء بعض المفكّرين ومن جملتهم أنشتاين ـ ولعلّه أعظم علماء العصر الحديث ـ واعترافهم بفطريّة
________________________________________
6- سورة الرعد، الآية: 28.

الدِّين، فكيف يُقال بعد هذا بأنَّ الدّين وليد الجهل، أو الخوف أو الطبقيّة أو الغريزة الجنسيّة أو أيّ شي‏ء آخر؟!

الخلاصة

عندما نتأمّل في الحياة نجد الأمور كلّها إلى زوال، فهل من شي‏ء خالد في الحياة، وما هو معيار الخلود؟ ولكي نعرف المعيار نقسّم رغبات الإنسان إلى فطريّة لا يمكن الاستغناء عنها، وإلى غير فطريّة يمكن التخلّص منها والاستغناء عنها، وأيّ تيّار يسير عكس الرغبات الفطريّة الإنسانيّة لا يمكن له أن يدوم، تماماً كما حصل مع الشيوعيّة عندما أرادت أن تطبّق فكرة الاشتراكيّة وإلغاء النظام العائليّ، ومن هنا يطرح السؤال التالي:

هل الدِّين من الظواهر الخالدة أم لا؟

وهل ينطبق عليه معيار الخلود وأنّه أمر فطريّ؟
هناك عدّة نظريّات حول الدِّين، منها أنّه وليد الجهل، ومنها أنّه وليد الخوف، ومنها أنّه ناشئ من الرغبة في تحقيق العدالة، أو نتيجة كبْت في الغرائز الجنسيّة، ومنها

أنّه من جرّاء الطبقيّة الموجودة في المجتمع، لكن لو لاحظنا ما قاله أكبر الفلاسفة لوجدناهم ينادون جميعاً بفطريّة الدِّين، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم.

فالدِّين أمر فطريّ وهو خالدٌ لا زوال له

شاهد أيضاً

مع اية الله العظمى الامام الخامنئي والاحكام الشرعية حسب نظره

الهبة / الهدية / الجوائز المصرفية / المهر / الإرث س854: شخص أودع مبلغاً في ...