العنف قدوة
إذا كانت هذه الأزمات التي يعيشها الشباب في مجتمعاتنا العربية، دفعت ببعضهم إلى اليأس أو الإحباط، والرغبة في الهجرة وترك البلاد، (الغرب ونمط الحياة الغربية قدوة جديدة مفترضة) فإنها دفعت بالبعض الآخر إلى محاولة تغيير الواقع باليد، وليس فقط بأضعف الإيمان (القلب) أو بالكلمة.كما فعل أولئك الذين التحقوا بما عرف بظاهرة التطرف والعنف التي شهدتها البلدان العربية والإسلامية منذ مطلع الثمانينيات إلى اليوم, وهؤلاء ذهبوا تارة بدافع من عقيدتهم الدينية إلى قتال “الاحتلال الكافرًً”
في افغانستان ، وطوراً إلى مواجهة “الأنظمة الكافرةًً في بلدانهم والتي “لا تحكم بما أنزل اللهًً وفقاًً لرؤيتهم لها. وقد أتاحت التكنولوجيا الحديثة التي وفرته العولمة التواصل اليسير وحتى غير المكلف مع كل ما يجري في العالم، (عبر الأنترنت) والتعرف إلى أنماط ثقافية جديدة غيرت في بعض مفاهيم الشباب حول التقاليد وسلطة الأهل والعلاقات بين الجنسين والرغبة في الهجرة إلى “مكان افضلًً.
لكن هذه الوسائل أتاحت في الوقت نفسه التعرف الى المشاكل التي يعيشها الشباب امثالهم في البلدان العربية والإسلامية الأخرى. وأن يشاهدوا بأم أعينهم المآسي الإجتماعية والظلم وعمليات القتل التي يتعرض لها الفلسطينيون، والعراقيون واللبنانيون… ما أثار النقمة والغضب في نفوس هؤلاء الشباب، ليس فقط على من يتسبب بهذا القتل وتلك المآسي (الولايات المتحدة وإسرائيل…) بل وعلى الحكومات التي لا تفعل شيئاً لمنع ذلك… وساعدت وسائل الاتصال الحديثة الجيل الشاب على تجاوز القيود المعرفية والإعلامية التي تفرضها عليه معظم الحكومات التي يعيش في ظلها. وبات يشعر بأنه يمتلك قوة المعرفة التي تحولت لدى قسم من هؤلاء الشباب إلى “معرفة القوةًً بعد أن ارتبطت معرفتهم بالبعد الديني – الأيديولوجي الثابت الذي لا يتبدل… والتي أفضت إلى الالتحاق بنموذج تطبيقي عملي يجسد تلك القوة وتلك المعرفة الدينية المرجعية على أرض الواقع من خلال تنظيمات دينية قامت بممارسة العنف في أكثر من
اتجاه وعلى أكثر من ارض عربية واسلامية وغربية..هكذا صار العنف في موقع القدوة التي تجاوزت ما عداها من وسائل ومن اساليب ومن افكار في التعامل مع الواقع…
ولعل أي مراجعة لأدبيات المنظمات الإسلامية التي شغلت الناس، وبرامج الفضائيات، وأقلقت الحكومات، مثل “تنظيم الجهادًً، و “القاعدةًً، و “فتح الإسلامًً، وسواها… تكشف لنا هذا البعد العنفيًًالتكفيريًً لهذه المنظمات لبناء “إمارة إسلامية نقيةًً… وما يفترض أن يثير انتباه الباحثين، وليس فقط الأجهزة الأمنية، أو العسكرية، إن ظاهرة العنف/القدوة، التي ارتبطت “بالسلفية – الجهاديةًً، لم تجذب إليها، الفقراء واليائسين من الشباب فقط. (وفقاً للفرضية التي تربط الإرهاب والتطرف بالفقر والحرمان). بل جذبت أيضاً من ينتمي من الشباب إلى الطبقات الوسطى، وحتى إلى الطبقات الميسورة خاصة في بعض بلدان الخليج مثل المملكة السعودية وغيرها…وهذا نموذج “للقدوة/ الفكرةًً التي اشرنا اليها .هكذا بات “الشيخ أسامةًً (أسامة بن لادن) الشخص ، قدوة وحافزاًً لكثير من الشباب في العالمين العربي والاسلامي.لأنه تحول الى رمز “متخفًً في مواجهة الغرب والقوات الاميركية…مثلما تحولت المقاومة الاسلامية في لبنان الى فكرة وقدوة وتحول رمزها وقائدها السيد حسن نصر الله قدوة جذابة ومحط اعجاب وتقدير ليس للشباب فقط بل لاجيال مختلفة وجدت فيه نموذجاًً للقائد الذي يحقق الانتصارات بعدما ارتبط تاريخ القادة
العرب المعاصرين بالهزائم … ان القائد الشخص هنا لا يقل أهيمة على الاطلاق عن الفكرة القدوة. لا بل هو الذي يعطي لتلك الفكرة/القدوة صدقيتها وقوتها اذا تمكن من التعبير الفعلي قولاًً وعملاًً عن تلك الفكرة التي يحملها ويدافع عنها ويدعو اليها…