الرئيسية / القرآن الكريم / مواعظ قرآنية – الإنفاق في سبيل الله

مواعظ قرآنية – الإنفاق في سبيل الله

يقول الله تعالى في محكم كتابه:

 ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ 1.

1- سورة الحجرات، الآية: 15.

الشخصيَّة الإيمانيَّة

 

إنّ الشخصية الإيمانية الّتي تستحقّ أن يُطلق عليها عنوان المؤمن الصادق لها مقوّمات لا تكتمل إلا بها مجتمعة مكتملة، ومع نقصان بعضها ينتقص بمقداره من صدق تلك الشخصية ومن صدق الإيمان.

 

وهذه المقوّمات أربعة:”الحكمة، والشجاعة، والعفّة، والعدالة”.

 

وقد أشارت الآية الكريمة إليها:

 

فالإيمان بالله ورسوله وعدم الارتياب تعبير عن اليقين، واليقين إنّما هو من قوّة العقل ومنتهى الحكمة.

 

والجهاد بالمال هو السخاء وهو مصداق أبرز من مصاديق ضبط قوّة الشهوة وإخضاعها إلى حكم العقل والشرع وهو العفّة.

 

والجهاد بالنفس هو الشجاعة وهو ضبط قوّة الغضب تحت سلطان العقل والشرع.

 

وبنفس الجهاد بالمال والنفس فعلاً في الخارج تكون قد تحقّقت قوّة العدالة الّتي هي القوّة الرابعة والمقوّم الرابع، فإذا كانت الحكمة هي إشارة العقل الّتي قد ينصاع إليها الإنسان وقد يُخالفها، فإنّ العدالة هي تلك القوّة الّتي تدفع الإنسان نحو الجري العمليّ والتطبيق الفعليّ الخارجيّ لما أشارت إليه الحكمة نظرياً.

 

 –الإنفاق في سبيل الله من مقوّمات الشخصيّة الإيمانيّة

 

فظهر أنّ من مقوّمات الشخصية المؤمنة الصادقة الجهاد بالمال أي الإنفاق في سبيل الله والسخاء، فإذاً، لا بُدّ أن نعلم أنّه لا يكون المؤمن الحقيقيّ بخيلاً، حتّى وإن اكتملت فيه خصال محدّدة.

 

والآية الكريمة فيها كلمة “إنّما” الّتي تفيد الحصر، وتعني حصر الإيمان الصادق بمن يمتلك في شخصيته تلك الخصال المذكورة.

 

قال العلامة الطباطبائيّ في الميزان: “.. فيه قصر المؤمنين في الّذين آمنوا بالله ورسوله..الخ، فتفيد تعريفهم بما ذكر من الأوصاف تعريفاً جامعاً مانعاً فمن اتّصف بها مؤمن حقّاً، كما أنّ من فقد شيئاً منها ليس بمؤمن حقّاً”2.

 

وكذلك شهادة الآية في آخرها بأنّهم هم الصادقون، تعني أنّه يوجد في المؤمنين من هو صادق الإيمان ومن هو ليس بصادق، فمن افتقد صفة من الصفات الأربعة، ومنها الجهاد بالمال فإنّه يكون مندرجاً في الصنف الآخر من المؤمنين غير الصادقين في إيمانهم.

 

فعلى أيّ حال يجب أن يتنبّه المؤمن لهذا الأمر جيّداً ويُدخل في حساباته الإيمانية مسألة الإنفاق والبذل في سبيل الله تعالى، تماماً كما يأخذ في حسبانه إذا أراد أن يترقّى ويتقرّب من خالقه صلاة الليل، أو الحجّ، أو العمرة، أو زيارة الأئمّة عليهم السلام…

 

فكذلك إذا لم يكن معوّداً نفسه على الإنفاق والبذل فليفعل وليبدأ بتدريب نفسه على هذا الركن المهمّ من أركان الإيمان.

 

يقول العلامة الطباطبائيّ: “إذا قام السالك بتطهير يده ولسانه وسائر أعضائه وجوارحه، وأدّبها بتمام معنى الكلمة بالأدب الإلهيّ، ولكنّه لم يجاهد نفسه في مقام الإنفاق وبذل الأموال، فلن يكتمل سلوكه الإيمانيّ بل يسير إلى النقص، ويكون ذلك النقص مانعاً من الارتقاء إلى المقام الأعلى…”3.

 

فنحن نعرف أنّ الإيمان درجات، وهناك إيمان مكتمل وإيمان ناقص، فالذي لا يكون سخيّاً بماله يكون في درجة متدنيّة غير مكتملة من الإيمان. وقد ورد

 

 

2- تفسيرالميزان، العلامة الطباطبائي، ج 18، ص 329.

3- رسالة لبّ اللباب، السيّد الطهراني، ص 90.

 

عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “أكمل المؤمنين إيماناً أحسنكم خلقاً”4. فهذا الكلام النورانيّ من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يوضّح أنّ الإيمان منه مكتمل ومنه منتقص، وهو على درجات، وكلّما كان خلق المؤمن أحسن كان إيمانه أكمل.

 

وعن عبد العزيز القراطيسيّ قال: “قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا عبد العزيز إنّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلّم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولنّ صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست على شيء حتّى ينتهي إلى العاشرة، فلا تُسقط من هو دونك فيُسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولا تحملنّ عليه ما لا يطيق فتكسره، فإنّ من كسر مؤمناً فعليه جبره”5.

 

فإذاً، الّذي لا يكون باذلاً لماله في سبيل الله لا يكون في درجة مرتفعة من درجات الإيمان عند خالقه عزّ وجلّ.

شاهد أيضاً

الأزهر يرحّب برسالة الحوزة العلمية في إيران: معاً ضد الإساءة إلى المصحف

الأزهر يرحّب برسالة الحوزة العلمية في إيران: معاً ضد الإساءة إلى المصحف شيخ الأزهر أعلن ...